لقد تكررت حوادث حرق أو محاولات حرق الكتب المقدسة من عدة أشخاص هنا وهناك
بشكل علني ومتعمد ولغايات معروفة، وللأسف هناك انتهاكات مستمرة لمقدسات ومعتقدات
المجتمعات باستمرار من أشخاص وجهات معينة، وأكثر الأداءات والانتهاكات تأتي من
رجال دين ومدعي التدين ومن الذين يستخدمون الدين كتجارة لاستغلال الناس البسطاء
ولإخضاعهم لما يقررون، وكل تلك الممارسات مدانة ويتحمل من يقوم بذلك تبعياتها
القانونية والأخلاقية.
ما حصل في السويد قبل فترة وتكرر في يوم خاص جدا وهو أول أيام عيد الأضحى الذي
يخص مليار مسلم وأمام جامع، والذي جرى بحماية الشرطة السويدية التي منحت الموافقة
لشخص أن يعبر عن رأيه كما يدعون، هنا لا نتوقف كثيرا عن دوافع هذه الشخص
فالكثيرون يعملون أعمال أقبح من ذلك كل يوم، ما يهمنا أنه في السويد وحصل على
رخصة وفي مناسبة خاصة جدا، مما يعني الكثير، وحجة السلطات السويدية هي أنهم
وضمن القانون السويدي الخاص بحرية التعبير لا يستطيعون رفض طلبه، وفي هذا الرد
في الحقيقة مغالطة كبيرة. فالقوانين الدولية وحتى السويدية لا تسمح بذلك بشكل مطلق،
وعلينا التفريق بشكل واضح بين موضوعة حرية التعبير وخطاب الكراهية وازدراء الأديان
واستفزاز مشاعر الآخرين، من حق الجميع الاجتهاد والنقد والمحاججة والجدال وحتى
النقض أو التشكيك بشكل علمي وضمن حدود الاحترام والسعي لأثبات الصحيح من
الأمور، وكما بين الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، "التصدي لخطاب الكراهية
لا يعني تقييد أو حظر حرية التعبير. بل يعني منع تصعيد خطاب الكراهية من أن يتحول
إلى شيء أكثر خطورة، لا سيما التحريض على التمييز والعداوة والعنف، وهو أمر محظور
بموجب القانون الدولي"(1) فحرية التعبير تضمن للإنسان أن يعبر عن فكرة أو رأيه حتى
وان كان يخالف مبدأ معين ولكن ليس بإهانة الآخرين أو استفزاز مشاعرهم والنيل من
معتقداتهم.
أن موضوعة ازدراء الأديان مدانة وهنالك قوانين تمنع ازدراء الأديان وهي موجودة الآن
في حوالي 70 دولة منها ويمكن معاقبة المدان بجريمة ازدراء الأديان بالغرامة أو بالسجن
لمدة ستة أشهر. وهناك عشر دول عربية تحكم الإعدام على من يقوم بازدراء الإسلام.
فما هو ازدراء الأديان: ازدراء الأديان (بالإنجليزية: Blasphemy) وتعني عدم احترام
مقدسات الآخرين وشخصياتهم المقدسة في ديانة ما أو تجاه رموز دينية أو حتى عدم احترام
عادات ومعتقدات جهة معينة. وهي تعمّد النيل من الأديان ومعتقداتها وشخصياتها المقدسة
لدى أتباعها، وإشاعة الأفكار السلبية بشأنها، وتبني مواقف متعصبة ضد الديانات
والمعتقدات. وتدين جميع الديانات الإبراهيمية إدانة شديدة ازدراء الأديان، فالبلدان التي
تتبنى ديناً رسميا في دساتيرها نجد هنالك فقرات وقوانين خاصة بالازدراء وتجرم من يقوم
بهذا الفعل، مثلا توجد في 32 دولة فقرات تعتبر الازدراء جريمة دينية، وهنالك 87 دولة
لديها قوانين تخص خطابات الكراهية والتي تعتبرها جريمة وتغطي ضمنا موضوعة
ازدراء الدين والتعبير العلني عن الكراهية ضد أي فئة أو مجموعة دينية.
في الدول العربية توجد قوانين واضحة مثلا في مصر تحكم المادة 98 من قانون العقوبات
المصري بالسجن من 6 أشهر الى 5 سنوات مع غرامة لكل من استغل الدين في الترويج
أو التحبيذ بالقول أو بالكتابة أو بأية وسيلة أخرى لأفكار متطرفة بقصد إثارة الفتنة أو تحقير
أحد الأديان السماوية أو الطوائف المنتمية إليها.
