أولاً: الصفات التي ينبغي توفرها في المعلم:
أن المهمة الملقاة على عاتق المعلم هي بكل تأكيد شاقة وجسيمة، فهي تهدف إلى إعداد الأجيال المتلاحقة، جيلاً بعد جيل، اجتماعياً وأخلاقياً وعاطفياً، والعمل على تهيئة كل الوسائل والسبل التي تمكنهم من تنمية أفكارهم وشخصياتهم بصورة تؤهلهم للوصول إلى الحقائق بذاتهم، وبذلك يكونون عناصر فعالة ومحركة في المجتمع.
إنها تهدف إلى إذكاء أنبل الصفات والمثل الإنسانية العليا في نفسية الجيل الصاعد وجعلهم يدركون حاجات المجتمع، ويتفاعلون معه، من أجل تحقيق تلك الحاجات، وبالتالي تطوير المجتمع، ورقيه وسعادته.
أن المعلم يستطيع بكل تأكيد أن يؤثر إلى حد بعيد بتلاميذه، وإن هذا التأثير ونوعيته ومدى فائدته وفاعليته يتوقف بالطبع على إعداد المعلم، وثقافته وقابليته وأخلاقه، ومدى إيمانه بمهمة الرسالة التي يحملها، وإدراكه لعظم المسؤولية الملقاة على عاتقه، فإن كل أعمال المعلم وسلوكه وأخلاقه وصفاته تنعكس تماماً على التلاميذ الذين يقوم بتربيتهم وتعليمهم. . وعلى هذا الأساس فإن عملية النهوض بمدارسنا ومجتمعنا تتطلب منا أن نحدد الصفات التي ينبغي توفرها في المعلم، والشروط الواجبة في اختياره، والتي يمكن تحديدها بالتالي:
1- ينبغي للمعلم أن يكون ذا مظهر جذاب، حيث أن المظهر، وشخصية المعلم وهندامه تؤثر جميعها تأثيراً فعالاً في نفسية التلاميذ، وتجعلهم يقتدون به ويتخذونه مثلاً أعلى بمظهرهم وهندامهم وشخصيتهم.
2 ـ ينبغي للمعلم أن يتصف بروح الفكاهة والمرح لكي يستطيع جذب انتباه التلاميذ نحوه، وجعل الدرس محبوباً إليهم حيث يندفعون إليه بشوق وسرور. إن نفسيته، وروحه المرحة ذات تأثير بالغ على نفوس التلاميذ، وعلى مدى نجاحه في أداء مهمته في آن واحد، ولو أجرينا استفتاءًلدى التلاميذ حول شعبية المعلمين، والدروس التي يحبونها أكثر من غيرها لتأكد لدينا بشكل قاطع أن المعلمين الذين يتمتعون بهذه الصفة هم على قدر كبير من الشعبية، وأن دروسهم هي على قدر كبير من الرغبة لدى التلاميذ.
3 ـ ينبغي للمعلم أن يكون حسن التصرف في تربية أبنائه التلاميذ، وحل مشاكلهم بروية وحكمة، فالمعلم يجابه خلال عمله كل يوم مشاكل لا حدّ لها أخلاقية وتربوية وتعليمية، وإن تذليل هذه المشاكل وحلها يتوقف على أسلوب المعلم وحكمته وحسن تصرفه.
ولابد أن أشير بهذا الخصوص إلى أن أساليب العنف ضد الأبناء التي تمارس من قبل الوالدين في البيت منذ الطفولة المبكرة نتيجة الجهل في أساليب التربية تسبب الضرر البليغ لشخصية الأطفال، وتخلق لديهم العديد من الصفات السيئة والخطيرة كالخوف والانكماش والخنوع وضعف الشخصية والتمرد على المجتمع.
4ـ إن الوعي الاجتماعي لدى المعلم أمر مهم جداً، ولا يمكن الاستغناء عنه لأي معلم ناجح، ذلك أننا كما أسلفنا أن عملية التربية والتعليم هي عملية تفاعل اجتماعي تتطلب دراسة وفهم المجتمع دراسة وافية، والتعرف على ما يعانيه مجتمعنا من مشاكل وعيوب، وكيف يمكن معالجتها وتذليلها.
إن كل معلم يعزل نفسه عن المجتمع ولا يشارك في فعالياته ومنظماته الاجتماعية لا يمكن أن يكون معلماً ناجحاً.
5 ـ أن على المعلم أن يكون محباً لتلاميذه متفهماً لحاجاتهم
وسلوكهم، والعوامل المحددة لهذا السلوك والتي تتحكم فيه واعني بها الدوافع الإنسانية[الغرائز] ذلك أن الغرائز تلعب دائماً دورا حاسماً في تحديد سلوك الفرد خيراً كان أم شراً، وهنا تبرز أهمية المعلم ودوره المؤثر في صقل تلك الغرائز وتوجيهها الوجهة الصائبة والخيرة، حيث أن الغرائز لا يمكن أن قهرها، بصقلها والسمو بها إذا ما عرفنا كيف نتعامل مع أبنائنا التلاميذ، ولا شك أن المعلم هو خير من يستطيع التعامل مع هذه الغرائز إذا ما أدرك حقيقتها ومدى تأثيرها في سلوك أبنائنا التلاميذ، وعلى العكس من ذلك نجد هذه الغرائز إذا تركت وشأنها فكثيراً ما توجه صاحبها نحو الوجهة الضارة الشريرة .
إن غريزة التنازع على البقاء على سبيل المثال كانت تعني في المجتمعات المتخلفة البقاء للقوي والموت للضعيف، غير أنه بفضل التطور والتقدم الحاصل للمجتمعات البشرية على مدى العصور، وبفضل ما توصل إليه العلم والعقل الإنساني يمكن أن تكون صراعاً ليس بين إنسان قوي وآخر ضعيف، أو أمة قوية وأخرى ضعيفة، بل بين المجتمع الإنساني ككل وبين الطبيعة، وتسخير هذا الصراع لتهيئة الوسائل والسبل للسمو بمستوى حياة الإنسان المادية والمعنوية، فكل تطور في ميادين العلوم والصناعة والزراعة وكافة مجالات الحياة الأخرى يهيئ ويوفر كل حاجات الإنسان ومتطلباته.
6 ـ ينبغي للمعلم أن يكون ميالاً للتجدد والتطور بشكل مستمر حيث أن الأساليب التربوية قد تطورت تطوراً كبيراً عما كانت عليه في الماضي، فلا يوجد شيء في الوجود بحالة ثابتة جامدة، بل إن كل شيء في حالة تغير وتطور مستمر، ولابد للمعلم لكي ينجح في عمله أن يطور نفسه، ويطور معلوماته، ويجددها باستمرار، عن طريق التتبع والمطالعة، والوقوف على أحدث النظريات التربوية، وتجارب الآخرين في مضمار العلم والثقافة، والوقوف على آخر التطورات الحاصلة في عالمنا في شتى شؤون الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية.
إنه من المؤسف أن نجد الكثير من المعلمين ينتهي من الدراسة والتتبع حال استلامه شهادة التخرج، فكأنما قد بلغ درجة الكمال، وكأنما العلم والمعرفة قد انتهيا عند هذا الحد حيث ينتهي به هذا الاعتقاد إلى التخلف والجمود.
لنسأل أنفسنا:
كم كتاباً يقرأ كل معلم خلال السنة؟
كم محاضرة تربوية ألقيت في كل مدرسة خلال السنة؟
كم دورة تربوية وثقافية نظمها الجهاز التربوي للمعلمين؟
وبالتالي كيف يمكن للمعلم أن يكون متجدداً ومتطوراً إذا لم يواكب التطورات الحاصلة في كافة المجالات التربوية والاجتماعية في شتى بقاع العالم كي ينهل منها، ويطور معارفه بما يخدم العملية التربوية.