ماو سي تونغ 1893 – 1976 زعيم الثورة الصينية ومؤسس جمهورية الصين الشعبية وأصبح أحد زعماءالحزب الشيوعي الصيني وأحد أقطاب الفكرالسياسي اليساري في العالم ، بممارسة مختلفة بعض الشيء عن الماركسية اللينينية آخذاً بنظر الأعتبار الواقع الصيني الذي يتميّز بسعة الطبقة الفلاحية وسيادة الأقطاع والأعتماد المصيري الغذائي على السلة الزراعية ، كان ماو متمرداً على تقاليد المجتمع البالية والتي تستند بمجملها على الغيبيات ، عام 1927 قاد ماو مجموعة صغيرة من الفلاحين المعدمين في أقليم ( هونان )الجبلي – مسقط رأسه – مع كوادر أعضاء الحزب الشيوعي الصيني وطلاب جامعات والعمال الصينيين والذي سموا وقتها بالحرس الأحمر ، كوّن منهم نواة الجيش الأحمر الذي هزم القوميين الأثنيين الصينيين بعد 22 عام إلى جزيرة تايوان ، وفي 1966 أطلق على ما عُرفتْ (بالثورة الثقافية) التي أستهدفت أعداء الحزب والدولة ، وبحلول صيف 1967 كانت أجزاء واسعة من الصين تتجه بسرعة إلى حرب أهلية شاملة بسبب قوّة أعداء الثورة من رجال الأقطاع وكبارالرأسماليين البورجوازيين وطفيليين يساريين متطرفين لهم مواقع مؤثرة في الحزب ، كادت الأمور تفلت من يد (ماو) لولا حنكته السياسية والثورية بحيث تطورت الأحداث حتى وصلت إلى عصيان قيادة بعض الوحدات العسكرية عام 1966 ، فأصبحت مهمة ( ماو ) مزدوجة بين أعادة النظام والخلاص من الأعداء ، ووضع قاطرة الثورة الصينية على سكة الأصلاح والتغيير الثوري الجذري الرافض للتوفيقية والمساومة مع الأعداء فأطلق مشروع ( الثورة الثقافية ) التي كانت وصفة صينية للحفاظ على سلامة الحزب والدولة معاً ، وبشعار ماو العظيم ( أمنح شعبك ثورة قبل أن يثور عليك )علما أن الثورة الثقافية سيفٌ ذو حدين بما أحدثت من تداعيات سوف أذكرها لاحقا .
ففي آب 1966 الذي عرفه التأريخ الصيني ب( أغسطس الدموي ) حيث غطت سحابة العنف الجماعي في جغرافية الصين الواسعة عندها أطلق ماو نداءاً مفتوحاً لتسليح شباب الأمة الصينية لأستئصال ( الرأسمالية السرية وأعداء الطبقة الكادحة ) والعثور على ممثلي البورجوازية الذين تسللواإلى الحزب والحكومة والجيش وباقي المؤسسات الحاكمة في غفلة من الزمن ، بالفعل أجتاحت حالة من الجنون الثوري للشباب في المدارس الثانوية والجامعات تقودها مجموعات شبابية مراهقة متحمسة تحت راية ( الحرس الأحمر ) أرتكبت فيها حوادث مؤسفة في القتل العشوائي وأعتقالات على الشبهة وحرق المكتبات وفوضى عارمة أصبحت لاحقاً مادة أعلامية مضادة لدى أدبيات الأمبرياليين وأعداء الشيوعية وأتهام ماو (بأستالينية ) الوضع الصيني ،وهذه السوداوية والظلامية المجتمعية بدت على الواجهة السياسية لتبني ماو للثورة الثقافية .
