ان الكون في تحليل فلسفة الدين وعلم البارسايكولوجي أزلي، وان الله خلقها وملك الوجود كله قادر ان يخلق الكون كيفما يشاء, وقد يفهم من هذا القول ان الكون خلق على نحو عشوائي لا انتظام فيه، ولكن ما نجده في الواقع العام من مشاهدات ملايين السنين وما أثبتته التجارب والاكتشافات العلمية ان نظام الكون خلق في منتهى الدقة والانتظام وفق قوانين علمية دقيقة جدا تتحكم بحالة الكون برمتها (الأولية والنهائية) فالنجوم ليست مبعثرة في الفضاء كما يبدو ولكنها مجتمعة في مجرات.
وشمسنا هي نجم من عدة مئات البلايين من النجوم في مجرة درب التبانة (أللنبي) التي تشكل قرصا منبسطا جدا يبلغ قطره مائة ألف سنة ضوئية، ومجرة درب التبانة هي بدورها واحدة من عشرات البلايين من المجرات في الكون القابل للرصد, وتبعد اقرب مجرة كبيرة جارة لنا نحو مليوني سنة ضوئية.
المجرات ليست موزعة عشوائيا في الفضاء الكوني التي لا يقدرها المنطق, فهناك مابين (5 ــ 10)في المائة منها متجمعة في تجمعات عنقودية (clusters) يحوي الواحد منها على عشرات المجرات وحتى حدود ألف مجرة في فضاء عرضه بضعة ملايين من السنين الضوئية.
ان معظم الفلكيين ينظرون في أن تعنقدات المجرات إنها اكبر البنى المتماسكة في الوجود، ففي حين ينتمي النجوم الى المجرات وتنتمي العديد من المجرات الى التعنقدات, ولا يبدو ان التعنقدات متكتلة ضمن أجسام اكبر وقد يكون كذلك ولكن بشكل أخر.
تتفق هذه الصورة اتفاقا دقيقا مع فهم العلماء النظريين للانفجار الأعظم، فحين طبق اينشتاين نظريته في النسبية العامة على الكون افترض افتراضا تبسيطيا كبيرا فقد اعتبر الكون وسطا متجانسا وسمي هذا الافتراض بالمبدأ (الكوسمولوجي) وهذا المبدأ يكمن في أساس جميع النماذج العلمية الحديثة للكون. لذلك أصبح من العسير جدا ان نصوغ نظرية تصف الكون كله مرة واحدة، ولكن بدلاً من ذلك ينبغي تجزئة المسالة الى أجزاء عديدة واستنباط مجموعة من النظريات الجزيئية تصف كل منها مجموعة محددة من المشاهدات وتتنبأ بها للوصول الى نظرية عامة وشاملة واحدة أو معادلة رياضية شاملة تصف كل ما في الكون برمتها.
إن الانفجار العظيم نظرية مطروحة في علم الكون, والتي ترى إن الكون نشأ من وضعية حارة شديدة الكثافة جدا، وتقريبا قبل حوالي( 14) مليار سنة, ظهرت نظرية الانفجار العظيم نتيجة لملاحظات الفريد هيوبل حول تباعد المجرات عن بعضها (( ان الضوء الصادر من المجرات يزاح نحو نهاية اللون الأحمر للطيف الضوئي، معنى ذلك إن الكون في تمدد مستمر منذ الانفجار الاعظم.
قام علماء آخرون بقياس عدد كبير من المجرات البعيدة واكتشفوا ان جميعها تظهر إزاحة في الطرف الأحمر)) فاستدلوا على ان جميع هذه المجرات تبتعد عنا وفق ظاهرة دوبلر، مما يعني عندما يأخذ بعين الاعتبار مع المبدأ الكوني إن الفضاء المتري يتمدد وفق نموذج فريدمان للنسبية العامة, هذه الملاحظات تشير الى ان الكون بكل ما فيه من مادة وطاقة انبثق من حالة ابتدائية ذات كثافة وحرارة عاليتين شبيه بالمتفردات الثقالية التي تتنبأ النسبية العامة للعالم اينشتاين.
وتعرف تلك المرحلة بالحقبة المتفردة، فما من شك ان حجم الكون في الماضي كان اصغر, وهو مستمر في الاتساع، وان حجم الكون في المستقبل سيكون اكبر مما هو عليه الآن، وإذا تمكنا من حساب سرعة التمدد بين المجرات يمكننا التنبؤ بالزمن الذي احتاجه الكون حتى وصل الى الحجم الراهن.
وعلى هذا الأساس والاعتبار تم تقدير عمر الكون بنحو(13،8) مليار سنة ضوئية، وهي مقربة الى الرقم (14)مليار سنة تقريبا. وفيما يلي أهم النظريات العلمية التي تصف كيفية نشوء الكون ومقارنتها مع نظرية فلسفة الديانة الإيزيدية وأهم النقاط المتشابه بين هذه النظريات.
