التنوع الشعري في الأسلوب والصياغة والاختيار المفردات اللغوية الملائمة في الحياة اليومية , هي من صميم الإبداع المتجدد , ومن مهارات الشاعر المبدع في حقول التجريب والابتكار في النص الشعري , بدون شك ليس العملية سهلة الانقياد , بل تعتمد على الخبرة والكفاءة والموهبة بالخيال الفني الخصب , وسعة الثقافة ومعارفها , ومدى مداركه في استلهام مفردات الواقع والحياة اليومية لتكون لغة في النص الشعري , ولكي يخرج الشاعر من عباءة النمطية الواحدة في التقاليد في المألوف في النص الشعري الشائع , ان يحاول ان يكسرها بالتجريب والتحديث المتنوع , في اعادة صياغة الشكل الفني في النص , توظيف اللغة اليومية , التي تترجم حواسه الداخلية , ومداركه , ولكي يدعم الرؤية الفكرية والسياسية , التي يدعمها ويؤمن بها في ذهنية ووعيه , ومن اجل التواصل المبدع في النص حديث الابتكار , في الخلق والتكوين والتركيب , أن يكون النص الشعري محملاً بالمعنى والايحاء والمغزى الدال . نجد في هذا الديوان الشعري ( للريح …. تركنا قمصاننا ) ينحى في هذا الاتجاه ببراعة التحديث والابتكار . بأن يصل الى هدفه التعبيري مباشرة , دون غموض وإبهام , ليعطي الابعاد الحقيقية للصراع الإنساني والوطني الدائر , اعتقد نجد في النص الشعري لقصائد النثرية لهذا الديوان الشعري , هو مرحلة متقدمة ونوعية من تجربة الشاعر ( محمد الماغوط ) في القصيدة النثرية , ان يمتلك النص صياغة حديثة ولغة تنطق بالحياة اليومية , رغم بساطتها لكنها تمتلك البعد التعبيري والفكري في عميق الدالة والاشارة , التي تترجم احلام وتطلعات المحرومين والمسحوقين والكادحين المنتمين الى الوطن , في صراعهم وكفاحهم باصرار عنيد حتى لا يكونوا قطب ضعيف يتلقى الصفعات والهزائم والاحباط فقط , وهم يسير في طريق مذبح الحرية , واجد في النص الشعري يمتلك مميزتين ظاهرتين بشكل جلي , ويخفق بهما عالياً في النص , فالى جانب الصياغة الحديثة في الشكل الفني , هناك ميزة مهمة وهي في بنية عماد بناء القصيدة , وهي تكوين وتركيب وتعوين الصورة الشعرية , بأسلوب يختلف عن النمطية السائدة في الشعر , لان من المألوف في الشعر , بأن الشاعر يحاول يلملم او يجمع الاجزاء الصورة الشعرية , في رسم معالمها وتفاصيلها الدقيقة , حتى يصل في النهاية الى الصورة الكلية أو الصورة الكاملة في النص الشعري , قصائد هذا الديوان تتجه العكس تماما , يعطي الصورة الكاملة دفعة واحدة , ويرسم عليها التفاصيل ومعالم اجزائها بعد ذلك , في توظيف مفردات لغوية معينة , تمثل معنى الصورة الكلية , ويعطي قيمة في الرؤية الفكرية في التشكيل الفني , فى حجم الصورة الشعرية , مثل : صورة السجن . أو صورة الحلم . او صورة الوطن , أو صورة عشاق الوطن . أو صورة الأغنية وصوتها . صورة الترنيمة و شغافها . صورة المطر ………. الخ . ويكون التصوير الشعري, يملك عنوان وهوية ودلالة وإدراك . …
× نستشف بعض هذه الصور المختارة من قصائد الديوان الشعري .
