الأربعاء, نوفمبر 27, 2024
Homeالاخبار والاحداثرواية سبيةِ آيزيدية في مزهرية للكاتب نعيم عبد مهلهل

رواية سبيةِ آيزيدية في مزهرية للكاتب نعيم عبد مهلهل

نعيم عبد مهلهل يتضامن مع المحنة

سبيةِ آيزيدية في مزهرية

كولونيا الأمانية – الزمان

في إنجاز سردي جديد ومهم يطل فيه الروائي العراقي المقيم في المانيا ( نعيم عبد مهلهل ) وروايته الموسومة (( سبيةِ ايزيدية في مزهرية )) والصادرة من المؤسسة العربية للدراسات والنشر ــ بيروت وبدعم كامل من منصة أبداع في مجلس الأعمال العراقي في عمان .

الرواية كما في لغة نعيم عبد مهلهل السردية مصبوغة بهاجس الشعر وتفقد الأشياء المسكونة بأقلية الانتماء والتي تربكها القوى المتسلطة والمنحرفة والقاسية .

فبعد أنبياء الأهوار الرواية التي صدرت عن ذات الدار وبذات الدعم يضعنا نعيم مهلهل مرة أخرى مع شكل جديد في تناول مشهد سحري في لغته وحزنة واستلابه ويؤطر فيه قلقه من مصائر بعض الاثنيات والشعوب وهي تعيش هاجس الخوف من التعرض لويلات لم يُحسب لها ، فتكون خيارات اللجوء بعض مفاتيح الحل المؤقت الذي سرعان ما يتحول الى حل ابدي في مدن الشتات والمهجر والمنفى.

يكتب نعيم عبد مهلهل روايته بلغة سينمائية احترافية ومثل ما تعودنا عليه في سرده الثري يمسك ذات الكاميرا ويراقب كائناته التي يعيش معها في ذات الأمكنة . كمبات اللجوء وخنادق الحرب وقرى الفلاحة التي كانت تأوي اهل ديانة عراقية قديمة ( الايزيدية ) التي تعرضت الى اكتساح وحشي من فلول داعش . ونفذ في هؤلاء المأخوذين على غرة واحدة من ابشع ممارسات التطهير الديني والعرقي والسبي .وكانت صورة السبي الممثل في الفتاة الايزيدية ( سامية ) ابنة واحد من الايزيدين الذين عاش معهم بطل الرواية في جنديته ليكتشف فجأة انه بعد سنوات طويلة من الحرب العراقية ــ الإيرانية يعيش معه في ذات كمب اللجوء لكنه لم يلتق به سوى لاحقا عندما خرجا من الكمب ونالا لجوءا سياسيا من الدولة الألمانية ، وسيعرف لاحقا ان ابنة صديقة الايزيدي ( سامية ) تم أخذها سبية الى مدينة الرقة وان رسائلها تصل مهربة الى أبيها بين الحين والحين وانها بيعت لأكثر من مرة .

دراما وميثولوجيا ومشاهد نجح ( مهلهل ) في رصد مشاهدها عبر فنتازيا الحياة المغتربة بسبب لعنة الدبابات وسيوف الذبح وقد تداخلت معها قصة الألباني اللص الذي عاش معهم ذات الهم في معارك الصرب والبان كوسوفو ومن نتاجها ان الألبان يعيشون هاجس التهجير عن بلادهم وقد فضلوا البقاء في المانيا حتى من دون أوراق رسمية وقد احتفظ الكثير منهم بذكريات مشوشة عن طقوس قراءات فرضت عليهم ليقرأوها في زمن يوغسلافيا وتيتو وهي رواية جسر على نهر درينا لإيفو اندريش.

