قال أردوغان، كركوك تركمانية، رغم معرفته أنه بهذا الدجل يشوه تاريخ المنطقة بأحط الأساليب.
يمكن خداع العامة لكنه لا يمكن طمس التاريخ، مدينة وردت اسمها في سجلات معظم حضارات المنطقة، ومنها الحضارة الحورية، والفرثية-الأرسكيدية، وقد ذكرها بطليموس، عندما لم يكن للمكون التركماني وجود في المنطقة، كما وكتب عنها العديد من المؤرخين المسلمين وغيرهم وجميعهم يذكرونها مدينة كوردية، ولم يأتي أي منهم على ذكر للتركمان فيها إلا بعد القرن الخامس عشر الميلادي، أي بعد معركة جالديران عام 1514 وهي التي يستند عليها أردوغان في تصريحه الهش.
كتب عنها قبل 135 سنة، وبمصداقية، شمس الدين سامي فراشري (1850-1904)، وهو كاتب عثماني، في المجلد الخامس من قاموس الأعلام-الدائرة المعرفية-الصفحة (3846) قائلا: (أن نسبة السكان الكرد في تلك المدينة التي لا يزال يصفها الكرد بأرض الأجداد، يشكلون ثلاثة أرباع أهالي كركوك والباقي هم ترك وعرب و760 يهوديا و460 كلدانيا).
فمن الغرابة أن يتجاوز رئيس دولة مهمة كتركيا، القيم الإسلامية، ليخدم القومية التركية بدونية، كأحد الخدم الذين كانوا على أبواب الحرلمك في العصر العثماني، فيتناسى الحقائق، ويخون تاريخ شعوب المنطقة كلها خدمة لقومية السلاطين، ويسمح لنفسه، الوقوع في المستنقع التاريخي الفاضح، أو يتناساها لغاية، ولا يقف على تاريخ الكورد في كركوك، بل يقوم بدمج بلاد فارس كجغرافية بجغرافية القوميات الأخرى كالكورد والتي تسمى حاليا إيران، وتناولهما كمرادفة واحدة، ليجعل التركمان – العرق الأصفر-الصيني، الذين جلبوا إلى المنطقة كمماليك، والبعض جاؤوها مهاجرين، وسكنوا كركوك، إحدى أقدم مدن حضارات بلاد الرافدين، فحديثه عن الكورد والتركمان وتاريخ كركوك، تعكس إما الضحالة المعرفية أو الخباثة السياسية-التاريخية.
كما وأن تسميته حروبه في بلا د فارس، بـ (الغزو) تيمنا بغزوات الخلفاء الراشدين، يعني بها التشبيه بين الحروب العثمانية مع الفرس، بغزوات الإسلام على الإمبراطورية الساسانية، ليضفي قدسية على حديثه عن كركوك كجغرافية، متناسيا أن الكورد الذين كانوا يشاركون في جيوش الإمبراطورية العثمانية كانوا من كورد كركوك مثلما كانوا من كورد آمد أو وميافارقين أو من أورفا أو كورد إسكندرونه وغيرها، وبعد انتهاء الحروب كان معظمهم يعودون إلى أهاليهم، بعكس التركمان الذين سكنوا في كركوك ولم يعودوا إلى موطنهم، بعد تراجع الإمبراطورية المغولية، كأي جدلية من جدليات الهجرات القسرية الجماعية، ليأتي أردوغان وينافق على التاريخ والسياسية ويقوم بتحريف المعروف لأبسط مثقف في المنطقة.
وبالمناسبة، فأبسط باحث تاريخي يعلم أن جغرافية الفرس تقع في (محافظة فارس ( بالفارسية استان فارس)هي إحدى محافظات إيران الإحدى والثلاثين، تقع جنوب البلاد ومركزها مدينة شيراز، ويبلغ عدد المحافظة حاليا قرابة 100.000 نسمة. ففي النقوش الأخمينية، بلاد فارس في شكل بلاد بارسه وفي الكتابات اليونانية في شكل برسيس وبلاد فارس وأيضا في شكل الفارسية، وحينها كان الكورد، وهم عندما أسسوا الإمبراطورية الساسانية ومن ضمنها كانت بلاد الفرس كان التركمان في رحل ما بين منغوليا والصين، أي أن ما يستند عليه أردوغان تعكس جهالة بالتاريخ والجغرافية للدول الحديثة والإمبراطوريات والحضارات القديمة في المنطقة.
