بعد الانتهاء من المشاركة في اول مظاهرة امام البرلمان الاوروبي في بروكسل في يوم 8 اغسطس /اب 2014 للتنديد بجرائم داعش ضد الايزيديين في العراق والمطالبة بالتدخل الدولي في وقف جريمة الابادة واغاثة النازحين ،ذهبت للمعهد الكوردي الاوروبي في بروكسل للتباحث مع خبراء بلجيكيين ومنهم الخبير القانوني “يان فيرمون ” ولاحقا البروفيسور رختوس حول كيفية التعاطي مع تداعيات الجينوسايد ؟ وما هي الطرق الكفيلة بإنصاف الضحايا ؟ فضلا عن الاستماع لشرح حساسية تناول موضوع المغتصبات والتفاعل مع حالاتهن كل على حدة وبعد ذلك التجـأت لقرأة بعض الكتب الخاصة بتجارب الشعوب الاخرى التي تعرضت الى الابادة والتعرف على الجانب النفسي للمعنفة اثناء الحروب والصراعات ، كونها هي من انتهكت كرامتها وحقوقها وجسدها ويجب على المثقف والنخبة المجتمعية في الوقوف بجانب المغتصبات ويرمم نفسياتهن ويعالجهن ويقف معهن حتى تبدأ الحياة من جديد.
بعد اللقاء بالنائب في مجلس النواب العراقي ،السيدة فيان دخيل في 7 سبتمبر/ايلول 2014 في المؤتمر الدولي لحوار الاديان في مملكة بلجيكا والتاكيد على قضية اختطاف الايزيديات وبيعهن في اسواق النخاسة ونجاة بعض منهن في تلك الفترة والعودة الى احضان عائلاتهن ،هذا ما دفعني الى التعمق قد في الاطلاع على تجارب مماثلة للتعاطي من حالات الاغتصاب الجماعي واثار ذلك على الضحايا على كافة الاصعدة النفسية والجسدية والاجتماعية ،بموازاة عملنا في مجال تفعيل الحراك الدبلوماسي وايصال المعلومات الحقيقية عن مأسي ومعاناة الايزيديين والانتهاكات الكبيرة التي تعرضوا له على يد ارهابيي داعش، الى مصادر القرار في الامم المتحدة و البرلمان الاوروبي وبعض البلدان مثل هولندا وبلجيكا والمانيا ،قمنا ايضا في اطلاق حملة لجمع المساعدات الاغاثية لاهالينا في مخيمات النزوح باقليم كوردستان .
كنت أهيئ نفسي للسفر الى كوردستان لاقامة فعالية اليوم العالمي لانقاذ سنجار في دهوك يوم 9 ديسمبر/ كانون الاول 2014 ،باعتباري عضو اللجنة المشرفة على الفعالية التي نظمت بمبادرة من هيئة الدفاع عن اتباع الديانات والمذاهب في العراق ،وكنت افكر في حال اصدقائي وصديقاتي من “سنجار ،بعشيقة ، بحزاني” وفي اي مكان او مخيم صفي بهم الدهر ،بالاضافة الى التفكير في كيفية اللقاء مع الناجيات من قبضة اخطر تنظيم ارهابي في العالم ، اللواتي تنحني أمام عظمتهن كل المسميات والألقاب ، حيث أعتبر المرأة الايزيدية أعظم وأقوى امرأة على وجه الأرض ,فلم تواجه أى جنسية ماواجهته المرأة الايزيدية في التاريخ المعاصر .
اول ناجية
في منتصف شهر ديسمبر/ كانون الثاني 2014 في دهوك رتب الناشط المدني ميسر اداني لقاء مع ناجية ايزيدية للاطلاع على تجربتها القاسية ودعمها وفي طول الطريق كنت اشحذ الافكار من اجل التحدث امامها بكلام ذو قيمة يليق بصمودها وصبرها وإرادتها وشموخها ،بعد ان وصلنا الى مخيم ايسيان للنازحين حيث تقيم الناجية ،تثاقلت خطاي كلما اقتربنا من خيمتها ، وأبطئ سيري نحو اللقاء المرتقب وامام عتبة سراي السلام ، انحييت براسي كي ادخل صومعتها واقف امام شماخة اطهر مخلوقة وهي الناجية الاولى التي التقي بها “جنان بدل ” واتذكر جيدا كيف كانت الكلمات تقفُ مُتبعثرة خجولة أمام هيبتها، عاجزة بل قاصرة في حضرة شموخها ، كانت ذراعاي مشدودتين نحو نورها ،أردت أن أحتضنها بقوة كونها من النساء اللواتي تحّن لأقدامهن عتبة باب لالش النوراني ،في لحظتها عرفت ان لكبرياء المرء حدود من الرمل ،كم كنت صغيرا أمام برأتها. كم اخجل من دموعها ، اردت ان اظهر بانني شخص قوي ومتماسك و لكن العاطفة الإنسانية التي تحشر أنفها في كل شي غلبتني , شعرت على الفور بغصة في الحلق واغرورقت عيناي بالدموع وانا اقول لها ارفعى رأسك يا “جنان “، أنت حرة أبية ولاينبغى للحرائر إلا أن تنحنى أمام عظمتهن كل الجباه ،فقالت ﻟﻘﺪ ﺃﻣﻀﻴﺖ ﺛﻼﺛﺔ ﺃﺷﻬﺮ في ﺍﻟﺠﺤﻴﻢ وتعرضنا ﻟﻠﺘﻌﺬﻳﺐ ﻹﺭﻏﺎﻣﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻋﺘﻨﺎﻕ ﺍﻹﺳﻼﻡ، ﻭﺗﻢ ﺗﻜﺒﻴﻠﻨﺎ ﺗﺤﺖ ﺷﻤﺲ ﺣﺎﺭﻗﺔ، وعملوا اشياء لايستوعبه العقل البشري السوي .
كانت الناجية جنان تتحدث عن حفنة من الوحوش القذرة ،لا تربطهم بالانسانية اي شئ، يعتمدون على استراتيجية “الصدمة والترويع”، القائمة على على 3 عناصر رئيسية ومحورية هي الجنس والقتل والدمار،وانا استمع الى لغتها البسيطة السلسة المليئة بالمعاناة و كنت اختلس النظر الى زميلي ميسر اداني واحسده على رباطة جأشه وعلى حين غرة دخلت للخيمة الطفلة امينة خيرو ذات ال 9 ربيعا وتفاجئت من كونها ناجية وتعرضت الى انتهاكات جسيمة في طفولتها ,ودفنت جميع احلامها في بحر قذارة دولة خلافتهم ، دون ادراكها فيما يخبئ لها المستقبل .
قامت لاحقا الاكاديمية ثناء البصام بكتابة قصة هذه الطفلة ونشرتها في كتاب الثاني ” الطفولة المفقودة ، داعش والابادة الجماعية للايزيديين ” وهي قصة واحدة لمختطفة أيزيدية من بين ثلاثة آلاف مختطفة” سبية” ، لكل منهن قصة وجع لا ينتهي ,ستبقى تحمله في روحها جرحا من آلاف الجروح, التي لا تندمل.. حشرجة من آلاف الحشرجات التي تأبى الخروج من صدورنا, طعنة من آلاف الطعنات التي تتغلغل في أرواحنا ..!!
وانا استمع الى كلمات طفلة بريئة تتكلم في اشياء واحداث خارجة عن عالم الطفولة ،هذا العالم الوردي الساحر المزخرف بألوان قوس قزح, المتميّز بالنقاوة والجمال والمليء بالعفوية المطلقة والبراءة التي تحمل صفاء وبياض القلب .
الناجية الثانية
بمعية الاعلامية نافين سموقي زرنا عائلة ايزيدية نازحة تعيش في هيكل بناية غير مكتمل في كلي دهوك وفيها 4 ناجيات من قبضة التنظيم وبعد تعارف ونقاشات ،ابدت اصغرهن ( و. خ.ج ) استعدادها في المشاركة باي نشاط او مؤتمر لفضح جرائم داعش سواء كان داخل العراق او خارجه واعجبني جرأتها الممزوجة بالبراْة كونها كانت قاصر .
وفعلا شاركت هذه الناجية في مؤتمر الإبادة الجماعية والتطهير العرقي ومستقبل الايزيديين والمسيحيين في العراق والذي عقد في اربيل من 8 لغاية 10 فراير/ شباط 2015 كاول ناجية تشارك في مؤتمر وتدلي بشهادتها وكررت نفس الشئ وادلت بشهادتها في مؤتمر عقد بالامم المتحدة في جنيف.
توالت اللقاءات والزيارات مع والى الناجيات واثمرت عن علاقات صداقة مع بعض منهن واصبحت امتلك صديقات من الناجيات على الفيس بوك ايضا وقامت مؤسسة الايزيديين في هولندا بمساندة مؤسسة دمدم للاغاثة الانسانية وبالتنسيق مع مؤسسة حكيم الدولية لمدة سبعة ايام متواصلة ( من يوم 22 لغاية 29 سبتمبر 2016) باجراء لقاءات ومقابلات مع منظمات دولية وشخصيات عالمية والمشاركة في جلسات مجلس حقوق الانسان الدورة ال 33 بالاضافة الى المشاركة في ندوات وجلسات حوارية ,بمشاركة كلا من الناجية ليلى عباس والناجية سناء علي وكاتب هذه الاسطر .
الدفاع عن حقوق الناجيات
منذ 3 اغسطس /اب 2014 شاركت في اكثر من 50 مؤتمر دولي واممي ووطني في ( كوردستان، العراق ، المغرب ، مصر ، تونس ، فرنسا ،بلجيكا، المانيا، سويسرا، روسيا ،ارمينيا ،جورجيا ، بريطانيا ، هولندا ) وكان موضوع المختطفات والناجيات المحور الاساسي لكافة مشاركتي ،كما تشرفت في السعي وبالتنسيق مع وفود دولية او منظمات عالمية بزيارة مخيمات النازحين والاستماع الى الناجيات فضلا عن تمهيد الطريق لمشاركة الناجيات في فعايات دولية للادلاء بشهاداتهن .
كما تمكنت من اصدار اربع كتب توثيقية ضمن سلسلة “داعش والابادة الجماعية ضد الايزيديين ” الفرمان الاخير -2016 ،الطفولة المفقودة – 2017 ،عن جحيم دولة الاسلامية 2017 ، تجنيد الاطفال الايزيديين – 2019 ) والجزء الاكبر من هذه الكتب تناولت معاناة وماسي النساء والفتيات الايزيديات ،فضلا عن توثيق الكثير من قصصهن .
كنت ولازلت ادافع عن حقوق الناجين والناجيات وابحث في شؤونهم ومعاناتهم ، سواء كان خلال القاء كلمات في الامم المتحدة والبرلمان الاوروبي او من خلال تقديم اوراق عمل في المؤتمرات الدولية او الوطنية من خلال الكتابة عنهن في الصحافة .
متهم امام القضاء
( انا امارس الصحافة والاعلام منذ اكثر من 30 سنة واول مرة اذهب للمحاكم كمتهم ، بسب محاولاتي لرفع الغبن عن الناجيات والدفاع عن حقوقهن )!!
كلنا متفقين بان جريمة اغتصاب الحقوق الآدمية” اغتصاب الحق من أهله, واغتصاب الإنسان في مشاعره وفي قيمه واغتصاب الارض واغتصاب الحق في الحياة والمستقبل والاحلام ” لاتقل عن جريمة اغتصاب الجسد الذي مارسه ارهابيي دولة الخلافة الاسلامية ( داعش ) بحق النساء والفتيات الايزيديات , داعش تغتصب الحياة من المختطفات وكل من يحاول اغتصاب المستقبل من الناجيات المحررات لايفرق عن داعش بشئ وهذا ما قلته عن الفساد الموجود في برنامج تسفير الناجيات الايزيديات الى المانيا وقلنا بانه قد تم حشر اسماء لافراد في البرنامج وسافروا الى المانيا واخذوا الاقامة و لم يكونوا قد وقعوا في ايدي داعش من ضمنهم اسماء لعائلة واقارب كلا من الناشط ميرزا حسن دنايي والطبيبة نغم نوزت والتي سافرت مع والدتها واثنين من اخوتها في البرنامج الى المانيا واخذوا الاقامة وعادوا الى اعمالهم ووظائفهم في دهوك .
وجود اسماء لناس غير ايزيديين وغير عراقيين وهم من سوريا في البرنامج ,السؤال كيف ومقابل ماذا حدث ذلك ؟ فضلا عن فضحنا زيف ادعاءات الناشط ميرزا حسن دنايي والطبيبة نغم نوزت بانهما عملا طوعا في البرنامج ،بالاستناد الى وثيقة رسمية من القنصلية الالمانية في اربيل .
كل هذا جاء اثر نشر الناشطان ” خلو رفي و مصطو دنايي ” على صفحات الفيس بوك قوائم لاسماء مزورة ضمن البرنامج، وبعد دخولنا مع اخرين على الخط والمطالبة بكشف الحقائق ،رفع السيد ” سنان نوزت حسن “، علينا نحن النشطاء ” حسو هورمي , ميسر الاداني , فلاح رشوكا “دعوى بتهمة القذف والتشهير والتجريح ولكن قاضي التحقيق في محكمة تحقيق سميل – التابع لمحافظة دهوك – اصدر قراره المؤرخ في 2016.08.28 بغلق التحقيق في هذه الشكوى وغلق الدعوى استنادا لاحكام المادة ١٣٠/ ب من قانون اصول المحاكمات الجزائية رقم ٢٣ لسنة ١٩٧١”.
يبدو ان قرار محكمة سميل لم يعجب هؤلاء الفاسدين وعدم ايمانهم بالقضاء الكوردستاني دفعهم للالتجاء الى القضاء مرة اخرى لنفس القضية ولكن في محكمة شيخان التابعة لمحافظة نينوى في الحكومة الاتحادية ،فقام السيد ” احمد نوزت حسن ” برفع دعوى جزائية علي ” حسو هورمي ” بتاريخ 2017.05.07 بتهمة التشهير والقذف وحضرت امام قاضي التحقيق في محكمة شيخان لاكثر من جلسة واستمر التحقيق لغاية 2018.08.16 ،فتم الغاء التهمة الموجهة لي وافرج عني لعدم كفاية الادلة ولكن المشتكى “احمد نوزت” قام بتميز القضية لدى رئاسة محكمة استئناف نينوى الاتحادية وجاء قرار المحكمة ايضا لصالحنا بغلق الدعوى نهائيا بتاريخ 2018.10.03 .
ويستمر الحراك