أكثر من مئتي أسير إسرائيلي بيد حركة حماس، محتجزون ضمن قطاع غزة التي تقصف يوميا وبشكل كارثي، ولمناطق تخص الحركة؛ كما يقال في الإعلام.
والسؤال:
1- أين هم المائتي أسير الآن؟
2- أين تخفيهم حماس، هل لها قواعد تحت الأرض لا تبلغها السلاح الإسرائيلي؟
3- ألا يعني هذا أن قوات حماس ومراكزها العسكرية لا تتأثر رغم كل هذا القصف؟
4- أم إن إسرائيل تعلم مكان الأسرى، إما من خلال استخباراتها، أو عن طريق الدبلوماسية الدولية، ولا تقصف الأماكن التي يتواجدون فيها؟
حتى الأن، نادرا ما أعلن على أن القصف طال قوات حماس، أو مراكزها، أو قياداتها، باستثناء حالة واحدة، وأعلن عن مقتل قيادي.
1- أين هم الأن، وأين هي مراكزهم العسكرية والسياسية؟
2- ألم تقرأ حركة حماس الواقع؟ أم قرأتها؛ مع ذلك ضحت بالشعب والبنية التحتية من أجل مكسب حزبي ضمن الجماهير، ومكسب للقضية، بمفهومها، على المستوى العالمي؟
ماذا تعني هذا؟
ربحت سياسيا، وزادت شعبيتها بين الفلسطينيين والعالم الإسلامي، وأخرجت القضية إلى الساحة العالمية، لكن بمسار مختلف، سلبياتها بالنسبة للشعب أكثر من إيجابياتها حاليا وللقضية في المستقبل، همشت دور الدولة الفلسطينية عالميا قبل الداخل الفلسطيني-العربي.
وبالمقابل أعادت إسرائيل إلى الحضن الأمريكي وبقوة، في مرحلة كانت تحاول فيها الخروج من الحاضنة الأمريكية، وكانت في بداية مرحلة امتلاكها لدفة قراراتها من داخل الدولة وليس من اللوبي اليهودي العالمي. كما وتبينت للعالم العربي والإسلامي إن إسرائيل خط أحمر ستكون مادامت أمريكا إمبراطورية وموجودة، وأي تفكير في محاولة القضاء عليها انتحار لأصحابها.
وفي الواقع الميداني، وحيث مجريات الحرب:
1- هل هناك فائدة سياسية وعسكرية للقصف الإسرائيلي، وتدميرها للبنية التحتية للقطاع؟
2- ألا تشوه سمعتها عالميا، وتزيد من العطف العالمي على الشعب الفلسطيني؟
3- أليست هذه النتائج من ضمن إحدى مخططات الحركة وإيران؟
حماس قد تخرج ثانية إلى الساحة بقوة أكبر، بعد وقف الحرب، أو عند تخفيف القصف، وستظهر كمنقذ للقضية الفلسطينية، وستتحكم بها بدون منازع على الأقل بين الشعب الفلسطيني، وعلى إنها القوة الفلسطينية الوحيدة التي تمكنت، وبأسلحة بسيطة شبه بدائية، مقارنة بما تملكه إسرائيل، من اختراق الجدار العازل، وضرب الجيش الإسرائيلي، وتدمير عدة مستوطنات كانت مسلحة، وأسر هذا العدد الضخم، وقتل عدد من كبار ضباط الجيش الإسرائيلي، وغيرها من الإشكاليات التي بينت للعالم على أنها انتصرت في معركة ضمن الأراضي الإسرائيلية، لم تتمكن جميع الدول العربية والإسلامية والمنظمات الفلسطينية القيام بمثلها سابقا، طوال القرن الماضي.
وفي الجهة الأخرى، ما يتم الحديث فيه عالميا، حول الدعم الإيراني لحماس والجهاد الإسلامي، وقيادتها لمحور المقاومة، بعدما أخرجتها من الحضن العربي، وعدم قدرة أي دولة حتى أمريكا على مواجهتها بشكل مباشر، أو كما يقال أحياناً مسايرتها لغايات، وعلى إنها أصبحت القوة المهيمنة في المنطقة، وتتحرك بحنكة، ورغم الحصار الاقتصادي المدمر، تمكنت من إيصال هذا العدد الهائل من الصواريخ والأسلحة إلى داخل غزة، ولغيرها من أدواتها وميليشياتها في كل من العراق، وسوريا، ولبنان، واليمن، ليست سوى تغطية لخطأ استراتيجي تمادت فيه إيران على خلفية البينة المنهجية المذهبية، وهو ما تدفع بأمريكا التفكير لجرها إلى حرب استنزاف مشابه لما سقطت فيه روسيا، والمتوقع أن إيران تملك الحنكة في هذا المجال وربما لن تنجر إلى المستنقع، مع ذلك القادم ضبابي، والصراع الإيديولوجي الديني، والتي تتبجح به أئمة ولاية الفقيه، كثيرا ما تعمي الأبصار، وتهمش الدهاء السياسي.
كما ولا يستبعد أن كل هذا التضخيم الإعلامي تعني خلفيات أخرى، وخدع تدعمها الإعلام الغربي لتخويف القوى السنية في المنطقة، وهي تشبه ما كان ينشر عن التطور الهائل للسلاح الروسي، وقدراتها، وتبينت في الحرب الأوكرانية على أنها دون ذلك، إلى درجة إنها استنجدت بالدرونات الإيرانية ذات التكنولوجية البسيطة، كما واعترضت على بيع تركيا لطائرات البيرقدار لأوكرانيا في بدايات الحرب.
حماس وبدعم من إيران هاجموا على منهجية خسارة أو ربح معركة، لكنها تحولت إلى حرب، ولا تسمح الدول الكبرى، ومن بينهم روسيا أيضا، من أن تخسر إسرائيل الحرب، معركة ربما، لكن خسارتها الحرب أمام الفلسطينيين والعالم الإسلامي، تعني وجودها كدولة أو عدمه، وهجرة معاكسة للملايين من اليهود، وتصاعد فكرة القضاء على السامية، ونجاح منهجية معاداة السامية تعني التمدد الإسلامي الراديكالي المتطرف بعدما كانت الفكرة محصورة في الأحزاب النازية والفاشية، لذا فإن إسرائيل ستربح الحرب وستتغير جدلية الصراع اليهودي الفلسطيني، وسيتم العمل على حل القضية الفلسطينية بأسلوب غير التي تقدمه حماس، وإيران.
– حماس ربما ربحت المعركة سياسيا وليست ميدانيا، لكنها خسرت الحرب، وخسرت الكثيرين معها وفي مقدمتهم الشعب الفلسطيني المعاني من الويلات في غزة، ضحت بهم لتتنامى شعبيتها، لكنها مؤقته؛ فالإعلام ستغير من المعادلة وستعيد منهجية مختلفة للقضية الفلسطينية، تتقدمها الدولة الفلسطينية بقيادة الفتح وليست حماس أو أية حركة إسلامية متطرفة.
– إيران ربحت أمام العالم سياسيا، ورسخت هيمنتها أمام ميليشياتها، وأعطتهم الدعم المعنوي مثلما تعطيهم السلاح والمال، لكنها أن تمادت ستخسر الحرب، وقد تخسر النظام في المستقبل.
– إسرائيل خسرت المعركة، لكنها ستربح الحرب، بمساعدة جميع الدول الكبرى، عسكرياً وسياسيا أو دبلوماسيا، بعض هذه المساعدات تتضارب ما يظهر على الإعلام، كهجوم أردوغان على الإعلام واتهامه لإسرائيل بمجرمة حرب، أو ممثل روسيا في مجلس الأمن، والذي هاجم الكورد أيضا متهما إياهم على أن أمريكا تدعمهم بالسلاح لقتل العرب في شمال شرق سوريا، وهذا النجاح، بغض النظر على السند التاريخي للوجود اليهودي على أرضه، هو ما سيفتح بوابة المرحلة التي يتم الحديث فيها على أن الشرق الأوسط لن تكون على ما هي عليه سابقا.
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
31/10/2023م