عتبات النص الشعري يمتلك براعة البناء اللغوي القويم , الذي يعزف في شفافية الكلام الشعري الجميل , في دقة الاختيار في الرقة والعذوبة في اختيار المفردات اللغوية والبلاغية , الخفاقة في نبضها في الشعور والإحساس الوجداني الذاتي , كأن البناء اللغوي بمثابة , الارتواء من الظمأ والعطش الروحي الى أبجدية شعرية متلألئة بحروفها الوهاجة في قدرتها التعبيرية , في أدق مشاعر الانسانية وخاصة المرأة الحالمة بالحلم والحب العفيف , المؤطرة بالاطر الإنسانية الدافئة في عطرها ونسائمها , في التناسق الوثيق بين الحلم والانسانية . يشكلان مصدر الصراع القائم في الحياة والوجود , هذا التناسق المترابط , وجد ارضاً خصبة في العشب الشعري الاخضر , في براعة الاهتمام والضغط عليه , كأنه الهرم الاساسي في وجدان الذات ومشاعرها , والعزف على قيثارته , حتى يشعر القارئ بهذا التدفق الحالم , الذي يطرب الروح والوجدان في صوره الباذخة في المعنى , لكن الصور الشعرية في هندستها , تملك حزم من التأويلات المتنوعة والمختلفة , تختلف من قارئ الى آخر , لان الشاعرة ( أنعام كمونة ) سلكت الطريق الشعري في التلميح , وبالتصريح همساً في الاصطفاء والاختيار في معالم الحلم والحب الانساني , سلكت طريق الإيحاء الرمزي في الرؤيا والروى , تفتح اشرعتها في المنصات التأويلية متنوعة , لكن يبقى هاجس الحالم مصدر الحياة والوجود , ويرطب بنسائم عذبة لجفاف الحياة في عطشها وشقاءها بالقهر والحزن , تواسي صرخات الانين من الضحايا الابرياء , الذين يقعون في زوبعة التيارات العاصفة والمدمرة , قد تقلع الحياة والوجود معاً , لذلك يبقى الحلم والحب العفيف يؤرق هواجس الحياة , حتى لو كانت ضحية الشدائد والمصائب , التي تعكر سلامة الحياة , وتجهض مساراتها , وتجعلها عرضة لطعنات غادرة من كل حدب وصوب في الفعل اليومي والحياتي , في تداعياتهما الموجعة بالحزن والشعور الإنساني الموجع بالالم , الذي يشعر بالاختناق من الغدر بالحلم والانسانية , لياخذ الحياة الى مزالق خطرة في اهوالها , لذلك النص الشعري في قصائد الديوان , تعزف على الشعور الانساني كردة فعل قائم , تجاه هذه الغزوات التي تجهض مسار الحلم ,لكي تغرقه في متاهات خطيرة , أو تأخذه الى دهاليز ليس لها مخرجاً من عنق الازمة , ولكن رغم هذه الصعوبات الجمة , يبقى الحلم الانساني طوق النجاة للحياة والوجود , رغم انه يتعرض الى طعنات قاتلة بالغدر والعدوان واراقة الدماء ,لكن يظل الحلم الانساني يظل قائماً , على قاعدة وارضية خصبة لها وجهة نظر واقعية ووجودية , وليس توهيمات خيالية واهية تذهب مع ادراج الرياح , بل الحلم الانساني يظل رفيق الحياة والوجود , حتى لو تعرض الى افدح المحن في اهوالها الصعبة والقاسية , ان الحلم والانسانية يسيران معاً , وليس نزوة عابرة , او طارئة , لاتملك رصيداً , بل انهما من صلب الواقع المضطرب والهائج في مساراته المتقلبة في الصراع ,
لنأخذ بعض عينات من بعض النصوص الشعرية :
1 – الحلم يتهشم في اعماق البحر :
هذا هاجس الحلم الوصول الى المشتهى والمرام , عبر خوض مجازفة حياتية خطيرة في عبور البحر بقوارب الموت , ينتهي بهم المطاف الى عواقب وخيمة , تتهشم أحلامهم في أعماق البحر , ليكونوا طعماً شهياً لحيتان البحر , ويترك الامهات في لوعة الحزن الحارق , تندب حظهن العاثر في مواويل حزينة في الآهات والأنين , لان البحر انتزع ظلماً فلذات أكبادهن ,
أ…أضمتك دموع موجة بين حناياها صارخة لرضاعك..!؟
أ…أهدهدتك فراشات السواحل بكركرات احلامك..؟
كيف لي أن أُصدق ولعبتك بين يدي تعانـــــــــــــــــق..!!
استجار البحر بطيفك ..
رفع راياته البيضاء
ببسمات حتفك الباسق …
سرمدي هدير ذكراك… ينتـــــــــــــشي..
2 – ترنيمات الحلم :
يتغنى بزهوٍ وفخر بأصله ونسبه السومري , وانتمائه إلى أرض الطين والاهوار , ويخفق بجناحيه كالفراشات الحالمة في أريج الأقحوان , بالافراح والاعراس, ويدق مزامير الفرح برحلة الاهوار ب ( المشحوف ) لينسج انشودة الابتهاج بعطر رائحة قصب البردي والطين , ويهدي زهرة من شقائق النعمان الى الهة الحب ( إينانا ) و ( عشتار ) في أهازيج الحصاد تتراقص بين المنجل و( الفالة ) لتصدح في أنغامها في الاهوار .