ونجد في قوانين معظم دول العالم فقرات تؤكد على احترام المشاعر الدينية وحماية حرية
العقيدة وحرية التعبُد، مثلا في الهند، آيسلندا، اليونان، جنوب أفريقيا، إسبانيا، سويسرا
وغيرها تجرّم بشكل مباشر وصريح الإساءة للأديان، والتحريض على الكراهية أو ممارسة
العنصرية، وحتى في كندا والبرازيل وفنلندا والدنمارك وفرنسا وغيرها تعاقب بالحبس كل
من يرتكب فعل التصريح بخطاب فيه تحريض على كراهية شخص أو أكثر بسبب لونه أو
دينه أو عرقه أو انتمائه الإثني.
أما في السويد فقانون تجريم التحريض على الكراهية قد ألغي، وهنالك محاولات لإعادته
وكانت المحاولة الأخيرة عندما طرح عضو البرلمان من الحزب المسيحي الديموقراطي
مشروع قانون عام 1999 لإعادة العمل بقانون ازدراء الأديان لكن الاقتراح قوبل
بالرفض.
ولنعود الى سلوك السلطات السويدية ووفق القانون السويدي المتعلق بحرية التجمع تقوم
الشرطة بمنح تصاريح حق التظاهر والتجمع بهدف التعبير السلمي عن الرأي، ويحق
للسلطات أي الشرطة رفض منح التصاريح إذا قدرت أن التجمع قد يؤدي إلى مشاكل أمنية
ربما تشكل خطراً على أمن الدولة، فالشرطة رفضت في فبراير/شباط 2023 منح تصريح
لراسموس بولدان كون المخابرات السويدية قدرت خطورة هذا الفعل، وقد يؤدي الى زيادة
خطر الإرهاب ضد السويد، لكن المحكمة الإدارية رفضت قرار الشرطة، والحجة هي حق
التعبير عن الرأي، وحصل ما حصل وبعد انتهاء التظاهر قامت الشرطة برفع دعوى ضد
المتظاهر لقيامه بالتحريض والكراهية ضد فئة عرقية معينة والقضية لا تزال مفتوحة، وهذا
برأيي محاولة للتغطية على الخطأ، فهم يعرفون مسبقاً بأنه سيقوم بهذا الفعل، والذي لا
يتوافق مع قوانين سويدية واضحة، نأتي على ذكرها لاحقا.
البرلمان السويدي يقر حرية التعبير المحمية بموجب الدستور ولكن لحرية التعبير حدود،
حيث لا توجد حرية تعبير مطلقة وحدود هذه الحرية تختلف بين عوامل كثيرة، فتوجد في
السويد عدة قوانين واتفاقيات دولية تحمي الحقوق الأساسية للمواطنين، مقابل كل حق هناك
واجب أيضاً. ومن واجب كل إنسان أن يحترم حقوق الآخرين.
ان القوانين الأساسية في السويد تمنح الناس حقوقاً وحريات أساسية، منها حرية الأديان وأن
يؤمن المرء بما يريد وأن يعتنق أي دين يشاء، وحرية الطباعة، وحرية التعبير أي أن يقول
المرء ما يريد ويكتب ويعبّر عما يشاء، حرية الحصول على المعلومات، وحرية تأسيس أو
الانتماء إلى جمعية أو اتحاد مع الآخرين وأن يقولوا ما يشاؤون، وحرية الاجتماعات أي أن
يجتمع الناس كما يريدون وأن يقولوا ما يشاؤون، حرية التظاهر في الأماكن العامة، والحق
العام في التواجد في الطبيعة وغيرها من الحريات الأخرى، ومعظمها تتوافق مع النداء
العالمي والقانون الدولي لحقوق الإنسان، حيث تمثل حرية الرأي والتعبير، حجر الزاوية فيه
وهو من أسس المجتمعات الحرة والديمقراطية.
