ما الذي حدث؟
تعتبر ألمانيا البيت الثاني لأغلب الايزيديين في ألمانيا –بعد العراق-، وتشير بعض الأرقام الى أن عدد اللاجئين الايزيديين في ألمانيا يقدر بـ 250 ألف ، لكنني أعرف بأن عددهم يفوق ذلك، نظراً لأن الايزيديين بدأوا بالهجرة الى ألمانيا في الثمانينات قادمين من تركيا.
مصير الايزيديين أثناء حرب داعش كان من المواضيع المهمة. في كانون الثاني 2023، أقر البرلمان الألماني بالجرائم التي ارتكبت بحق الايزيديين على أنها جرائم “إبادة جماعية”. وفي ربيع 2023، رفضت الحكومة الاتحادية الألمانية ترحيل الايزيديين الى العراق. ومنذ ذلك الحين، تزايدت حالات ترحيل العراقيين، من ضمنهم الايزيديين، وتعد هذه سابقة–الايزيديون لم يكونوا يُرَحّلون سابقاً على الاطلاق-.
حتى نهاية تشرين الأول 2023، تم ترحيل 164 شخص الى العراق (تم ترحيل 77 شخص خلال عام 2022 بأكمله).، لكن لم يتبين كم من المرحلين كانوا ايزيديين، يبدو بأن عملية الترحيل لم تستهدف الايزيديين بل كان ترحيلاً عشوائياً.
أصوات الاحتجاجات بدأت تتعالى وهناك محاولات للفت الأنظار الى مصير الايزيديين. هناك نقطة مهمة: حين ترتكب جريمة في مكان ما وتوصف بجريمة “إبادة جماعية”، فما الذي يعنيه هذا؟ (ربما لم يفكر أي من أعضاء البرلمان في ذلك”.
وفقاً لإحصائية لمنظمة (Pro Asyl) الخاصة بحق اللجوء، يواجه ما بين 5000 و 10000 عراقي خطر الترحيل.
العراق وألمانيا وقعا قبل اشهر مذكرة تفاهم بشأن عملية الترحيل. كان من المفترض أن تبقى مذكرة التفاهم بصورة سرية، على الأقل في ألمانيا، لكنها تسربت منذ فترة قصيرة.
وفقاً لوزارة الداخلية الألمانية، طُلب مما يقرب من 26 ألف لاجئ عراقي مغادرة ألمانيا، لكن كما ذكرنا، 77 شخص فقط تم ترحيلهم مباشرة الى العراق في عام 2022، والآن من الضروري أن تعرف: قبل حوالي عامين، أعلنت الحكومة الألمانية “حملة ترحيل”.
خلفية القضية
تشريع القوانين المتعلقة بحق اللجوء واللاجئين أصبح مثار جدل سياسي في ألمانيا منذ عدة عقود وقد تم تشديد هذه القوانين منذ 40 سنة. رغم ذلك، عدد طالبي اللجوء في ألمانيا ازداد بشكل كبير خلال تلك الفترة. ألمانيا أصبحت بحكم الأمر الواقع بلداً للمهاجرين.
في عام 2022، وصل حوالي 68 ألف سوري، 55 ألف أفغاني و49 ألف تركي الى ألمانيا، لكن العدد الأكبر للمهاجرين كان من أوكرانيا حيث وصل عددهم الى 1.1 مليون أوكراني، ليصل المجموع الى 1.4 مليون لاجئ وصلوا خلال 2022.
مشكلة السكن باتت مشكلة جدية ففضلاً عن صغر مساحتها ارتفعت اسعارها بشكل كبير، كما خلقت هذه الأعداد من اللاجئين مشاكل للمدارس. يوجد حالياً جدل ساخن حول السبب وراء عدم ترحيل الأشخاص الذين من المفترض أن يغادروا ألمانيا، هذا الجدل اجتاح كافة أرجاء أوروبا التي اصبحت فيها “مشكلة اللاجئين” أحد أهم القضايا السياسية الداخلية.
يمكن أن تستند عمليات الترحيل المتزايدة إلى العراق على خلفية أن العراق من البلدان القليلة التي جاء منها الكثير من الأشخاص إلى ألمانيا والذي يمكن إعادتهم إليها. إعادة لاجئي بعض البلدان مثل سوريا أو أفغانستان، وكذلك العديد من البلدان في أفريقيا، أمر مستحيل من الناحية من العملية، بسبب الحروب الأهلية فيها أو ببساطة لأن حكوماتها لا تستقبلهم.
يوجد حالياً نوع من المنافسة بين كافة الأحزاب في ألمانيا تقريبًا، لمعرفة من يستطيع إظهار صرامة أكثر تجاه القضية و”القيام بشيء ما”. إنه أمر هستيري بعض الشيء، والخلفية المباشرة هنا عبارة عن نجاح الأحزاب الشعبوية اليمينية. وفي العام المقبل سيكون هناك عدد من الانتخابات الإقليمية المهمة في ألمانيا. إنهم في الشرق – جمهورية ألمانيا الديمقراطية السابقة – وهنا يشعر الناس لعدة أسباب بالضجر الشديد من “النظام”. ومشكلة “الأجانب” بارزة بشكل خاص في هذه المنطقة (حتى لو كان معظمهم في الجزء الغربي). في الحقيقة، الكثير من الناس خائفون من هذه الانتخابات.
الموقف القانوني
يمكننا القول أن عملية تشريع القوانين برمتها في مجال الهجرة، الفرار واللجوء وقانون الإقامة في ألمانيا معقدة للغاية وغير مفهومة من جوانب كثيرة من قبل معظم الألمان.
ويرجع ذلك على الأقل إلى حقيقة أن المسؤوليات مقسمة بين الحكومة الفيدرالية (الحكومة الوطنية) والولايات الفيدرالية الستة عشر التي تشكل ألمانيا. لذلك، بالنسبة للاجئين، يمكن فجأة أن يصبح اختيار الولاية التي يعيشون فيها أمرًا مصيرياً.
كما لا يوجد قانون خاص باللاجئين تم التمييز فيه بين:
1- اللجوء (أعلى وأندر أشكال الحماية، يكون الاضطهاد المباشر من قبل دولة أخرى فقط، والدخول ليس عبر دولة ثالثة آمنة – أي ليس من دولة أخرى في الاتحاد الأوروبي. (في الأساس، يجب على اللاجئ أن يأتي بالطائرة أو السفينة، وهذا أمر مثير للسخرية)
2- حماية اللاجئين، (وفقًا لاتفاقية جنيف للاجئين يمكن أيضًا أن يتعرض المرء للتهديد من قبل جهات فاعلة غير تابعة للدولة).
3- الحماية الثانوية (معظم السوريين الذين جاءوا في عام 2015 حصلوا على هذه الحماية، لأن هناك الكثير منهم، وكان يقال بأنك لا تنظر إلى كل حالة على حدى، بل ك أشخاص فارين من حرب أهلية).
وهناك عدد من الحالات الخاصة التي تحدد فيما سيُسمح للأشخاص بالبقاء أو القدوم الى ألمانيا (مثل لم شمل الأسرة)، أو على سبيل المثال، لا يتم ترحيل الأشخاص مؤقتًا إلى بلدان معينة بسبب الأوضاع هناك – على سبيل المثال إلى أفغانستان، نظراً لأن حركة طالبان هناك مرة أخرى استعادت سلطتها هناك. كما لا يُسمح بترحيل الأشخاص إلى المناطق التي تشهد حروب. لذا بإمكان هؤلاء البقاء في ألمانيا بحكم الأمر الواقع ولكنهم يتمتعون بأمن نسبي فقط.
هناك محاكم مختصة تراجع مثل هذه القرارات، وفي حالات الشك، تُبنى النقاشات على مناطق محددة (على سبيل المثال، يتمحور النقاش حول لمن يعتبر العراق مكاناً آمناً؟).
في بداية عام 2015، استقبل إيزيديو العراق بشكل جيد جدًا، حتى أن العديد منهم تم منحهم حق اللجوء وتم اعتبارهم “مجموعة مضطهدة” – ولا يزال هذا المصطلح منعكساً على أصول قانون حق اللجوء في ألمانيا الذي ينبع من الجدل الدائر حول الحقبة النازية.
في عام 2017، حكم أول قاض ألماني في ألمانيا بأن الإيزيديين لم يعودوا عرضة “للاضطهاد الجماعي” في العراق بعد أن تم القضاء على تنظيم داعش. في هذه الأثناء، أصبح وضع الوافدين الجدد يزداد سوءاً – وبما أن المزيد من العراقيين يتم ترحيلهم الآن، كان بينهم ايزيديون.
النتائج المتوقعة
فرضت حكومة ولاية شمال الراين – فيستفاليا الفيدرالية (ولاية فيدرالية غربية كبيرة جدًا) مؤخراً “حظر ترحيل” على النساء والأطفال الأيزيديين لمدة ثلاثة أشهر –الأيزيديون من الذكور لا زال بالإمكان ترحيلهم-. ويعتبر هذا نجاحاً تمخض عن العديد من الاحتجاجات. كما أنها البداية، لأن الحكومة تقول أن تنظيم هذا الأمر بالتنسيق مع الولايات الفيدرالية الأخرى هو في الحقيقة مهمة وزير الداخلية الاتحادي.
من جانب، تتعرض وزيرة الداخلية الاتحادية لضغوط لأنها تنتمي في الواقع إلى اليسار وتؤيد منح اللجوء بسخاء، لكن حزبها (الحزب الاشتراكي الديمقراطي) سيخسر بسبب هذه المواقف العديد من الناخبين وعليها أن تظهر “بأساً”.
من المحتمل أن تكون هناك ترتيبات خاصة للأيزيديين (بالتنسيق مع الولايات الفيدرالية). ربما سكون بإمكان الإيزيديين الذين جاءوا من قبل البقاء، ولكن إذا جاء أي منهم في المستقبل، فيجب عليهم الخضوع للإجراءات الاعتيادية. لكن لا شيء واضح حتى الآن.
اوليفر بيشا
هذه المقالة كتبت خصيصاً لـ(كركوك ناو)