الإثنين, نوفمبر 25, 2024
Homeاخبار عامةأنفاق غزة.. 500 كيلومتر تحت الأرض تقلق إسرائيل

أنفاق غزة.. 500 كيلومتر تحت الأرض تقلق إسرائيل

FILE PHOTO: A general view shows the interiors of what the Israeli military say is a cross-border attack tunnel dug from Gaza to Israel, on the Israeli side of the Gaza Strip border near Kissufim
لقطة لمخرج أحد الأنفاق الذي حفرته حماس ويصل بين قطاع غزة وإسرائيل

بعد عودتها من الاختطاف، على أيدي مقاتلي حركة “حماس” عقب هجوم السابع من أكتوبر، حكت الرهينة الإسرائيلية يوتشيفيد ليفشيتز أنها سارت لساعتين أو ثلاث في أنفاقٍ طويلة مثل “شبكة العنكبوت”، على حد وصفها، حتى وصلت إلى قاعة كبيرة يوجد فيها 25 أسيراً إسرائيلياً.

في هذه القاعة المتّسعة القابعة تحت الأرض، قضت يوتشيفيد فترة اختطافها لتخرج بعدها وتدلي بآخر شهادة معروفة عن شكل أنفاق غزة التي حفرتها “حماس” طيلة الأعوام الفائتة، وتعتمد عليها بشكلٍ كبير في تهريب الأسلحة وتنفيذ هجماتها.

وبينما يترقّب العالم العملية البرية التي أعلنت إسرائيل مراراً نيتها شنّها ضد قطاع غزة، فإن أكثر ما يقلق القادة العسكريين الإسرائيليين هو شبكة الأنفاق الهائلة المحفورة تحت الأرض، والتي اعتبرها خبراء أحد الأسباب الرئيسية لتأخر تنفيذ العملية البرية حتى هذه اللحظة، رغم الجهود الكبيرة التي بذلها سلاح الطيران في قصف العشرات منها

لأجل هذه الأنفاق تحديداً استعانت إسرائيل بنوعٍ محدّد من القنابل تُعرف بِاسم “القنابل الإسفنجية” تأمل أن تساعدها في مهمتها الصعبة للوصول إلى أعماق الأنفاق وتدميرها من الجو بدلاً من الاضطرار لتنفيذ هذه المهمة الخطرة عبر وحداتٍ مقاتلة برية.

أنفاق غزة

الاستعانة بالأنفاق في الحروب العسكرية تكتيك بالغ القدم. فكثيراً ما شهدت حروب العصور الوسطى لجوء الجيوش المتصارعة إلى الاستعانة بالأنفاق كوسيلة لتجاوز الجدران الحصينة واقتحام المُدن، أو كوسيلة للدفاع في مواجهة الجيوش المهاجمة.

أما في العصر الحديث فقد أصبحت تكتيكاً تلجأ إليه القوى الأقل تسليحا وجاهزية والتي لا تملك قوة عسكرية كبيرة تمكّنها من خوض مواجهة مباشرة بنجاح.

تمضي إسرائيل قدما في بناء جدار تحت الأرض على الحدود مع غزة بهدف وقف تسلل المسلحين الفلسطينيين من القطاع إلى أراضيها عبر أنفاق

في غزة، وعقب توقيع اتفاقية كامب ديفيد، تراجع حجم القوة المصرية المتاخمة للحدود مع إسرائيل وقطاع غزة. خلَق هذا الضعف الأمني على الحدود بيئة مثالية لإقامة أنفاق لتهريب السلع والأسلحة من مصر إلى غزة.

ساعدت الطبيعة الرملية لأرض قطاع غزة على ذلك، عبر سهولة حفرها باستخدام معدات بسيطة.

عقب تأسيس “حماس” في العام، 1987 اعتمدت الحركة الناشئة على الأنفاق في الحصول على قطع السلاح التي احتاجتها لبناء خلاياها العسكرية الأولى.

وفي العام 2001 استُخدمت الأنفاق عسكرياً لأول مرة بعدما استعان مقاتلو الحركة بنفق لمهاجمة موقع “ترميد” التي كانت بداية لتحوّل الأنفاق من وسيلة لنقل الأسلحة إلى وسيلة هجومية في حدِّ ذاتها.

في عام 1985، أفرجت إسرائيل عن أحمد ياسين بموجب صفقة تبادل أسرى عقدتها مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. سريعا، عاد لنشاطه وجذب المزيد من الأتباع ليعلن عام 1987 تأسيس حركة “حماس”.

عقب انسحاب إسرائيل من قطاع غزة في 2005، خلت الساحة أمام “حماس” للسيطرة تدريجياً على القتال والتوسّع في بناء المزيد من الأنفاق، وهو النشاط الذي تضاعف عقب انفراد “حماس” بالسيطرة على القطاع.

بِاستخدام أحد هذه الأنفاق هاجم مسلحو حماس موقع كرم أبو سالم العسكري وأسروا الجندي جلعاد شاليط، الذي بادلوه لاحقاً بألف أسير فلسطيني. وفي 2014، وعبر نفقٍ آخر اختطف مسلحو حماس الملازم هدار غولدين، والذي لا يزال مصيره مجهولاً حتى اللحظة.

وبعد فرض إسرائيل حصاراً شاملاً على القطاع، إثر وصول حماس إلى السُلطة، نُظر إلى الأنفاق كوسيلة لتخفيف وطأة الحصار عبر بناء شبكات ضخمة لإدخال الأسلحة والأطعمة عبر مصر وأيضاً تهريب المقاتلين إلى الخارج لتلقي التداريب والعودة من جديد إلى القطاع.

تدريجياً امتلكت حماس والفصائل الفلسطينية براعة كبيرةً في بناء الأنفاق وتدعيمها بالأخشاب وألواح الفولاذ والخرسانة، وبلغت هذه الأنفاق من الضخامة حدّاً أن سيارات ضخمة وعربات تسير على قضبان سكة حديد باتت قادرة على السير داخلها. وزُودت هذه الأنفاق بالكهرباء والحمامات.

داخلياً كذلك، توسّعت حماس في بناء شبكة معقدة من الأنفاق حوت مخازن الأسلحة وورش التصنيع الحربي ومراكز القيادة والاتصالات ومخابئ آمنة للقيادات العليا.

وأيضاً استُخدمت بعض هذه الأنفاق لتكون مخبأً لمنصات إطلاق الصواريخ والقذائف التي عادةً ما تموّه فتحاتها بأبوابٍ معدنية بشكلٍ يعيق عملية تحديد مصدر إطلاق الصواريخ.

شهد قطاع غزة العديد من الأحداث الجِسام في السنوات الأخيرة خلّفت آثاراً سياسية واجتماعية عميقة ليس على فلسطين أو إسرائيل وحدهما بل على المنطقة بأسرها.

حجم أنفاق “حماس”

حظيت الأنفاق باهتمامٍ كبير من قِبَل وسائل الإعلام العالمية التي سعت إلى تخمين حجمها ومدى تعقيدها ودورها الحاسم في الصراع.

تقول دافني ريتشموند باراك، الخبيرة الإسرائيلية في الحروب تحت الأرض، بأن إسرائيل نجحت في تعزيز قدراتها في التصدي لصواريخ حماس في الجو عبر استخدام منظومة القبة الحديدية، لكن “لا توجد قبة حديدية للأنفاق”!

وتتبع ريتشموند بأنه على الرغم من أن تل أبيب استخدمت نظاماً إلكترونياً ذكياً لمراقبة حدودها واستشعار الأخطار عن بُعد إلا أنه أثبت فشلاً ذريعاً في هجوم 7 أكتوبر بعدما نجحت حماس في اختراقه ومهاجمة مواقع عسكرية وقرى وبلدات متاخمة للقطاع.

في 2021، أعلن الجيش الإسرائيلي تدميره 100 كيلومتر من الأنفاق وهو ما نفاه يحيى السنوار القيادي في حركة “حماس”، قائلا أن الإسرائيليين لم يُدمروا إلا 5% فقط من أنفاق يبلغ طولها 500 كيلومتر، ليكون هذا أول إعلان رسمي من قِبَل “حماس” عن حجم ما تمتلكه من أنفاق تحت الأرض.

أرقام السنوار لا تختلف كثيراً عن تقديرات الجانب الإسرائيلي الذي قال إن حجم الشبكة قد يبلغ 480 كيلومتراً. أبرز الأدلة على مدى تعقيد هذه الشبكة هو النفق الذي اكتشفته إسرائيل بطول 1.5 ميل وعُمق 20 متراً تحت الأرض وتطلّب بناؤه 800 طن من الخرسانة الجاهزة.

ووفقاً لتقديرات “سي إن إن”، فإن حجم الأنفاق بات يوازي نصف شبكة المترو التي تربط مدينة نيويورك ببعضها، فيما قالت “بي بي سي” إنها تتفوّق على شبكة مترو لندن التي يبلغ طولها 400 كيلومتر فقط.

منتقدو “حماس” يعتبرون أن الإنفاق الهائل على الأنفاق يمكن أن يكون كافياً لبناء مخابئ كبيرة للمدنيين أو شبكات إنذار مبكرة تنذرهم بقُرب وقوع هجوم، وهو ما ترفضه حماس وتعتبر “الأنفاق” سلاحا أساسيا في صراعها مع إسرائيل.

بخلاف التجربة الفيتنامية فإن كثيراً من الأنفاق في غزة لم تُبنَ في مناطق نائية كالغابات والجبال بل بالقرب من مناطق مدنية داخل القطاع الذي يُصنّف كواحدٍ من أكثر الأماكن اكتظاظاً بالسكان في العالم، الأمر الذي يزيد من تعقيد عمليات رصد أماكن الأنفاق ومهاجمتها من قِبَل الجانب الإسرائيلي.

ووفقاً لجون سبينسر الخبير العسكري المتخصص في حرب المدن، فإنه من الصعب تنفيذ عمليات هجومية داخل هذه الأنفاق التي يصعب فيها  عمل أنظمة الملاحة والاتصالات، وحتى نظارات الرؤية الليلية تبدو بلا جدوى كما أن استخدام الأسلحة النارية قد يشكّل خطراً كبيراً.

أرييل بيرنشتاين الجندي الإسرائيلي الذي شارك في عمليات عسكرية داخل غزة في 2014 وصف الأنفاق بأنها “نقاط عمياء” تسمح لمقاتلي حماس بالخروج من العدم.

وهو ما عبّر عنه جندي إسرائيلي آخر سبق له القتال في غزة حين صرّح قائلاُ “نعلم أنهم ينتظروننا، وبقدر ما هو سيء القتال في غزة فوق الأرض، فإن القتال تحت الأرض أسوأ بكثير”.

أحمد متاريك

RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular