السبت, أكتوبر 5, 2024
Homeالاخبار والاحداثأيزيديون: "مناطقنا اليوم عامرة بأهلها وداعش إلى زوال"

أيزيديون: “مناطقنا اليوم عامرة بأهلها وداعش إلى زوال”

 

قبل تسع سنوات كانت سامية شنكالي هاربة تنشد الخلاص على جبل سنجار من مطارديها الدواعش لتنجو من الجوع والعطش، وهي تدير اليوم منصة إعلامية ومركزاً للتدريب في قضاء سنجار، رافضة أن ينظر العالم لهم على أنهم ضحايا، بل “ناجون قادرون على المضي قدماً في الحياة”، وفق تعبيرها.

تقول لـ”ارفع صوتك”: “يجب ألا نقف أمام قسوة الحياة مكتوفي الأيدي، فالإبادة الجماعية التي تعرضنا لها ونجاتنا منها أعطتنا القوة للمضيّ قدماً، رغم صعوبة الأوضاع التي وجدنا أنفسنا جزءاً منها دون ذنب”.

سامية كانت واحدة من 250 ألف أيزيدي عاش في القرى والبلدات التي تحيط بجبل سنجار، وتعرضوا للإبادة الجماعية والتشريد على يد تنظيم داعش الإرهابي، في الثالث من أغسطس 2014، قبل أن تستقر في أحد المخيمات التي خُصصت للنازحين في مناطق متفرقة من إقليم كردستان شمال العراق.

عاشت سامية حياة صعبة في المخيمات، تبين: “كان الأطفال يعانون من نقص الرعاية في ذلك الوقت، لذلك قررت مساعدتهم بتعلم القراءة والكتابة حتى لا يتخلفون عن أقرانهم خارج المخيمات، ولذلك قمت بحملة بالتعاون مع متطوعات من العوائل في المخيم”.

نتيجة لتلك الحملة “خصصنا خيمة خاصة لتعليم الأطفال القراءة والكتابة، ومنذ ذلك اليوم بدأت رحلة حياة جديدة لم يكن الكثير منا يتوقعها في ظل تلك الظروف القاسية”، تتابع سامية.

سامية شنكالي خلال أحد الأعياد الأيزيدية
سامية شنكالي خلال أحد الأعياد الأيزيدية

وقضت أكثر من عامين في تعليم الأطفال ثم قررت العودة إلى سنجار لتقديم خدمات أكبر للمجتمع خصوصاً المرأة الإيزيدية، حتى أن عملها التطوعي لفت نظر الوكالة الأميركية للتنمية الدولية وحصلت على التمويل.

تشرح سامية: “تمكنت من البدء بمشروع جديد  مع مجموعة من فتيات سنجار من مختلف القوميات، وأنشأنا قناة خاصة بنا على وسائل التواصل الاجتماعي أطلقنا عليها اسم (وارجين) الذي يعني الأرض التي ننتمي لها”.

وتؤكد: “قدمنا عبرها محتوى هادفاً لتشجيع المرأة ودعمها ورصد إنجازاتها وقصصها، لتحقيق الهدف الأبرز، وهو تقديم الدعم المعنوي لفتيات سنجار اللواتي كن الأكثر تضرراً من الإبادة الجماعية”.

تطورت المؤسسة اليوم لتنشط في تمكين المرأة من خلال تدريبها على العمل الإعلامي في مجال الكتابة والتصوير والمونتاج والتقديم، بهدف تسليط الضوء على قصص نجاحها بعد توفير الموقع والأدوات.

تختم سامية حديثها، قائلة: “نحن نرفض النظر إلينا على أننا ضحايا، ونفضل أن نكون من الناجين الذين يمتلكون قدرات علمية يمكننا أن نظهرها للعالم”.

قصص متنوعة تروي التطورات الإيجابية في مدينة سنجار غرب الموصل، وأخرى توثق إنجازات النساء وتعرف العالم بالتراث السنجاري، هذه مضامين منصة “وارجين” الإعلامية التي تعمل من خلالها خمس نساء من مختلف المكونات على ترسيخ السلم المجتمعي.

من الجبهة إلى مقاعد الدراسة

يقول الأيزيدي راشد داود، إن الإبادة الجماعية التي تعرض لها أبناء ديانته “تحولت إلى مصدر قوة وعناد لإثبات الوجود بالنسبة للكثير منهم”، مؤكداً “الدول تُبنى على أساس الكفاءات العلمية لأبنائها وهو ما نسعى إليه اليوم من خلال التركيز على التحصّن بالعلم”.

ويضيف لـ”ارفع صوتك”: “حملت السلاح عام 2014 عندما تعرضت سنجار للعدوان، وقتل وجرح العديد منا خلال تأمين الطريق للفارّين حتى عبرنا الحدود إلى سوريا، ثم عدنا إلى العراق وسكنّا في إقليم كردستان”.

ويصف راشد نفسه بأنه شخص “لا يفضل حمل السلاح”، مردفاً “لكن ما واجهته في ذلك اليوم اضطرني إلى ذلك، ولهذا ما إن وصلنا الإقليم بعد بضعة أشهر فقط، حتى عدت إلى مقاعد الدراسة، فقد كنت حينها طالباً في كلية الآداب بالمرحلة الثالثة”.

راشد داود مقاتلا ضد تنظيم داعش
راشد داود مقاتلا ضد تنظيم داعش
راشد داود طالباً في الماجستير
راشد داود طالباً في الماجستير

ورغم الألم الذي كان يعيشه راشد بعد فقدان عدد من أفراد أسرته وأصدقائه، “إلا أنني أكملت المرحلة الرابعة بتفوق وقررت المضي قدماً والتقديم إلى الماجستير بتخصص اللغة المسمارية”، كما يقول.

ويوضح أن سبب اختياره هذا التخصص، هو “محاولات داعش الكثيرة لتدمير المئات من المواقع الأثرية في العراق، بالتالي فإن دراسة التاريخ جزء من المحافظة على التراث الذي حاولت داعش طمسه دون أن تكون لمحاولاتها أي جدوى”.

“فعمر الحضارة العراقية أكبر من داعش، وربما نكون فقدنا الكثير من القطع الأثرية، إلا أن الباحث يمكنه إحياؤها من جديد عبر دراسته للقى وإعادة ترميمها من جديد”، يتابع راشد.

ويزيد: “هذه بالضبط الرسالة التي نقدمها اليوم للعالم، فالتنظيم كان واجهة لفئات محددة جداً في المجتمع الشرقي بالمنطقة، والعراق وتاريخه باق وهم في زوال”.

ويلحظ راشد “عودة كبيرة للأيزيدين إلى مقاعد الدراسة، وهناك أكثر من ألف أيزيدي في جامعة الموصل يدرسون في شتى التخصصات”.

يختم حديثه بالقول: “نسعى اليوم لتطوير التعليم في سنجار من خلال مطالبتنا بإنشاء جامعة في المنطقة، لنبني وطناً خالياً من التطرف وبعيداً عن الحساسية الدينية أو المذهبية”.

 

متجر الخبز

لم تكن وفاء خدر سوى طفلة بعمر 12 عاماً حين اجتاح داعش البلدة التي تعيش فيها “سنوني” وتسبب بفقد والدها وشقيقها الأكبر، اللذين كانا يعملان في حقل خارج القرية دون أي أخبار عنهما حتى الآن.

تقول لـ”ارفع صوتك” : “نجاتنا من الموت كانت أعجوبة في تلك الأيام الحارة من أغسطس، ومع كل المصاعب التي مررنا بها إلا أننا قررنا العودة إلى القرية والعمل لكسب العيش، ساعدتنا في ذلك منظمات أممية تعمل على تمكين المرأة وتدريبها لإيجاد فرص عمل”.

وتضيف وفاء: “في البداية كنت وعائلتي في قلق من عدم قدرتنا على العمل وتدبر أمور الحياة كما كان أبي وأخي يفعلان قبل اجتياح داعش لمناطقنا، لكنني وجدت في من تبقى من الناجين في العائلة هدفاً أكبر للعمل والاستمرار، فأنا أصبحت ربّ العائلة وأسعى إلى تقديم أفضل ما يمكن لهم”.

ورغم كثرة إغراءات الهجرة “فلا رغبة لنا بترك سنجار أو القرية التي عشت فيها في كنف والدي. فهنا وطننا وما فعله داعش حفزنا للتمسك أكثر بالأرض وعدم السماح للتطرف والكراهية بإيقاف عجلة الحياة”، تؤكد وفاء.

وتمتلك اليوم متجراً صغيراً لصناعة المعجنات والخبز لأبناء القرية، وتبدو فخورة بإنجازها. تقول وفاء “لم أكن أظن أن لدي القوة لتحقيق هذا الإنجاز وربما هو شيء بسيط لكنه بالنسبة لي شريان الأمل لي ولعائلتي، من أجل مستقبل أفضل”.

 

العودة إلى الأرض

عاد الفلاح ممتاز خزين إلى أرضه في قرية كرسي بسنجار بعد إعلان النصر على داعش عام 2017، ليبدأ برفقة جيرانه “مشوار حياة جديد من الصفر”، وفق تعبيره.

يقول لـ”ارفع صوتك”: “حين اجتاح داعش مناطقنا استولى على الآلات الزراعية بالكامل، وأخذ جميع الحيوانات في المنطقة بعد تحميلها بسيارات كبيرة”.

بقي سكان القرية كما يوضح ممتاز “لأكثر من ثلاث سنوات في مخيمات اللجوء، وحين بدا الوضع الأمني مستقراً قررنا العودة. ولكن، وجدنا الأرض خالية من كل ما كان فيها وتهدمت العديد من البيوت”.

“لم يثننا الوضع الذي وجدنا فيه الأرض عن العمل من جديد، فقمنا أولاً بحفر الآبار لتوفير المياه وشراء بعض الآلات الزراعية وبدأنا العمل فوراً”، يتابع ممتاز.

وخلال الأعوام الثلاث الماضية تمكنوا من إعادة زراعة أشجار التبغ التي تشتهر به المنطقة، وأعادوا الحياة لمزارع التين وزرعوا الحنطة والشعير، ويبدو على ممتاز الفخر وهو يقول “كنا من أوائل العائدين وما فعلناه شجع باقي أبناء القرية للعودة”.

يشرح ممتاز: “كانت هناك مخاوف من العبوات الناسفة والمخلفات الحربية في الأراضي الزراعية وأراضي الرعي، وبعد أن تبين أنها خالية ورأى الجميع عملنا عاد من كان متردداً وأصبحت المنطقة عامرة بأهلها من جديد”.

ويؤكد “أرض القرية غالية علينا فهي المنطقة التي ولدنا فيها، ولم يكسر داعش عزيمتنا ولا حبنا لها، ونحن بما نفعله نرسل رسالة إلى العالم أننا قادرون على العودة والعيش من جديد فداعش ومن انتمى له رحلوا والأرض باقية ونحن كذلك”.

ميادة داود

RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular