تتعاون بغداد مع واشنطن في صد هجمات الفصائل، وقد نجحت بالفعل في احباط عدد من تلك الهجمات، بحسب ماتقوله مصادر سياسية ونائب سابق. وتأمل السلطات واطراف في الاطار التنسيقي من وراء ذلك التعاون في ايقاف توسع متوقع للرد الامريكي على عمليات القصف.
وحتى الان ردت واشنطن 3 مرات خارج الحدود مقابل اكثر من 60 هجوما نفذته جماعات عراقية مسلحة ضد القوات الامريكية في الداخل وسوريا.
وبدأت الهجمات تتصاعد ضد المواقع الامريكية في منتصف الشهر الماضي، بسبب احداث الحرب في غزة.
وامس حذر وزير الخارجية فؤاد حسين من تبعات عسكرية واقتصادية على العراق بسبب تلك الهجمات، في اخطر تصريح لمسؤول عراقي منذ بداية الازمة.
وقال حسين خلال منتدى السلام والأمن في الشرق الأوسط، الذي تستضيفه الجامعة الأمريكية في دهوك، ان «الحكومة العراقية وبخاصة السيد السوداني (ويقصد محمد السوداني رئيس الوزراء)، تسعى لاقناع الفصائل التي تؤمن بأن هناك ربطاً بين التواجد الاجنبي في العراق والحرب على غزة، من أن بعض العمليات هي ليست بصالح الاستقرار في العراق، وليس بصالح الوضع الامني في العراق، وهناك مخاطر كبيرة».
واضاف حسين: «اذا استمرت هذه العمليات، وكان هناك ضحايا، السؤال المطروح، ماذا يكون رد فعل الآخرين، وبخاصة قوات التحالف؟، من الناحية العسكرية والامنية ستكون لها تبعات سياسية واقتصادية فنحن جميعا امام تحديات».
وفي نفس المنتدى قال رئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني معلقا على الاحداث في غزة «مهما كانت الذرائع لا ينبغي أن يتورط العراق في هذه الحرب لأن ذلك يلحق به ضرراً كبيراً».
وشدد بارزاني في كلمته على أنه «يجب أن يكون العراق مستقراً ليتقدم».
ومؤخرا فرضت واشنطن عقوبات على 5 عراقيين من بينهم زعيم كتائب سيد الشهداء ابو الاء الولائي، القيادي في الاطار الشيعي.
وهو ثالث شخصية في التحالف الشيعي تطاله العقوبات بعد قيس الخزعلي، زعيم العصائب، وفالح الفياض رئيس الحشد.
ويتوقع قيادي في احد الاحزاب المنضوية في التحالف الشيعي في مقابلة مع (المدى) ان «الرد الامريكي على هجمات الفصائل لن يتطور عند هذا الحد».
ويشير القيادي الذي طلب عدم نشر اسمه، الى ان الدليل في عدم اتساع رد واشنطن هو «تجنبها قصف الفصائل في الداخل والاكتفاء بغارات في سوريا».
وبحسب مسؤولين امريكيين فان قوات بلادهم تعرضت لـ61 هجوما على الأقل خلال شهر، 29 منها كانت في العراق، و32 في سوريا، وردت 3 مرات على اذرع إيرانية في سوريا.
ونوه المسؤولون بحسب تقارير غربية، إلى أن معظم هذه الهجمات تم إحباطها أو فشلت في الوصول إلى أهدافها.
وأصيب في تلك الهجمات ما لا يقل عن 60 جنديا بإصابات طفيفة، معظمها إصابات دماغية، منذ 17 تشرين الاول الماضي. ويقول المسؤولون إن جميع الأميركيين الذين أصيبوا عادوا إلى الخدمة.
وتوصف اكثر تلك الهجمات بانها «تحذيرية»، بحسب مراقبين، وبانها لا تحقق نتائج عسكرية مهمة.
ويقول القيادي الشيعي ان «الولايات المتحدة راضية على اداء الحكومة، ولذلك منحتها استثناء 4 اشهر لاستيراد الغاز والطاقة من ايران، كما ان شحنات الدولار مستمرة ولم تتوقف».
لكن بالمقابل لاينفي بان تلك الجماعات المسلحة «خارجة عن القانون وقد اوضحت الحكومة ذلك الى واشنطن وهي مستعدة لمنعها من مهاجمة مقرات التحالف الدولي».
ويبدو ان هذا التعاون وراء الخصومة داخل التحالف الشيعي، حيث يستمر زعماء الاطار مثل هادي العامري وقيس الخزعلي بمهاجمة واشنطن.
بالمقابل تؤكد الحكومة بانها ملتزمة بحماية التحالف الدولي الذي تقول بانه موجود بـ»دعوة من العراق»، والبعثات الدبلوماسية.
ومر حتى الان اكثر من شهر منذ وجه السوداني بملاحقة مطلقي الصواريخ لكن لم تعلن الحكومة عن اعتقال اي شخص.
وكان ابو علي العسكري المعروف بانه المسؤول الأمني لكتائب حزب الله، وصف العقوبات الامريكية الاخيرة بانها «مثيرة للسخرية»، وقال إنها لن تؤثر على عمليات الفصائل.
وأضاف في البيان الذي نشره على تليغرام أن «ادارج الاخوة على ماتسمى بـ(لائحة العقوبات الامريكية) مثير للسخرية ويدل على حماقة صانع القرار الأمريكي».
واشار الى ان تلك الاجراءات «لن تثني مجاهدينا الشجعان عن اداء دورهم في معركة الحق ضد الباطل».
وتابع «توجيه الضربات المدروسة للمقاومة في العراق ضد الأعداء(…) يسير وفق ستراتيجية استنزاف العدو».
وشملت العقوبات الامريكية الاخيرة عضو مجلس الشورى في كتائب حزب الله ومسؤول الشؤون الخارجية، وقائد عسكري قالت وزارة الخزانة إنه يعمل مع الحرس الثوري الإيراني لتدريب مقاتلين.
وصنفت وزارة الخارجية الأميركية كتائب سيد الشهداء، وأمينها العام أبو آلاء الولائي، إرهابيين عالميين مصنفين تصنيفاً خاصاً.
وفي بيان نُشر على تليغرام وصف الولائي إدراج اسمه على قوائم العقوبات الأميركية، بأنه «وسام شرف» ومن دواعي الفخر والاعتزاز.
وتجمد العقوبات أية أصول مملوكة للمستهدفين في الولايات المتحدة وتمنع الأميركيين بشكل عام من التعامل معهم. كما يخاطر من يدخل في معاملات معينة معهم بالتعرض للعقوبات.
في الشأن يقول مثال الالوسي السياسي المعروف في مقابلة مع (المدى) ان «هناك تعاون بين الحكومة والاستخبارات الامريكية ضد تلك الفصائل، ونجحت في احباط عدد من الهجمات».
واضاف الالوسي ان «بغداد والاحزاب غير قادرة على انهاء هيمنة ايران واستطاعت طهران ان تحول البلاد الى جزء من حرب غزة، لذلك من السذاجة القول ان واشنطن راضية على اداء الحكومة».
وتابع السياسي والنائب السابق ان «هناك قلق كبير في واشنطن من تنامي المليشيات والدولة العميقة وهيمنتها على المؤسسات، وهو مادفع اطراف شيعية الى ارسال رسائل الى امريكا تؤكد عدم قدرة بغداد على مواجهة النفوذ الايراني وايقاف تهديدات ضد شخصيات سياسية من قبل فصائل تابعة لطهران».
واعتبر النائب السابق ان الغاية الفعلية في اصدار امريكا عقوبات على شخصيات وكيانات هو «انذار اخير لتلك الجماعات قبل العاصفة واتخاذ اجراءات جديدة ضد الفصائل قد تتجاوز غضب واشنطن خارج الحدود وتوجه ضربات في الداخل».
واكد الالوسي ان عملية استهداف الفصائل في الداخل قريبة جدا، وبانه وعراقيين اخرين حاولوا التوسط لدى الدوائر الأمريكية لتجنيب العراق ذلك السيناريو لكنه لا يبدو ان ذلك ممكن الان.
وعن الرسائل الشيعية التي يقول النائب السابق انها ارسلت الى واشنطن، قال إن «بعض الرسائل اكدت بان على الولايات المتحدة التصرف مع تلك الفصائل، وكأنها تريد من امريكا تصفية المنافسين لها قبل الانتخابات».
كما كشف ايضا عن ان رسائل اخرى قالت للولايات المتحدة «اقبلوا بنا كما نحن والا ستضطرون بدلا عن ذلك للتعامل مع مقتدى الصدر (زعيم التيار الصدري)».
وبين الالوسي ان التعاون الذي اشار له بين بغداد وواشنطن حول تقييد هجمات الفصائل يقع ضمن «محاولات العراق لعدم تنفيذ هجمات في الداخل، لكن لا يبدو ان هذه المحاولات ستصمد وهناك ضربة موجعة قريبة».
بغداد/ تميم الحسن