وقد نجح مجلس الأعمال العراقي في عمان من إظهار تحفة ادبية وإنسانية مختبئة في رفوف الانتظار ، وتحدث عنها الدكتور سعد ناجي المسؤول عن منصة أبداع في مجلس الاعمال العراقي انه في قراءته للرواية رأى ضرورة ان تكون مكملة لأبداع الروائي في مطبوعه الذي نشرته منصة أبداع ونال صدى رائعا وواسعا في مجموعته القصصية ( انبياء الاهوار .) ويقول الدكتور سعد ناجي ان رواية سبية ايزيدية تجسد مؤلم لمحنة أخوتنا الايزيدين شركائنا في الوطن والمصير والانتماء الى العراق ، وشعرت ان الرواية تمثل بوحا خفيا وجريئا لما تعرضت له تلك الأقلية العراقية . لهذا سارعنا لتبنيها وطبعها وجعلها مشروعا ثقافيا وحضاريا وانسانيا من اجل قضية ايزدي العراق وكل الاقليات .

ناشرها الأستاذ والناشر ماهر الكيالي صاحب المؤسسة العربية للدراسات والنشر اعتبرها عملا أدبيا مميزا يستحق القراءة وانه يرى في مهلهل طاقة روائية كبيرة ومبدعة وان الدار عندما تستهم في نشر هكذا رواية أنما تساهم في أحياء روح السلام والمواطنة والحرية في روح كل حالم بالحياة ويقاوم الظلم والإرهاب والتخلف .

فيما كان الغلاف الذي ابدع فيه سيروان بوران تحفة فنية اختيرت من قبل المؤلف والمجلس من بين لوحات عديدة ابدع فيها الفنان سيروان وهو يجسد معناة النساء الايزيديات في واحدة من اقسى محن العصر الحديث.

هامش الحزن

هذه الرواية ( سبية ايزيدية في مزهرية ) عالجت السبي بهاجس الحزن والحلم لكنه في الختام لا تجد تلك المسبية الايزيدية سوى الانتحار ويلحقها بنيها بذات طريقة الانتحار . وبلغته السينمائية وحبكته الشعرية المبثوثة في ثنايا سرد مؤلم يفتش نعيم عبد مهلهل عن الآمال في خبايا الروح الإنسانيَّة ويرصد غربة الشرق ودياناته وهي تلجأ الى الغرب طلبا للأمان والحرية والحياة الكريمة .

ومثل واحد يبحث عن حلول لطلاسم الرواية يلجأ نعيم عبد مهلهل الى صديقه المخرج السينمائي العالمي ــ الايزيدي ( نوزاد شيخاني ) صاحب الفيلم المهم ( توران ) ليراجع معه تفاصيل الحزن لشعبه ومعه يحصي دموعهم على طول مساحة الرواية  وجغرافيتها ( سنجار ، الأهوار ، بنجوين ، كوسوفو ، أسواق السبت في المانيا وكمبات اللجوء ، وحروب الألبان مع الصرب والعثمانيين ) متغيرات للأمكنة والشخوص ، لكن الحلم الإنسانيَّ واحد كما يراه شيخاني ويرصده بلغته السينمائية .

يكتب نعيم عبد مهلهل خواطر مشاعره في مزهرية مرسومة على ذكريات سنواته هجرته في المانيا ، وتتحرك هذه المزهرية لتنطق حكاية سامية ( السبية ) الايزيدية لشعر الروائي أن سرديته مكتوبة لتعيش انفعال الحنين الى الحرية والحياة الكريمة ، وملاحظة نوزاد شيخاني ان في كل جهة من الرواية حركة للكاميرا وهي ترصد الحلم الإنسانيَّ وعذاباته من عديمي الرحمة والحضارة .

ليبدأ السرد على لسان كاتب الرواية ( نعيم عبد مهلهل ) ليقول لنا تفاصيل حلم الرواية ومحطات إنجازها رواية وفيلما:

في الشرق واغلب ما لدى أقلياته العرقية والدينية هناك بواطن روحية صافية تسبح بمساعدة ملائكة يأتون من السموات العلا بأشكال نورانية تختلف من ديانة الى اخرى.

وجميعهم مهما اختلفت رؤيا ديانتهم هم في نظري عشاق الله ، ومتى بدأت في تنفيذ هاجس هذه الرواية (سبية ايزيدية في مزهرية ) كان علي أن ابتدأ من هذا العشق بشكله الصوفي والكهنوتي .