وكمعلومة لمستشاري أردوغان التركمان، الذين يتجاهلون الحقائق، للتحايل على الواقع وامتلاك كركوك، وفي السنوات الأخيرة بدأوا يتحدثون عن مناطق في سوريا، علما أنهم لا يتعدون بضع مئات متفرقة في كل سوريا. إيران من ضمن الدول الجيوسياسية الحديثة الظهور كتركيا وسوريا والعراق، الدول اللقيطة، سماها الشاه رضا بهلوي، عام 1935 وتحديداً في عيد النوروز بإيران، حيث طلب رضا شاه بهلوي من المندوبين الأجانب استخدام اسم إيران كاسم رسمي في المراسلات الرسمية. هذا التغيير شمل الاسم الوصفي لمواطني إيران حيث تغير من اسم «فارسي» إلى «إيراني». أعلنت حكومة محمد رضا شاه بهلوي (ابن رضا شاه بهلوي) في عام 1959 أنه يمكن استخدام كلاً من الكلمتين «فارس» و «إيران» بشكل رسمي بالتبادل. (*) إلا أن الموضوع لا يزال قيد المناقشة اليوم. وللعلم الشاه رضا بهلوي كان جنرالا في الدولة القجارية، بعد تسلمه السلطة نصب ذاته شاهاَ، وأدعى بأنه من أحفاد ملوك الأخمينيين، استخدم صدام حسين أسلوبه ليعود بنسبه إلى آل البيت.
والغاية من تسمية إيران هي السيطرة على القوميات المتعددة في الجغرافية ذاتها، والتغطية على الهيمنة الفارسية، بعكس ما انتهجه أتاتورك، وسمى الدولة الحالية بتركيا، بعدما كان هناك حوار على تسميتها بدولة أناضول، المشابهة لإيران من حيث تعدد القوميات، ونسبة الكورد الديمغرافية العالية فيهما، وكوردستانيا من حيث الجغرافية المحتلة من قبلهما.
الإمبراطوريات التي قامت في الجغرافية التي سميت لاحقا ببلاد فارس من قبل بعض المؤرخين وخاصة العرب المسلمين، واليوم من قبل أردوغان، علما إن الإمبراطوريات التي ظهرت في المنطقة كانت بأسماء مختلفة، وحكمتها قوميات متنوعة، من بينهم الفرس الذين شاركوا فيها كغيرهم من الشعوب، وجغرافية تلك الإمبراطوريات كانت أحيانا تمتد حتى منتصف الأناضول، أي تركيا الحالية وهي تشمل النصف الشمالي من سوريا وكل العراق، والكورد أبناء منطقتهم الجغرافية الحالية والتي كانت جزء من جغرافية تلك الإمبراطوريات، أو ما يسميها أردوغان ببلاد فارس، أي جغرافية الإمبراطوريات التي تتالت على إيران، كالميدية الكوردية والأخمينية الفارسية والبارثية والأشكانية اللتين أقامهما أحفاد الضباط اليونانيين من بقايا جيوش الإسكندر المكدوني معتمدين على ديمغرافية المنطقة، كتاباتهم ورسائلهم وعملتهم كانت بالحروف واللغة اليونانية. ومن ثم الساسانية الكوردية والتي كانت في حروب دائمة مع الإمبراطورية البيزنطية، ومناطق ثغورهم هي حدود كوردستان الغربية الحالية.
أردوغان إما لخباثته، أو لتأثره بجهالة الباحثين العروبيين المسلمين، وخاصة الذين أصبحوا في أحضان أمير دولة قطر، حبيبه بعدما أهداه طائرته الخاصة، أصبح يستخدم أسلوبهم للطعن في تاريخ الشعب الكوردي وحدودهم الجغرافية، ولا شك يعتمد على قوته، وقدرات دولته في تحريف التاريخ، لكن النفاق له نهاية.
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
24/10/2023
*- كلمة Īrān (ایران) مستمدة من اللغة البهلوية Ērān (بالخط البهلوي: ʼyrʼn)، التي عُرفت بشكل أولي من نقش يرافق النحت على نصب الملك الساساني الأول أردشير الأول (الكوردي بناء على رسالة إمبراطور الاشكانيين المرسلة له) في الموقع الأثري نقش رستم. المكتوب فيه اسم الملك بالبهلوية: ardašīr šāhān šāh ērān بينما في نقش اللغة الفرثية (لغة فرثيا) الذي يصاحب نقش اللغة البهلوية كُتب اسم الملك: ardašīr šāhān šāh aryān (بهلوي: …ʼryʼn) كلها تعني ملك ملوك الإيرانيين.