كاتب حقوقي وخبير في الشأن الإيراني
يكفي أن نلقي نظرة على عملية التطهير والتنحية الواسعة وغير المسبوقة لمرشحي مجلس الخبراء والبرلمان للإجابة على هذا السؤال لماذا وصل خامنئي إلى مأزق في اختيار خليفته من قبل مجلس الخبراء.
تنحية أشخاص مثل حسن روحاني، الذي كان دائمًا في أعلى المناصب الحكومية منذ 44 عامًا، أو محمود علوي، الذي كان وزيرًا للمخابرات في النظام لمدة 8 سنوات، والذي تم تعيينه في هذا المنصب بموافقة خامنئي، أو على وجه التحديد تنحية المرشح مصطفى بورمحمدي، أفضل دليل إيجابي بأن خامنئي في طريق مسدود لخليفته ويريد أن يوافقه 100٪ المرشحون لمجلس الخبراء لمن يخلفه بصفته “الزعيم” و”الولي الفقيه” للمستقبل.
وجَدير بالذكر بأن بورمحمدي كان بجانب إبراهيم رئيسي، بسجل دموي ضد معارضي النظام وخاصة مجاهدي خلق في مجزرة السجناء السياسيين في صيف عام 1988 في “لجنة الموت”.
اضافة على ذلك، في خضم الحرب المستعرة في غزة والتي تلقي بظلالها الداکنة على المنطقة عموما وعلى النظام الايراني خصوصا، فإن الامر الذي صار يسير بإتجاه کونه مسلما به ولامناص منه، هو إن النظام الايراني قد إنزلق في هاوية الحرب هذه شاء أم أبى وخار طرفا فيها، إذ لم يعد بوسعه ممارسة المزيد من الکذب والتمويه بخصوص عدم علاقته بما قام ويقوم به وکلائه في المنطقة من نشاطات وتحرکات ذات صلة بالحرب في غزة منذ إندلاعها ولحد الان.
لئن ساد تصور بين أقطاب النظام الايراني وبين الخبراء التابعين له، بالتفاٶل المفرط بهذه الحرب ومن إنها ستصبح عاملا فعالا من حيث إنقاذ النظام من أزمته وخصوصا وإن رهان الولي الفقيه المفرط على ابراهيم رئيسي وحکومته الفاشلة، قد ظهر واضحا بأنه رهان خائب وليس هناك من أي أمل لتغييره بل وحتى يمکن إنتظار الأسوء والأسوء، فإن التصور الحالي السائد في النظام يغلب عليه التشاٶم والکئابة، ولاريب من إن ذلك له مايبرره، إذ أن أوضاع النظام لاتبعث على الامل في الداخل والخارج على حد سواء.
أهم مسألة داخلية تثير ليس القلق بل وحتى الفزع لدى النظام، هو إن الولي الفقيه الذي يتقدم به العمر والمرض يضيق به الخناق وقد يتوفى في أية لحظة، ليس له لحد الان من مرشح محدد يمکن إعتباره بمثابة خليفة له، ولئن تم طرح اسم ابنه مجتبى وکذلك رئيسي کخليفتين محتملين له، ولکن يظهر واضحا بأن أي منهما ليس في مستوى ذلك، إذ أن مجتبى الذي خسر والده هيبته کولي فقيه مالذي سيتمکن منه لو خلفه وخصوصا وإن الشعب الايراني ينظر الى الفساد والظلم الحاصل من إنه بسبب خامنئي خصوصا والدائرة المحيطة به عموما.
أما إبراهيم رئيسي، فيکفي ماضيه الدموي الاسود من جانب، وفشله الذريع الذي حققه منذ أن تم تنصيبه رئيسا ولاسيما وإنه قد إندلع خلال عهده أقوى إنتفاضة شعبية بوجهه وبوجه النظام، ولذلك فإن مجرد جعله خليفة لخامنئي فإن ذلك يعني بأن النظام قد وقع ورقة إسقاطه بيده.
وعند طرح قيادة جماعية من رجال الدين التابعين للنظام لکي يقودوا البلاد في منصب الولي الفقيه، فإن ذلك سيقلل من شأن هذا المنصب ويجعله أضعف من السابق وحتى من دون هيبة، وفي ضوء ذلك، ولايبقى هناك من أي خيار أمام النظام سوى أن يلجأ حرسه الذي يهيمن على النظام أکثر من غيره ويعتبر العمود الفقري للنظام بأن يمسك بزمام الامور بيده، أي دکتاتورية لامناص منها أبدا، وعندئذ فإن عمليات الانتخاب وماغيرها من المظاهر التي يسعى النظام من خلالها الزعم بأنه يتيح مساحة للحرية وليس دکتاتوريا، تصبح مجرد مسرحيات هابطة معروفة تأليفا وتمثيلا وإخراجا!
ولكن الحقيقة في الوضع الحالي الذي تحكمه إيران أكثر مرارة في حلق خامنئي، والأرض ليست مهيأة بما يكفي ليتمكن من زرع ما يريد من بذور في هذه الأرض. وسيكشف عن هذه الحقيقة في المستقبل القريب. لأن رغبة الشعب الإيراني هي الإطاحة بمجمل الفاشية الدينية الحاكمة، سواء كان خامنئي أو ابنه مجتبى أو أي شخص آخر ينتمي إلى هذا النظام وشارك بشكل مباشر أو غير مباشر في الجرائم والفساد والمجازر والقمع.