فوضعت أوراقي فيها لأخبر صديقي المخرج السينمائي نوزاد شيخاني أن لدي الهاجس  الروحي الذي يجمعنا نحن الاثنين . فهو ( نوزاد ) يعشق قضية شعبه المقتول ذبحا وسبيا وتشريدا . وأنا اعشق المشاركة مع الصوفيين للصلاة والتذرع الى الهة السموات البعيدة من اجل أنصاف هذا الشعب واعدته الى مدنه وقراه وسعادته .

كان قلمي  كاميرتي وكانت دمعتي عدسة هذه الكاميرا .واعرف ان نوزاد وهو يحرك ممثلين الفيلم الذي سيشتغله معتمدا على رسائل سبية بريئة وبجمال ملاك ( سامية ) سيبكي ايضا . وخلفا هناك كورال من الناجين واغلبهم من عشاق الله والشرفاء الذين يحبون السلام والعدل والديمقراطية .

شغلتني الايزيدية كديانة في متشبهات السمو مع ديانة اخرى كتبت عنها اكثر من عشرة كتب وهي الديانة المندائية التي تشارك الايزيدية في ازل وجودها في العراق لكن المختلف بينهما ان جغرافية الوجود المندائي تكمن في العراق وايران فقط فيما تمتد الايزيدية الى العراق وتركيا وسوريا وارمينا وفي بلدان أسيوية اخرى .

عشاق الله بنت رؤيتها في متابعة تلك الدمعة التي تحولت الى حبر وقلم او أصابع على مفاتيح الكيبورد لتكتب هذه الرواية ، فيما تلقفتها الموهبة الإخراجية لدى نوزاد شيخاني لتفكر في الشروع بكتابة السيناريو بعد ان يعيش معي يوميات تلك الدمعة وذلك النحيب الذي يشبه عزفا حزينا لكمان موزارت او حنجرة مطرب ايزيدي ينقل الى العالم نحيب عجائز تلك الطائفة وهي ترى الأبناء والأحفاد يذبحون بسكاكين داعش الإرهابية.

لا ادري ان كان المخرج يمتلك مثلي تصورا لجعل الهاجس البعيد في زمنه والذي ذكرته في استلال مشهد من رواية شهيرة للروائي اليوغسلافي ايفو اندريتش ، وهو إعدام الفلاح الألباني بالخازوق من قبل الوالي التركي وعلى الجسر ، فيكون هذا المشهد ربطا روحا للقتل المستعاد في هذا القرن من قبل الولاية الإرهابية للقتلة ،وهي نفس طريقة الموت التي كانت يمارسها خلفاء بني العباس على بعض المتصوفة حين يتهمون بالهرطقة والإحلال والشعوذة والتقرب الى الذات الإلهية فيصلبون على الخازوق…

وفي تصوري لرؤية البدء في هاجس الكتابة ان شعبا كاملا صلبه من تصوروا انهم ولاة الخلافة الجديدة ( داعش ) وهو الشعب الايزيدي الذي اختاروا معه طريقة اخرى للقتل تشابه موت الخوازيق وهما الذبح والسبي.

وأعتقد ان هاجس السبي اشتغل معي كهاجس أنساني يعيش معي ذكريات الايزيدين الطيبين والأصلاء الذين عشت معهم في الجندية او الذين جاءوا الى مدينتي الناصرية متعهدين لنادي الاتحاد العام للأدباء والكتاب الذي كنت أترأسه لدورتين ، فكونت معهم علاقات عائلية . وكانت زوجتي تنتظر كل شتاء قناني الراشي ( زيت السمسم ) التي يصنعونها في بيوتهم في قراهم في سنجار وسهل نينوى والشيخان ويجيئون بها من ضمن هداياهم لبيتنا.

في تلك الرؤية حركة دمعتي وعدسة الكاميرا وتشكلت عندي هواجس البحث عن مصائر اؤلئك الذين عقدت معهم تلك الصداقات البريئة واهمها صداقتي مع الجندي جبل مردان حسو .وقد اهتزت أعماقي حين عرفت لاحقا انه كان معي في ذات كمب اللجوء في قرية شوبنكن الألمانية وتم طعنه من قبل الباني في شجار لم يكن هو طرفا فيه بل تدخل للصلح بين شاب ايزيدي واخر الباني حول أحقية الدور في استخدام التواليت.