بيد أن الحزب الشيوعي الصيني لم يتبرأ من “ماو” بعد مرور أكثر من خمسين عاماً على تلك الأنتكاسة لا تزال صورة ماو تزين العملات النقدية الصينية ، وضريحهُ عنصر جذب لزيارته يومياً في العاصمة بكين ، وبجدارة شخصيتهِ الفذّة كُتب أسمه في ذاكرة التأريخ الصيني “بربان الصين العظيم” ، ولأن ماو عزز ثقافة المواطنة لدى الصينيين وجعلهُ إمراً مقدساً على أي أنتماء عرضي آخر ، وهي أحدى أنجازاتهِ الكبرى لكونهِ حوّل الصينيين من تقديس القبيلة والآباء والأجداد إلى الأنتماء للوطن ، وتسجل لهُ قيام جمهورية الصين الشعبية في أكتوبر 1949 ، تاركاً تراثاً سياسياً وفكرياً ثراً وثرياُ ، لقد أختلف العديد من الدارسين في مواجهة نقده ، حيث كُتبت حوله مؤلفات كثيرة ، وقد قيّمهُ الكثير معتبرينهُ من القادة الشيوعيين العظام الذين كانت لهم أضافاتهم وأبداعاتهم في مجال ( النظرية والممارسة ) الثوريتين ، وكان آراء بعض من منتقديه حول تداعيات العنف الثوري للثورة الثقافية ومفهوم شبه مستعمر وشبه أقطاعي ، ولم يأتِ المركز المحوري لماو في التأريخ الصيني من فراغ وأنما من أفكار ورؤى وطموحات كبيرة لهذا القائد الفذ
– ماهية الثورة الثقافية (وتداعياتها ) المرعبة على المجتمع الصيني : هي تلك الفترة التي دشن فيها الزعيم الصيني” ماو ” ثورة البروليتاريا الثقافية الكبرى ، أي مزج صيني (ماوي) بين الماركسية اللينينية والأستالينية ضد التحريفيين حسب نظر ” ماو ” وهي التي أنتجت الحرب الشعبية في أزهاق أرواح وسفك دماء وفوضى عارمة أوصلت الشعب الصيني في 1968 إلى حربٍ أهلية
–كانت من مبررات ماو في أستعمال الثورة الثقافية لمرور تأريخ الصين والحزب والدولة بمنعطف خطير وحاد بحيث كادت الأمور أن تفلت لولا أستعانة ماو بالجيش لقمع أنتفاضة الأعداء المضادة والتي كانت أستراتيجية الأعداء : صراعاً عنيفاً دموياً على السلطة داخل الطبقة الحاكمة ولكن الذي حدث أن ماو لم يكتفي بأستعمال الجيش بل أتجه إلى أشعال الشارع الصيني حسب أعتقادي هي نقطة النظام والخطأ الفادح الغير مبررلدى ماو في أشعال الشارع والتي أدت ألى هياج العنف الثوري في قمع الأعداء بغلو وتطرف دموي ، وبالنتيجة النهائية أزال ماو أعداءهُ من السلطة معتمدا على منظمة الحرس الأحمر ونشر أفكاره في الشارع وعلى عموم المحافظات لكي لا تتكرر مأساة البيروقراطية السلطوية وتيارات الأنحراف داخل الحزب .
– مرض عبادة الشخصية :لقد جاء هذا الوباء الشخصي متزامناً مع شخصنة ” ماو ” بحيث أصبح يوصف عند عموم الشعب الصيني بأنهُ ( الشمس الحمراء في قلوبنا ) وأصبح كتابهُ ( الكتاب الأحمر الصغير ) ذو قدسية رهيبة بحيث يخسر حياتهُ من لا يؤمن بتعاليمهِ ، والأستخفاف به تعتبر تهمة جاهزة بعدم الولاء للحزب والدولة ، وكان ينتظرمن كل أسرة صينية أن تبدأ يومها بالأنحناء أمام صورة ماو ، فتوقف النظام التعليمي تماماً لأتجاه الملايين من الطلبة ألى بكين على أمل أن يلمحوا ” ماو ” —والذي وصفهُ المراقبون ب( الهلوسة الجماعية ) .
– ومن أخطر تداعيات الثورة الثقافية هو ظهور الطبقة العاملة الصينية كقوّة مستقلة في السياسة الصينية بحيث أسست منظمات بيروقراطية ضمن الحرس الأحمر من عمال المصانع بدأ هؤولاء بأضرابات ومظاهرات من أجل مطالبهم .
– ومن التداعيات المرعبة التي أثرت على الحزب والدولة في الفراغ الذي تركهُ موت ماوسي تونغ نتج عنهُ صراع فكري وسياسي ومطلبي بين أولئك الذين لديهم وجهات نظر مختلفة ومعتقدات متغيرة بخصوص نتائج التغيير ، وقررت القيادة الأستمرار بسياسة الثورة الثقافية حيث كانوا يعتبرونها بمثا بتة الطريق الوحيد لتعزيز وتعضيد قواهم وقوى وحدة الحزب الشيوعي الصيني .
– وأخيراً تمحورت أفكار ماو في الثورة الثقافية إلى خطة عمل ممنهجة لاحقا سميت ب( الماوية ) التي كانت لها آثار سلبية على وحدة اليسار العالمي و بعض أحزابها الشيوعية بالتشظي والعزلة ، وتلك من أخطر تداعياتها الفكرية.
المصادر والهوامش/ كتاب – مصر والصين –أحمد السيد النجار –القاهرة/ تقييم آفاق الثورة الصينية–تروتسكي 1975 بيروت ص23/ ماو– المختارات –المجلد1 بكين ص455
كاتب وباحث عراقي مقيم في السويد
في / 11-1- 2019ستوكهولم