النظام الذي لم يعد يملك مصدرا للدخل الوطني، إلا بتجارة خارجية مكروهة وممنوعة دوليا، وبمادة مدمرة للمجتمعات، وهي حبوب الكبتاغون المخدرة، والتي بدأت ترعب دول المنطقة وخاصة دول الخليج.
ما فعله بشار الأسد بالشعب السوري، يحير الإنسان في نوعية العقوبة التي يستحقها، وما يمكن أن يكون عليه قصاص الشريحة المحاطة به. والذي أصبح على رأس عائلة تعرف على المستويات العالمية على أنها من إحدى العائلات الغارقة في الإجرام، ومالكة منظمات ترويج المخدرات على مستوى الشرق الأوسط، ولربما عالميا، ولا شك إن بشار الأسد ورث هاتين الميزتين، الإجرام وترويج المخدرات، من والده وعمه رفعت الأسد، لكنه تفوق عليهما، بمعية روسيا وأئمة ولاية الفقيه وأداتها قادة حزب الله.
تمكن بعملياته الإجرامية الشنيعة، في حض منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، على نقل المواد الملوثة من المصانع، وبها تم تنظيفها من المواد المترسخة فيها طوال العقود الماضية، والتي بعضها كانت قد نقلت من العراق في زمن صدام حسين. وبعد تفريغ المصانع، أعادوا تشغيلها وتغيير نوعية إنتاجها، مع تكليف مجموعات خاصة من وزارة متشكلة حديثا، وهي وزارة تجارة المخدرات، تقوم بمهام وزارة التجارة الخارجية لتصدير بضاعتها، أي المادة الأكثر والأسرع دخلا، وبها نشط قطاع التجارة الخارجية، بعكس القطاعات الاقتصادية الأخرى المدمرة، فكانت تلك نقلة غريبة في تاريخ التجارة الدولية.
لا شك هذا النوع من التجارة الممنوعة تساهم في تكوين الدخل الوطني لبعض دول العالم وبنسبة عالية، كبوليفيا وأفغانستان، لكن لم يحصل في تاريخ العالم أن تكون من ضمن مخططات مشاريع الدولة السنوية وتدرس كأحد أهم فروع الاقتصاد الوطني، كما فعله مافيا النظام في سوريا.
لم يقف بشار الأسد على حدود تدمير سوريا والشعب، بل غير النظام السياسي فيها إلى نظام الكارتيلات، مثلما نقل عضوية الدولة في الجامعة العربية، إلى عضوية في شبكة المافيات العالمية، وغير الصراع مع الشعب السوري والتي أستخدم فيها الأسلحة الكيميائية إلى جانب براميله الكارثية إلى حرب على شعوب المنطقة ببراميل المخدرات، يساهم فيها ما وراء الكواليس، المافيا الدولية المنظمة، التي تمتص الأموال من جيوب مجتمعات الشرق الأوسط، وخاصة الشريحة الشابة منها؛ عن طريق مادة بشار الأسد الوحيدة (حبوب الكبتاغون) المادة الوحيدة المتبقية للتجارة الخارجية والمصدر الأهم لجلب العملة الصعبة، بعدما قضى ليس فقط على الإنسان السوري بل وعلى بنيته الاقتصادية.
لا شك بدأ النظام في السنتين الماضيتين بالتخطيط مع المتحالفين معه، على محاولات تدمير شعوب المنطقة، بتواطؤ من بعض أنظمتها، إما رهبة أو رغبة، وبتقاعس الدول الكبرى روسيا وأمريكا من عهد باراك أوباما وإلى اليوم، الذين اختفوا أو تماطلوا خلف الحجج والتبريرات على حل القضية السورية، بل وبعضهم ساهم في تشويه المعارضة السورية، وتسليط المنظمات الإسلامية التكفيرية عليها، لئلا تنجح في إسقاط أحد أبشع الأنظمة الفاسدة في المنطقة، وإيقاف المد الثوري ضد الأنظمة الفاسدة في المنطقة، والتي ستؤثر سلبا على مصالح الدول الكبرى.
المؤلم أنهم استعملوا أخبث الأساليب السياسية لديمومة النظام إلى أن بلغ مرحلة الحوار مع العالم بعنجهية مجرم محترف، ويصبح عضو بارز ضمن كارتيلات مافيا المخدرات الدولية، وذلك بعدما أصبح في الحضيض الاقتصادي.
وللأسف لم تقف الدول المعنية بالقضية السورية عند هذا الحد، بل ساهمت في تحويل المعارضة الفاسدة ذاتها، إلى مرتزقة ومنظمات إرهابية لتخدم النظام، ومعها الدول الإقليمية التي لا تقل عنه إجراما ودكتاتورية كتركيا، التي أرسلت شرائح من الشباب السوري المعاني كمرتزقة إلى ساحات حروبه الخارجية.
طوال السنوات الماضية كان الصراع على قادم بشار الأسد ونظامه، الشعار الذي رفعه الشعب السوري في بداية المسيرات، واليوم أصبح على قادم سوريا بدونه. انتصر في الحالة الأولى عسكريا وبمعية روسيا بعد تدمير الوطن وما فيه، ويحاول اليوم في الحالة الثانية، تدمير شعوب المنطقة التي ساندت الشعب السوري ووقفت ضده.
وللحفاظ على السلطة، بعدما تأكد بأن سوريا لن تعود إلى الحياة بوجوده، أصبح يستخدم سلاح الدمار الشامل، بمعية أئمة ولاية الفقيه، وبنوع مختلف من السلاح النووي الطامح إليها إيران، بل الأكثر فتكا (المخدرات) وبمعية حزب الله أداة أئمة ولاية الفقيه، ولا يستبعد أن تكون هناك شخصيات متواطئة معه من أنظمة الدول العربية، في مقدمتهم قادة من العراق، ومسؤولي الحشد الشعبي، وأحزاب شيعية أخرى. أي أن الصراع في المنطقة انتقلت من الحروب بالأسلحة الكلاسيكية، إلى حروب لتدمير الأدمغة، والعلاقات الاجتماعية.
سيستمر هذا الصراع، ويتوسع جغرافية انتشار حبوب الكبتاغون في قادم الأيام، فبعد دول الخليج ستدخل تركيا والدول الإقليمية الأخرى، حينها ستجد تركيا أن عدوها الرئيسي ليست الإدارة الذاتية، بل نظام المخدرات، وفي مقدمتهم إيران، العدو التاريخي للدولة العثمانية السنية، والحاضرة اليوم بحكومة العدالة والتنمية ورئيسها أردوغان المدعي بزعامة العالم السني. كما وعندما تلوج حبوب كبتاغون أبواب أوروبا وأمريكا، حينها ستبدأ الدول الكبرى بجدية وضع نهاية لنظام بشار الأسد، ولا نستبعد بأنهم سيحتاجون حينها إلى القوات الكوردية للتغيير في قادم سوريا كما احتاجوا إليهم للقضاء على أقذر المنظمات الإرهابية في العالم (داعش).
نشرنا مقال حول هذا الموضوع في 1/8/2023 تحت عنوان (مستقبل النظام في سوريا)، قلة من أنتبه إلى الإشكالية الخطيرة، التي تواجه شعوب المنطقة، خاصة وأن الأنظمة تحاول أن تخفي الحقائق عن الإعلام رغم إنها أصبحت في مقدمة الإشكاليات المدرجة في الحوارات التي تمت مع نظام بشار الأسد مؤخرا، وكانت من أهم أسباب تقبل الجامعة العربية له، ومحاولات التطبيع معه، على أمل إقناعه بهدم مصانع الكبتاغون، وإيقاف المافيات المكلفة بالتوزيع في المنطقة، وخاصة في الأردن ودول الخليج حالياً، وعلى الأرجح سيتم التركيز على تجارته الخارجية بشكل علني، أي ستنتقل الحوارات في هذا المجال من خلف الكواليس الدبلوماسية-السياسية إلى العلن، وعلى المستويات الدولية، وعرض القضية بشكل علني على طاولة الحوارات، قبل الإقدام على إزالته.
ومن شبه المؤكد أن الدول التي ستقوم بالحوار ستفشل، وبالتالي لن يبقى باليد سوى العمل على قطع المساعدات والدعم الروسي له، والقادمة من إيران وحزب الله، دونها المخدرات ستجتاز حدود دول الخليج، وستصل إلى أوروبا وأمريكا، والحرب حينها ستكون ليس فقط على وجود أو إزالة بشار الأسد بل كيفية القضاء على الكارتيلات التي أصبحت تجني المليارات من نتاج مصانع الأسلحة الكيميائية في سوريا والتي ساعدت المنظمة الدولية (منظمة حظر الأسلحة الكيميائية) على تجهيزها للنظام بشكل غير مباشر عندما نقلت موادها القديمة والتالفة، ونظفت المعامل للتحول وبسهولة إلى مصانع لإنتاج حبوب الكبتاغون.
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
30/9/2023