شهد الرابع عشر من نوفمبر الحالي، ظهور سابقة أولى من نوعها بحسب وصف مجلس الأطلسي بعد اعلان المحكمة الاتحادية العليا الغاء تكليف رئيس البرلمان محمد الحلبوسي وإلغاء منصبه، بالإضافة الى ادانته بعدة تهم من بينها “التزوير، سوء استخدام السلطة وخرق القسم الرسمي”، بحسب المجلس، قرار المحكمة وضع العملية السياسية في العراق في اختبار تمر عبره للمرة الأولى، على حد تعبيره.
اقالة رئيس البرلمان من منصبه وانطلاق إجراءات قانونية بحقه في التهم الموجهة اليه، اتى بعد معركة قضائية خاضها ضد احد نواب البرلمان السابقين حزبه، ليث الدليمي، الذي اتهم الحلبوسي بتسجيل استقالات مسبقة للنواب واستخدامها للضغط عليهم لتمرير القرارات التي يدعمها، امر يعده القانون العراقي خرقا للقسم، وسوء في استخدام السلطة بالإضافة الى كونه تزوير، أمور لم ينكرها الحلبوسي بحسب المجلس.
تبعات اقالة الحلبوسي من منصبه ظهرت بشكل سريع مع اعلان عدة مسؤولين ابرزهم وزراء التخطيط والصناعة والثقافة، امر رفضه رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، معيدا إياهم الى مناصبهم بشكل مباشر، فيما استمرت الانباء عن استقالات أعضاء كتلة تقدم التي يقودها الحلبوسي من داخل البرلمان، امر “اثار” قلق الولايات المتحدة التي “تدخلت” على خط الازمة، بحسب ما كشفت ذا نيو اراب.
أصداء قرار المحكمة الذي اعلن بانه “غير قابل للنقض او التمييز” ترك اثره على مستوى إقليمي ودولي، بعد ورود تقارير صحفية كان من أهمها ما نشرته صحيفة الجيروسليم بوست الإسرائيلية، التي قالت ان “تهما تلاحق الحلبوسي بالسعي للتطبيع مع إسرائيل وتوقيعه شخصيا عبر حزبه عقدا مع شركة داعمة للنظام الإسرائيلي، كانت السبب في اقالة الحلبوسي”، بحسب وصفها، امر اشارت عدم تأكيده مع وصفها التهم بانها “انباء غير مؤكدة”.
الولايات المتحدة الامريكية وتحت “قلقها” من “تاثر النظام السياسي في العراق المبني على المحاصصة الطائفية”، بحسب وصف الأطلسي، اطلقت جهودا خاصة بها لــ “معالجة الازمة”، حيث اكدت شبكة ذا نيو اراب، ان السفيرة الامريكية الينا رومانفسكي اجتمعت في السادس عشر من الشهر الحالي، وبعد يومين من قرار الاقالة، مع رئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان، ورئيس البرلمان المقال محمد الحلبوسي، عارضة على الطرفين “وساطة”.
اقالة الحلبوسي بين دستوريتها وعدمها.. قريبا تحت “الإقامة الجبرية”
المجلس الأطلسي وخلال حديثه عن ازمة اقالة الحلبوسي، بحسب وصفه، اكد ان المشاكل بدات مع رفع اظلنائب السابق في البرلمان العراقي ليث الدليمي، دعوى قضائية ضد الحلبوسي، اتهمه فيها بــ “تزوير” استقالته واستخدامها لاقصاءه من مجلس النواب دون علمه، بالإضافة الى دعوات أخرى كان من ابرزها تلك التي رفعها عضو البرلمان باسم الخشان ضد الحلبوسي بصفته رئيسا للبرلمان.
نواب في البرلمان العراقي من بينهم اكراد لم يكشف عن هويتهم صرحوا لشبكة تي ان أي، ان قرار اقالة الحلبوسي من منصبه “خرق للدستور العراقي”، مؤكدين “ان المحكمة الاتحادية العليا لا تملك صلاحيات الغاء عضوية أي نائب في البرلمان العراقي ومنهم رئيسه، امر أكده المجلس ذاته مع رفضه سابقا قضايا تطالب بعزل أعضاء برلمان”.
النواب المذكورين اتهموا مجلس القضاء الأعلى باتخاذ قرار “سياسي”، مؤكدين “قرار اقالة الحلبوسي ليس فقط خرق للدستور العراقي بل هو استهداف سياسي قام به مجلس القضاء تحت ضغط من الأحزاب الشيعية الموالية لإيران”، بحسب وصفهم.
تصريحات النواب عاكسها تصريحات أخرى صدرت عن أعضاء اخرين في مجلس النواب العراقي وأيضا بصفة غير معلنة، حيث اكدوا لشبكة تي ان أي، ان قرار المحكمة لا يمكن ان يوصف بــ “غير الدستوري”، مؤكدين “المحكمة وجدت ان الحلبوسي ارتكب جريمة التزوير من خلال كتابة استقالة نسبها الى نائب فاعل في البرلمان، امر يعتبر خرقا كبيرا للقسم الذي اداه عند تولي مهامه”.
الشبكة استطلعت أيضا اراء مختصين قانونيين اكدوا لها بحسب ما أوردت، ان المحكمة الاتحادية العليا لم ترغب بالسماح للحلبوسي باستخدام القرار كمنصة للدعاية السياسية، امر قالوا انه يتلائم مع بنود الدستور العراقي موضحين “اتهام وإدانة الحلبوسي بجريمة التزوير يجعله من بين الشخصيات التي تعرضت الى قضايا مخلة بالشرف، الامر الذي يمنعه من متابعة عمله كسياسي وتولي أي منصب لاحق”.
مجلس الأطلسي اكد في تقريره المنشور في السابع عشر من نوفمبر الحالي، ان الحلبوسي “لم ينكر باي شكل من الاشكال التهم الموجهة اليه من قبل المحكمة ضمن الدعاوى القضائية المقامة ضده”، من بينها التهم التي تتعلق بــ “محاولات التطبيع مع إسرائيل”، الامر الذي قالت ذا نيو اراب انه يضعه تحت بند الافراد الذين تعرضوا لادانات “مخلة بالشرف” تمنعهم من الحصول على أي مناصب سياسية، بحسب وصفها.
القضايا المقامة ضد الحلبوسي لم تتوقف فقط عند التهم التي تم اقالته على أساسها بحسب ما أوردت صحيفة صحيفة الجيروسليم بوست الإسرائيلية، التي قالت ان التهم ضده تضمنت “السعي لاقامة تطبيع مع إسرائيل وإقامة عقد مع شركة أمريكية داعمة لإسرائيل، امر لا يوجد عليه دليل حتى الان”، بحسب وصفها، على الرغم من نشر المطلع الوثائق الرسمية ومن بينها العقود التي وقعها الحلبوسي مع الشركة المذكورة.
النائب عن تحالف الفتح علي الزبيدي صرح لشبكة كردستان 24، ان قرار المحكمة الاتحادية ضد الحلبوسي يمنعه الان من مغادرة البلاد، بالإضافة الى قرب “فرض إقامة جبرية” عليه نظرا لارتباطه بقضية التطبيع مع إسرائيل بحسب وصفه، مشددا “مساعي التطبيع مع إسرائيل قضي عليها مع إزالة الحلبوسي من منصبه”، بحسب قوله.
السفيرة الامريكية “تتدخل”.. واشنطن “قلقة” وحلبوسي “يلوح” بالمذهبية
في أولى ردود الفعل التي صدرت عن رئيس البرلمان المقال محمد الحلبوسي، فقد وصف قرار المحكمة الاتحادية بانه “غريب”، معتبرا إياه “عملا تقوم به جهات خفية تحاول القضاء على الاستقرار الأمني في العراق”، حيث اكد مجلس الأطلسي في تقريره، ان الحلبوسي “ينتمي الى مجموعة من الشباب السنة الذي انتهجوا مقاربة واقعية في التعامل مع العملية السياسية العراقية، وفضلوا التعاون مع النظام السياسي بدلا من معارضته، النهج الذي كان الساسة السنة يتخذوه الى وقت قريب” بحسب وصفه.
المجلس اكد أيضا ان الإدارة الامريكية تنظر الى اقالة الحلبوسي على انها “عامل يهدد استقرار العملية السياسية في العراق”، بحسب وصف المجلس، مؤكدا ان استقالة أعضاء البرلمان المنتمين الى حزب تقدم الذي يقوده الحلبوسي سيؤدي الى تكرار تجربة الصدريين عام 2022، وخروجهم الكامل من العملية السياسية، الامر الذي سيترك مقاعد حزب تقدم، اكبر الأحزاب السنية لصالح حركة عزم التي يقودها خميس الخنجر، الامر الذي قال المجلس انه سيؤدي الى “صراع سني داخلي يماثل ذلك الذي وقع بين الأحزاب الشيعية خلال وبعد انسحاب الصدريين، والاكراد”، في إشارة الى الخلافات بين الحزب الديمقراطي والتحالف الوطني الكردستاني.
تلويح الحلبوسي بــ “وجود استهداف سياسي وتهميش للسنة” من خلال استبعاده من البرلمان بحسب وصف المجلس، اثار “قلق” الإدارة الامريكية من تعرض النظام الحالي المبني على أساس المحاصصة الطائفية الى مزيد من “التصدع” نتيجة للخلافات الداخلية، بالإضافة الى الحديث “الذي اطلقه الحلبوسي حول الجهات السنية المعارضة للنظام والتي تم دمجها بالعملية السياسية من خلال حزبه”، بحسب وصفها.
الولايات المتحدة من جانبها وفي رد فعل مباشر على قرار اقالة الحلبوسي، تحركت من خلال سفيرتها في العراق الينا رومانفسكي، التي كشفت ذا نيو اراب عن عقدها اجتماعا في السادس عشر من نوفمبر الحالي، مع رئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان، في تحرك وصفته الشبكة بــ “التدخل الأمريكي المباشر” بالازمة السياسية الحالية، مشددة على ان حديث السفيرة الامريكية مع زيدان تضمن “التشديد على احترام الدستور العراقي واتباع الإجراءات القانونية والحفاظ على استقلال القضاء العراقي من خلال ابعاده عن عمليات الاستهداف السياسي”، بحسب وصفها.
السفيرة الامريكية التقت أيضا في ذات اليوم بالحلبوسي، مؤكدة من خلال تغريدة على موقع اكس (تويتر سابقا)، انها تحدثت مع الحلبوسي حول “التطورات السياسية الأخيرة والأوضاع الأمنية”، مشيرة الى القلق الأمريكي من وقوع تصدع سياسي يؤدي الى “نتائج سلبية” على النظام الحالي، بالإضافة الى الوضع الأمني المستقر حاليا، بحسب وصف الشبكة.
الشبكة كشفت أيضا عبر مصدر خاص بها ان السفيرة الامريكية “عرضت الوساطة” على زيدان والحلبوسي للتوصل الى اتفاق يعود بموجبه الحلبوسي الى رئاسة البرلمان وإيقاف الإجراءات القانونية الحالية ضده، والتي تتضمن الدعوى التي رفعها النائب باسم خشان والتي تتهم الحلبوسي بــ “السعي للتطبيع مع إسرائيل”، بحسب وصفها.
مجلس الأطلسي اكد أيضا في تقرير لاحق، ان الحكومة العراقية على علم بالــ “مخاوف” الامريكية والتاثيرات “السلبية الكبيرة” التي قالت انها قد تقع على حكومة السوداني في حال ابعاد الحلبوسي بشكل كامل عن العملية السياسية، مؤكدة ان السوداني وفي أولى الخطوات التي أظهرت رغبة منه باحتواء الازمة، رفض استقالة كل من وزير الثقافة احمد البدراني، وزير التخطيط محمد تميم، ووزير الصناعة خالد بتال، والتي تقدموا بها دعما للحلبوسي ورفضا لقرار المحكمة، معيدا إياهم الى الخدمة في وزاراتهم، بحسب وصفه.
يشار الى ان السفارة الامريكية “رفضت الإجابة” على أسئلة شبكة ذا نيو اراب حول الوساطة التي عرضتها رومانفسكي والأسباب التي تدعوها لمحاولة إعادة الحلبوسي الى منصبه رغم قرار المحكمة “القطعي”.
سيناريو الانتخابات المبكرة.. الحلبوسي قد ينضم للصدريين
القلق الأمريكي من “تصدع النظام” السياسي الحالي بعد قرار المحكمة الذي انهى سلطة الحلبوسي على البرلمان والمستمرة منذ عام 2018 وحتى اليوم، لم يتوقف فقط عند “القلق من وقوع صراع سني داخلي مماثل للذي تعرضت له الأحزاب الكردية والشيعية سابقا”، بل له أسباب أخرى عبر عنها المجلس، موضحا “الانتخابات المبكرة والتحالف مع الصدريين هي أهمها”.
المجلس اكد ان السيناريو الذي ترى الإدارة الامريكية إمكانية كبيرة في حصوله حاليا، هو استقالة أعضاء حزب تقدم بالكامل من الحكومة والبرلمان العراقي وإعلان مقاطعة العملية السياسية ثم إقامة تحالف مع الصدريين يستهدف إقامة انتخابات جديدة، امر ستكون حكومة السوداني هي المتاثر الأكبر به بحسب وصفه.
وأوضح المجلس “بعد انسحاب الصدريين، وعد السوداني بإقامة انتخابات جديدة خلال عام واحد من توليه السلطة، تلك الانتخابات كان من المفترض ان تحدث في السابع والعشرين من أكتوبر الماضي، لكن الاستقرار السياسي الحالي واستمرار صمت الصدريين عن المطالبة بانتخابات جديدة، شجع السوداني على إبقاء حكومته والعدول عن إقامة انتخابات مبكرة، مفضلا إقامة انتخابات مجالس المحافظات بدلا عنها”، بحسب وصفه.
وأضاف “في حال انسحاب حزب تقدم الذي يراسه الحلبوسي من العملية السياسية وانضمامه الى التيار الصدري، فان الجهتين السياسيتين ستطالب السوداني بتنفيذ وعده السابق بإقامة انتخابات جديدة”، مؤكدة ان التيار الصدري وحزب تقدم هم الحزبان الفائزان بأكبر عدد من المقاعد البرلمانية عن الشيعة والسنة خلال انتخابات عام 2021 السابقة.
حتى اللحظة، لا توجد أي مؤشرات مكتملة على نية أعضاء حزب تقدم الانسحاب من العملية السياسية بشكل كامل بتكرار لسيناريو الصدريين سابقا، او التوجه نحو تشكيل تحالف خارج الحكومة مع التيار الصدري لمطالبة السوداني بتنفيذ وعوده السابقة بإعادة الانتخابات بشكل مبكر، على الرغم من استمرار “التلويحات والتهديدات” التي تصدر عن زعيم وأعضاء تقدم، امر قد يفسره “التدخل” المباشر للسفيرة الامريكية في الازمة الحالية وعملها الحالي لــ “التوسط” لاعادة الحلبوسي الى منصبه.
في النهاية فان السيناريو الذي تقلق واشنطن من تحققه قد يحدث فعلا في حال فشلت السفيرة الأمريكية بإعادة الحلبوسي الى منصبه، او احتواء تبعات اقالته المتمثلة باستقالات جماعية لاعضاء تقدم في الحكومة والبرلمان، وتوجهه نحو إقامة تحالف مع الصدريين خارج الحكومة، خصوصا مع الاخذ بنظر الاعتبار ان اقالة رئيس مجلس النواب عبر المحكمة الاتحادية هي “سابقة أولى من نوعها” تتعامل معها الولايات المتحدة في العراق، بحسب وصف المجلس.