وفي ذلك المشهد ( استخدام التواليت ) فأن ما حدث هو نتاج الارتباك النفسي والمزاج الذي يعيشه طالبي اللجوء في انتظار الأمر الذي تصدره المحكمة التي نظرت بطلبهم وأجرت المقابلة معهم ، وكانت حظوظ الايزيدين اكثر بكثير من حظوظ الألبان في نيل موافقات اللجوء واسرع ، ولهذا ينظر الألبان الى الايزيدين بحسد ويتساءلون عن السر عندما يجهلون أشياء كثيرة عن الايزيدية كعرق وكدين وكشعب.

مخرج سينمائي

الآن والرواية مكتملة . فأني أتخيل ان صديقي المخرج السينمائي نوزاد شيخاني معي يخطط الى لحظات البدء حتى الوصول الى ذروة الهاجس في مشترك حالم ان نسمع العالم قضي اضطهاد شعب كان يحب قراه وحقول البطيخ وعباد الشمس والقمح اكثر من اي مكان جميل في العالم . وكنت اتخيل ان اي ايزيدي يأوي الى كمب لجوء في المانيا او اي بلد أوربي يكتب على جبهته العبارة التالية (( لقد تركت جنتي هناك . وأتيت الى حزني ودمعتي هنا.)).

صديقي نوزاد انتبه الى هذه العبارة وقال : من هنا سنتشغل ومنها هنا سأجعل الكلاكيت يطلق عبارة كيو…

وها نحن نبدأ كمن يبدا بزراعة شجرة برتقال في وسط صحراء وهوس الأخبار وحزن العالم وهو يراقب صديقي الايزيدي جبل مطعونا في أحشائه عندما أتى لاجئا في المانيا بعد مخاضات حروب عسيرة يمكننا ان نقارن فيها هاجس جبل سيناء وهاجس جبل سنجار .

لم التفت في هذا الفيلم وهذه الرواية الى قصص الهروب ومتاعبها الى حين الوصول الى المنافي الجديدة للايزيدين في اوربا ودائما الوسيط يكون تركيا في رحلة عسيرة تحتاج الى عصا موسى لتتحول الى معجزة . ولكن ان تكون نهايتها سكينا تمزق أحشاء صديقي الايزيدي تلك هي نقطة الشروع في الحديث عنها انا الروائي ومن يستمع هو وصديقي المخرج السينمائي نوزاد شيخاني.عندما تمضي مع إحساسك ، وانت تتمنى ان تتحول من الرواية لتكون فيلما سينما ، فعليك ان تضع الصور بمستوى الحركة التي تتناسب مع إحساسك أولا .ثم تجسدها لتكون مشاهدا تؤرخ ما تريد ان تجعل فيه الأخر منبها وتعاطفا مع شخصوك في الرواية وممثلي الفيلم .تسمرت كمن يجلس أمام الشاشة وانا أتابع ما ستذهب اليها فصول الرواية بعد تلك المقدمة الصوفية التي تقدمت الرواية والتي أسميتها عشاق الله .

لاحقا سيتحدث نوزاد شيخاني مع كادر العمل عن السبب الذي دفعني ان اضع الرؤيا عبر رواية لأديب صربي كان قد حصل على جائزة نوبل في مطلع القرن العشرين . وسيكون عليه ان ينقل لهم اللحظات المشتركة التي تجمع كاتب الرواية ومخرج الفيلم ، وقد أخبرته ان الرواية بدأت بشراء مزهرية مسروقة لا يتعدى ثمنها ثلاثة أورو او حتى عشرين ،ولكن المزهرية رسمت في زخرفتها قضية هائلة من مشاعر حركت في الليل تفاصيل ذكريات هذا الرجل الذي مزقوا أحشائه في كمب اللجوء ولم يكن هو معنيا في الأمر ،وحتى قبل ان اعثر عليه في مدينة بوخوم حيث يعيش وعائلته أحسست بأنه قد يعاني فقدانا اخر غير أمعائه التي تم استئصالها بعملية جراحية ، وكأنني اعرف ان مع كل ايزيدي أتى الى منفاه وهجرته القسرية معه قصة اقلها وقعا احتراق بيته وحقله وتهجيره عن وطنه وأكثرها تأثيرا وألما وإنسانية ان ينال واحدة من إناث البيت فاجعة السبي . حيث يتفاجيء العالم بتلك الصورة المستعادة من الاستعباد والامتلاك الوحشي وقد ظن العالم ان تلك العادة ذهبت مع عصورها ومبرراتها وتشريعها . وان الحضارة الجديدة ترى في السبي جرما وأذلال وانعداما للإنسانية حين يتم التعدي على حواء بهذه الطريقة.

بدأ الفصل الأول الموسوم (صدفة حياتية في الفلو ماركت ) وكأن الأمر لن يذهب سوى الى تفاصيل طقس أسبوعي يستخدمه المهاجرون كطقس للنزهة والتسوق وشراء ما يسمى في الشرق ( الأنتيكات القديمة ) ومنها مزهرية اشتريتها من الباني ادعى كذبا انها لنبيل الماني تركها في الشارع مع أثاث بيته بعد موته لتعطى الى البلدية التي ستحملها في اليوم الثاني وتسمى تلك الطريقة ( الشبيل مول ) .فأتى الألباني ليأخذها مع حاجات اخرى ويذهب بها الى بسطيته الأسبوعية في سوق السبت ( الفلو ماركت ) ليبيعها بسعر رخيص.

دراما تلك المزهرية هي من فتحت مغاليق الحكاية .وتحولت لتصنع الترابط في الأحداث بين ان تكون حقيقية وأخرى متخيلة ، لكني وانا احمل الكاميرا لتصوير ما يفدني في سرد الرواية التي كانت هاجسها الاول كنت ارسم على بدن الزهرية صورة جبل مردان حسو وهو يحمل محطات ذكرياتنا واحزن لانهم اخذوا من أحشائه اكثر من متر ولكني لم اعرف وقت الشروع بكتابة الرواية ان له مصيبة اخرى .وهو ان واحدة من بناته هي الآن سبية لدى داعش في مدينة الرقة وان رسائله المحملة بالكم الهائل من الحزن والشكوى والاسى تصل اليه مهربة بشق الأنفس وهو في المانيا.

فحين جلست أنا ونزاد شيخاني نضع الخوط المهمة للشروع بالعمل كان علي ان أريه طقوسي اليومية . ومتى وصلت الى فكرة ان هذه المزهرية تكاد تكون البوصلة التي تؤشر لي على المكان الذي يسكن فيه صديقي الايزيدي الذي شاركني رعب الحروب في مدينة بنجوين وحاج عمران وبحيرة الأسماك وقواطع جبهات الأهوار وفي بدرة وخانقين وكلار . اصبح لدى نوزاد تصورا بأن الرواية ستذهب الى ما يريده هو قبل ان اعرف اين سيذهب بي السرد وانا ابدا بكتابة الفصل الاول والمزهرية التي سرقت مرة اخرى من حديقة بيتي وعدت ثانية لأشتريها من ذات البائع هي الى جانبي الآن .وتشاركني حلم العثور على صديقي الايزيدي لنفتش معا عن هذا الذي مزق أحشائه ونقدمه الى العدالة ولم اكن اعلم وقت كتابة الفصل الاول إننا سنترك صاحب السكين ونعمل فريقا مشتركا أنا وهو ونوزاد وصديق لي يعيش في برلين والألباني بائع الحاجات القديمة في الفلو ماركت . ومهمة هذا الفريق هو البحث عن طريقة لتخليص سامية ابنة صديقي من محنة السبي.

اشتغلت كاميرة صديقي المخرج . واشعر ان دمعته تلتقي مع دمعتي وانا امسك الرواية مطبوعة ، فيما هو يؤشر على الممثلين ويختار لهم لحظات الانفعال والحزن وطريقة تمثيل المشهد . ومع كل مشهد أتخيل ان المزهرية تتحرك وتنطق وتبكي ايضا وتتمنى ان تتحول الزهور المرسومة عليها الى وجوه نساء يلونها الأمل بالتخلص من محنة السبي وان يلتحقن بطائرة اير باص الى أهلهن وعوائلهن المنتشرين في مدن اوربا وقارات اخرى.

أعيش إحساس صديقي المخرج .وأظن إننا في المشاهد القادمة سنعيش تراجيديا فصول الرواية التي لم أخطط لها مسبقا ،بل هي أتت بما أشعره انه الإلهام من اجل الدفاع عن قضية .

هذا الإلهام هو تماما من يوقظ في نوزاد شيخاني لحظة ابتكار اخر ربما لم تتحدث عنه الرواية لكنها ساعدت في ولادة هذا الابتكار لنبدأ ( أنا ) وهو والكاميرا في التجوال بالأروقة الضيقة للفلو ماركت ونحن نحاول جاهدين ان نعلم الممثل الألباني بائع المزهرية كيف يتقن الاداء وبمساعدة المترجم لان لغته الألمانية ضعيفة ، لكن نوزاد يفهمه ان الإنسانيَّة بمشاعرها تصلح لتكون مترجمة لكل لغات العالم .

فيرد الألباني :تماما يا صديقي انها مثل الموسيقى اللغة الاكثر تفاهما بين الشعوب .في تلك اللحظة يوعز نوزاد شيخاني الى من يضع موسيقى الفيلم ورغم صخب المتبضعين في سوق السبت . ان يضع سمفونية القدر لبتهوفن .لتكون صدى لاؤلئك الذين يبحثون عن أقدارهم الضائعة في طقوس همجية القتل والذهب والسبي .والمنافي التي فرضتها عليهم قدرية التاريخ والمكان ورغبة الانتماء الى معتقدهم وتراثهم وأحلامهم.

عندما تمضي مع إحساسك ، وانت تتمنى ان تتحول من الرواية لتكون فيلما سينما ، فعليك ان تضع الصور بمستوى الحركة التي تتناسب مع مشاعرك الروحية ، ثم تجسدها لتكون مشاهدا تؤرخ ما تريد ان تجعل فيه الأخر منبها وتعاطفا مع شخصوك في الرواية وممثليك في الفيلم .

تسمرت كمن يجلس أمام الشاشة وانا أتابع ما ستذهب اليها فصول الرواية بعد تلك المقدمة الصوفية التي تقدمت الرواية والتي أسميتها عشاق الله .

لاحقا سيتحدث نوزاد شيخاني مع كادر العمل عن السبب الذي دفعني ان اضع الرؤيا عبر رواية لأديب صربي كان قد حصل على جائزة نوبل في مطلع القرن العشرين . وسيكون عليه ان ينقل لهم اللحظات المشتركة التي تجمع كاتب الرواية ومخرج الفيلم ، وقد أخبرته ان الرواية بدأت بشراء مزهرية مسروقة لا يتعدى ثمنها ثلاثة اوروات او حتى عشرين ،ولكن المزهرية رسمت في زخرفتها قضية هائلة من مشاعر حركت في الليل تفاصيل ذكريات هذا الرجل الذي مزقوا أحشائه في كمب اللجوء ولم يكن هو معنيا في الأمر ،وحتى قبل ان اعثر عليه في مدينة بوخوم حيث يعيش وعائلته أحسست بأنه قد يعاني فقدانا اخر غير أمعائه التي تم استئصالها بعملية جراحية ، وكأنني اعرف ان مع كل ايزيدي اتى الى منفاه وهجرته القسرية معه قصة اقلها وقعا احتراق بيته وحقله وتهجيره عن وطنه وأكثرها تأثيرا وألما وإنسانية ان ينال واحدة من إناث البيت فاجعة السبي . حيث يتفاجيء العالم بتلك الصورة المستعادة من الاستعباد والامتلاك الوحشي وقد ظن العالم ان تلك العادة ذهبت مع عصورها ومبرراتها وتشريعها . وان الحضارة الجديدة ترى في السبي جرما وأذلال وانعداما للإنسانية حين يتم التعدي على حواء بهذه الطريقة.