المشكلة ان القانون السويدي يكفل حرية التعبير عن الرأي ونشر الأفكار بغض النظر عن
فحواها، وذلك التزاماً من الدولة الأوروبية بالمادة 10 من الاتفاق العالمي لحقوق الإنسان،
ويعني هذا النص أنه على الحكومة أن تسمح للجميع بتنظيم المظاهرات والوقفات
الاحتجاجية في الأماكن العامة تعبيراً عن الرأي، ولكن ينص القانون السويدي في نفس
الوقت على أن الحق في التعبير عن الرأي ينتفي تلقائياً في ثلاث حالات، الأولى إذا ما أدت
حرية التعبير بأي طريقة كانت إلى تهديد مصالح الأمن القومي للبلاد، والثانية إذا كان
التعبير عن الرأي يمثل إساءة لسمعة و/ أو حقوق الآخرين، أما الثالثة التي يقيد فيها القانون
حرية التعبير فهي عندما تستخدم للتحريض ضد الجماعات العرقية و/ أو الأقليات وغيرها،
وهذا واضح بأن عملية حرق الكتب المقدسة تتعارض وهذه الحالات… فعلى أي أساس
اعتمدت المحكمة والشرطة لإصدار قرار الموافقة…. وقامت بحماية الفاعلين……؟
هذا تناقض بل ولربما هنالك دوافع أخرى للموافقة مقصودة على ذلك ولإثارة هكذا وضع.
ان النقد والجدال والبحث العلمي يندرج تحت موضوعة حرية التعبير وبشكل منطقي دون
استخدام أفعال أو كلمات مسيئة للدين أو المعتقد المعين، وهو بعيد عن الازدراء وتشويه
مفاهيم دين أو معتقد ما بالقول أو الفعل، والمادة 20 من العهد الدولي الخاص بالحقوق
المدنية والسياسية (2)، تُلزم البلدان باعتماد تدابير تشريعية ضد ((أي دعوة إلى الكراهية
القومية العرقية أو الدينية تشكل تحريضًا على التمييز أو العداء أو العنف)).
وبناء على ذلك أصدرت العديد من دول العالم قوانين وفقرات ضد الازدراء والكراهية
والتحريض،(3) ففي أستراليا يحُظر ((الازدراء والتشهير التحريضي)) كجزء من قانون
الحفاظ على النظام، وفي النمسا توجد المادة 188 وهي تحرم كل تشويه لصورة التعاليم
الدينية، وفي البرازيل تنص المادة 208 من القانون الجنائي على أن ((التشهير العلني بفعل
أو شيء متعلق بالعبادة الدينية)) جريمة يعاقب عليها بالسجن من شهر إلى عام، أو بدفع
غرامة مالية، أما الدنمارك وهي الدولة المجاورة للسويد ومن الدول الإسكندنافية فالفقرة
140 من قانون العقوبات حول الازدراء تعتبر ((الاستهزاء بالأديان والعقائد في
الدنمارك)) غير شرعي، وهذا القانون أُلغي عام 2017، لكن الكلام والأفعال التي تهدد أو
تحط من شأن مجموعات معينة من الأفراد بسبب معتقداتهم الدينية ما تزال خاضعة للعقاب
وفقًا للمادة 266 (ب) من القانون الجنائي، وكذلك في فنلندا فالمادة 10 من الفصل 17 من
القانون الجنائي تتعلق بالازدراء، ضمن البند تحت عنوان ((انتهاك حرمة الدين))، ونص
القانون يذكر بشكل صريح ((التجديف العلني على الله)) وجرت محاولات فاشلة لإلغاء هذا
البند في الأعوام 1914 و1917 و1965 و1970 و1998، أما في بولندا فالقانون
الجنائي، ينص على أن ((كل من يسيء إلى المشاعر الدينية لغيره من الأفراد عبر إهانة
أشياء تابعة لطائفة دينية أو أمكنة إقامة الاحتفالات الدينية العامة، يخضع لغرامة وتقييد
الحرية أو فقدانها بشكل تام لمدة تصل إلى سنتين))، وفي انكلترا التي تتكون من أربعة
أجزاء فقد اُلغيت قوانين الازدراء التي يعود تاريخها إلى العصور الوسطى في إنجلترا
وويلز عام 2008 وفي إسكتلندا عام 2021، وما تزال هذه القوانين موجودة في أيرلندا
الشمالية، لكنها لم تستخدم منذ سنوات عديدة. في الولايات المتحدة لا توجد قوانين خاصة
بازدراء الأديان على المستوى الفيدرالي.
المعارضون لتجريم ازدراء الأديان يخشون أن يقود ذلك إلى التضييق على حرية التعبير
عن الرأي، وقمع المخالفين وتعزيز التطرف والتعصب الديني؛ ولربما يعطي للحكومات
الحق في تحدید الأفكار المقبولة وغير المقبولة أخلاقيا، ومضایقة المعارضین والأقلیات
الدینیة.
