قمة الرياض عجز عربي-إسلامي
باحث في المركز الفلسطيني للتوثيق والمعلومات «ملف»
استدعت التطوّرات الخطيرة وغير المسبوقة في غزة توحيد الصفين العربي والإسلامي وعقد قمة عربية -إسلامية مشتركة بحضور 57 دولة يشكلون ثلث العالم، باعتبار أن في الوحدة قوة قادرة على مساندة الفلسطينيين، وترهب الإسرائيليين، وتُحدث أثراً هاماً في السياسة العالمية يتناسب ووزن دول المؤتمرين في المعادلة الدولية، لكن خابت الآمال بعد انقضاء أكثر من أسبوع على القمة دون أثر يذكر في تغيير الوضع القائم في قطاع غزة والضفة الفلسطينية، وشل أو على الأقل الحد من تصاعد العدوانية الصهيونية وازديادها شراسة.
وقبل الحديث عن السلبيات، وقبل إي نقد للوضع العربي والإسلامي فقد كان للقمة نص جيد أعطى للنضال الفلسطيني الشرعية، ونزع الشرعية عن جرائم العدو وحربه العدوانية، ورفضت القمة أي تبرير لعدوان إسرائيل بذريعة الدفاع عن النفس، ورفضت القمة ما تقوم به إسرائيل من عقاب جماعي بحق سكان غزة واعتبرته جرائم حرب.
لكن لم تقدم هذه القمة الرسالة القوية المتوقعة للدول الغربية والتي تعكس وزن هذا الجمع الكبير، ولاسيما في البند الأهم في نص البيان الختامي حول الوقف العاجل للحرب، وعجزت هذه القمة أن تلزم إسرائيل بوقف عدوانها وفرض وقف هذه الحرب التي تجاوزت فيها إسرائيل كل الخطوط الحمر بقصف المنازل والمدارس والمستشفيات والأفران والمساجد والمؤسسات، ولم تستطع إقناع الولايات المتحدة بالضغط على إسرائيل لوقفها، بل إن بايدن وبلينكن يماثلان القادة الإسرائيليين بعنادهما واصرارهما على عدم وقف عاجل لإطلاق النار.
ولم تنجح الجهود في الاتفاق على هدنة إنسانية، وفتح ممرات إنسانية آمنة، وفتح المعابر وإدخال الوقود من أجل تشغيل مولدات المشافي وإيصال المساعدات الغذائية والطبية بالكميات الكافية، والتي يتطلبها هذا الوضع المأساوي في غزة.
ويسجل على دور الجامعة التي هي انعكاس لحالة الضعف العربية -الإسلامية التأخر في عقد الاجتماع الطارئ بعد 35 يوماً من المجازر والقتل والتدمير والإبادة الجماعية، ومع أننا خبرنا سابقاً النتائج المتمخضة عن القمم العربية والجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي ولجنة القدس برئاسة ملك المغرب، سنوات طويلة لم يحركوا ساكناً، والقدس والأقصى يهوّدان أمام عيونهم يوماً بعد يوم.
فما العمل إزاء الرفض الإسرائيلي ورفض حليفتها الرئيسية الولايات المتحدة مطلب وقف إطلاق النار؟. باعتباره الأولوية والحاجة الملحة والهدف الأساسي للقمة لوقف قتل الفلسطينيين والإبادة الجماعية في قطاع غزة؟.
وجّه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو رسالة للزعماء العرب بعد القمة بـأن يصمتوا إذا كانوا يريدون حماية مصالحهم، لقد كان واضحاً حجم الاستخفاف الإسرائيلي – الأميركي والسخرية من قرارات القمة العربية – الإسلامية، حين عاد نتنياهو وأكد إصراره على مواصلة الحرب ضد شعبنا دون توقف، وفرض الحصار عليه، وكذلك حين صعّدت قوات الاحتلال هجومها الهمجي على المدنيين، بما في ذلك فرض الطوق الناري على المستشفيات في غزة، ما أدى إلى انهيار الخدمات الطبية فيها، وتكاد أن تتحول إلى مقابر جماعية للآلاف من أبناء شعبنا النازحين إليها، وانقطع التواصل مع الطواقم الطبية وبات مصير المرضى والجرحى وفرق الإنقاذ والإسعاف مجهولاً.
اهتمت قمة الرياض بعدم اتساع نطاق الحرب في الإقليم، وابتعدت عن تحدي إسرائيل عبر فرض إدخال قوافل مساعدات إنسانية عربية وإسلامية ودولية، من معبر رفح، فليس من المتوقع أن تستجيب إسرائيل للدعوات والمناشدات باسم الإنسانية، وتسمح بإدخال المساعدات، فهل انتهى الأمر عند الاستسلام لرفضها وعدم إدخال المساعدات؟. وهل يقبلون بما تسمح به إسرائيل؟. وبالقدر اليسير الذي يمكنها من تجويع سكان غزة في أي لحظة تشاء؟. لم نلحظ حتى الآن نشاطاً وتحركاً قوياً مؤثراً من قبل الجامعة العربية على الساحة الدولية لوقف العدوان، ودعم فلسطين وشعبها، وإدانة الاحتلال الإسرائيلي ومحاسبته على جرائمه، يبدو أن القمة قد باعت الجماهير العربية والمسلمة كلاماً مجرداً، ولم يتم اتخاذ إجراءات عملية غير لفظية من ضمنها سحب الدول العربية والإسلامية المطبعة سفراءها من إسرائيل لإشعارها بجدية دول القمة في الوقوف وراء مطالبها ودعواتها وتنفيذ وعودها للفلسطينيين.
ودعت القمة للعمل على عقد مؤتمر دولي للسلام لإنهاء الصراع في المنطقة على أساس حل الدولتين، ومن جديد يجري الحديث عن الحل بالعودة للمبادرة العربية مع تطويرها، وقد برز الاستخفاف الإسرائيلي بقرارات القمم العربية بإهمال واضح ومقصود لمبادرة السلام العربية منذ العام 2002 في بيروت التي تنص على أن يكون هناك دولة فلسطينية متكاملة الأركان ودون ذلك لن تنعم إسرائيل بالأمن والاستقرار.
وكيف يكون التحرك العربي على الساحة الدولية لوقف العدوان ودعم فلسطين وشعبها وإدانة الاحتلال الإسرائيلي ومحاسبته على جرائمه؟. كيف يمكن للتكتل العربي أنّ يؤثر على مجرى الأحداث على الأرض؟.
نجاح القمة العربية الإسلامية لا يقوم على بيان ختامي شديد اللهجة يدين الهجمات على المدنيين في غزة، لابد من آلية ضغط على إسرائيل والولايات المتحدة لوقف فوري للحرب وفتح المعابر وإدخال الوقود من أجل تشغيل المشافي وإيصال المساعدات الغذائية والطبية بالكميات الكافية.
لقد غيبت القمة العربية- الإسلامية آليات التنفيذ وشكلت لجنة عربية مصغرة لمتابعة العمل من أجل تحقيق أهداف المبادرة المستحدثة دون تحديد آليات تنفيذ، وعلقت الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين على قرارات القمة العربية – الإسلامية ومخرجاتها، فقالت: لقد افتقرت هذه القرارات والمخرجات إلى آليات التنفيذ، وبات الكثير منها معلقاً في الهواء.
وقد رفضت القمة العربية- الإسلامية استخدام سلاحي المقاطعة والبترول في هذه الحرب، فعطّلت بذلك عناصر القوة التي تملكها الدول الأعضاء فيها، كوقف العلاقة مع دولة الاحتلال، وفرض العزلة عليها، وتبني مقاربة جديدة للعلاقة مع الأطراف الدولية على قاعدة موقفها من العدوان الهمجي على شعبنا، ومن قضيته وحقوقه الوطنية المشروعة، كما عطّلت إمكانية فرض العقوبات على الدول التي تمد دولة الاحتلال بالأسلحة والذخائر، والدعم السياسي بما في ذلك تصويتها إلى جانب إسرائيل في الأمم المتحدة.
إزاء هذا الفشل في اتخاذ إجراء عملي لتحقيق بنود وقرارات القمة يخفف معاناة وآلام السكان المدنيين في غزة، ويمنع وقوع كارثة إنسانية، ونكبة أخرى تلحقها بهم إسرائيل/ جراء عدوانها الهمجي، المطلوب فلسطينياً تحرك قيادي على أعلى المستويات، يقوم على بناء إطار وطني جامع، يوحد القوى الفلسطينية، ويرسم استراتيجية ورؤية فلسطينية، تغادر سياسة الانتظار والرهانات الخارجية، وترتقي بالمقابل إلى مستوى الأوضاع الصعبة والكارثية التي يعيشها شعبنا في قطاع غزة، وإلى مستوى التهديدات الفاشية التي تطلقها دولة الاحتلال ضد شعبنا في الضفة، في حربها المفتوحة ضد المخيمات والمدن، بكل ما يفرضه ذلك علينا جميعاً ودون استثناء، من استحقاقات وطنية عاجلة وملحة وسريعة.
لم يعد مقبولاً غياب منظمة التحرير الفلسطينية عن هذا الحدث المفصلي الذي يهدد قضيتنا الوطنية ومشروعنا التحرري مما يتطلب توحيد الجهود الفلسطينية لمواجهة هذا العدوان البربري الذي يهدف إلى إقامة إسرائيل الكبرى بإبادة جماعية وتشريد ما تبقى من أبناء شعبنا وطرده من أرضه.