1ــ نظرية الانفجار العظيم (الدوي الهائل)
ان أول من وضع هذه النظرية العالم البلجيكي (ادوارد لوميتير)تتحدث هذه النظرية عن نشوء وأصل الكون، فقد نجح فريدمان في حل معادلات نظرية النسبية واستنتج منها فكرة تمدد الكون سنة 1922، واستنادا إليها وضع لوماتر سنة 1927 نظريته حول تمدد الكون، إن نظرية آينشتاين التي ترى أن الكون متجانس ومتوحد الخواص وهو في حالة سكون وغير قابل للتغيير، وهي فكرة تم التخلي عنها بعد ثبوت تمدد الكون.
وتنص هذه النظرية على ان الكون بدأ بانفجار عظيم, وهو ليس كالإنفجارات الاعتيادية التي تحدث على سطح الكرة الأرضية أو في أي مكان ما في الكون تبدأ من مركز معين وتنتشر أكثر فأكثر في جميع أنحاء الفضاء المحيط بمركز الانفجار, وإنما حدث هذا الانفجار آنيا وفي كل الاتجاهات في الفضاء الكوني واندفع على أثره كل جسم فيه الى الخارج مبتعدا عن الجسيمات الأخرى, وملأ هذا الانفجار المدوي جميع إنحاء الكون منذ بدايته.
2 ــ نظرية الحالة المستقرة
وضع كل من (هاريمان، بوندي , توماس)هذه النظرية وتقول أن الكون أزلي ليس له بداية, وأبدي ليس له نهاية, كلما تمددت خلقت باستمرار مادة جديدة في الفراغات كواكب ونجوم ومجرات تخلق لتحل محل التي اختفت, وكلما اختفت مجرات ونجوم وكواكب خلقت أخرى جديدة لتحل محله. ولكن في أزمان كونية موازية لنشوئها.
لقد كان العلماء يعتقدون بأن الطاقة والمادة شيئان مختلفان وكأنما لا توجد علاقة تربطهما وكان قانون حفظ المادة هو(المادة لا تفنى ولا تستحدث من العدم بل تتحول من شكل الى اخر) وكذلك قانون حفظ الطاقة (الطاقة لا تفنى ولا تستحدث بل تتحول من شكل الى اخر)، الا ان التطور في معرفة وعلوم الانسان، اثبتت ان المادة والطاقة هما وجهان للكون ولكل شيء فيها, وبصورة أدق هما صورتان لكمية فيزيائية واحدة, فالمادة يمكن ان تتحول الى طاقة وكذلك الطاقة يمكن تحولها الى مادة, وان ظهور أي منهما يؤدي الى إخفاء شيء من الآخر, فظهور مقدار من الطاقة لابد ان يرافقه اختفاء في مقدار من المادة.
(3) نظرية الفلسفة الإيزيدية
إن فلسفة الديانة الإيزيدية ترى ان الكون بدأ بانفجار عظيم منظم نتج عنه كل ما في الكون من أكوان ومجرات ونجوم وكواكب, ونجد أن الكثير من النصوص الدينية الإيزيدية, تبين وتؤكد ان الكون نتج عن انفجار الدرة البيضاء (الدوي الهائل). وتتفق في هذا الجانب مع النظرية العلمية الحديثة الأكثر والأقرب من النظريات الأخرى حول كيفية تكوين الكون والخليقة والتي تؤكد أن الكون بدأ (بانفجار عظيم) حسب التجارب العلمية والمراقبات المستمرة عن المشاهدات الكونية حول استمرارية الحركة فيها وعدم وجود أجسام ثابتة فيها إطلاقا باستثناء المحور الثابت .
وهناك نظريات لاهوتيه عديدة حول نشوء الكون في فلسفة الأديان ولكن إن جميعها بعيدة عن المفاهيم العلمية، في حين نجد أن فلسفة الديانة الإيزيدية حول نشأة الكون والخليقة, هي الأقرب الى التحليل العلمي في تفسير الكثير من الأمور العلمية المتعلقة في نظرية (الانفجار العظيم).
أن نظرية الديانة الإيزيدية في خلق الكون والتكوين يختلف في الكثير من الأمور الأساسية لنظريات كل للأديان، ولم يتطرق إليها الأديان الأخرى في فلسفاتها, وبالأخص في انفجار الدرة البيضاء(الدوي الهائل)، وكيف تكونت الكون، وإن الفلسفة الإيزيدية في تكوين الكون والخليقة تعتبر التحليل الأقرب والادق إلى النظرية العلمية حول نشأة الكون.
قاسم مرزا الجندي
20/1/2024 السبت