مرت ثلاثة أشهر على الإنتخابات البرلمانية في إقليم كردستان العراق. وعقد البرلمان جلسة واحدة ولم يتم إختيار رئاسة البرلمان ولا تكليف اي شخص بمهمة تشكيل الحكومة. وظلت الجلسة مفتوحةالى يومنا هذا من دون أن ينجز البرلمان الجديد مهامه الدستورية المهمة والاساسية خلال هذه الفترة. كما ورشح الحزب الديمقراطي الكردستاني كل من السيدين نيجرفان البرزاني لرئاسة الإقليم ومسرور البرزاني لرئاسة الحكومة.
يحاول الحزب الديمقراطي الكردستان، الذي حاز المرتبة الاولى في هذه الانتخابات، والتي تم إنتقادها من قبل الأحزاب الاخرى المشاركة في العملية السياسية بالتزوير وإنعدام الشفافية، بالاتصلات والمشاورات والمفاوضات مع هذه الأحزاب، بهدف إيجاد نوع من التوافق والتوازن في توزيع المهام في البرلمان والتشكيلة الحكوميةعلى أسس الإستحقاق الإنتخابي، ولم تسفرعنأي شئ بهذا الخصوص حتى الآن. السبب يعود الى وجود معضلات كبيرة في الإقليم على الأصعدة السياسية والإقتصادية والإجتماعية وحتى الآمنية، والمتراكمة منذ فترة من دون إيجاد حالول لها، ومنها، كالاتى:
1. تفكيك البيت الكردي وإنعدام الخطاب السياسي الموحد تجاه الأحداث الداخلية والإقليمية والدولية. فقدان رؤية شاملةوإستراتيجة واضحة في تطويرصيغة الفيدرالية الحالية لتصبح نواة لقيادة حركة التحرر الكردية على صعيد كردستان الكبرى مستقبلا.
2. ضعف العامل الذاتي وضعفدورالجماهيرالكردستانية ومشاركتها الفعلية والفعالة في عملية إتخاذ القرارات، وخاصة المصيرية منها، ودعم بناء المؤسسات الإدارية والقضائية والدستورية الرشيدة، والإعتماد بدرجة كبيرة على العامل الموضوعي في هذه العملية.
3. إن حساسيات ونزعات الهيمنة والتفرد والتنافس وإنتهاج السياسة الديماغوجية في الحوارات، ظاهرة ملازمة للعلاقات بين الأحزاب السياسية المنخرطة في العملية السياسية، وخاصة المتنفذة منها في إدارة الحكم، وذلك من أجل إستحواذ على السلطة والنفوذ والمال.
4. لا تزال هناك ملفات مهمة وأساسية عالقة مع الحكومة الإتحادية على الصعد: المشاركة في الحكومة الإتحادية، المادة (140) من الدستور الدائم، مسالة النفط والغاز، ومطالبة الإقليم ببقاء حصته من الموازنة العامة ب (17)%، بدلا من (14)% المقترحه من رئاسة الوزراء، ومسالة البيشمركة غيرالموحدة في الإقليم بين الحزبين الديمقراطي والإتحاد الوطني وكذلك علاقتها بوزارة الدفاع الإتحادية.
5. إن ما وصل اليه الواقع السياسي والإقتصادي والإجتماعي في الإقليم، هو نتاج سياسات فاشلة وإدارات غير كفؤة ينخرها الفساد الإداري والمالي بشكل منهجي على المستويات السياسية والإدارية، وتوجهات إقتصادية ريعية إستهلاكية على حساب النشاط الإنتاجي الزراعي والصناعي والخدمات ـ الإنتاجية. هذا إضافة الى إعتماد مفرط على إستيراد السلع الأجنبية وإغراق الاسواق المحلية بها على حساب تطوير وتنمية الإنتاج الوطني. وتفاقم البطالة وسؤء الخدمات الإجتماعية وتزايد الإستقطاب الطبقي لصالح الفئات الغنية. والأهم من ذلك كله هو غياب تخطيط إستراتيجي شفاف للتنمية الإقتصادية الإجتماعية الشاملة.
6. وعلى ضؤء المعطيات المشار اليها اعلاه، وما أسفرت عنه نتائج الإنتخابات بفوز الحزب الديمقراطي الكردستاني بالمرتبة الأولى يليه الإتحاد الوطني بالمرتبة الثانية وحركة التغيير بالمرتبة الثالثة وحركة الجيل الجديد بالمرتبة الرابعة والجماعة الإسلامية بالمرتبة الخامسةوتليها تسلسلا احزاب اخرى شاركت في الإنتخابات. ويوكد الحزب الديمقراطي في علاقاتهومفاوضاته مع الأحزاب الرئيسية المذكورة، بأن توزيع المهام الرئيسية في كل من البرلمان وتشكيل الحكومة يجب أن يتم على أسس جديدة وفقالإستحقاق الإنتخابي وليس على التوافق/المحاصصة الحزبية المعمول بها في السابق، في الوقت الذي كان الحزب سباقا في تعامله مع الأحزاب الاخرى وفق المبدأ الاخير قبل هذهالإنتخابات!. وبذلك يتطلع الحزب الى التفرد بالسلطة، وتقاسم بعض المهام مع الأحزاب الاخرى. لذا فأن مسالة رئاسة الإقليم ورئاسة الحكومة محسومة مسبقا كحصة للحزب الديمقراطي ولا يمكن التفاوض عليهما، وبذلك تم تسمية المرشحين لهذين المنصبين قبل الدخول في التفاوضات مع الأحزاب الاخرى.
7. إن ما يسمى بالعلاقة الإستراتيجية بين الحزب الديمقراطي والإتحاد الوطني، فهي تجرأنفاسها الأخيرة وينتظرموتها السريري. ويحاول الإتحاد الوطني الحصول على مركز نائب رئيس الحكومة أو رئاسة البرلمان، في الوقت الذي ترغب حركة التغيير المشاركة الفعلية في البرلمان والحكومة وكذلك بعض الأحزاب الاخرى. لذا يستخدم الحزب الديمقراطي أسلوب الضغط على الإتحاد الوطني، بأن يختار أحدهما ويتنازل عن الاخر لصالح حركة التغيير. وهذا ما حدث ايضا عندما حصل الإتحاد الوطني على مهام رئيس جمهورية عراق الإتحادي دون الرجوع الى الصيغة التوافقية والمحاصصية مع الحزب الديمقراطي. وبما ان الحزب الديمقراطي حصل ايضا على مقاعد أكثرمن بقية الأحزاب الكردية في البرلمان العراقي، لذا حصل على نائب رئيس البرلمان ويطالب بعدد أكثر من الوزراء في الحكومة الاتحادية وفق مبدأ الاستحقاق الانتخابي بعيدا عن التوافقية/ المحاصصة الحزبية والفئوية مع الأحزاب الكردية الاخرى. وعلى هذا الأساس سيراهن الحزب الديمقراطي الكردستاني بحصة أكبر من الوزارات في حكومة الإقليم المرتقبة بالتشارك مع الإتحاد الوطني ولربما حركة التغيير، وبذلك ستكون المعارضة في البرلمان ضعيفة تجاه الحزب الديمقراطي الذي سينفرد بزمام الحكم على صعيدي رئاسة الإقليم وحكومته.
ختاما، يتطلع المواطن الكردستاني بفارغ الصبر الى النواب المشاركين في البرلمان والوزراء في الحكومة المرتقبة، بأنه حان وقت التفكير باجراء التغيير والإصلاح الحقيقيين على المسارات السياسية والإقتصادية والإجتماعية والتي تهدف الى تفعيل دور البرلمان على أسس الديقراطية وممارستها الفعلية في تشريع قوانين تصب في ترسيخ المؤسسات الإدارية وأحترام أستقلاليتها وسيادتها وفق أسس الإدارة الرشيدة وسلطاتها. وتفعيل دور الجماهير للمشاركة الفعلية في عملية صنع القرارات المصيرية. وإيقاف نزيف الفساد المالي والإداري المستشري في كل المفاصل الإدارية والحزبية. وإنتهاج سياسة عقلانية واضحة وشفافة في إعادة بناء الإقليم على طراز جديد، وفق إستراتجية بناءة للتنمية الوطنية الشاملة والمستدامة.
وبعكس ذلك فأن الموطن الكردستاني عاهدا على نفسه وماضيا قدما في نضاله السلمي بالخروج الى الشارع إذا اقتضى الامر، مطالبا باجراء التغيير والإصلاح في بنية النظام السياسي، والخروج من نظام المحاصصة الحزبية السياسيةالمصلحية والفئوية والمحسوبية، وتأمين الإستقرارالإقتصادي والسلم الإجتماعي، وحتى تحقيق كافة حقوقه العادلة وضمان عيش سعيد له وللأجيال القادمة والتقدم والإزدهار فيالإقليم...دعونا ننتظر ونرى!!!