× صورة عشاق الوطن : وهم يقاسون من المحن والأهوال , من عذابات الزنازين والحرمان, من لوحات رعب وتهديد حتى الموت , كأن عشق وحب الوطن , أصبح جريمة لا تغتفر , يعاقب عليها القانون بصرامة قاسية لا ترحم . لكن مع هذا التعسف الظالم , يبقى الاصرار بحمل حب الوطن في قلوبهم . رغم انهم لا يملكون شبراً.
المنتمون بعشق الوطن ,
المغروسون بطينه ,
المتجذرون في أرضه حد الانصهار ,
الذين لا يمتلكون شبراً
وحدهم
وحدهم
لن يفرطوا به ابداً
——————–
وحدهم
وحدهم
المنتمون / العاشقون / الماسكون على الجمر / الباذلون /
الذين لم يمتلكوا فيه شبراً
هم الذين يحملونه في القلب ايقونة
مساءاتهم ترقب وأحلام
صباحاتهم أمال لن تنتهي / من قصيدة : وحدهم المنتمون اليه حقاً
× صورة العتاب : العتاب والشكوى تدور في أعماق هواجس احباب الوطن من قسمة ضيزى , لهم الفتات والحصرم والعجاج , والناكثون والفاسدون, والذين يقطعون أوصال الوطن , لهم النعيم والجنة .
لماذا ….. يا وطن
عناقيد عنبك الداليات,
يقطفها ….
الناكثون / المارقون / الفاسدون …..
وليس لأبنائك الصالحين ,
سوى ….. الفتات والحصرم ؟؟ / من قصيدة : عتب
× صورة الغناء : الغناء هو تأكيد ورغبة وطموح في استمرارية البقاء في الحياة . لذلك يصدح الغناء من كل الكائنات الحية , لتؤكد وجودها القائم , فنسمع غناء الاطفال في الشوارع . غناء الفلاحين في الريف والاهوار . غناء التلاميذ في المدارس . غناء الكادحين في المعامل , حتى للحزن والضحك والفرح والثكالى وهديل الطيور والحمام لهم اغاني خاصة , وفي الحلم أغنية . للوطن له اغنية وحكاية .
يحلم … ويغني
يكدح …. ويغني
يضحك …. ويغني
يبكي …. ويغني
في كل هذا الغناء
كان الوطن ….. الحكاية !! / من قصيدة : للروح غناؤها الخاص جداً
× معالم صورة الوصية : الوصية هي أمانة في الضمير والقلب , أن يحافظوا عليها كما يحافظون على حدقات عيونهم , انها عهد وناموس .
ذات مساء
وهي تجلس قرب موقدها
و كالعصافير ,,
كنا نتحلق حولها
قالت :
يا أولادي ,,,
أياكم والغفلة ,,
هناك أفاعٍ رقطاء
تغدر بالطيبين دائماً
فكونوا حذرين !! / من قصيدة : الوصية
× صورة الحلم : الحلم منبع الاحساس وهواجسه خلجاته , تمور في الروح والعقل الداخلي , وتكشف الرغبة , تداعب هموم الحالمين في تداعيات الأرق .
حلمت ,,
أن أكون فراشة
غادرت الزهور حديقتي
وحين داعبتني الاحلام
سافرت المسافات في جيبي
وعاشرني الأرق !! / من قصيدة : الحلم
× صورة الكرسي : التعطش على اعتلى الكرسى بهوس ونهم مجنون , يفقد الإنسان قيمته وانسانيته ويتحول الى سفاك للدماء , من اجل الحفاظ على الكرسي , ولكن لا يعلم هؤلاء بهذا الهوس , بأنه سيصبحون عميان فاقدين البصر والبصيرة . بأن نهاية الكرسي حطباً .
كم أنت أعمى بصيرة ,
واصم ,
ومتعطش للدماء ,
أيها الكرسي الأجوف
الذي تنتهي حطباً ؟!
×× الكتاب : ديوان شعر ( للريح … تركنا قمصاننا )
×× اسم المؤلف : عبدالسادة البصري
×× لوحة الغلاف : شفاء هادي
×× الطبعة الأولى : عام 2021