ومن الدول التي تحظر ازدراء الأديان؛ وتتبنى قوانين متشددة في تنفيذها، وتتراوح
عقوباتها ما بين الغرامات المالية وأحكام الإعدام، وطبقا لدراسة لتلك القوانين أجرتها
منظمة "فريدوم هاوس"(4) المعنية بحقوق الإنسان، وشملت كلا من الجزائر ومصر
واليونان وإندونيسيا وماليزيا وباكستان وبولندا، فقد أشارت الدراسة بأن القوانين المناهضة
للاستخفاف بالمقدسات غالبا ما تصاغ لحماية معتقد أغلبية السكان في البلد المعني؛ ففي
اليونان مثلا "تستخدم فقط في حالات يعتقد أنها تشير الى ازدراء للكنيسة الأرثوذكسية"،
وفي إندونيسيا "تستخدم غالبا ضد الافتراء على الإسلام"، وأكتشفت الدراسة أن الانتهاكات
الخطيرة لحقوق الإنسان الدولية هي السمة السائدة في تلك الدول، لأن مثل هذه التشريعات
غالبا ما تستغلها الحكومات لقمع حرية التعبير وحرية الأديان.
لقد استغلت بعض الدول قانون أزدراء الأديان لقمع حرية التعبير، ففي مصر وجهت
الاتهامات بازدراء الأديان في فبراير/شباط 2013 ضد الروائي يوسف زيدان، بسبب كتابه
"اللاهوت العربي وأصول العنف الديني" وذكر زيدان أن المحققين اتهموه بالإساءة للديانات
السماوية الثلاث، اتهمت حينها الكنيسة الأرثوذكسية المصرية يوسف زيدان بالإساءة الى
المسيحية في روايته "عزازيل" التي صدرت عام 2008 ونالت جائزة "البوكر" العربية.
ويحظر القانون المصري الإساءة إلى أديان الإسلام والمسيحية واليهودية (5).
وفي بلدنا العراق تنص المادة 273 من قانون العقوبات العراقي111 لسنة 1969 على ما
يلي:
– يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات أو بغرامة لا تزيد على ثلاثمائة دينار.
– من اعتدى بإحدى طرق العلانية على معتقد لأحدى الطوائف الدينية او حقر من
شعائرها.
– من تعمد التشويش على اقامة شعائر طائفة دينية او على حفل او اجتماع ديني او
تعمد منع او تعطيل اقامة شيء من ذلك.
– من خرب او اتلف او شوه او دنس بناء معدا لإقامة شعائر طائفة دينية او رمزا او
شيئا آخر له حرمة دينية.
– من طبع او نشر كتابا مقدسا عند طائفة دينية إذا حرف نصه عمدا تحريفا يغير من
معناه او إذا استخف بحكم من احكامه أو شيء من تعاليمه.
– من اهان علنا رمزا او شخصا هو موضع تقديس أو تمجيد أو احترام لدى طائفة
دينية.
– من قلد علنا نسكا أو حفلا دينيا بقصد السخرية منه.
وهذه المادة جرى حولها نقاشات عديدة لتغييرها، ولكن لا زالت نافذة والخلاف لربما حول
مبلغ الغرامة فقط، لأنه لا يمثل شيئاً بالعملة العراقية اليوم.
الخوض في هذا الموضوع له تشعبات كثيرة ونصتدم بجوانب مختلفة وبتطبيقات خاطئة هنا
وهناك، والموضوع ليس موضوع شخص أساء للأديان أو حرق كتاب مقدس، بل هو
موضوع العملية ان تتم بموافقة وحماية جهة ما وأمام العالم. في الأخير نؤكد أن تصرف
السويد لا علاقة له بحرية التعبير، وكما أكدنا فأن السلطات السويدية كانت تمتلك مبررات
قانونية لمنع تلك الأعمال التي تثير الكراهية لكنها لم تفعل، وهذا مدعاة للتساؤل ولربما
هنالك أهداف معينة…!
المصادر:
[1]- https://www.un.org/ar/hate-speech/understanding-hate-
speech/hate-speech-versus-freedom-of-speech
الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، أيار/ مايو 2019
2-
العهد_الدولي_الخاص_بالحقوق_المدنية_والسياسيةhttps://ar.wikipedia.org/wiki2
3 – https://ar.wikipedia.org/wiki/ ازدراء الأديان
4- فريدم هاوس: هي منظمة غير حكومية دولية مقرها واشنطن تقوم بعمل أبحاث في
مجال الديموقراطية، الحرية السياسية وحقوق الانسان. تقوم بنشر تقرير سنوي لتقييم
الحريات الديموقراطية في كل بلد، https://www.marefa.org/
5