كلية الآداب والعلوم (قسم الآثار) جامعة حران، شانلي أورفا، تركيا
bacikyildiz@harran.edu.tr
الحلقة (4-6)
قام الايزيديون ببناء هياكل ضخمة لمقابر موتاهم مصحوبة بأهم رموز دينهم في المقبرة الجديدة. الرموز الرئيسية للدين الإيزيدي، التي تظهر هو صورة الطاووس المنقوش بشكل بارز على الحجارة المقطوعة، بالإضافة الى ظهور تماثيل معدنية وزخارف الطيور والشمس والقمر في نهاية شواهد القبور وواجهات الأضرحة. يعتبر الملاك طاووس (Tawûsî Melek)، الرمز الأكثر تميزًا للعقيدة الايزيدية، يتم تجسيده في سبع رايات معدنية فقط (سناجق- رايات) في الماضي. وكانت هذه الرايات مخفية عن غير الايزيديين. ويتم إخراجهم من أماكن اخفائهم خلال الاحتفالات والطقوس التي يقيموها فيما بينهم فقط. لم يكن بإمكان الإيزيديين ممارسة شعائرهم الدينية بحرية في أراضيهم أبداً. كما لم يتمكنوا من بناء المعابد أو الكشف عن دياناتهم علنًا. لقد بنوا واستخدموا الأضرحة والمعابد (المزارات) لإتمام طقوسهم بدلاً من المعابد على مرّ تاريخهم. علاوة على ذلك، لم يكن من الممكن رؤية تمثال Tawûsî Melek على أضرحتهم ومقابرهم ونقوشاتهم حتى وقت قريب جدًا. منذ بداية عام 2000، أصبح الإيزيديون أكثر شهرة وقبولًا حول العالم؛ لديهم حق التعبير عن أنفسهم بحرية أكبر في بلدان الغرب، ولديهم فرص مقارنة دينهم مع الأديان الأخرى، وبدأوا في الكشف عن رموزهم الدينية، مثل رمز Tawûsî Melek بدون خوف على قبورهم وفي منازلهم، وفي مراسم الزفاف وعند اقامة الطقوس. تعتبر مقبرة حسن بك من بين إحدى هذه المقابر التي يعرض فيها الإيزيديون أشكال الطاووس على شواهد قبورهم، في المقام الأول بنقوش بارزة، ولكن أيضًا على شكل منحوتات ثلاثية الأبعاد. (Faravahar)(1) أو فروهر بالفارسية، قرص الشمس المجنح مع صورة رجل جالس في الوسط، يستخدم أيضًا في بعض الأمثلة للإشارة إلى ارتباطهم بالزرادشتية. القبة الثلاثية المخروطية الشكل لمعبد لالش في كردستان العراق، الذي هو مركز حج الإيزيديين، تصف على أنها الصورة الأبرز على بعض الأمثلة. كما تم استخدام الزخارف النباتية الهندسية المنمقة بكثرة لتزيين وترميز المقابر. وبنفس الطريقة بدأوا بإظهار رموزهم العرقية بحرية أكبر إلى جانب رموزهم الدينية في هذه المقبرة. من الممكن رؤية القصائد والترانيم باللغة الكردية على شواهد القبور، اللغة التي تم تجاهلها ومنعها في تركيا منذ عقود.
كما ذكر جَسورْ كاراجا، المسؤول عن المقبرة منذ تأسيسها، بإن تم بناء هذه المقابر بتكليف من أقارب المتوفين، من قبل بنائين مسلمين، استخدموا فيها حجارة من مقالع مديات ونصيبين. ويعتبر أحمد بلغيچ من أهالي نصيبين، البَناءْ الرئيسي لشواهد القبور على شكل تابوت حجري مبني بالحجارة المقطوعة والموضوعة فوق بعضها البعض؛ Aldulgani من مديات هو رئيس بَنائي المقابر والأضرحة المقطوعة من حجر مديات، وعلي دورسون من مديات هو الذي يتقن بناء القبور من الرخام والجرانيت. كما يقوم نفس البناؤن ببناء وتزيين قبور المسيحيين والمسلمين في ماردين ومديات ونصيبين وغيرها من المدن وقرى هذه المنطقة. ويعتبر أحمد بلغيچ أيضاً الحرفي الذي يبدع في عمل صور الطير طاؤوس وتزيين القبور والأضرحة بها، والتي تعكس صفات فنية عالية. لذلك فإن شكل قبور الايزيديين، تشترك في أوجه التشابه الأسلوبي مع شواهد قبور المسلمين والمسيحيين في نفس المنطقة من حيث الشكل والمميزات الزخرفية. إلا أن أبرز السمات التي تميز المقابر الأيزيدية عن المقابر الإسلامية والمسيحية، هي استخدام القباب المخروطية والعلامات والرموز الدينية الايزيدية.
معظم الأشخاص المدفونين في المقبرة هم من الايزيدية المقيمين في ألمانيا. بسبب الصراع والعداء، كان الأيزيديون يخشون من إحضار موتاهم إلى أرض الوطن. وهكذا قاموا بدفنهم في ألمانيا، لكنهم بدأوا في إحضار جنازات أمواتهم، ولا سيما بعد عام 2000. وهناك حالات يدفن الايزيديون موتاهم في ألمانيا، لكنها حالات نادرة. بالنسبة للإيزيديين، يعتبر الوطن مقدس حيث إن قبور أماتهم وأباءهم وأجدادهم ترقد هناك أيضًا، وعلى كل إيزيدي أن يعود إلى أرضه في يوم ما. لذلك فهم لا يريدون ترك موتاهم في أوروبا. يتأسف الجيل القديم الذي يعيش في ألمانيا على مغادرة قراهم والذهاب إلى ألمانيا ويريد العودة إلى قراهم قبل أن يموت، لكن الجيل الجديد الذي ولد وترعرع وتعلم في ألمانيا ، لا يريد العودة. هذه الفجوة بين الأجيال تسبب مشاكل داخلية للمجتمع الايزيدي في ألمانيا.
تتبع الحلقة الخامسة (ممارسة مظهر من مظاهر الهوية الخاص بالدفن)
الهوامش والمصادر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) هذا فصل من كتاب الدكتورة بيركول آجيكيلدز، قمت بترجمته من اللغة الانكليزية، وهو منشور في المجلة العلمية الدولية (إيران والقوقاز)) ، المجلد 27 لسنة 2023، مطبعة Brill الصفحات 22-38، وذلك لاطلاع المهتمين بالشأن الايزيدي.
(1) فاراڤاهار (Faravahar) أو (فروهر) باللغة الفارسية، هو رمز الديانة الزرادشتية، ويحتوي على صورة لزرادشت على شكل طائر، وهو موجود على شكل آثار قديمة في عدة أماكن من بلاد إيران. (خليل)
سعادة الدكتور خليل جندي. الجزيل الأحترام:
شكرا لجهودكم على هذه الترجمة..
كما لا يخفى على سعادتكم إن الأيزيدية ك (شعب) منقسم إلى مجتمعات مبعثرة وكل مجتمع له عاداته وتقاليده التي جلبتها إلى الأسرة الأيزيدية الجيران وتلك المجتمعات بثقفاتها وأديانها وقومياتها وأرثها الأجتماعي المتعدد..
تأسيسا على ذلك علينا أن نشير إلى المجتمع وموقعه قبل تناول ظاهرة اجتماعية أو أرث ثقافي معين ـ وهذا ما فعلته الباحثة تماما وكأنها تدرك خفايا المجتمعات الأيزيدية بالبصيرة، أو ربما هي مطلعة تماما على ذلك لقربها منهم واحتكاكها بهم..
اتفق مع الباحثة (ولا ادري ما اسم كتابها ) يبدو إن جنابك لم تذكره ولا دار النشر ..الخ..أقول أتفق معها جزءيا بأن الموت نفسه .. ساعة الوفاة.. مراسيم الجنازة .. الموسيقة المصاحبة للدفن ..وحضور رجال الدين.. أخ الآخرة..القوالون..الخ وكذلك القبور .. شكل القبور .. أن يشير القبرإلى المشرق والمغرب ..ألخ كل هذا يعطي دلالة لتصور جزء من هويّة الأيزيدي وتكمل هذه الدائرة الصغيرة بالإشارة إلى التناسخ وإعادة الروح إلى الحياة مرة ثانية والقصة معروفة لجنابكم ولكنها مهمة لتكمل بها معادلة معرفة الهوية..جزء من الهوية..
تأسيسا على هذه المقدمة الطويلة وأعتذر مقدما عن طولها .. سأتناول الدفن في مجتمع شنكال الجنوبي وهو مشابه لمجتمع شنكال الشمالي:
يحفر القبر عميقا . ويدفن المتوفي ملفوفا بكفن أبيض … قبيلة الفقراء يلفون موتاهم بالخرقة المقدسة.. وترص الحجارة على الجثة، ثم تنهال عليه التراب .. دون أن أن تكون هناك زخرفة وزينة للقبر ..للقبور.. حتى تنزا شآبيب الرحمة عليه من السماء على شكل مطر في المواسم المتعاقبة .. بعض القبور لبعض الشخصيات أو الشباب كانت تزين بجدائل الفتيات والنساء اللواتي قصقصن جدائلهن حزنا على المتوفي مثل قبر رئيس عشيرة القيران الشيخ خدر.. وأستمر هذا الأمر حتى وقت الحرب العراقية الأيرانية ..وبعد استشها الشباب الأيزيدي في الحرب زينوا القبور وبنوا عليها القصور …ألخ
في الختام نلتقي على أمل كتابات أخرى