إن النهوض بمستوى المعلم منوط بلا شك بوزارة التربية والتعليم، حيث بإمكانها الارتفاع بمستوى ثقافة المعلم وتجدده وتطوره وذلك عن طريق السبل التالية:
1ـ فتح دورات تربوية وتثقيفية للمعلمين كل سنة، لتنمية وتجديد معلوماتهم في كافة مجالات الحياة المختلفة، بشكل تجعل المعلمين يندفعون إلى الدخول بهذه الدورات عن رغبة وارتياح، وذلك بمنح المعلمين أجوراً إضافية لساعات الدراسة، ومنح المعلمين المتفوقين امتيازات خاصة كالترفيع، ومنح القدم، وتدرج المركز الوظيفي.
ومن المستحسن جداً الأخذ بنظام المعلم الأول، حيث تكون مهمة المعلم الأول للمادة في المدرسة بالإضافة إلى التعليم، القيام بالأشراف التربوي والتعليمي على عمل معلمي نفس المادة والطلاب معاً، وبهذا الأسلوب نستطيع أن نخلق في نفوس المعلمين الرغبة في الانخراط في هذه الدورات، والنجاح فيها وفي التنافس فيما بينهم في مجال عملهم الوظيفي.
ولا شك أن عنصر الرغبة هام جداً في تحقيق ما تهدف إليه هذه الدورات، وبدونها لا يمكن أن نحقق التجدد والتطوير المنشود لمعلمينا وبالتالي تصبح هذه الدورات مضيعة للوقت والجهد والمال.
2ـ مساعدة وتشجيع المعلمين في الدخول إلى الكليات المسائية، والعمل على إيجاد وتشجيع الدراسة بالمراسلة في هذه الكليات، ولا شك أن ألوفاً من المعلمين سوف يندفعون للدراسة والتتبع بسرور واشتياق، وخصوصاً العاملين منهم في القرى والأرياف، حيث الفراغ الهائل الذي يعانون منه هناك.
ولابد وأن أشير هنا إلى نقطة هامة وهي محاولة الكثير من المعلمين الحاصلين على الشهادات العالية الانتقال من التعليم الابتدائي إلى التعليم الثانوي، وأن هذا العمل يسبب ضرراً بالغاً لقضية التربية في المدارس الابتدائية بسبب فقدان العناصر الكفوءة والنشطة في ملاك التعليم الابتدائي، وبالتالي تأخره وانحطاط مستواه.
أن بقاء المعلم الحاصل على الشهادة العالية أمر ضروري كي يساهم في رفع مستواه وتطويره بشرط أن ينال حقوقه كاملة أسوة بزملائه مدرسي المدارس الثانوية.
3ـ ضرورة قيام وزارة التربية وجهاز الأشراف التربوي بإعداد الندوات التربوية للمعلمين، وجعلهم يقفون على آخر التطورات الاجتماعية والتربوية في مختلف بلدان العالم من جهة، والوقوف على نماذج من الأساليب التربوية والخبرات والتجارب التي حصل عليها المعلمون خلال عملهم، وعلى نماذج للمشاكل التي يصادفونها في المدرسة وطرق وأساليب علاجها.
4ـ ضرورة تعميم مديريات التربية على كافة المدارس بأن تعقد كافة المدارس ندوات شهرية يساهم فيها المعلمون والآباء والأمهات، وتطرح خلالها القضايا التربوية التي تجابههم سواء كان ذلك في البيت أو المدرسة، وطرق علاجها، على أن تكون هذه الندوات المدرسية إجبارية، وعلى أن تقدم كل مدرسة خلاصة البحوث والمناقشات والنتائج التي خلص إليها المجتمعون والمجتمعات في هذه الندوات، وإرسالها إلى مديريات التربية، وعلى مديريات التربية إعداد جهاز خاص ذي قدرة وقابلية على دراسة تلك المحاضر وتنسيقها، بغية الوقوف على كافة الجوانب السلبية والإيجابية في أوضاع مدارسنا وطلابنا وطالباتنا، من أجل معالجة علمية لجوانبها السلبية، وتعميق وتعميم جوانبها الإيجابية، وبذلك تساهم مساهمة فعالة ليس فقط في رفع مستوى المعلم والمعلمة فحسب، بل وفي رفع مستوى الآباء والأمهات أيضاً.
5ـ ضرورة خلق الروابط والاتصالات وتبادل الخبرات بين المعلمين في مختلف بلدان العالم بغية الوقوف على أحدث الأساليب التربوية والتعليمية التي تنتهجها وكيف تعالج هذه البلدان مشاكل المعلمين والطلاب في آن واحد.
وبالإضافة إلى ذلك فإن السفرات التي يقوم بها المعلمون على شكل وفود توسع من معلوماتهم وخبرتهم، وتزيد من فهمهم لأحوال المجتمعات البشرية، وطريقة معيشتهم.
كما إن نقابة المعلمين تستطيع أن تلعب دوراً بارزاً وفعالاً في هذا الخصوص، وذلك عن طريق الاتصال بنقابات المعلمين في نختلف البلدان لتسهيل هذه المهمة.
6ـ إن من الضروري أن تصدر نقابة المعلمين صحيفة أسبوعية على الأقل، واقترح أن تكون باسم [المربي] حيث أن الصحف تقوم بدور هام جداً في حياة المجتمع، فهي تعكس المشاكل وتطرح الحلول لها، وتناقش مختلف الآراء وبإمكان صحيفة [المربي] أداء الأمرين الهامين التاليين:
أـ عكس المشاكل التربوية التي تجابه البيت والمدرسة، ومناقشتها، ووضع الحلول الصائبة لها.
ب ـ عكس مختلف الأساليب التربوية في دول العالم المختلفة كي يمكن للمعلم الوقوف عليها والاستفادة منها.
وبالإضافة إلى صحيفة المربي فإن على نقابة المعلمين أن تصدر مجلة تربوية شهرية يساهم فيها كبار رجال الفكر والتربية لتقديم البحوث التي تساهم في رفع مستوى المعلم وتقدم .
7ـ إن تحديد عدد الساعات التي يقوم بتدريسها المعلم من جهة، وتحديد عدد طلاب كل صف من جهة أخرى أمران هامان يؤثران تأثيراً بالغاً على إمكانياته وكفاءته ورفع مستواه.
أن حشر العدد الكبير من الطلاب والطالبات في صف واحد وإرهاق المعلم أو المعلمة بالحصص سيقلل حتماً من نشاطهما وحيويتهما من جهة، ولا يتيح لهما فرصة العمل المثمر، والتتبع والدراسة وتطوير قدراتهما، وقابليتهما من جهة أخرى.
لقد أدركت الدول المتقدمة أهمية هذه النقطة فسعت إلى تقليص عدد طلاب الصف إلى أدنى حد ممكن، وكذلك قلصت عدد الحصص الأسبوعية لكل معلم، ليتمكن من أداء واجبه على الوجه الأكمل.
غير أن الحال في مختلف الدول النامية ودول العالم الثالث مختلف تماماً، فالمعلم والمعلمة مرهقان جداً، والصفوف لا نكاد نجد مكاناً للمرور فيها حيث حُشرت فيها أعداد كبيرة من الطلاب والطالبات، بحيث أصبح من العسير على المعلم والمعلمة التفرغ لهم، وحتى معرفة أسمائهم وحفظها، كما أصبح من العسير عليهم إعطاء الواجبات البيتية وتصحيحها على الوجه الأكمل، وأصبح من العسير أيضاً دراسة مشاكل الطلبة وحلها بشكل تربوي سليم، فكيف يستطيع المعلمون والمعلمات أداء واجباتهما على الوجه الأكمل إذا كان الصف الواحد قد حُشر فيه أكثر من خمسين طالب وطالبة، ولا أغالي إذا قلت أن بعض المدارس يزيد عدد طلابها على ثمانين طالباً ؟
إن 20 إلى 24 طالباً وطالبة في كل الصف من جهة، و18 إلى 20 حصة للمعلم والمعلمة من جهة أخرى كفيلان برفع مستوى المعلم والتعليم والتربية على حد سواء.
8 ـ هناك مسألة هامة جداً تلعب دوراً خطيراً في حياة المعلم وتحدد مدى فاعليته وإخلاصه، واندفاعه في أداء واجباته، إنها مسألة تأمين الحياة السعيدة له، وذلك بتأمين حاجاته المادية، وخصوصاً لمعلمي القرى والأرياف.
إن واقع المعلم يكشف لنا عن مدى الضنك، وعدم الكفاية الذي يعاني منه، وإن الواجب يقتضي إعطاء مسألة تأمين الحاجات المادية للمعلم الأهمية المطلوبة وإعطائها الجدية والاهتمام اللازمين، بغية رفع إمكانيات المعلم وجهاديته، وتفرغه لعمله، ومن بين ذلك منحه المخصصات المهنية الإضافية أسوة بغيره من الأطباء والمهندسين والفنيين وغيرهم، في حين أن هؤلاء يمارسون عملهم في عياداتهم ومكاتبهم بعد الدوام والذي يدرّ عليهم دخلاً وفيراً!
أليست عملية التربية والتعليم مهنة تستحق هذه المخصصات؟
أليست هذه المهنة اشق المهن وأصعبها؟
فلماذا نبخل على المعلم بمثل هذه الامتيازات التي يستحقها بكل جدارة شأنه شأن الآخرين؟
إن عمل المعلم لا ينتهي بانتهاء الدوام المدرسي، كبقية الوظائف، بل على العكس يستمر عمله في البيت أيضاً، حيث يقوم بتصحيح الواجبات البيتية للتلاميذ، ويحضر الدروس لليوم التالي، علاوة على الجهود التي يبذلها في النشاطات اللاصفية لطلابه، والتي تأخذ من وقته الشيء الكثير.
أليس من حق المعلم بعد هذا أن يمنح ليس فقط المخصصات المهنية، بل أن تكون له امتيازات أخرى من شأنها أن تدفعه للعمل بجد ونشاط، وتخفف من شعوره بأنه خلق معلماً وسيبقى كذلك. إن بإمكان الدولة أن تعمل الكثير من أجل إرضاء طموح المعلم منها:
أ ـ منح المعلمين المخصصات المهنية.
ب ـ تأمين المساكن الصحية المريحة للمعلمين وخاصة في القرى والأرياف.
ج ـ منح المعلمين تخفيضات في وسائل النقل وغيرها.
إن هذه الامتيازات من شأنها أن تستثير في المعلم روح العمل والمثابرة فيؤدي واجباته بسرور وانشراح.
9ـ إن جهاز التعليم يضم في صفوفه عناصر غير جديرة بأي حال من الأحوال للقيام بهذا الواجب المقدس، بل على العكس من ذلك فإن وجودهم وبقائهم فيه خطر كبير على عملية التربية والتعليم، ولأجل معالجة هذه الأمور الحساسة ينبغي لوزارة التربية القيام بما يلي:
أ ـ تطهير جهاز التعليم من كافة العناصر الخاملة والكسولة والتي يثبت فشلها، ونقلهم إلى وظائف أخرى.
ب ـ هناك عناصر لا يشجع سلوكها وأخلاقها على البقاء في سلك التعليم، وينبغي التخلص منها إن سلك التعليم ينبغي ألا يفتح أبوابه إلا لمن اتصف بأسمى المثل الإنسانية، والأخلاق الفاضلة، لأن التلاميذ يقلدون معلميهم في أعمالهم وسلوكهم وتصرفاتهم، وكما أسلفنا فإن عملية التربية ما هي إلا عملية تفاعل بين المعلمين والتلاميذ، وما العادات والأخلاق، والتصرفات التي تظهر لدى التلاميذ إلا انعكاساً لعادات وتصرفات وأخلاق مربيهم سواء كان ذلك في البيت أم المدرسة.
ج ـ هناك العديد من المعلمين الذين بلغوا من العمر حداً جعل طاقاتهم للعمل محدودة، وبالتالي عجزوا عن القيام بواجباتهم التربوية بالشكل الذي يؤمن الفائدة المرجوة، لذلك فإن من الأفضل إحالتهم على التقاعد دون إبطاء، مع تكريمهم بالشكل الذي يستحقونه، جزاء ما قدموه من خدمات لأبناء شعبهم ووطنهم، وليحل مكانهم العناصر الشابة الكفوءة كي يستطيعوا حمل الرسالة بجد ونشاط.