ترانيم جداول سومرية العبق ….
يحدوها مشحوفاً *…
ملون الجراغد* …
يغازلُ رشاقة موج طحلبي السحنات
بمجداف ضوء أزرق
ينسج لحاء الأماكن
فراديس تبر برائحة القصب
تعانق خطى كركراتي الفواحة
بحناء ضفائر أُمي
وظلال سدرة تفيأها والدي لعناق صلاتهِ
كنا نسرد أحلامنا الفتية لنجوم (إنانا)
فتهدينا زهرة زقورية ……
تهودج المدى أعراس شبعاد …..
3- الحب المقتول :
في صبيحة يوم العيد , استيقظ الناس في فزع , على تفجير دموي مرعب , حول المكان الى حرائق ودخان وأشلاء متفعمة ومتقطعة , هذا الحلم بأيام الأعياد بان أن تكون متوهجة بحلة الفرح والابتهاج , تحولت إلى أيام كارثية حزينة . من قبل الذئاب البشرية المتوحشة( داعش ) في التفجير الدموي في منطقة الكرادة في بغداد .
بين الرصيف ولحظة قصوى ….
بسلام مبتور الوتين
احترقت زغابات الحلم
في كرادة ترابي على حين قضمة
والتصق لون الأسماء بجراح الهوية..؟؟
لن …. يثرينااا دمع نزف ….
لن …. يغنينااا صوت عصف …..
لو فاضت متاريس الخضراء …..
… مناااجم أسف …..
4 – شهادة الحلم :
يرتقي الحلم اعلى منزلة لينال الشهادة بفعل أيادي الغدر , من أرباب المقام والجاه والنفوذ , احتفلوا بنصرهم بنخب الفرح الكبير , و شربوا كؤوس العار من دماء فتية في عمر الزهور , لبوا نداء الوطن بالحلم الموعود أن يخرج الوطن من أزماته نحو رحاب الحرية , فكانت انتفاضة شبابية واسعة المدى , عمت المدن والساحات على اهازيج واغاني للوطن . لكن أصحاب السلاح والنار ( الطرف الثالث الملثم ) كان لهم بالمرصاد ليجهضوا انتفاضة الشباب بالدماء , اصبحت كالنهر الجاري من الدماء المسفوح على ترابة الوطن , فيا سيد الشهداء والامام العظيم , كما اغرقوك انت وعائلتك الكريمة بالدماء , فإن فتيتك في عمر الزهور , اغرقوهم ايضاً بالدماء , وهم يلبون نداءك العظيم ( ليس منا المذلة ) .
عذرا …… عذرا سيدي الشهيد وجعي
يتهافت مطرا
كلما رويتم صراط الشهادة بدموع دمائكم
يُلَوِحْ عناق أجسادكم الفتية
عرس مذابح بحناء الجراح..!!
وتهاليل رحيل خضبت مأتم الكفن بأنين الصباح
فيااا كبوة صهوة الوطن…
فرســــــــــــــان صهيل الخلود….
عمر.. علي.. هويات سلام
بأطياف قزحية
تحتسي البرد وتمنح الدفء
كيف تناثرت شهية أحلامكم الشجية…
أشلاء .. أشلاء
على سفوح عراق مستباح..!!!
وأوغاد الكؤوس تحتفي بنخب عار..؟!!
5 – ذكريات حالمة ايام العيد في الطفولة
تبقى ذكريات الطفولة ندية , عالقة بمذاقها كالعسل , أيام الاعياد في زمن الطفولة , في البهجة والفرح بقدوم العيد , يعني ملابس جديدة وحلوى وعيدية العيد , وصخب الأراجيح , والفرحة تعلو باصوات الاطفال , معطرة بالفرح العائلي , بطوفان الابتهاج , تبقى حلاوة هذه الذكريات العالقة في الوجدان لتلك الايام الجميلة , وليس أيام الحاضر المشبعة بالبؤس والاحزان والحرمان , تكون ايام الاعياد شحوب وجفاف ونحيب , نتجرع فيها الروح الألم بزفرة وجع السؤال( بأية حال عدت يا عيد ) .
أرسمك على زجاج عزلتي تجاعيد عتمة
يؤنس وحشتي جنين ذكريات
“بأيةِ حال عدت يا عيد”*
وكي أشذب زينة آهاتي بوجوبِ فطرةَ القدرِ..
أرتجلُ هفوةَ النظر…
لاسترق روح عيد بألوان حلوى
تزاحم هدايا جيوب جَديّ
وضجيج أراجيح تغمر حقول ايام غرور الفرح
كنا نَشُمُ فجر طفولة العيد بتكبيرة وضوء أبي
فتتعطر براءة الصباح بخضاب ضفيرة أمي
نلهوا براعم نرجس ببساتين نخيل..
أ..أراني أهذي بلسان سجية أيامي..؟ وأنتم..؟
يزاورني وجع السؤال..!!
×× عنوان الكتاب : اصطفيتُك همساً / شعر
×× المؤلف : أنعام كمونة
×× الطبعة الأولى : سنة 2023
×× من إصدارات مؤسسة المثقف سيدني / استراليا