منذ بدأ ما تسمّى بالعملية الديموقراطية بالبلاد إثر الأحتلال الامريكي، لم تتأخر القوى الديموقراطية عن المشاركة في كل أنتخابات برلمانية أو محليّة. ومن خلال نتائج جميع الأنتخابات التي جرت لليوم، لم تستطع هذه القوى أن تخترق الخطوط الدفاعية لأحزاب المحاصصة والمحاطة بحقول ألغام كثيرة، بعضها ظاهر للعيان وبعضها يختفي عن أنظار من لا يريد أن يراها، كونها واضحة هي الأخرى.
هل المشاركة ضرورية..؟ الجواب وبلا أدنى شك هو نعم. لكن بشروط، طالما نبحث جميعا عن بناء نظام حكم ديموقراطي على أنقاض خرائب حكومات العراق في العهود السابقة وفي مقدمتها الحكم البعثي الفاشي. ومن هذه الشروط والتي تتكرر قبل كل أنتخابات من قبل الكثير هي:
1- قانون أنتخابات عادل ومنصف.
2- مفوضيّة مستقلّة للأنتخابات.
3- مساحات أعلامية متساوية في إعلام الدولة وحياديتها على الأقل مواسم الأنتخابات.
4- قضاء نزيه وعادل.
5- عدم أستخدام المال العام في الترويج لشخص أو حزب أو قائمة بعينها.
6- عدم ترهيب وترغيب الناخبين.
7- عدم إستغلال مؤسسات الدولة وآلياتها لحساب مرّشحين معينين.
8- عدم شراء ولاء الناخبين بالمال والتعيينات والتي تسبق عادة كل عملية أنتخابية.
9- أحترام الصمت الأنتخابي.
10- أحترام مراكز الأقتراع.
11- عدم سرقة صناديق الأقتراع.
12- الأتفاق مسبقا على طريقة العد والفرز وليس تركها لمزاج أحزاب وقوى تعيد فرزها وعدّها إن لم تحصل على أصوات كافية.
13- عدم أستخدام المنابر الدينية كمصدر للدعاية الأنتخابية وغيرها الكثير. فهل تحققّ ولو شرط واحد لا غير من هذه الشروط طيلة التجارب الأنتخابية السابقة!؟
لمّا كانت الأنتخابات (أية أنتخابات وفي أي بلد) ضرورية لبناء أنظمة حكم ديموقراطية، فبالضرورة تكون للمشاركة فيها أهميّة فاعلة لأستمرار النهج الديموقراطي كوسيلة سلمية من وسائل التغيير. فالأنتخابات ستفرز ممثلين سياسيين على مستوى المحافظات والدولة، والنظام الديموقراطي من مهامّه وضع هؤلاء الممثَلين الذين تمّ أنتخابهم من قبل الناخبين، تحت أنظار الناخبين الذين منحوهم أصواتهم لمحاسبتهم في عدم تنفيذ برامجهم الأنتخابية (إن كانت لهم برامج أنتخابية). كما تساهم الأنتخابات من خلال العملية الديموقراطية بمنح الشعب الحق في مراقبة عمل الأحزاب بعد أنتخابها، ومدى ألتزامها ببرامجها التي أعلنت عنها. فهل تمّت محاسبة “ممثل للشعب” على ثرائه الفاحش وعدم أحترام وعوده لناخبيه، من قبل أيّة حكومة أو من حزبه لليوم!؟ وهل وضعت الأحزاب التي تحتل البرلمان منذ الأحتلال لليوم نفسها أمام محاسبة جماهيرها وليس شعبنا بأكمله، وهي تراكم مشاكل البلاد وتستهين بحياة الناس وسعادتهم وكرامة وطنهم؟ وهل عاقبهم شعبنا بعدم أنتخابهم ولو لمرّة واحدة ليجرب أحزابا ومنظمات اخرى، عسى أن تمنحه بعضا من الكرامة!؟
لقد أرتأت قوى وشخصيات سياسية ديموقراطية عديدة منافسة حيتان الفساد، من خلال تجمّعها في قائمة وطنية عابرة للطوائف تحت مسمى تحالف (قيَم المدني)، في الوقت الذي قاطعت فيه الأنتخابات المحليّة القادمة تيّارات وأحزاب ومنظمّات للبعض منها ثقل مجتمعي كبير كالتيار الصدري، الذي أعلن قائده السيد مقتدى الصدر مقاطعته لها حينما قال ” لن أشارك في أنتخابات العراق بوجود الفاسدين”. ومن المقاطعين الآخرين حركة أمتداد وإئتلاف الوطنية بزعامة إياد علّاوي، والتي قال أي (إئتلاف الوطنية) في بيان له: “نؤمن بأن هذه المجالس هي حلقة زائدة في تركيبة الدولة وهي باب من أبواب الاستحواذ على مقدرات الشعب، ولكننا أردنا الاشتراك بالانتخابات كونها مجالس خدمية وعدلنا عن رأينا بعدما اتخذنا قراراً نحن وحلفاؤنا، ذلك أن حالة الفساد والنفوذ الأجنبي لا تزال مُخيمة على أجواء الانتخابات إضافة إلى المال السياسي الذي لا يزال لاعباً كبيراً وأساسياً في العملية الانتخابية والديمقراطية الزائفة”.
