ما إن أُعلن في أكتوبر العام الماضي عن تشكيل الحكومة العراقية الجديدة، حتى تبنت منهاجاً وزارياً حافلاً بالوعود ومكبلاً بتوقيتات زمنية محددة لمواجهة تحديات إجراء انتخابات برلمانية مبكرة وإنهاء الخلافات بين المركز والإقليم، وإقرار قوانين مختلف عليها كقانون النفط والغاز والعفو العام.
وولدت الحكومة برئاسة محمد شياع السوداني بعد عام كامل على إجراء الانتخابات البرلمانية (2021)، في ظل صراع سياسي كاد أن يدخل بغداد في دوامة من العنف بين القوى الشيعية المتناحرة، ولم تتشكل الحكومة إلا بعد انسحاب التيار الصدري من البرلمان وإعلان زعيمه مقتدى الصدر اعتزال الحياة السياسية.
وفي أكتوبر 2022 نشر مجلس الوزراء منهاج الحكومة بعد الاتفاق بين جميع القوى السياسية على أن يعمل باتجاهين الأول: يتعلق بتوفير الخدمات التي يفتقر لها المواطنين، فمنح وعوداً كبيرة بتقديم الخدمات وفرص العمل وزيادة المشمولين بالرعاية الاجتماعية والاستثمار.
وفي الاتجاه الثاني ركز على الجانب السياسي ووعد بتصحيح العلاقة بين المركز والإقليم، وتشريع قوانين عديدة منها النفط والغاز والعفو العام، وإجراء انتخابات مجالس المحافظات.
أما الالتزام الأكبر والأهم الذي ركزت عليه الحكومة فيتعلق بإجراء انتخابات برلمانية مبكرة خلال عام واحد.
نجاحات وإخفاقات
يقسم أستاذ العلاقات الدولية صالح الشذر، اتجاهات الحكومة العراقية الحالية إلى ثلاثة أقسام: “الأول يتعلق بالسياسة الخارجية التي تمكن من خلالها رئيس الحكومة من الإمساك بالعصا من المنتصف، فقد تمكن من الوصول إلى تفاهمات عربية وإقليمية ودولية ملحوظة تحسب للعراق أدت إلى انفتاح البلد على العالم الخارجي”.
“و الثاني بالجانب الاقتصادي الذي يعاني من تلكؤ، حيث يقع على عاتق الأحزاب التي أوصلت السوداني إلى رئاسة الوزراء، التي ترغب بالبقاء قابضة على السلطة واستطاعت أن تحد من الحركة الاقتصادية للحكومة”، بحسب ما يضيف الشذر لـ”ارفع صوتك”، مبيناً أن السوداني يحاول التخلص من هذه الضغوطات إلا أنه لم يتمكن من الوصول إلى حالة إيجابية من التفاهمات مع تلك الأحزاب حتى الآن”.
أما القسم الثالث فيتعلق بـ”الناحية الخدمية”، يقول الشذر “نلاحظ إطلاق مشاريع كثيرة خلال العام الأول من عمر الحكومة في كافة المحافظات مع التركيز على الطرق والجسور وهو أمر يحسب للحكومة”.
يتابع: “عندما نقيم موضوع المنهاج الذي طرحه السوداني بعد وصوله إلى الحكومة فإننا نرى هناك 50% كنسبة إنجاز، والباقي يحاول أن يصل به إلى نسب إنجاز أكبر وهو ما يطمح إليه”.
انتخابات مبكرة
الوعد الأكبر الذي أطلقته الحكومة العراقية الحالية يتعلق بإجراء انتخابات مبكرة خلال عام واحد، يقول الشذر إن هناك “تحايلاً سياسياً حصل فيما يتعلق بالانتخابات المبكرة، حيث عوضت عنه الحكومة بانتخابات مجالس المحافظات”.
ويتوقع أن تستمر الحكومة العراقية الحالية “لفترة انتخابية كاملة، أي أنه لن تكون هناك انتخابات برلمانية مبكرة، إلا إذا كان للشارع العراقي رأي آخر”.