بدأ الفصل الأول الموسوم (صدفة حياتية في الفلو ماركت ) وكأن الأمر لن يذهب سوى الى تفاصيل طقس أسبوعي يستخدمه المهاجرون كطقس للنزهة والتسوق وشراء ما يسمى في الشرق ( الأنتيكات القديمة ) ومنها مزهرية اشتريتها من الباني ادعى كذبا انها لنبيل الماني تركها في الشارع مع أثاث بيته بعد موته لتعطى الى البلدية التي ستحملها في اليوم الثاني وتسمى تلك الطريقة ( الشبيل مول ) .فأتى الألباني ليأخذها مع حاجات اخرى ويذهب بها الى بسطيته الأسبوعية في سوق السبت ( الفلو ماركت ) ليبيعها بسعر رخيص.

دراما تلك المزهرية هي من فتحت مغاليق الحكاية .وتحولت لتصنع الترابط في الأحداث بين ان تكون حقيقية وأخرى متخيلة ، لكني وانا احمل الكاميرا لتصوير ما يفدني في سرد الرواية التي كانت هاجسها الاول كنت ارسم على بدن الزهرية صورة جبل مردان حسو وهو يحمل محطات ذكرياتنا واحزن لانهم اخذوا من أحشائه اكثر من متر ولكني لم اعرف وقت الشروع بكتابة الرواية ان له مصيبة اخرى .وهو ان واحدة من بناته هي الأن سبية لدى داعش في مدينة الرقة وان رسائله المحملة بالكم الهائل من الحزن والشكوى والاسى تصل اليه مهربة بشق الأنفس وهو في المانيا.

وهاهي اليوم تصل الى طموح ان تكون فيلما سينمائيا يسكن أحلام صديقي المخرج الكبير نوزاد شيخاني وقد لامست الدمعة شاشات عينيه وقرر ان يعيش لحظة الرواية في سيناريو خاص لأجد نفسي منساقا الى تتبع خطواته منذ الورقة الأولى في السيناريو وحتى إعادة كتابة المشاهد والمعالجات الأخرى.

انه فيلم روائي طويل سيظهر كرسالة تنبيه الى ضرورة تخليص هذه الديانة من ظلم الأفكار الإرهابية  التي تبيح ظلما سبيها وذبحها وتهجيرها.

نعم نوزاد اخذ الرواية ليعكسها تمثيلا ورسالة فنية وإنسانية لينتبه العالم كله الى ما تعرض له شعبه من ظلم ،وأظنه كان يقرأ ويبكي مثلما فعلت أنا وربما فعلها ايضا داعم النشر الدكتور سعد ناجي وناشر الرواية الأستاذ ماهر الكيالي.

سنفكر بالخطوة التالية . الذهاب الى شاشات الحلم . ونبارك جهد ايام طويلة مشتركة في النقاش .وسندع للشاشة أن تكون ملاذا آمنا لأحلام بطلة الرواية . أماكن تصويره من كمب اللجوء في شوبنكن الألمانية الى سنجار وكوسوفو وجبال بنجوين وأهوار الجبايش . وفي النهاية التبشير بالحرية هي بضاعة الشعوب الحالمة بالحب الى جانب الخبز والوردة.

تحويل رواية الى فيلم استعداد طويل لأشهر وفي النهاية الاجتهاد بتحقيق ما يدركه المخرج في أعماق روحه وحرفته هو الجانب المهم في إنجاح كل عمل .

يقول المخرج العالمي نوزاد شيخاني : أن الحلم عندما يتحقق يحتاج الى إرادة وثقافة ورؤية . وحين قرأت الرواية في طبعتها الأولى .ادركت ان الشاشة تنتظرها وان أمامنا عملا طويلا .

هي الآن مجرد مشروع اكتملت رؤيته الأولى في السيناريو . ما يتبقى هو ان يرى العالم في الفيلم الروائي الطويل كيف أرادت تلك السبية الايزيدية الجميلة ان تختار حريتها عن طريق الانتحار.

RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular