لكل شعب لغة تشير إليه، مثلما أنه يعرّف بنفسه من خلالها طبعاً، وقومية ترسم خصائصه الثقافية، كما تحدد هويته الاجتماعية والسياسية، وتميّزه عن الشعوب الأخرى، وبالتالي، يكون له تاريخ، وفي هذا التاريخ أحداث ووقائع، مناسبات تخص أفراحه وأحزانه.
لكن الذي يعرَف به إلى جانب القومية، وهي حديثة العهد، هو الدين. وقد نجد شعوباً مختلفة، وهي قوميات مختلفة، يجمعها دين واحد، بسبب الظروف التاريخية طبعاً.
وليس هناك شعب إلا وعرف مجموعة أديان عرفها ودخلت حياته في أزمنة تاريخية مختلفة.
هكذا نقرأ تاريخ الأديان في المنطقة. والشعب الكوردي، من بين هذه الشعوب، وقد عرف في تاريخ الطويل أدياناً كثيرة، من الزرادشتية والإيزيدية، وهما ديانتان كورديتان في الأصل، إلى كل من اليهودية والمسيحية والإسلامية.
وإذا كان هناك نسبة كبيرة من الكورد يعرَفون بالإسلام كدين، إلا أن هذا لا يعني أنهم لم يكونوا في نسبة منهم يهوداً ومسيحيين تاريخياً. إن تعرض الكورد للحروب والغزوات يقف وراء هذا التنوع .
في الحالات جميعاً، يبقى الكورد معروفين بأنهم يمثّلون شعباً له تاريخه المختلف، وهويته المختلفة، من خلال قوميته المختلفة التي يعرَف بها كذلك: القومية الكوردية .
وفي عصرنا الحديث، أي منذ أكثر من قرن، يناضل الكورد لتأكيد حقهم في الوجود، رغم تمزقهم بسبب الاستعمار، وتجزئتهم بين أربع دول، دفاعاً عن حقوقهم التاريخية المشروعة في أن يكون لهم كيان سياسي، وهوية قومية ضمن حدود جغرافية، وله علمه..
وإذا أردنا الربط بين الدين والقومية، نجد أن الذين تقاسموا كوردستان والكورد فيما بينهم، يجمعهم دين واحد في الغالبية، لكنهم يمثّلون ثلاث قوميات لا صلة أبداً فيما بينها.
وهم في استبدادهم بالكورد، ومحاولة ربطهم بما هو ديني، من منطلق أنهم أخوة، لكنهم في الوقت نفسه، لا ينسون أبداً، أنهم يشددون على الرابط القومي، وباسمه يحاولون منع الكورد، وبكل الوسائل، في أن يقوّوا ذلك الشعور القومي الذي يوحدهم، واستعمال اللغة العاطفية التي تشدد على مفهوم ” الأخوة ” لكي يضعِفوا ذلك الشعور القائم على أساس قومي .
من المؤسف جداً أن هناك من الكورد من ينسون تلك الأساليب الماكرة، والوسائل التي لا تخلو من التهديد، تلك التي يعتمد أعداؤهم الذين يحاربونهم في لغتهم، في هويتهم، في عاداتهم وتقاليدهم، وفي تاريخهم وجغرافيتهم، وهم يتعاونون فيما بينهم، لإبقاء الكورد مبعثرين، ومأخوذين بما هو ديني، وليس قومياً، والتاريخ الحديث والمعاصر، لا يخفي أساليب العنف الفظيعة، والدموية، ومنها ما يدخل في إطار المجازر الجماعية، والجينوسايدات، تعبيراً لتلك العنصرية التي تتمثل إبقاء الكورد دون اسمهم، ومن مرتبة أقل اعتباراً إنسانياً، وهذه المصلحة المشتركة، هي التي تدفع بأعدائهم لأن يتعاونوا فيما بينهم، وإقامة تحالفات، وتبادل معلومات لهذا الغرض ضدهم.
ولو أن الكورد انطلقوا من شعور قومي، كما هو حال أعدائهم، ولو بنسبة بسيطة، لعرفوا أنفسهم أكثر، ولربطوا دينهم بقوميتهم، وليس العكس، أي كما يتصرف أعداؤهم، حيث فصّل كلٌّ منهم، دينه، وهو واحد، بحيث يتناسب مع ثقافته، وتاريخه، وعاداته وتقاليده وقوميته تحديداً.
أحرامٌ أن يشدد الكورد على قوميتهم، ودون أن يتخلوا عن دينهم، بالمقابل، كما يتصرف أعداؤهم،حيث يحلل أعداؤهم هؤلاء، كل الأساليب القائمة على العنف والقتل للكورد، وحرمانهم من حقوقهم القومية المشروعة، ومن موقع القوة، وهم يلجأون إلى ضربهم بعضهم ببعض؟
ليس في هذا المطلب ما يهدد أحداً، إلا إذا فضّل مصلحته الشخصية أو الفئوية على مصلحة شعبه القومية والإنسانية المشروعة..!!
إن التركيز على الوعي القومي الكوردي، حق مشروع، وهو المسلك الوحيد الذي يرفع من مكانته، ويمنحه القوة، للنظر إلى الأمام،وقد وحَّد قواه، ومن منطلق قومي منفتح..دون ذلك لا خلاص له من ظلم الأعداء لهم، ومن ظلم بعضهم للبعض الآخر.. !!