الأحد, ديسمبر 22, 2024
Homeاراءمظهر من مظاهر الهوية الايزيدية ح 2 : د.خليل جندي

مظهر من مظاهر الهوية الايزيدية ح 2 : د.خليل جندي

المقبرة، الرمز، والذاكرة(*)

Birgül Açıkyıldız | الأوركيد: 0000-0003-4891-4875
كلية الآداب والعلوم (قسم الآثار) جامعة حران، شانلي أورفا، تركيا
bacikyildiz@harran.edu.tr

الحلقة (2-6)

1 الدين الايزيدي والتاريخ

الايزيديون هم مجموعة دينية عرقية كردية موحّدة ولديها ممارسة إيمانية فريدة. كانوا يعيشون تاريخيا في شمال بلاد ما بين النهرين، وجنوب القوقاز. اليوم، ينتشر العديد من الايزيديين في الشتات ويتركز العدد الأكبر منهم في ألمانيا حيث يشكلون مجموعة عرقية دينية معترف بهاKreyenbroek 2009:43-44)) يتكلم الايزيديون اللغة الكردية الشمالية (الكرمانجية). يؤمنون بإله واحد يسمى Xwedê أحيانًا أيزيدÊzîd، الذي خلق العالم، وهو الآن مسؤول سبعة كائنات مقدسة أو سبعة ملائكة. Tawûsî Melek ، طاووس الملائكة هو أعلى الملائكة السبعة. حسب المعتقد الايزيدي، يكشف الله عن نفسه كثالوث قدوس بثلاثة أشكال مختلفة: طاؤوس ملك (طاووس ملاك)، سلطان أيزيد، والشيخ عدي (شخص تاريخي، المتوفي عام 1162) (عن الديانة اليزيدية، انظر عموماً Asatrian / Arakelova 2014)). حسب المعتقدات اليزيدية، أن (طاووس ملك) هو الوسيط بين الله والايزيديين ويوصلهم الى الله مباشرة. يعتبر الايزيديون الشمس والنجوم والنار والماء والأرض مقدسة. وهم يصلون في الصباح والمساء نحو الشمس. ويستخدمون النار في كل مناسبة احتفالية؛ ويؤمنون بالتقمص. كما يؤدي الايزيديون طقوس التعميد، ولديهم نظام طبقات وراثي صارم. كل هذه الطقوس تشير إلى احتمالية وجود منابع دينية إيرانية قديمة في الإيزيدية قبل الإسلام.

لقد ورث الايزيديون معتقدات ثقافية ودينية مختلفة، مثل الزرادشتية، المجوسية، والغنوصية، ممزوجة بالتعاليم الصوفية للشيخ عدي في القرن الثاني عشر. ومع ذلك، فإن هذه النظرة التوفيقية للعالم أبعدت على وجه التحديد دين تلاميذ الشيخ عدي من الإسلام العقائدي/الفقهي بعد وفاته عام 1162، ومما لا ريب فيه (بوضوح) تمثل الايزيدية كدين منفصل عن الإسلام. وأصبح التأثير واضحًا مع كل إضافة جديدة. وهكذا، تم إنشاء نظام معتقد توفيقي، وتطور تقليد ديني فريد (Açıkyıldız 2010: 35–37).
يصلي الإيزيديون إلى الله من خلال تماثيل صغيرة على شكل طاووس. مع ذلك، فإن تبجيل الايزيديين لملاك طاووس، وارتباطه بـالشيطان أو إبليس في المصادر الإسلامية والمسيحية، دفع الآخرين إلى تسميتهم “عبدة الشيطان” وبالتالي “الكفار والنجس”. بسبب هذا الارتباط، كان الأيزيديون عرضة للجرائم والمذابح عبر تاريخهم.

علاوة على ذلك، لا يعترف المسلمون بالإيزيدية كدين كتابي (أهل الكتاب) وبالتالي فهي ليست محمية بموجب الشريعة الإسلامية كأهل ذمة مثل المسيحية واليهودية، مما يجعل الإيزيديين يتعرضون باستمرار لهجمات المتطرفين الإسلاميين (Açıkyıldız 2010: 73–80). الى جانب ذلك، كان الايزيديون يعتبرون بدعة إسلامية من قبل علماء المسلمين الكرد والعرب في العصور الوسطى، الذين جادلوا بأنهم انحرفوا عن الصراط المستقيم (ابن تيمية 1906: 262-317؛ ابن خلكان 1978: 316). لذلك، اعتبر الايزيديون مرتدين، والمرتدين يجب القضاء عليهم أو تحويلهم إلى الإسلام تحت التهديد والاضطهاد والمذابح. كما ساهمت الهوية العرقية الايزيدية أيضاً في ضعفهم. استهدفت الحركات الراديكالية الايزيديين بوصفهم أكراداً. كانت آخر مذبحة وحشية نفذتها مسلحوا داعش في 3 آب/ أغسطس 2014. وقد غزا مسلحوا داعش منطقة سنجار شمال العراق للقضاء على “الكفرة” ((Açıkyıldız 2019: 150.

تَحْتضن الايزيدية من قبل القبائل والسلالات الكردية على نطاق واسع، وينتشرون حيثما يعيش فيه الأكراد في الشرق الأوسط. لكن، قوتهم تراجعت بسبب تحول السلالات الايزيدية إلى الإسلام مثل البوتانيين في جزيرة بن عمر، المحمودي في خوشاب، الدومبلي/الدوملي في خوي والجانبولايين في كليس وحلب في بين القرنين الرابع عشر والسادس عشر لـأسباب سياسية (Açıkyıldız 2016: 370). وبعد نهاية حكم السلالة، واجه الايزيديون الذين حافظوا على دينهم ضغوطاً واضطهاداً ومذابح متزايدة من قبل جيرانهم المسلمين (Al-Maqrizi 1943: 1972; Kreyenbroek 1995:34-35 ). علاوة على ذلك، ومن المفارقات، أن الأيزيديين عانوا أيضًا على أيدي الأكراد المسلمون. مع ذلك، فقد ظلوا على قيد الحياة كمجموعات صغيرة مشتتة بين الأكراد على مساحة كبيرة. استمرت لالش كمركز الايزيدية في كردستان العراق.

هاجر عدد كبير من ايزيديي منطقة سرحد الذين كانوا تحت الحكم العثماني إلى جمهورية أرمينيا وجورجيا، أما ايزيدية كورداغ، رومكال، ماردين والجزيرة، فقد هاجروا إلى شمال سوريا وشمال العراق بسبب إبادة عام 1915 وأثناء معاهدة صلح القبائل الكردية بين عامي 1925-1928. (Fuccaro 2003: 147). وفي ذلك الوقت، تبنت كل من أرمينيا وجورجيا النظام الاشتراكي وأصبحتا تحت حكم الاتحاد السوفيتي. وهكذا استمر الايزيديون العيش في هذه البلدان ضمن هيكل الحقوق الدستورية والعلاقة التي أقامتها كل دولة مع أقلياتها.

بسبب الموقف المتشدد للدولة تجاه الأقليات، فقد واجه الأيزيديون ضغوطًا في عهد الجمهورية التركية (1923-) بسبب هويتهم العرقية والدينية. جمهورية تركيا هي دولة قومية تأسست على سياسة أمة واحدة، لغة واحدة، دين واحد، وتهدف إلى إنشاء دولة قومية متجانسة من خلال قمع واستيعاب جميع المجتمعات العرقية واللغوية والدينية الأخرى في البلاد. لذلك فإن الدولة التركية أنكرت وجود الأكراد والهوية الكردية منذ عام 1924 إلى التسعينيات، عاملوهم كأتراك الجبال الذين نسوا لغتهم التركية، وحاولوا استيعابهم. كانت اللغة الكردية وكل أنواع المظاهر الثقافية والرمزية الكردية محرم في التعبير عنها، وتم حظر الهوية الكردية لأنها اعتبرت مؤشرا على الانفصال (أصلان 2011: 81). أما بالنسبة للإيزيديين، فلم يصلوا إلى أي مكان في دولة قومية جديدة كانت الجمهورية التركية الفتية تعمل على إنشائها أيضًا عرقيا أو دينيا. لقد تم الضغط عليهم بسبب هويتهم العرقية والدينية. لم يتم الاعتراف بهم عرقيا من قبل الدولة، ولم يتم الاعتراف بهم كمجموعة دينية منفصلة، لأن دينهم لا يتوافق مع أية فئة معترف بها من قبل جمهورية تركيا. لم يكونوا مسلمين ولا أهل الكتاب مثل المسيحيين واليهود والصابئة، لكنهم زنادقة وكفار، ظهروا أخيرًا مع فئة المسلمين. لأن الأيزيديين لم تكن لديهم مكانة في جمهورية تركيا، ولم يكونوا محميين كذلك بموجب قانون البلاد، فقد مهد ذلك الطريق أيضًا أمام الإيزيديين ان يكونوا منفتحين على المزيد من الأحكام المسبقة والتعرض للقمع والاضطهاد والعنف من قبل جيرانهم المسلمين (Kreyenbroek 2009: 36).

منذ عام 1960، تم بالفعل انخفاض عدد سكان المجتمع الايزيدي بشكل كبير، حيث بدأ بالمغادرة كعمالة مهاجرة إلى البلدان الأوروبية، بشكل أساسي إلى ألمانيا، مدفوعًا بالقمع السياسي والعرقي والديني والصعوبات الاقتصادية. ثم بعد عام 1973، استمر الإيزيديون في الهجرة إلى ألمانيا كطالبي لجوء. كان الانقلاب العسكري في تركيا عام 1980 سبباً في تدفق واسع آخر للايزيديين من تركيا إلى ألمانيا. تم إجبار عشرات الألاف من الايزيديين الذين يعيشون بشكل أساسي في أورفة وماردين وباتمان وديار بكر لطلب اللجوء الى أوروبا (Arakelova 2021: 113). وفي تركيا حيث جميع الأشياء التي يخص الكرد كان ممنوعا بالفعل، ازدادت الضغوط أعقاب الانقلاب العسكري، وتم اعتقال وتعذيب الأشخاص الذين تحدثوا، أو غنوا، أو نشروا باللغة الكردية. كما شجعت الصراعات بين عامي 1980 و1990 بين الجيش التركي وحزب العمال الكردستاني (PKK) الايزيديين على الفرار من تركيا. وتم اجلاء العديد من القرى التي كان (سكانها خليط من المسلمين والايزيديين) بالقوة عام 1990؛ وانتقلت الأعداد الكبيرة من السكان المرحلين إلى البلدات والمدن، وانضم بعضهم إلى أقاربهم في ألمانيا (Ammann 2005:1011).

تتبع الحلقة الثالثة

الهوامش
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) هذا فصل من كتاب الدكتوره بيركول آجيكيلدز، قمت بترجمته من اللغة الانكليزية، وهومنشور في المجلة العلمية الدولية (إيران والقوقاز)، المجلد 27 لسنة 2023 ، مطبعة Brill الصفحات 22-38، وذلك لاطلاع المهتمين بالشأن الايزيدي.

RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular