الأحد, نوفمبر 24, 2024
Homeمقالاتاليوم التالي لن يكون إلا فلسطينيا : أسامة خليفة

اليوم التالي لن يكون إلا فلسطينيا : أسامة خليفة

                                         باحث في المركز الفلسطيني للتوثيق والمعلومات «ملف»

لدى إسرائيل خطة عسكرية لخوض مستنقع غزة من القصف الوحشي وسياسة الأرض المحروقة إلى التهجير والإبادة الجماعية، ثم الدخول في حرب برية لاستكمال ما تسميه التصريحات والبيانات الإسرائيلية إلحاق «الهزيمة» بـحركة حماس، تحت شعار غزة مستقبلاً خالية من حركة حماس، والمقصود حركة المقاومة الفلسطينية، ويتحدثون الآن عن مرحلة ثانية لحربهم البرية وهم لم ينجزوا المرحلة الأولى، ليبدو أمر حملتهم، وكأنها تسير وفق ما هو مخطط لها.

لكن اسرائيل لم تضع استراتيجية للخروج من هذا المستنقع، فسارعت الولايات المتحدة لتتدارس مع إسرائيل خيارات لمستقبل قطاع غزة في حال «الانتصار» على حماس، وكأن الأمر صار حقيقة وواقعاً ملموساً بعد التوغل البري، يعيشون في الأوهام، ويبنون قصوراً في الهواء، وقد تأكد العدو قبل الصديق أن أهداف العملية البرية الاسرائيلية عاجزة عن تحقيق أهدافها، ومع ذلك يتداولون سيناريوهات معلقة بالهواء لمستقبل قطاع غزة.

كانت وما زالت الرؤية الإسرائيلية للمرحلة المقبلة، غير محسومة، فمن الواضح أنه لم يتم التوصل إلى إجماع إسرائيلي -حتى في المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر للشؤون السياسية والأمنية الكابينيت- حول تحديد أهداف واضحة للحرب، ورسم صورة واضحة لمرحلة ما بعد تحقيق تلك الأهداف، ويحدد بعض المسؤولين الإسرائيليين أولوياتها حربهم في غزة وفق التالي:

-«منطقة عازلة» ربما تشمل مساحة على الحدود المصرية، وتمنح إسرائيل السيطرة الكاملة على الحدود البرية لغزة.

-«مرونة عملياتية» مما يعني القدرة على دخول قطاع غزة في الوقت الذي تشعر فيه بأن أمنها معرض للخطر من خلال تقسيم قطاع غزة إلى مناطق كما في الضفة الغربية، حيث تمتلك القوات الإسرائيلية حرية تنفيذ عمليات، بتعاون مفترض مع السلطة الفلسطينية في مناطق سيطرتها، وتمنح إسرائيل السيطرة الكاملة على الحدود البرية لغزة.

-قطاع غزة منزوع السلاح.

تشير الخيارات أو المقترحات من الجانب الاسرائيلي إلى إعادة احتلال قطاع غزة، وعودة الأمور إلى ما قبل العام 2005 – قبل فك الارتباط مع غزة- ذلك يعني أن إسرائيل ستسيطر على قطاع غزة حتى إجراء ترتيبات جديدة لحكم القطاع والقيام بتوغلات في المناطق السكانية، بما لا يدع مجالاً لحدوث أي هجوم من قطاع غزة.

جاء في تصريحات لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، لشبكة «ABC News» الأميركية، إن إسرائيل «ستتولى مسؤولية الأمن في غزة إلى أجل غير مسمى»، وأوضح مسؤولون إسرائيليون أن أولوية إسرائيل تنصب على الأمن، مع إمكانية الطلب من السلطة الفلسطينية إعادة دورها في إدارة قطاع غزة.

ومن الجانب الفلسطيني صرح رئيس الوزراء الفلسطيني، محمد أشتيه، لشبكة «ABC News»، بأن السلطة الفلسطينية مستعدة لأن تكون جزءاً من حل في قطاع غزة، يتعامل مع القضية الفلسطينية ومع مسألة الاحتلال، بما ينسجم مع أولويات السلطة الفلسطينية التي يمكن تلخيصها في النقاط التالية:

–ضرورة الوقف الفوري للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.

-إدخال المساعدات الإغاثية بأسرع وقت.

-منع تهجير سكان قطاع غزة بشكل كلي أو جزئي.

ويجري التداول الأميركي -الإسرائيلي حول مسألة مستقبل قطاع غزة بتأكيد كلا الطرفين على ضرورة إبعاد حركة حماس من المشهد في المستقبل، وهو ما يراه مراقبون فرصة لرئيس السلطة للعودة إلى القطاع وتوحيد القرار السياسي في الضفة وغزة، وترغب بعض الجهات الغربية إعادة رئيس السلطة الفلسطينية إلى غزة واستلام سلطة إدارة القطاع بعد الحرب، وربما يرغب رئيس السلطة بالعودة الى تولي حكم غزة وتوحيد القرار السياسي في الضفة والقطاع، لكن يصعب إيجاد كرزاي فلسطيني يقبل أن يذهب في وضح النهار إلى غزة على ظهر دبابة للجيش الإسرائيلي، في وقت يتعرض الرئيس الفلسطيني محمود عباس لانتقادات واسعة لا يستثنى منها انتقادات من قبل قيادات في فتح، مع ذلك يؤكد سياسيون غربيون على ضرورة أن يكون للسلطة الفلسطينية دور في إدارة غزة لضمان الأمن والاستقرار في المنطقة، ومع إمكانية قيام دول عربية بالمساعدة في إدارة الأمن في القطاع مثل: مصر والسعودية وقطر والإمارات، أو نشر قوات حفظ سلام دولية في قطاع غزة للحفاظ على أمن إسرائيل، وكانت مصر قد رفضت مقترحاً لـ«تولي إدارة الأمن مؤقتاً» في قطاع غزة، وكذلك فعلت الأردن وكان وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي قد قال إن بلاده ترفض أي حديث عن إدارة غزة ما بعد الحرب، عبر قوات عربية، لأنه يجد في ذلك رمياً لعبء المحافظة على ما يسمى أمن إسرائيل على دول عربية، لكن يبدو أن السياسة الأميركية تريد إيقاع الدول العربية في مستنقع غزة لتحمل عبء القطاع بدلاً عن اسرائيل، مع احتمال تحويل الصراع إلى عربي -عربي عبر تصادم القوات العربية مع الفلسطينيين، وفي السياق يتلخص الموقف العربي برفض المساهمة في تغيير الوضع في غزة، بل العمل على وقف العدوان، ثم الذهاب إلى عملية سياسية، هدفها منح الفلسطينيين حقوقهم، وأهمها الدولة الفلسطينية.

كل هذه المقترحات تأتي بعد تصريحات من وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، أكد فيها أنه لا لإعادة احتلال لغزة بعد انتهاء الصراع الحالي، مضيفاً أنه ربما تكون هناك حاجة إلى «فترة انتقالية»، لكن بعد الأزمة الحالية يتعين على الفلسطينيين أن يحكموا القطاع، يُظهر الخطاب الجديد للمسؤولين الأميركيين كيف تختلف إدارة الرئيس، جو بايدن، مع بعض المسؤولين الإسرائيليين حول مستقبل غزة، حتى مع استمرار واشنطن في دعم العملية العسكرية الإسرائيلية الحالية هناك، وتأتي خطة بلينكن بعد شهر من المناقشات الهادئة التي أجراها مع إسرائيل، وشركاء إقليميين، بالإضافة إلى دبلوماسيين عالميين بارزين حول تصور لغزة ما بعد الحرب.

وإزاء ذلك يطرح السؤال التالي: هل يمكن أن تتفق الرؤية الإسرائيلية والأمريكية على شكل حكم غزة بعد انتهاء الحرب؟. لا يوجد حتى الآن توافق بين القيادات السياسية الإسرائيلية، بشأن خطة مفصلة للأوضاع في غزة عقب انتهاء الحرب، وهذا الأمر يثير مخاوف داخل حكومة الوحدة التي يقودها بنيامين نتانياهو، والتي بدأت  العملية البرية العسكرية دون وجود الاستعدادات الكافية للمرحلة التي تليها، لكن وبعد أكثر من أربع وأربعين يوماً من هجمات حماس غير المسبوقة، لا تزال هناك العديد من الأسئلة التي لم تتم الإجابة عليها بشأن استراتيجية وأهداف ما بعد الحرب، وهذا سيفسح مجالاً واسعاً للاتصالات الدبلوماسية، والمعارك البرية مازالت مستمرة بضراوة وإسرائيل غير قادرة على تحقيق أهدافها الميدانية.

في الجانب الأميركي، أوضح المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية «ماثيو ميلر» الأمر في مؤتمر صحفي قائلا: «أجرينا محادثات أولية بخصوص الشكل الذي قد يكون عليه مستقبل غزة». وحسب ما تتناقله وكالات الأنباء فإن للولايات المتحدة رؤيتها بهذا الشأن وفق الخيارات التالية:

– السيطرة المؤقتة على غزة من قبل دول منطقة الشرق الأوسط، بدعم قوات من الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا، وفي الوقت نفسه، فإن وجود الدول العربية، مثل الإمارات العربية المتحدة أو المملكة العربية السعودية، أمر مرغوب فيه أيضا.

-نشر قوات حفظ السلام والمراقبين بوجود أميركي، تحبذها اسرائيل.

-إدارة مؤقتة لقطاع غزة تحت رعاية الأمم المتحدة، لا تحبذها إسرائيل لأن لديها قناعة أن المنظمة الدولية قليلة الفائدة.

ردود فعل السلطة الفلسطينية على الحاجة إلى فترة انتقالية بعد انتهاء الصراع الحالي، ومازالت المجازر ترتكب بحق المدنيين العزل من قبل الجيش الإسرائيلي، تتمثل في رفض إعادة احتلال غزة، ورفض السلطة الفلسطينية الانخراط في أي نقاش رسمي حول كيفية إدارة غزة بعد انتهاء الحرب، وتصر بدلاً من ذلك على الحاجة الملحة لوقف إطلاق النار، ذلك الرفض جاء خلال مناقشة رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس مع وزير من وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن ، في شأن إدارة غزة بعد الحرب، متوقعاً أن تشارك الحكومة الفلسطينية في إدارة قطاع غزة مستقبلاً مؤكداً أن السلطة الفلسطينية هي الجانب الوحيد الذي يتحمل المسؤولية عن غزة والقدس الشرقية والضفة الغربية، وأوضح أن السلطة الفلسطينية  لم تترك غزة، وواصلت إدارة بعض وزاراتها في غزة ومنها وزارة الصحة، باعتبار القطاع جزءاً لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية، ضمن رؤية حل الدولتين، وضرورة المضي في الحل السياسي القائم على الشرعية الدولية، من أجل نيل الشعب الفلسطيني حريته واستقلاله وسيادته لأن لا حل أمني أو عسكري لقطاع غزة، ولا يمكن القبول أو التعامل مع مخططات سلطات الاحتلال في تقويض كل المقومات التي تؤدي لإقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة.

وعن المقترحات الأمريكية قالت حركة حماس في بيان لها، إن محاولات التدخل الأمريكية لفرض واقع جديد بغزة وقحة ومرفوضة وسيتصدى لها الشعب الفلسطيني، فليس الشعب الفلسطيني الحر من تفرض عليه الوصاية.

وأضاف البيان: إننا نقول وبوضوح إن محاولات التدخل السافر للولايات المتحدة لفرض واقع جديد يكون على مقاسهم وعلى مقاس الاحتلال الصهيوني في قطاع غزة مرفوضة رفضاً تاماً، وسيتصدى لها أبناء شعبنا الفلسطيني بكل قوة.

وتابع: إن قرار ترتيب الوضع الفلسطيني هو قرار الشعب الفلسطيني، وهو وحده القادر على تحديد مصيره ومستقبله ومصالحه، وإن تلك التصريحات والمخططات الأمريكية الخبيثة هي أضغاث أحلام في عقولهم، فشعبنا الفلسطيني العظيم ومقاومته الباسلة، سيكون لهم الغلبة على هذا الاحتلال الفاشي، وسيفرض شعبنا إرادته وينتزع حقوقه بالقوة لإقامة دولته الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.

وحذرت الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين في بيان لها من خطورة المشاورات والتحركات الأميركية – الإسرائيلية – الغربية، والتي تهدد قضيتنا وحقوقنا الوطنية المشروعة، ومستقبل شعبنا ومصيره، في ظل غياب الإطار القيادي الوطني الفلسطيني الموحد والجامع لكل أطراف الحالة الوطنية الفلسطينية، وفي السياق، في ظل غياب استراتيجية ورؤية فلسطينية موحدة، تتصدى لمثل هذه المشاورات وما تحمله من مشاريع وسيناريوهات وخطط، تراهن على كسر مقاومتنا، وتركيع شعبنا، وفرض الهيمنة والإرادة الأميركية – الإسرائيلية عليه، وقطع الطريق على حقوقه الوطنية غير القابلة للتصرف، مستغلة حالة الانقسام التي ما زالت تنخر في الجسم الفلسطيني، في وقت نحن أحوج ما نكون فيه إلى تجاوز هذا الانقسام، وكل الانقسامات الأخرى، لصالح الاجتماع على أعلى مستوى قيادي، جامع لكل القوى والفصائل، لتشكيل الإطار القيادي الوطني الجامع، والتوافق على استراتيجية ورؤية كفاحية، تتصدى لكل السيناريوهات والمشاريع البديلة، وتتوجه إلى العالم كله، تحت راية م. ت. ف، بإطارها الائتلافي والتشاركي الجامع، لوقف الحرب والعدوان، وإطلاق المشروع الوطني لكسر الحصار، وإنقاذ القطاع من الموت قتلاً وجوعاً وعطشاً، وصون الحقوق الوطنية المشروعة لشعبنا، ومساءلة العالم عن دوره في إطلاق عملية سياسية ذات مغزى، تفتح الطريق لعقد مؤتمر دولي، تحت إشراف الأمم المتحدة، وبموجب قراراتها ذات الصلة، بجدول أعمال وسقف زمني ملزمين، بما يحقق أهداف شعبنا، في الخلاص من الاحتلال، وقيام دولته المستقلة كاملة السيادة على حدود 4 حزيران (يونيو) 67، وعاصمتها القدس، وحل قضية اللاجئين بموجب القرار 194، الذي يكفل لهم حق العودة إلى الديار والممتلكات التي هجروا منها منذ العام 1948.

RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular