الشهور تمر والثمن يدفع بدون أية مسوغات قانونية أو أخلاقية لتشكيل الحكومة أسوة بما يجري في العالم اجمع من سلاسة ومجريات طبيعية، وحالة العراق فريدة من نوعها فلم تجر انتخابات بشكل طبيعي وسارت على منوال القوانين المرعية والأعراف الدولية لتشكيل الحكومة كي تبدأ العمل فوراً وبدون تأخير كي لا تتضرر البلاد ،،وأكثر القوى السياسية فيها تبعية لحد كسر العظم، والمواطن ضائع بين ما يطرح أو ما يقال، والكرامة بمعناها الحقيقي فقدت معناها وجوهرها وأصبحت يافطة معلقة تقرأ بدون أية معنى ما عدا الخداع والضحك على ذقن المواطن بينما يجري التجاوز على ابسط حقوقه في الحياة وكلها تحت طائلة الوعود الدينية والسياسية، شهور مرت منذ 12/ أيار / 2018 وحتى الآن والحكومة في مربع جر الحبل وما تكاد أن تكتمل حتى يخرج علينا دهاقنة المراهنات للعودة إلى المربع الأول للمحاصصة الطائفية والاتفاقيات الحزبية، وهنا لا يسع المواطن العراقي إلا أن يقف حائراً متحيراً وهو يتطلع إلى ما جرى وسيجري حول تشكيل الحكومة الجديدة وهل هي فعلاً وليس قولاً الخروج من عنق المحاصصة الطائفية أو الحزبية، وظهر جلياً من التصريحات الرنانة أن تباشير تشكيل الحكومة ابتعدت جزئيا عن المحاصصة التي هي وباء مخترع من قبل الاحتلال الأمريكي والأحزاب والتنظيمات الطائفية والإرهابية، ولقد أصبح التوجه الطائفي نهج لبعض الكتل والتنظيمات والميليشيات على الرغم من الادعاءات بالوطنية لا بل أن البعض من هؤلاء وحتى شخصيات مسؤولة تعلن انتمائها الطائفي وحتى الخارجي باعتبارها الأساس في التوجه السياسي وغير السياسي وهو أمر ليس بالغريب لأنه حالة تكررت في بلدان أخرى ” لبنان مثالاً” حتى أصبحت الطائفية هي التقسيم الملموس في تلك المجتمعات التي كانت توحدها الوطنية وتتسامى في المقارنة مع الطائفية، ونجد هذه الحالة بدأت بشكل ما بعد الاحتلال وهيمنة أحزاب الإسلام السياسي ذات التوجه الطائفي ، شتان ما بين الوعود والتنفيذ في توجهات الحكومات المتعاقبة منذ 2003 ولحد هذه اللحظة، وتدل التجربة على أن الخطر مازال محدقاً والخروج من التوجه الطائفي أمر في غاية الصعوبة وخير مثال ما رافق تشكيل حكومة الدكتور عبد المهدي المكلف بتشكيل الوزارة من صعوبات ومعوقات في مقدمتها فرض المحاصصة أو الانتماء الحزبي بشكل فظ لكن وضعت الرتوش لخداع المواطنين ، لقد انبثقت حكومة عبد المهدي من الهشيم ولم تكتمل تماماً من خلال الصراع الطائفي الفكري الذي اثبت أن إنهاء المحاصصة الطائفية والتوافقية الحزبية صعبة جداً وتحتاج إلى جهود مضنية للتخلص لكن الظاهر اقل ما فيها البقاء على البعض من الخطوط للعودة إلى المربع الأول الذي قامت عليه الحكومات السابقة وبالأخص حكومة نوري الملكي إضافة إلى حكومة حيدر العبادي، ويرى الكثير من المتابعين أن استمرار تأخر تشكيل حكومة عادل عبد المهدي قد يؤدي بشكل ما إلى تمرير البعض من الوزراء بسب الضغوط التي يقوم بها ممن يعملون المستحيل لإبقاء المحاصصة مهما كلفهم الأمر، وبالتالي سيكلف البلاد من الأضرار الجسيمة ويدفع المواطنون ثمنا من أمنهم ومعيشتهم وحقوقهم المشروعة والبقاء على الفاسدين والفساد. البعض من هذه القوى متشبث بالسيطرة والهيمنة مهما كلف الأمر من خسائر ومثلما اشرنا يستخدم كل ما لديه من إمكانيات سياسية وطائفية للتأثير وهذا ما نوه عنه رئيس المجموعة العراقية للدراسات الاستراتيجية واثق الهاشمي، الثلاثاء أن “قوى سياسية تسيطر منذ أول أيام الحكومة العراقية الجديدة برئاسة عادل عبد المهدي، على التحركات السياسية للحكومة”، وأشار بشكل جلي ” أن هذه القوى تريد أن تسير الحكومة وفق رؤيتها للأمور” وفي هذا المعنى تبرز أسئلة عديدة من بينها
ـــــ إلى أين تريد هذه القوى أن تصل ليس حكومة عبد المهدي فحسب بل العملية السياسية العرجاء في العراق؟ ــــ هل تكتفي بتثبيت التقسيم الطائفي كمستقبل للحياة السياسية ولكيان الدولة ؟ ــــ وما هي خططها تجاه القضية القومية والحقوق المشروعة للقوميات الأخرى في العراق؟ ــــ وهل المخطط بعد ترويض القوى الرافضة للتدخل الأجنبي سيكون توفيقي أم سيكون الحسم واستعمال السلاح الموجود تحت سيطرة الميليشيات الطائفية التابعة للقرار الخارجي ؟ وهو إرباك امني مخيف إذا لم يعالج بشكل صحيح وسيسبب العديد من المشاكل والثغرات الأمنية بسبب تعدد الجهات الأمنية المسؤولة عن حفظ الاستقرار كما يدعون!.. المخطط المرسوم الذي مازال قيد التنفيذ له شُعب وتعرجات ومحطات تنتظر الوقت المحدد والموعود للمباشرة في التنفيذ، ونجد أن المخطط بدأ بشكل ملموس في إطلاق التهديدات لإسقاط الحكومة التي تصارع من اجل الوقوف على أصابعها وليس أقدامها!! وهذا التهديد أطلقه حيدر الملا من تحالف الإصلاح فقد صرح ” في حال تم اختيار وزراء أمنيين حزبيين، فسوف يعلن تحالف الإصلاح معارضته لحكومة عادل عبد المهدي، وهو قادر على إسقاطها، بكل تأكيد”.كما ظهر للأعيان الخلافات منذ البدء لاختيار الوزراء والاعتراضات وفي مقدمتها قائمة الفتح والإصرار على ترشيح ” فلان وعلان ” بينما يرفضهم تحالف سائرون ، وهناك العديد من الخلافات ووجهات النظر بخصوص وزارتي الداخلية والدفاع وهما مؤسسات متخمة بالجند والسلاح وتعتبران خطاً احمراً لمن يروج من القوى الطائفية الأخرى إلى توازن القوى العسكرية والأمنية.
لقد مرت حوالي أكثر من 10 اشهر ومازال الصراع دائر حول الكابينة الوزارية والضغوط على أشدها لإخضاع عادل عبد المهدي وجره لساحة الصراع الطائفي البغيض وأول الغيث هو الاتفاق على وزراء الداخلية والدفاع وهما مؤشران يدلان على
1 ــــ مدى استيعاب نهج محاربة الطائفية. أو
2 ــــ الخضوع للتوافقية التي بدأت ملامحها من خلال ما أكده يوم الأربعاء النائب عن تحالف سائرون عباس عليوي إن” هناك معلومات شبه مؤكدة تفيد بتوصل تحالفي البناء والإصلاح إلى توافق بشأن حسم منصبي وزارتي الدفاع والداخلية”وأوضح أكثر أن “جلسة الثلاثاء المقبل ستحسم الجدل بشان الوزارتين الأمنيتين”.
وهو دليل قوي على ما ذهبنا إليه منذ بداية الحديث عن المشكلة الأساسية التي تواجه تشكيل الحكومة العراقية، أما المشكلة الأكثر التي ستواجه عمل الحكومة العراقية هو وضع العصا في عجلة التنفيذ ومنها عدم إخضاع تنظيمات الحشد الشعبي المختلف تحت أمرة القائد العام للقوات المسلحة بهدف تحويلها متى تسنى للبعض استخدامها كورقة ضغط للحيلولة لعدم دمجها مع المؤسسة العسكرية التي تخضع للدولة وتجريدها من سلاح الطائفية والولاءات الخارجية، وقد تكون الخطوة الأكثر خطورة دفعها للصراع المسلح واستخدامها طائفياً ضد القوى الأخرى وهذا اخطر ما يكون على وحدة البلاد وعلى الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي، وقد يكون التوجه الثالث إذا لم يجر اختيار وزراء سياسيين لوزارة الداخلية ووزارة الدفاع فهناك خطة لإسقاط حكومة عادل عبد المهدي وهذا ما وضحه القيادي في تحالف الإصلاح حيدر الملا “”في حال تم اختيار وزراء أمنيين حزبيين، فسوف يعلن تحالف الإصلاح معارضته لحكومة عادل عبد المهدي، وهو قادر على إسقاطها، بكل تأكيد”، ولا يقتصر الأمر على الإسقاط أو عرقلة عمل الحكومة بل هناك خطوات باتجاه عرقلة عملية الإصلاح والخروج من دائرة المحاصصة الطائفية والتوافقية الحزبية، وتظهر جلياً عمليات الصراع كما أسلفنا بين ” منهجين متقاطعين ومتناقضين” منهج يدعو إلى الإصلاح الحقيقي الذي سيقود البلاد إلى شواطئ السلامة الاجتماعية والسياسية والأمنية وإنهاء حالات الفساد…الخ وهناك منهج متخلف يريد الإبقاء على حالة الانشقاقات والفساد والبقاء على نهج المحاصصة وهذا النهج عبارة عن نهج تدميري لا يمكن إلا أن يجعل البلاد تعيش حالة من الفوضى والتبعية للقرارات الخارجية، ومثلما أشار الحزب الشيوعي العراقي عنه “برفض الناس التي تتطلع إلى عراق آخر، مختلف عن الذي عرفناه طيلة الـ 15 عاما الماضية. ولا ريب أن هناك إمكانية واقعية لتحقيق ذلك، شرط القناعة به وتوفر الإرادة السياسية لإنجازه. وبعكسه لن يبقى للمواطن سوى الدفاع عن حقوقه ومصالحه المشروعة بكل الطرق والسبل الدستورية والديمقراطية السلمية” وهذا فصراع تشكيل حكومة عراقية وطنية بمعنى الكلمة هو الطريق الصحيح للعلاج من مرض الأزمات الحالية وبناء عراق وطني مستقل عن أي تأثيرات خارجية بشكل سليم، وعلى أسس وطنية يمثل جميع مكونات الشعب العراقي.. سننتظر ناهية صراع استكمال الكابينة الوزارية التي يسعى لها عادل عبد المهدي، وسنرى كم استفادت القوى الوطنية من تجربة 15 عاماً من الفوضى والفساد، وعند ذلك سيكون لكل حادث حديث، وسيظهر في الواقع مدى مصداقية التوجه لتشكيل الحكومة على أسس وطنية وإبعاد الطائفية عنها أم البقاء والعودة للنهج الظلامي المعادي لجماهير الشعب وعند ذلك وعسى أن لا نكرر المثل القديم ” تيتي تيتي مثلما رحتي جيتي “