المخدرات هذا البلاء الاعظم الذي انتشر بشكل مريب في البلاد اصبح في وضع لا يمكن السكوت عنه ى ولا بد من معالجة مستعجلة لإيقافه وبالتدريج التخلص منه ، المخدرات “وبخاصة الترياق الإيراني والحشيش المعروف” كانت موجودة ولكن ليست كما عليه الآن، تسعفني ذاكرتي بعد انقلاب 8 / شباط / 1963 المشؤوم كان وجودها في اماكن ومقاهي في باب الشيخ وبني سعيد ومنطقة الفضل والكرادة ومناطق في الكرخ… الخ، كانت تدار من قبل البعض من “الاشقيائية ” وعصابات التهريب، البعض منها بعلم مراكز الشرطة وفق عمولات متفق عليها، لم تبق هذه الحالة البدائية بعدما تطورت الاوضاع وبخاصة الزيادة المطردة في عدد السكان والانقلابات العسكرية، وارتفاع نسب البطالة والفقر، واستمرت الحالة بدون إيجاد حل جذري حتى سنت قوانين تحمل في طياتها عقاب يصل إلى الاعدام لكن ذلك لم يفد ولم يمنع تجار المخدرات من مواصلة عملهم في التهريب فحسب بل توسعوا فيها بإضافة انواع أُخرى من المخدرات وتوسعت قاعدة المدمنين وانظمت فئات جديدة مع ازدياد عدد السكان وهذه القضية مرت بمراحل عديدة
ـــ المرحلة الاولي: العهد الملكي الاستعمال ضعيف
ــــ المرحلة الثانية: ثورة 14 تموز 1958 قلت اثناء السنة الاولى من الثورة
المرحلة الثالثة : انقلاب 8 شباط الدموي المشؤوم بقيادة القوى القومية ضمنها حزب البعث العراقي، ازادت عن الاول بسبب الارهاب والاعتقالات وفقدان الثقة بالمستقبل ثم عودت الحرب ضد الحركة الكردية
المرحلة الرابعة : حكم الأخوين عبد السلام وعبد الرحمن عارف وإسقاط حكم حزب البعث العراقي بسبب الاوضاع الاقتصادية السيئة وارتفاع نسب البطالة والفقر وعدم وجود فرص للعمل
المرحلة الخامسة: انقلاب 17 تموز 1968 بقيادة حزب البعث العراقي وتحالفه المشبوه
المرحلة السادسة: احتلال العراق واسقاط سلطة صدام حسين وحزب بعث العراق توسعت بشكل كبير واصبحت البلاد محطة للاستقبال وترحيل والاستعمال.
ولهذا نجد أن لكل مرحلة من المراحل المذكورة حدوث تطوير في الاساليب والكميات وانواعها وانتشارها وتعاطيها، كما كانت هناك قفزات اثناء الحرب العراقية الإيرانية، وحرب الخليج الثانية لكل مرحلة اساليب وخطط ونتائج تحتاج الى تفاصيل كثيرة ولهذا سوف نتناول النتائج الاخيرة لهذه المراحل ونحاول ذكر التفاصيل في عدد من النقاط تشمل كل المراحل ، أما مرحلة الاحتلال والسقوط ونحاول جهد الإمكان ذكر التفاصيل الرئيسية لانتشار المخدرات بكل اصنافها
1 ـــ الاوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية غير المستقرة
2 ـــ الانقلابات والحروب الداخلية والخارجية من قبل النظام السابق
3 ـــ عدم وجود فرص عمل وارتفاع الأسعار
4 ــــ البطالة التي تضاعفت نتيجة الحروب والإرهاب
5 ـــ سقوط النظام واحتلال البلاد
6 ـــ نظام المحاصصة الطائفية الذي بني على التحاصص في جميع مرافق الدولة والمجتمع
7 ــ ظهور المافيا المنظمة التي تقوم بكافة الاعمال الاجرامية بما فيها التخصص في تهريب المخدرات المختلفة والمتاجرة بالسلاح والبشر
8 ــ اختراق المؤسسة الأمنية وبحماية مسؤولين في التنظيمات المتنفذة والميليشيات المحمية من قبل البعض من اجهزة الدولة.
كانت العاصمة بغداد في العهد الملكي وفي العهد الجمهوري بعد ثورة 14 تموز 1958 تحبو كما يقال في التوسع وقيام البعض من العشوائيات مثل “الشاكرية وخلف السدة (الميزرة ) وغيرهما حيث انتقل من الريف مئات الآلاف من الفلاحين الفقراء هاربين من ظلم الأقطاع والفقر والجوع، في العهد الملكي كان ضعف انتشار المخدرات في بغداد وعموم العراق يعود اول ما يعود لقلة نفوس العراق الذي تدرج منذ تأسيس الدولة العراقية حتى عام 1958 حوالي ما بين ( 3 ـــ 7 ) ملايين نسمة ولهذا كانت بغداد تختص بحصة الأسد من النفوس ومن المخدرات، الحال تطور مع ازدياد نسبة السكان في المحافظات، حيث انتقلت المخدرات على مر السنين الى جميع المحافظات في التوزيع والاستهلاك وتهريب المخدرات المتعدد الأوجه، حتى وصل الأمر أن كل المحافظات اصبحت ضمن دائرة الاستعمال والاستهلاك ولا توجد محافظة مستثنية إلا في الكمية وحسب العلاقات الاجتماعية، في هذا الصدد أكد في حديث متلفز( العقيد بلال صبحي ) مدير العلاقات والإعلام في مديرية مكافحة المخدرات أن ” تجارة المخدرات جريمة عابرة للحدود تستهدف العراق وترتبط بالعديد من الجرائم الأخرى، وأصبحت عصابات المخدرات تستهدف المجتمع بسبب الفقر والبطالة واستدراج الشباب الى هذه الآفة وهناك عدة أسباب أدت الى انتشار المخدرات منها امنية واقتصادية ومجتمعية ”
أن المعني بالمخدرات ” جريمة عابرة الحدود ” يعني البعض من الدول وفي مقدمتها إيران لأنها الوحيدة التي تمتلك تاريخ طويل في تهريب المخدرات والتعامل بها وبخاصة لها حدود غير قليلة مع افغانستان المشهورة بزراعة القنب وتعتبر اكبر منتج للأفيون في العالم وفق استطلاعات للأمم المتحدة وقدر مكتب الأمم المتحدة المختص بالمخدرات والجر يمة دراسة كشفت على ان زراعته تتراوح ما بين ( 10،000 و 24،000 ) هكتار من القنب يزرع في أفغانستان، وفي هذا الصدد ايضاً قال أنطونيو ماريا كوستا المدير التنفيذي للمكتب وهو تقدير قديم بعض الشيء ” في حين أن زراعة القنب معروفة في بلدان أخرى، إلا أن العائد المذهل من محصول القنب الأفغاني يجعل من أفغانستان أكبر منتج للحشيش في العالم، ويقدر محصول الحشيش بما يتراوح بين 1,500 و3,500 طن في السنة” وهناك دول أخرى في آسيا ودول عربية تقوم بمهمة الزراعة بشكل سري وبحماية ميليشيات طائفية متحالفة مع المافيا المسلحة مثل لبنان وغيرها وتعتبر تايلاند من الدول المعروفة في قضايا الحشيش وزراعة الماريغونا التي الغت تجريمها، كما أن هناك دول عديدة شخصتها الأمم المتحدة تقوم بمهمات الزراعة والتصنيع والتهريب وقد ذكرنا البعض منها باعتبارها جريمة من خارج الحدود تُصدر بحماية المافيات والميليشيات المسلحة داخل البلاد، ومثلما اسلفنا ان انتشار المخدرات في العراق ازداد اضعافاً عن السابق بعد الاحتلال الأمريكي وإسقاط النظام الدكتاتوري وقيام حكومات المحاصصة الطائفية وأصبحت حدود البلاد ” خانجخان” لكل من هب ودب وأصبحت مصابة بهذا الداء على الرغم من فرض عقوبات قاسية على المتعاطين والمتاجرين تصل لحد الإعدام” كقانون المخدرات رقم 70 لعام 2014 ، ونضرب مثالاً من جنايات بابل من بين العديد من الأمثال من القضايا فقد ذكر مجلس القضاء الأعلى إنه ” تم اصدار حكما بالإعدام شنقا حتى الموت بحق ثلاثة من كبار تجار المخدرات يعملون ضمن شبكة دولية للإتجار بالمخدرات تمتد من” تركيا مرورا بكافة محافظات البلد الشمالية والوسطى والجنوبية”. وحسبما ذُكر عنهم في لوحة الاتهام تم ” ضبط ما بحوزتهم خمسة وستون كيلوغراما من المواد المخدرة من نوع صفر واحد (الأمفيتامين) اثناء القبض عليهم داخل مدينة الحلة من قبل رجال الأمن الوطني في بابل”. هذه امثلة صغيرة وصغيرة جداً امام ما نشر وينشر عن انتشار هائل للمخدرات ومع ذلك فإن المافيا المنظمة والمختصة بالتهريب والتوزيع استطاعت الإفلات في العديد من المرات وبقت تسعى في اتجاه عملية توسيعها بين الشباب الذكور، واستطاع المجرمون من نشر مواد كانت غير معروفة مثل مادة الكريستال والحشيشة وهي تمر خلال محافظة العمارة ” ميسان” بينما تدخل الحبوب المخدرة عن طريق محافظة الأنبار وخير مثال ما أعلنته قيادة شرطة الأنبار الأربعاء 15 / 3 / 2023 ونشر في موقع الطريق للحزب الشيوعي العراقي يوم 16 / 3/ 2023 ، ” ضبط ( 2.6 ) مليون حبة مخدرة وأشارت القيادة بعدها حيث ” تم القبض على (م.ع.ج) سائق عجلة نوع تريلة وضبط بحوزته حبوب مخدرة عدد (٦٠٠،٠٠٠) الف حبة مخدرة نوع كبتاجون” حيث اصبح العدد الإجمالي الكامل “ا مليونين وستمائة الف حبة مخدره نوع كبتاجون” وهناك رأي واضح بأن المحافظات الجنوبية وفي مقدمتها محافظة البصرة تكاد لا تخلو من هذا الداء، والمحافظات الجنوبية هي الأكثر انتشاراً واستعمالا ما عدا العاصمة بغداد التي تعتبر الأكبر والأوسع لأسباب عددية ، وكما ما يظهر على الرغم من الجهود المبذولة من قبل مديرية مكافحة المخدرات والأجهزة الأمنية فإن الانتشار مستمر ولا آفاق قربيه لأنهاء هذه الظاهرة بسبب وجود حاضنات وفي مقدمتها البطالة والفقر وعدم الوعي بمضار المخدرات والامية والتهميش والفساد والعلاقات الأخطبوطية مع البعض من المسؤولين الراعين للميليشيات والمنظمات الإرهابية والعصابات المنظمة ، إذن قضية داء انتشار المخدرات وأنواعها أصبح في الوقت الراهن كارثة حقيقية لا تقل عن خطورة الإرهاب ولا خطورة الجفاف ولا الفساد المالي والإداري ولا السلاح المنفلت بيد الميليشيات الطائفية ولا تقل عن التدخلات في الشؤون الداخلية لأن المخدرات اضافة الى تدمير في اقتصاد البلاد والاستيلاء على الأموال وتهريبها خارج الحدود فحسب بل انما نشر العاهات الاجتماعية والفساد الأخلاقي والدعارة والاتجار بالبشر وتفشي مختلف الامراض وتعطيل قدرات الشباب، وهي اهداف لطالما عملت بها تلك القوى المعادية للشعب والوطن، اما قضية الوقاية من المخدرات فهي عملية تحتاج الى طرق علمية تربوية ووقائية للتخلص من الاثار السلبية التي تتركها المخدرات منها صحية ونفسية ومالية غير قليلة وهي تكون محط اهتمام وفضول الشباب الصغار، ولكي تكون الوقاية منها صحيحة فذلك يعتمد على نشر الوعي الصحي والثقافي بدلاً من التهديد والتخويف والعقاب لان التوعية العلمية تعتمد على خلق الوعي الاجتماعي والصحي ومنها الانطلاق الى التحفيز ومن الافضل البداية للوقاية من المخدرات في المدارس الطلابية والجامعات وتعاون المؤسسات المختصة التربوية والاعلامية وتخصيص برامج علمية وبثها من خلال التلفزيون والاذاعة ونشرها في الصحف والمجلات على شكل دراسات ومقالات وقصص ادبية للمعالجة فالتوعية الاعلامية لها تأثيرات مباشرة وتدخل الى حياة الاسرة بطيب خاطر اضافة الى اهتمام الحكومات ومؤسساتها في قضية الوقاية ومحاربة تلك العصابات والمافيا المتخصصة في ادخال المخدرات او توزيعها بهدف الربح المادي من صحة الانسان وتلعب الرقابة دوراً رائداً في التدخل والسرعة للحد في البداية من الكارثة قبل اتساعها.
ان العراق يحتاج الى جهود جبارة وتعاون مثمر بين المؤسسات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني وكل القوى التي تهتم بالعمل للتخلص من هذه الآفة المدمرة، ولكن الحكومة هي المسؤولة عن فرض الأمن وإيجاد فرص عمل للتخلص من البطالة والفقر، واستخلاص التجربة للتعاون المنظمات الدولية للاستفادة من الطرق والاساليب التي اتبعت او تتبع للحد من ظاهرة انتشار المخدرات.