كشف مسؤولون أمنيون تحدثوا لصحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية عن الأسباب التي أدت إلى فشل إسرائيل في منع وقوع الهجوم الذي شنته حركة حماس الفلسطينية، السبت، وأدى إلى مقتل أكثر من 1200 شخص في إسرائيل.
وعدد المسؤولون الأسباب الاستخباراتية والتشغيلية التي حالت دون منع الهجوم أو التصدي له بالسرعة المطلوبة.
وفي حين أن الأجهزة العسكرية والاستخباراتية الإسرائيلية من بين أفضل الأجهزة في العالم، أدت “الإخفاقات التشغيلية والاستخباراتية إلى حدوث أسوأ اختراق للدفاعات الإسرائيلية منذ نصف قرن” حيث تمكن المسلحون من عبور الجدار الحديدي، واقتحام أكثر من 20 بلدة وقاعدة عسكرية إسرائيلية.
وقال يوئيل غوزانسكي، المسؤول الكبير السابق في مجلس الأمن القومي الإسرائيلي: “إننا ننفق المليارات على جمع المعلومات الاستخبارية عن حماس… ثم في ثانية واحدة، انهار كل شيء مثل قطع الدومينو”.
وتشير الصحيفة إلى أنه قبل وقت قصير من دخول المسلحين الأراضي الإسرائيلية، فجر السبت، رصدت الاستخبارات الإسرائيلية زيادة في نشاط بعض شبكات الجماعات المسلحة في غزة التي تراقبها.
وبعد أن أدركت أن شيئا غير عادي يحدث، أرسلت تنبيها إلى الجنود الإسرائيليين الذين يحرسون حدود غزة، وفقا لاثنين من كبار المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين.
لكن التحذير لم يتم العمل به، إما لأنه لم يصل إلى الجنود أو لأن الجنود لم يطلعوا عليه.
وبعد فترة وجيزة، أرسلت حماس طائرات بدون طيار لتعطيل محطات الاتصالات الخلوية وأبراج المراقبة التابعة للجيش الإسرائيلي على طول الحدود، ما منع الضباط المناوبين من مراقبة المنطقة عن بعد بكاميرات الفيديو.
ودمرت المسيرات أيضا مدافع رشاشة يتم التحكم فيها عن بعد، والتي نصبتها إسرائيل فوق تحصيناتها الحدودية، ما أدى إلى إزالة وسيلة هامة للتصدي للهجوم.
وسهل ذلك على مسلحي حماس فتح أجزاء من الجدار الحدودي وهدمه بالجرافات في عدة نقط، ثم دخول آلاف المسلحين عبر الفجوات، في مشهد فاجأ الجميع، بالنظر إلى التكنولوجيا المتقدمة التي زُود بها الجدار لمنع عمليات التسلل.
ويظهر فيديو جرافة وهي تفتح ثغرة، فيما تجمع حولها عشرات الفلسطينيين. وبعدها دخل المسلحون الفلسطينيون البلدات القريبة، مثل سديروت وحي بيري وغيرها، وبدأوا بإطلاق النار على سكانها، وفقا لوسائل إعلام إسرائيلية وشهود عيان.
وهذه الإخفاقات، وفق نيويورك تايمز، هي ضمن مجموعة واسعة من الأخطاء اللوجستية والاستخباراتية التي وقعت فيها أجهزة الأمن الإسرائيلية والتي مهدت الطريق لتوغل المسلحين إلى جنوب إسرائيل، وفقا لأربعة من كبار المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين الذين تحدثوا بشرط عدم الكشف عن هوياتهم بسبب مناقشة مسألة حساسة وتقييمهم المبكر لما حدث.
وقال المسؤولون الأربعة إن نجاح الهجوم، بناء على تقييمهم المبكر، يرجع إلى أخطاء، من بينها، فشل ضباط الاستخبارات في مراقبة قنوات الاتصال الرئيسية التي يستخدمها المسلحون الفلسطينيون، والاعتماد المفرط على أجهزة مراقبة الحدود التي يسهل على المهاجمين إيقافها ما سمح بمداهمة القواعد العسكرية وقتل الجنود، وتجميع القادة في قاعدة حدودية واحدة تم اجتياحها في المرحلة الأولى من التوغل ما منع التواصل مع بقية القوات المسلحة، وتصديق ما قاله القادة العسكريون في غزة على قنواتهم الخاصة إنهم لا يستعدون لخوص معركة مع إسرائيل، مع العلم أنهم يعرفون أن هذه القنوات تخضع لمراقبة إسرائيل.
ومنذ الهجوم المفاجئ، صباح السبت، بثت “حماس” مقاطع مصورة تظهر إسرائيليين اختطفهم مسلحون بعد اجتياحهم مدنا وقواعد عسكرية.
وتم العثور على إسرائيليين مقتولين بالرصاص في سياراتهم، وتراكمت العديد من الجثث في محطة للحافلات، ووردت تقارير عن إشعال مسلحين المنازل لإجبار سكانها على الخروج.
وتشير نيويورك تايمز إلى أن الفشل الاستخباراتي حدث قبل أشهر من الهجوم، حيث اقترض قادة الاستخبارات بشكل غير صحيح أن حماس لا تنوي التصعيد ودخول مواجهات جديدة استنادا إلى أحاديثهم مع بعضهم البعض.
أما الفشل التشغيلي، فهو وفق اثنين من المسؤولين الأمنيين اعتماد نظام مراقبة الحدود بشكل شبه كامل على الكاميرات وأجهزة الاستشعار والمدافع الرشاشة التي يتم تشغيلها عن بعد.
واعتقدت إسرائيل أن الجمع بين المراقبة عن بعد والأسلحة والحواجز فوق الأرض وتحت الأرض سيمنع حماس من حفر الأنفاق وتسلل مسلحيها، وهو ما يقلل من الحاجة إلى تمركز أعداد كبيرة من الجنود على طول الخط الحدودي.
وعندما أطلع مسؤولو الاستخبارات الإسرائيلية كبار قادة الأمن، الأسبوع الماضي، على التهديدات الأهم التي تواجه إسرائيل، ركزوا على المسلحين اللبنانيين على الجبهة الشمالية، ولم يتم ذكر حماس تقريبا.
كانت صحيفة واشنطن بوست قد نشرت تقريرا عن الجدار الحدودي، مشيرة إلى أنه عند اكتمال بنائه في 2021، قالت وزارة الدفاع حينها إنه “سياج ذكي” يضم مئات الكاميرات والرادارات وأجهزة الاستشعار.
وقال وزير الدفاع حينها، بيني غانتس، إن “هذا الحاجز، وهو مشروع تكنولوجي من الدرجة الأولى، يحرم حماس من القدرات التي حاولت تطويرها ويضع جدارا حديديا وأجهزة الاستشعار والخرسانة بينها وبين سكان الجنوب”.
ويتكون هذا الحاجز من عدة مكونات: جدار خرساني مقوى تحت الأرض مرصع بأجهزة استشعار للكشف عن الأنفاق، وسياج فولاذي بارتفاع ستة أمتار، وشبكة من الرادارات وأجهزة استشعار المراقبة الأخرى، وأسلحة يتم التحكم فيها عن بعد، وفق وزارة الدفاع.
وتقول واشنطن بوست إنه في الجانب الإسرائيلي، أقيمت أبراج مراقبة وكثبان رملية لرصد التهديدات وإبطاء المتسللين.
لكن نظام التحكم عن بعد كان به ثغرة أمنية، وفق نيويوك تايمز، وهي أنه يمكن أيضا تدميره عن بعد.
واستغلت حماس هذا الضعف بإرسال مسيرات لمهاجمة الأبراج الخلوية التي تنقل الإشارات من وإلى نظام المراقبة، وفقا للمسؤولين وكذلك لقطات من المسيرات وزعتها حماس وحللتها صحيفة نيويورك تايمز.
وبدون هذه الإشارات، بات هذا النظام عديم الفائدة. ولم يتلق الجنود المتمركزون في غرف التحكم خلف الخطوط الأمامية إنذارات تفيد بأن السياج قد تم اختراقه، وبالإضافة إلى ذلك، تبين أن اختراق الجدار كان أسهل مما توقعه المسؤولون الإسرائيليون.
وسمح ذلك لأكثر من 1500 مسلح باختراق نحو 30 نقطة حدودية، ووصلوا إلى أربع قواعد عسكرية إسرائيلية على الأقل دون اعتراضهم.
وأظهرت صور شاركها مسؤول إسرائيلي إطلاق نار على عشرات الجنود الإسرائيليين أثناء نومهم في مساكنهم. وكان بعضهم لايزال يرتدي ملابسهم الداخلية.
أما الفشل العملياتي الآخر فكان السماح بتواجد قادة الجيش على حدود غزة في مكان واحد. وتبين أنه بمجرد اجتياح القاعدة التي كانوا فيها، قُتل أو جُرح أو أُخذ معظم كبار الضباط رهائن، وفقا لاثنين من المسؤولين الإسرائيليين.
وقد حال هذا الوضع، إلى جانب مشاكل الاتصال التي سببتها ضربات الطائرات بدون طيار، دون حدوث استجابة منسقة.
ومنع هذا أي شخص يعمل على الحدود من الفهم الكامل للهجوم، ومن بينهم القادة الذين هرعوا من أماكن أخرى في إسرائيل لشن هجوم مضاد.
وقال دان غولدفوس، القائد الإسرائيلي الذي ساعد في قيادة الهجوم المضاد: “كان فهم صورة الهجمات الإرهابية أمرا صعبا للغاية”.
ويشير إلى أنه التقى صدفة بقائد لواء آخر، وقررا بشكل مرتجل تحديد القرى التي يجب أن يعملا على تحريرها.
وقال: القرارات اتخذناها فيما بيننا فقط”.
وتشير الصحيفة إلى أن هذا الوضع، خاصة في المراحل الأولى، جعل إيصال خطورة الموقف إلى القيادة العسكرية العليا في تل أبيب أمرا صعبا.
ونتيجة لذلك، لم يشعر القادة هناك بالحاجة الفورية إلى غطاء جوي سريع وضخم، واستغرق الأمر ساعات حتى وصل سلاح الجو على الرغم من أن لديه قواعد تستطيع إيصال الطائرات إلى هذه الأماكن في غضون دقائق فقط، وفقا لاثنين من المسؤولين الإسرائيليين وناجين من الهجمات.