يوم السابع من شهر كانون الأول/ديسمبر سنة 1941، سجلت اليابان دخولها الحرب العالمية الثانية بشكل رسمي، حيث أغارت الطائرات الحربية اليابانية على قاعدة بيرل هاربر (Pearl Harbor) الأميركية الواقعة بجزر هاواي بعرض المحيط الهادئ متسببة في مقتل ما يزيد عن 2300 جندي أميركي. وطيلة الأشهر القليلة التالية، لم تتردد اليابان في مهاجمة وإخضاع عدد من المستعمرات البريطانية والأميركية والهولندية بشرق آسيا لتبلغ بذلك الإمبراطورية اليابانية أوج توسعها بحلول صيف عام 1942.
في غضون ذلك، وضعت البحرية اليابانية بناء على اقتراحات الأميرال إيسوروكو ياماموتو (Isoroku Yamamoto) خطة ثانية لتدمير حاملات الطائرات الأميركية والتي اعتبرها تهديدا للمدن اليابانية خاصة عقب غارة دوليتل (Doolittle Raid) الأميركية التي طالت العاصمة طوكيو. وبالتزامن مع ذلك، آمن الأميرال ياماموتو بعدم قدرة البحرية اليابانية على شن غارة ثانية على قاعدة بيرل هاربر بسبب تواجد العديد من الطائرات الأميركية بها، وأمام هذا الوضع فضّل الأخير شنّ هجوم على جزر ميدواي (Midway) التابعة لهاواي والتي تبعد نحو 2100 كلم عن أواهو (Oahu) لجر الأسطول الأميركي وإجباره على مواجهة نظيره الياباني.
خلال تلك الفترة، امتلكت الولايات المتحدة الأميركية فرقا مختصة في تحليل الشفرات تمكنت بفضلها من فك الشفرة السرية للبحرية اليابانية التي أطلق عليها الحلفاء حينها JN-25. وعلى الرغم من فشلهم في تحديد موقع هجوم بيرل هاربر خلال شهر كانون الأول/ديسمبر سنة 1941، تمكّن الفريق الأميركي من كشف الخطط اليابانية لهجوم ميدواي لتشهد الحرب على ساحة المحيط الهادئ تحولا جذريا قلب موازين القوى لصالح الأميركيين.
ومطلع العام 1941، حصل المسؤول الأميركي جوزيف روشفورت (Joseph Rochefort) على منصب قائد وحدة تحليل الشفرات HYPO ببيرل هاربر ليقدم عقب ذلك على جمع فريق متكامل من أفضل المختصين للعمل معه. وعلى حسب ما نقلته التقارير الأميركية، كان جوزيف روشفورت قادرا على التكهن بالخطوات التالية التي يمكن أن يعمد لها اليابانيون عقب هجوم بيرل هاربر، فضلا عن ذلك اتجه هذا المسؤول الأميركي للعمل لفترات طويلة تجاوزت 12 ساعة يوميا.
وخلال النصف الأول من سنة 1942، استخدم اليابانيون الرمز AF للإشارة لميدواي والتي كانت هدفا لهجومهم الثاني الحاسم ضد البحرية الأميركية. وفي غضون ذلك، كان الرمز AF مجهولا لدى الأميركيين الذين عجزوا عن تحديد موقع الضربة اليابانية المحتملة بالمحيط الهادئ.
وبالتزامن مع ذلك، شكك روشفورت أن الرمز AF يشير إلى ميدواي، وللتأكد من ذلك وضع الأخير رفقة زملائه خطة محكمة سرعان ما وافق عليها الأميرال شيستر نيميتز (Chester W. Nimitz) قائد الأسطول الأميركي بالمحيط الهادئ.
من خلال هذه الخطة، أرسل روشفورت ورفاقه رسالة غير مشفرة وسهلة الاعتراض للقيادة الأميركية أكدوا من خلالها على وجود عطب بأنظمة تحلية المياه بميدواي، ومطالبين بضرورة إصلاح هذا الخلل لتوفير الماء الصالح للشرب للجنود. في غضون ذلك، ابتلع اليابانيون الطعم حيث اعترض عملاؤهم هذه الرسالة الأميركية قبل أن يقدموا على إرسال رسالة مشفرة للقيادة العسكرية البحرية مفادها أن AF تعاني خللا في نظام تحلية المياه. وبفضل هذه الحيلة، تأكد الأميركيون أن الرمز AF هو ميدواي ليتمكنوا لاحقا من تحديد موعد الهجوم الياباني.
مثلت هذه المعلومة حدثا مفصليا خلال الحرب المستعرة بالمحيط الهادئ، فأثناء معركة ميدواي تمكن الأميركيون، بفضل علمهم المسبق بموقع الهجوم الياباني، من تدمير 4 حاملات طائرات يابانية إضافة لعدد من السفن الأخرى، ونحو 250 طائرة عسكرية مقابل خسارتهم لحاملة طائرات واحدة وقرابة 150 طائرة، وبناء على ذلك خسرت اليابان جزءا هاما من قوتها البحرية لتتخذ الحرب عقب ذلك منحى جديدا تميّز ببداية تراجع القوات اليابانية بالمحيط الهادئ.