بغداد/ أنس الشمري
منازل فخمة ومليارات وسيارات فارهة وحفنات من المخشّلات الذهبية، طلبات باتت واردة مؤخراً في المجتمع العراقي ليتم طرحها من قبل بعض الأهالي حال تقدّم شاب للزواج من ابنتهم، في وقت يعاني فيه أغلب الشباب من بطالة تتراوح نسبتها بين 16 – 20% تبعاً للمحافظة والمنطقة، تلك الطلبات أصبحت تشكّل حاجز خوف وعاملاً أساسياً لعزوف نسبة كبيرة من الشباب عن الزواج.
وأثناء الغوص في أسباب وتداعيات ارتفاع سقف المهور في العراق، تبين أن ارتفاع أسعار السلع والتأثر بالسوشيال ميديا و”الفاشنستات” والحياة المثالية التي تصورها الشاشات الإلكترونية، أبرز تلك الأسباب، إضافة لأسباب أخرى.الباحثة الاجتماعية والأكاديمية منار عزالدين، أشارت إلى أن المجتمع العراقي باتت لديه تطلعات مختلفة في جميع الأصعدة، خاصة وأن هناك مؤثرات كبيرة أخذت على عاتقها تغيير توجهات المجتمع وسلوكياته. وقالت عزالدين في حوار مع (المدى)، إن ارتفاع قيم المهور الذي نشهده مؤخراً، ما هو إلا نتاج غلاء المعيشة والتضخّم الملحوظ في طبقة الأغنياء.
“تاهو” و”جي كلاس” وأرقام فلكية
وأضافت عزالدين، أن المجتمع العراقي مجتمع إسلامي ووجود المهر في الإسلام أمر متعارف عليه، ولكن أن يصل إلى أرقام فلكية أمر يثير الشك والريبة، ودفعنا إلى البحث عن الأسباب، وتبيّن أنها تكمن في ارتفاع أسعار السلع والبضائع فضلاً عن تأثّر بعض العائلات العراقية والفتيات بما يُعرض على مواقع التواصل الاجتماعي والقنوات من “حياة وردية” يعيشها الفنانون والصاعدون الجدد، مبينة أن المرأة عندما تشاهد مواقع التواصل الاجتماعي بنحو نصف يومها بالتأكيد ستتأثر بالطروحات الواردة في تلك المواقع وما يُنشر فيها، لذا سقف مطالبها بات مرتفعاً وتتمنى شخصاً يقدّم لها هذه الأمور الثمينية والمهور الكبيرة التي يتغنى بها من يظهر وراء الشاشات. وبينت الباحثة الاجتماعية: “لدينا تضخم في طبقة الأغنياء، وهذا التضخم بدأ بعد عام 2003 بغض النظر عن مصادر أموال تلك الطبقة، إلا انها باتت متحكمة بتطلعات المجتمع وباتت الفتاة العراقية تتأثر بهذه الشريحة المترفة”. وأشارت إلى أن مواقع التواصل الاجتماعي أثرت على المجتمع العراقي بشكل عام، ليس فقط على المقبلين على الزواج، بل حتى المرأة المتزوجة تأثرت، حيث أصبحت بعض النساء المتزوجات تتأثر بفلانة من “الفاشنستات” أو المشاهير والصاعدات اللاتي يتفاخرن بالمليارات والملايين والسيارات الفارهة كـ”الجي كلاس” و”التاهو” التي تحصل عليها من شريك حياتها، وبعض هؤلاء النساء قد يبدين الامتعاض مما يقدمه لها زوجها، وأصبحت ترفع من سقف مطالبها أمامه، ما أدى إلى ارتفاع نسب الطلاق في المجتمع فضلاً عن العزوف عن الزواج.
تنازل و”أجساد وهمية”
وتابعت الأكاديمية العراقية، أن “التفاهم والانسجام بين الزوج والزوجة هو المعيار الأساسي لنجاح تلك المؤسسة الاجتماعية، وارتفاع المهور ليس بالضرورة أن يكون أساس حماية المرأة وحفظ كرامتها وحقوقها، فبعض النساء يطلبن الطلاق دون مقابل من حقوق شرعية وبعضهن يتنازلن عن حقوقهن لغرض عدم البقاء مع الزوج لأسباب عديدة قد تصل إلى الخلاص من العنف والاضطهاد، وأحياناً حفاظاً على حياتها”.
ورأت الباحثة الاجتماعية قائلة، إن العالم الرقمي باتت محركاً للمجتمعات وحرفياً العالم دخل مرحلة جديدة من التاريخ وهي مرحلة الذكاء الاصطناعي والصورة والفيديو، فبالتالي هذه الأمور أصبحت مؤثرة على عقول الأجيال الصاعدة.. فجيل الثمانينيات والتسعينيات يختلف عن ما قبله وما قبله من الأجيال.
وأعربت عن أسفها قائلة: “العالم الرقمي خلق صورة وهمية للمرأة والرجل في المجتمعات كافة، فصور النساء والفيديوهات التي تعرض قد تكون وهمية وقد لا يكون هناك جسد في الحقيقة بهذه التفاصيل، وهذا الأمر بدأ يدفع البشرية إلى البحث عن هذا الجسد المثالي إلى درجة عالية، وبالتالي أصبح هذا الأمر مؤثرا على المجتمعات ككل وليس على المجتمع العراقي، خاصة لو امتلك فتاة صفة واحدة على أقل تقدير من هذا الجسد أو الشكل المثالي، وهذا أمر يجب السيطرة عليه من قبل الجهات المعنية كهيئة الإعلام والاتصالات، والنقابات المختصة.
ولدى هيئة الإعلام والاتصالات العراقية لائحة قواعد خاصة بالبث الإعلامي، تتكون من عدة تبويبات، سلط الباب الثاني/ المادة الثانية منها على اللياقة والآداب والذوق العام، فضلاً عن توجيهات تطبيقية للحفاظ على اللياقة والذوق العام.
قانون “مجحف” و”البوي فريند” يعمّق الجراح
وتعتبر المغالاة في طلبات الزواج والمهور “مشكلة” و”معضلة” يعاني منها الشباب العراقي، فضلا عن انها تنافي ما ورد في القرآن والسنة النبوية، وفق وصف أستاذ العلوم الإسلامية في جامعة الأنبار مازن الحديثي.
وأضاف الحديثي في حوار مع (المدى)، أنه “ومع ارتفاع مهور الزواج نجد أن القانون العراقي مجحف بحق الرجل، ومهما فعلت المرأة من سوء مع الرجل بكل بساطة بإمكانها أن تدمر حياته وطلب الطلاق منه وتجريده من ممتلكاته، الأمر الذي دفع بعض الشباب إلى العزوف والابتعاد عن الزواج”.
وتابع، “الآن وصلت طلبات الأهل من المتقدم للزواج من ابنتهم على سنة الله ورسوله وآل بيته، إلى نوعيات غرف الأخشاب ونوعية الأثاث، فضلاً عن وضع معايير قاسية، وللأسف نقولها أصبحت تلك المعايير ثابتة لدى أغلب العوائل العراقية، مضيفاً هذا الأمر جاء بسبب التأثر بما يسمى بـ”الصاعدات الجدد”، اللاتي يظهرن على منصات التواصل ووسائل الإعلام وهنّ يتفاخرن بما يقدمه لهن (البوي فريند وصديقها وما شابه ذلك)”.
وبين، أن “الشاب العراقي أصبح مؤخراً في سباق صعب، خاصة أن بعض الفتيات تفرض على الشاب في حال تقدم للزواج منها أن يؤجّر أو يشتري بدلات حفلات لأقاربها من الفتيات كأن تكون بنت خالها وعمها، للتفاخر أمامهن، وهذه الأمور تثقل كاهل الشاب وتدفعه للنفور من الزواج، علماً إن هذا السياق يعتبر منافياً للأعراف الاجتماعية والدينية، والجميع يعلم أن الدين الإسلامي دين سمح ودين تساهل”.
انتحار وانحرافات تصل
إلى “فاحشة اللواط”!
واستدرك بالقول: “الدين الإسلامي أمر الشباب بالزواج من لديه المقدرة الجسدية والمالية، وفي نفس الوقت قال الرسول الأعظم (خير النساء وأفضل النساء أنسبهن وأقلهن مهوراً)”، مبيناً أن “هناك تبعات وتداعيات مخيفة وخطيرة بدأنا نلتمسها بسبب ارتفاع مهور الزواج وأبرزها هو بروز الانحرافات الأخلاقية المتمثلة بالتحرش بالنساء وأفعال الزنا ووصلنا مراحل فعل (فاحشة قوم لوط)”.
وحذّر الحديثي من “اضطرابات نفسية، بدأت تصيب الشباب بسبب ارتفاع مهور الزواج وصعوبة الارتباط مع من استمال لها القلب”، مبيناً هناك قصص واقعية نعيشها منها لشباب قد دخلوا في حب مشروع مع فتيات وزميلات لهم في الجامعة أو في مواقع عملهم، وبنوا آمال على أن تكون هذه الزميلة شريكة حياته، ولكن تعذر عليه الزواج منها بسبب مطالب الأهل الثقيلة، الأمر الذي يؤدي إلى دخول ذلك الشاب في صدمة عاطفية وقد يؤثر ذلك على نفسيته”.وسرد الحديثي قصّة واقعية لإحدى الشباب، قائلاً: “أحد الشباب أراد الزواج من إحدى زميلاته في الجامعة ودخلوا في علاقة حب شرعية لمدة زمنية قد تقارب 3 سنوات، علماً أن الشاب من الطبقة المتوسطة، وإذا بوالد الفتاة طلب منزلاً معزولاً لابنته وفرض شروطاً طويلة عل الشاب تمثلت بأثاث فاخر وذهب بكمية كبيرة، الأمر الذي دفع الشاب والفتاة إلى الفرار من أهلهما، ومن ثم تابع ذوي الفتاة أثرهما وقاموا بفصل ابنتهم عن الشاب بعد أن تزوجها بعيداً عن أهله وأهلها بسبب مطالب والدها، ونشبت مشاكل عائلية كبيرة بين الطرفين، ما أدى إلى دخول الشاب في أزمة نفسية وحاول الانتحار 3 مرات عبر تناول حبوب بإفراط ورمي نفسه من مكان مرتفع، بسبب سحب زوجته منه من قبل والدها، وهذه قصة واقعية لعائلة لدي معرفة وتواصل معها”.
واختتم الحديثي قائلاً: “بعض الشباب وصل بهم الحال إلى السرقة وتعاطي الرشى بدافع إرضاء أهل الفتاة أو حتى زوجته:، مبينا أن “اختلاف سلوكيات المجتمع قد تؤثر الأمن الاجتماعي وحتى قد تزيد من نسب الفساد في الدوائر والمؤسسات”.
الناشطة النسوية روناك علي، كان لها رأياً مغايراً فيما يخص أسباب ارتفاع مهور الزواج مؤخراً قائلة: إن “أبناء المسؤولين والمتنفذين يعتبرون أبرز أسباب ارتفاع سقف المهور، وهذا الأمر أثّر سلباً على المجتمع العراقي، حيث بدأنا مؤخراً نشاهد ونسمع بأبناء المسؤولين الذين يقومون بتقديم مهور تصل إلى مليارات الدنانير وسيارات فاخرة وسبائك ذهبية باهظة الثمن للفتيات اللاتي يتم طلب أيديهن للزواج، وكذلك بنات المسؤولين أيضاً يفرضن مهوراً مرتفعة حال تقدم شاباً للزواج منهن وكذلك الطبقات الصاعدة حديثاً، وأصبح الأمر مادة للتفاخر عبر منصّات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام التي يتابعها المجتمع”. وأضافت علي، أن رفع قيمة المهر ليس له علاقة بمدى قوة العلاقة الزوجية، فهناك الكثير من الأزواج افترقوا وكان المهر المقدم لعقد الزيجة مرتفعاً، إلا أن هناك مشاكل تنشب داخل الأسرة كانت أقوى من التفكير في قيمة المهر وكيفية تسديده.
“مودَة” و”بيوت دعارة”
على الخط!
ووصفت الناشطة النسوية ارتفاع المهور مؤخراً بـ”المودة” للتفاخر والتباهي بعيداً عن الشروط الأساسية الواجب توفرها في شريك الحياة، بحسب تعبيرها.ودعت علي، الجهات المختصة وذات العلاقة، إلى متابعة ما يعرض على مواقع التواصل الاجتماعي العراقية ووسائل الإعلام من محتوى وصفته بـ”المحرّف” لسلوكيات المجتمع، وذلك في حديثها عن “المشاهير” و”التكتوكرات” و”الفاشنستات” اللاتي يظهرن على تلك المنصات والوسائل. وعدّت علي، إقليم كردستان، بالمناطق الأكثر رفعاً في قيم المهور، قائلة إن: بعض الفتيات وذويهن قد لا يطلبون من الشاب المتقدم للزواج من ابنتهم سوى حلقة ذهبية أو منزلاً معزولاً، أي طلبات ضمن حدود طاقة الرجل المادية.
ودعت علي الحكومة إلى إعداد خطط ستراتيجية من شأنها السيطرة على البطالة وتمكين الشباب العراقي ليس فقط على الزواج بل حتى في تطوير مهاراته وجعله عنصراً كفوءاً في المجتمع ليكون قادراً على الزواج وإسناد عائلته، مبينة أن الشباب اليوم أصبح متوجهاً نحو الرعاية الاجتماعية وذلك بسبب غياب فرص التعيين والعمل، وكذلك غياب دعم القطاع الخاص.
ونشهد في الآونة الأخيرة ارتفاعاً في نسبة الجرائم لدى الشباب، كالسرقة واغتصاب الفتيات وغيرها من الجرائم، وذلك يعود إلى الفراغ الذي يعيشه الشاب العراقي المُهمل من قبل الحكومات، تقول علي.
واختتمت الناشطة النسوية حديثها قائلة: “أصبح الزواج في العراق مؤخراً أشبه بالتجارة، وهناك بعض الفتيات تتزوج لمدة أسبوع أو شهر ومن ثم تتطلق وتسحب الأموال من طليقها لتتجه بعدها نحو “بيوت الدعارة” للأسف، وهنا نتحدث عن خطط مبيتة لدى البعض الذي لا يمثل المجتمع العراقي، والسبب يعود إلى الطمع في مهر الزواج بمقدمه ومؤخره.