ويوضح الشذر: “يؤيد الذهاب بهذا الاتجاه حديث لزعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي حين قال بصراحة، إن الحكومة الحالية تذهب باتجاه الخدمات بالتالي لا نحتاج إلى انتخابات مبكرة”.
يتفق المحلل السياسي غني الغضبان، مع ما ذهب إليه الشذر، مردفاً أن “البرنامج الحكومي كان واضحاً وصريحاً وجلياً، ووضع على رأسه الانتخابات البرلمانية المبكرة. ولكن، الحكومة ذهبت إلى الاستعدادات لقيام انتخابات محلية”.
ومن خلال الظروف التي يمر بها البلد اليوم فإنها قد لا تتم أو تؤجل إلى العام المقبل، يضيف الغضبان لـ”ارفع صوتك”.
ويرى أن الحكومة العراقية تسعى إلى “عدم قيام انتخابات برلمانية مبكرة وتحاول الاستمرار لحين انتهاء دورتها الحالية، على الرغم من أن الظروف الحالية للبلد تستدعي إجراءها، وإن جرت فعلا فستكون للرجل (السوداني) حظوة؛ لأنه قدم الكثير من الخدمات التي قد تساعده في الفوز للحصول على مقاعد انتخابية”.
على الجانب الآخر:”هناك العديد من الاتفاقات والنقاط التي لم يتم تنفيذها ضمن المنهاج الحكومي، منها عودة المهجرين إلى مناطقهم، وإقرار قانون العفو العام”، يؤكد الغضبان، معرباً عن أمله بإقرار القوانين واتخاذ الإجراءات لكي يتم الأمن والاستقرار داخل البلد.
بين المركز والإقليم
خلال العام الأول من عمر حكومة السوداني كما يقول أستاذ العلاقات الدولية صالح الشذر، “رأينا حالة من الشد والجذب بين المركز وإقليم كردستان، سببها الهرولة التي حصلت من جانب الكتلة الأكبر في البرلمان خلال مناقشات تشكيل الحكومة باتجاه الإقليم، للحصول على الأصوات للبرلمان وإعطاء الضوء الأخضر للعملية السياسية”.
ونتيجة لذلك “ألزمت الأحزاب القابضة على السلطة نفسها بالتزامات شفوية ليست دستورية قادت إلى المشاكل بين الإقليم والمركز حتى هذه اللحظة”، وفق الشذر.
ويوضح: “على الجهة الأخرى فإن الإقليم لم ينفذ التزاماته واتفاقاته منها ما يتعلق بالنفط من حيث الصادرات والواردات، ويطالب بميزانية كاملة لا تتمكن الحكومة من تلبيتها لأنها تتعارض مع الدستور. بالنتيجة على الجميع الاحتكام للدستور في مثل هذه المناكفات بين بغداد وأربيل”.
من جهته، يؤكد النائب في البرلمان العراقي دارا سيكانيانى، أن المشاكل بين المركز وإقليم كردستان “مستمرة منذ عام 2003 حتى الآن. وهي تتعلق بمطالبات الشعب الكردي التي لم تتم تلبيتها خصوصاً في ما يتعلق بالمادة (140) من الدستور”.
أما الخلافات خلال الحكومة الحالية “فما زالت مستمرة، وتتعلق بالمستحقات المالية للإقليم. حيث أن موظفي ومتقاعدي الإقليم لم يستلم أي منهم رواتبه حلال الأشهر الثلاثة الأخيرة بسبب تلك الخلافات”، بحسب سيكانيانى.
ويتابع لـ”ارفع صوتك”، أن هناك عدداً من الاتفاقات التي تم التوافق على الالتزام بها دون أن تنفذ ضمن اتفاق تشكيل الحكومة الحالية، منها ما يتعلق بموظفي المناطق المتنازع عليها، الذين يستلمون رواتبهم من الإقليم وعددهم 18 ألف موظف، إذ كان الاتفاق أن يتم نقل مستحقاتهم إلى حكومة المركز، وهو ما لم يحصل.
ويضيف سيكانيانى أن “التفاهمات الموجودة حالياً أفضل من الحكومات السابقة، كونها تقدم الخدمات بشكل جيد، فالشعب العراقي عموماً يعاني من نقص كبير في كافة المجالات الخدمية”.
تحديات الاقتصاد
لم تحقق الحكومة العراقية على الأرض إنجازات يتطلع إليها الشارع العراقي كما يرى المحلل السياسي غني الغضبان، مبيناً أن “ما نراه الآن عبارة عن إجراءات خدمية، مثل فك اشتباكات الطرق وعمل المجسرات والأنفاق، والبدء بمشاريع الإسكان في غرب بغداد ومدينة الصدر”.
ويقول لـ “ارفع صوتك”: “هذه الإجراءات جميعها ليس ما يتطلع إليه الشارع العراقي لأن هناك غياباً وبعض التخبط للسياسة العامة للدولة، كما نشاهد وجود سلاح منفلت وقرارات انفرادية من هنا وهناك، جعلت الحكومة في حرج، ولعل أهم ما نشير إليه هو قيام الجماعات المسلحة بضرب المصالح الأميركية في العراق”.
هذا الأمر “قد تكون له تداعيات سلبية على العراق، فالجانب الاقتصادي اليوم مهم جداً ونلاحظ تأثيره الكبير على الشارع من خلال أزمة أسعار الصرف التي نعاني منها”، يتابع الغضبان.
ويتوقع أن “تزيد حدة هذه الأزمة، لأن الجانب الأميركي لن يقف مكتوف الأيدي وسيأخذ إجراءات منها تقنين وصول الدولار إلى البلد”.
أزمة أسعار الصرف التي تحدث عنها الغضبان، يرى الباحث الاقتصادي محمد قاسم أنها شكلت “أهم مشاكل الشارع العراقي اليوم، ولا تبدو أي من إجراءات الحكومة العراقية قادرة على إعادة التوازن لسعر صرف الدينار العراقي الذي وصل اليوم إلى 160 ألف دينار مقابل الدولار”.
وتعاني أسعار صرف الدولار في العراق من تقلبات منذ أواخر عام 2020 عندما قرر البنك المركزي رفع سعر الصرف بهدف التقليل من عجز الموازنة بالتزامن مع أزمة فيروس كورونا.
وخلال إقرار الموازنة الثلاثية (2023- 20225) جرى تثبيت سعر الصرف عند 1300 دينار مقابل الدولار الواحد، إلا أن فرض عقوبات أميركية على إيران وبعض المصارف العراقية المتهمة بتهريب العملة الأجنبية لها، ساهم في خلق فجوة كبيرة بين سعر الصرف الرسمي والموازي تسببت بارتفاع الأسعار وارتباك الأسواق العراقية.
أنجزت الحكومة بحسب ما يقول قاسم لـ”ارفع صوتك”، العديد من وعودها للعراقيين، فتم تعيين نحو 500 ألف شخص في دوائر الدولة المختلفة أو تثبيت عقودهم على الملاك الدائم، وزيادة عدد العوائل المشمولة بالرعاية الاجتماعية وتوسيع تقديم الإعانات.
كل هذه الإجراءات لها بعدان، بحسب قاسم، “الأول إنساني، إذ أوجدت فرص عمل لآلاف الموظفين ضمن كوادر الحكومة العراقية، وحاربت الفقر بفضل توسيع قاعدة الرعاية الاجتماعية، والثاني، أنها زادت من حجم البطالة المقنعة غير المنتجة في دوائر الدولة، كما زادت من عبء الموازنة العامة التي تعتمد بنسبة 90% على إيرادات النفط”.
ويعتقد أن “الخطورة تكمن إذا ما تراجعت أسعار النفط ولم تتمكن الحكومة من الإيفاء بالتزاماتها، حينها سنجد أنفسنا أمام مأزق حقيقي سيضيف المزيد من الارتباك للمشهد الاقتصادي العراقي الذي يعاني من خلل هيكلي مزمن لا تكبد أي حكومة نفسها عناء إصلاحه لأغراض انتخابية”.
ميادة داود