بمقاطعة قوى لها ثقلها على الساحة السياسية مثلما ذكرنا قبل قليل، لعب تحالف الإطار التنسيقي بزعامة نوري المالكي لعبته المفضلّة أي لعبة المالكي قبل كل أنتخابات. فخشيته من نفوذ الأحزاب الشيعية الجديدة التي أنبثقت كتيارات سياسية لفصائل مسلحة منضوية في الحشد الشعبي وما تمتلكه من امكانيات مالية هائلة وليس خشيته من التيارات المدنية، ولضمان هيمنته على مفوضّية الأنتخابات، قام بتغيير أكثر من عشرة موظفّين كبار من قوام المفوضيّة كمرحلة أولى، بأنتظار ما يخفيه لنا الحاوي بجعبته في قادم الأيّام. وأكّدت المتحدثّة بأسم المفوضيّة جمانة غلاي التسريبات التي قالت “وطاولت التغييرات في المفوضية مسؤولين، بينهم مدراء في وحدة التدقيق والمالية والعمليات الانتخابية وشؤون المكاتب والمعلومات الإلكترونية”. فيما أكّدت مصادر من داخل الأطار التنسيقي أنّ “المالكي ما زال يملك نفوذاً واسعاً، بل إنه يسيطر على أقسام كاملة داخل مفوضية الانتخابات”. وقال شبل الزيدي زعيم كتائب حزب الله أنّ “المفوضية وقعت تحت ضغط المحاصصة وأن هناك جهات تعمل على الهيمنة والاستحواذ”، وأشار الى أنّ تلك الأجراءات أي التغييرات في قوام المفوضيّة “سوف تُفقد المفوضية حيادها واستقلاليتها، وعلى القضاء ومجلس النواب التدخل لكشف من يقف وراء تلك التغيرات”، فيما وصف التغييرات الأخيرة بـ”المجزرة، وأنها تدمر الديمقراطية والثقة بالانتخابات”.
أن بيان قوى التغيير الديموقراطية الأخير، وهو يعبّر عن قلق هذه القوى من التغييرات التي جرت وتجري داخل دوائر المفوضيّة ، قد أصاب جمهورها بالأحباط، ويعتبر البيان أعلان خسارة مبكرّة لهذه القوى قبل بدء الأنتخابات. والبيان أتّهم رئيس الوزراء بشخصه ومركزه بخدمة الماكنات الأنتخابية لقوى ممثلة في السلطة، من خلال تعيينه مستشارين لهذا الغرض. وذهب البيان ليعلن عزوف واسع عن المشاركة في الأنتخابات القادمة حينما قال: “إنّ قوى التغيير الديموقراطية ستعمل على فضح أي أجراء يثلم صدقية العملية الأنتخابية والديموقراطية. وتحمّل الحكومة والمفوضّية أية تداعيات يمكن أن تترتب على إجراءات منحازة الى جهات متنفذّة وتضعف ثقة المواطنين بالعملية الأنتخابية وتحدّ من المشاركة الواسعة فيها”. وفي نهاية البيان أكّدت القوى الديموقراطية على “حرصها الكبير على حماية أصوات ناخبي تحالف قِيَمْ المدني، الساعين الى التغيير الديموقراطي”. والسؤال هنا هو كيف، وما هي آليات عدم ضياع أصوات ناخبيها.
دائما اعترف عندما تكون مخطئا فانت بذلك توفر الاف العلاجات كما ستكسب بعض الاصدقاء … (هارفي فيرستين)
زكي رضا
21/9/2023