|
يبدأ الكتاب بالسينما وكون الكاتب تحدث عن عشرات الأفلام وبالتالي لا امكانية في هذه الاطلالة للاشارة لها جميعا، حيث يستعرض ملخصا للفيلم ثم يسجل ملاحظاته النقدية بأسلوب سلس بعيدا عن استخدام المصطلحات التي يلجأ لها بعض الكُتاب، لإضافة هالة من الثقافة على أنفسهم ولكن القارئ غير المتخصص سيلقي بالكتاب بعيدا عندها، ولن يعود لمعاجم متخصصة ليفهم هذه المصطلحات، وسأكتفي بالاشارة الى بعض الافلام التي وجدت فيها اشارات نقدية مهمة ومثال لذلك فيلم “إيجاد دوري” حيث كان انطباعه الشخصي وحدسه السينمائي أن مشاهد عودة السمكة التائهة لأهلها “تذكر المشاهد بثيمة الحنين لأرض الميعاد، وهي الثيمة اليهودية الخالدة التي يستطيع فنانو هوليود اليهود بمعظمهم نسيانها ابدا، والتي يتم هنا تسريبها بذكاء وباطنية لوعي المشاهد المنبهر”، وكذلك التقاطات ذكية في فيلم “المارد الكبير الودود بي أف جي” حين يقول: “هل تتضمن هذه النهاية مجازا يقصد به الارهابيين العالميين الذين يتمثلون هنا بالمردة المتوحشين آكلي البشر، وما المقصود بدول بعينها لتقديم الهدايا؟” علما أن من قادت الحرب ضد المردة هي بريطانيا التي استهدفت منهم اضافة للسويد والعراق والجزيرة العربية وأمريكا وغيرها، وهذه اسقاطات ناتجة عن الفوبيا من المسلمين، وكذلك فيلم “فندق المشاكل” والذي يلخص مشكلة ومأساة اللاجئين العالمية حيث تبقى بدون حلول ولا أمل حيث “لا أحد يعرف من أين أتى، لذا فهم لا يستطيعون ارساله لبلد محدد”، في فيلم يضم شخصيات عدة منها الفلسطيني والافريقي والعربي السلفي المتشدد وغيرهم من الباحثين على اللجوء.
في مساحات واسعة من الكتاب يقدم الكاتب قراءات نقدية لأفلام مختلفة منها أفلام رعب كما “عودة الشياطين” و”ظل مصاص الدماء” وأفلام لمرحلة ما بعد الموت مثل “أوون وورد”، وأفلام جاسوسية مثل “الشقراء الذرية” وأفلام الاثارة مثل “آخر 208 ثواني” و”زاحف الليل”، وأفلام رسوم متحركة ودراما وتحريكية وغيرها من الأفلام، ومن الأفلام المهمة التي لخصها وسجل عليها الكاتب نقده فيلم “ماونا” والذي يرى فيه أنه “يطلق في المشاهد احساس فريد بالمكان والهوية والانتماء”، وكذلك فيلم “خيالات دكتور بارنسوس” حيث يقول عنه: “بدا لي بلا هوية وكأنه مركب من قطع متناثرة غير متناسقة”، وفيلم “جزيرة الكلاب” الذي يقول عنه: “كان باهتا وضعيفا على الأقل في مجتمعاتنا العربية التي لا تستوعب هذا النوع من التحريك المجازي الزخم والغريب”، وفيلم العراب بجزءه الأول حيث قدم م. مهند النابلسي قراءة نقدية متميزة لهذا الفيلم، ولفت نظري حديثه عن الفيلم الوثائقي التشيلي “بقعة الضوء”، وكذلك فيلم “أوتيل ترانسلفانيا” حيث يقول: “أشعر أن السينما العربية عموما ما زالت لا تأخذ سينما التحريك على محمل الجد وبمستوى لائق من المهنية الاحترافية”.
وتحدث بأسلوبه النقدي أيضا عن أفلام خيال علمي مثل”بليد رانر 2049″، وفيلم “أبولو” وأفلام خيال مثل “البيت الذي بناه جاك” وقد أرفق حديثه عن الفيلم بمقال نقدي للفيلم بقلم لورين نينياز وترجمة الحسن علاج، وأعتقد أن ذلك لم يكن له ضرورة فالقارئ يعنيه ما كتب مؤلف الكتاب من قراءات نقدية للأفلام، وإن اراد التوسع فيبحث عن مقالات نقدية أخرى، وتكرر ذلك بفيلم “جوكر” حيث أورد ما يزيد عن صفحة من مقال للكاتب بهيج سكاكيني عن مجازر الصهاينة في دير ياسين، ومن مقال للكاتب الفلسطيني نواف الزرو يتحدث فيه عن اقتحامات الصهاينة للمسجد الأقصى وهذا خارج عن سياق الفيلم، وكذلك في فيلم “هذه التي يجب أن تحرق”، وقد لاحظت أن هذا تكرر بالحديث عن العديد من الأفلام.
في نقد الكاتب لفيلم “أخبار العالم” نجده بعد أن استعرض الفيلم يخرج بعد الفقرة الأولى من النقد لموضوع آخر كان الأجدر أن يكون في مقال مستقل حيث يتحدث بقسوة عن ما اسماه “مشكلة التطفل على النقد السينمائي” وعبر صفحتين بعد الفقرة النقدية تحدث عن رفض مجلات متخصصة بأن تنشر له مقالات نقدية عديدة بينما تنشر “لناقد سطحي متطفل” كما عبر عن ذلك، ويعزو موقف هذه الصحف والمجلات من مقالاته بأنه يعود لهدف منح المكافئات المالية لأشخاص محسوبين عليهم، أو بسبب الكراهية المبطنة للقضية الفلسطينية أو لأسباب استعلائية ولأسباب أخرى يشير لها، وينهي كلامه بأنهم سيندمون ويشير لشخص بإسم استهزائي ويقول أيضا أنه سيندم..!!، وهذا ما سيجعلني اطرح السؤال: هل ندموا أنهم لم ينشروا لمؤلف الكتاب مقالاته؟
في فيلم “حدث ذات مرة في هوليوود” ينتقد اقحام المخرج لمشهد البطل وهو يحرق مجموعة ضباط نازيين بحارقة لهب فيتنامية مرعبة بدون أي مبرر أو ضرورة، ويرى أن هذا”مؤشر على تدخل مخرجي هوليوود اليهود المتصهينين على ابداعات مخرجي السينما والا فقدوا الدعم والتمويل والشهرة”، ويشير لسطوتهم ويفسر ضمنيا “عدم اقدام السينما العالمية على طرح ملحمي لمأساة فلسطين الإنسانية فيما أصابنا الصداع والقرف لكثرة الأفلام التي تناولت وما زالت موضوع الهولوكست لتحصد التقدير والجوائز.
اهتم الكاتب بوجود أفلام من اخراج مخرجين عرب أو من أصول عربية مثل فيلم “ظل مصاص الدماء” للمخرج اللبناني الأصل إلياس مرهج والحامل للجنسية الأمريكية، والفيلم المصري “تراب الماس” وقال عنه أنه “تحفة فريدة نسبيا” وإن “كان هناك مبالغة ميلو درامية مفبركة ومكررة ومتداخلة”، والفيلم المصري “فتاة المصنع” والذي قال عنه “حبكة لا واقعية وفيلم ممتع” والغريب انه وضع هامشاً يتحدث عن الفيلم، لكن ما علاقة الاخبار التي وضعها في نهاية الهامش وهي عن قطاع غزة بالفيلم؟ وأيضا الفيلم التونسي”ما نموتش” واعتبر الفيلم “استفزازي وجدلي وجريء وغير مسبوق بطرحه لموضوع حجاب البنات، كما أنه متوازن ويكشف نفاق المجتمع والتلاعب بالنصوص الدينية”، وكذلك الفيلم المصري “العاصفة” حيث قال عنه: “روعة السرد السينمائي العميق في ثلاثة خطوط درامية متداخلة ومتوازية”، والفيلم المصري “كيرة والجن” وهو دراما تاريخية عن صفحات من نضال الشعب العربي المصري ضد الاستعمار البريطاني، والفيلم الفلسطيني “الزنديق” والذي يقول الكاتب عنه أنه يعكس: “قتامة الواقع الفلسطيني وتغول الاحتلال الاسرائيلي الغاشم”، وكذلك يتحدث عن الأفلام الفلسطينية “فلسطين في القلب” ويعتبر أن المخرج يقدم فلسطين في القلب مرة أخرى بطريقة فذة غير مسبوقة، وكذلك فيلم “لا بد أنها الجنة” حيث يقول: “لم يركز أبدا على مغريات المجتمع الاستهلاكي الغربي البراقة، بل بقي مصرا على البحث عن الهوية والجنسية والانتماء والإستقرار الحياتي”، وأيضا الفيلم الفلسطيني “إستعادة” ووجه نقدا لإسم الفيلم وليس لمحتواه، كما اشار لممثلين من أصول عربية أيضا في أفلام غير عربية.
وفي نفس الوقت تكرر نقده للنقاد السينمائيين العرب بقوله كمثال: “لماذا لا يطيق معظم النقاد العرب التعمق بسرد تفاصيل قصة الحبكة، ببساطة لأنهم لا يريدون أن يتعبوا أنفسهم ويتعمقوا بالتفاصيل المرهقة”، وقال أيضا: “لقد كثرت مؤخرا ظاهرة النقاد العرب الشباب السطحيين على منصة اليوتيوب الشهيرة في تقليد مفبرك وسطحي لظاهرة النقاد الغربيين المتعمقين، كما تكرر في أكثر من موقع بالكتاب نقده للمخرجين العرب ويرى أن: “نقطة ضعف المخرجين العرب الذين لا يعرفون أين يتوقفون”، ويستثني نفسه من بين النقاد بالقول مادحا ذاته: “ربما كنت من النقاد القلة الذي يتطرق لعمق أسرار القصص السينمائية بتوازن فريد ممتع ومشوق ولماح”!! ومدح الذات مسألة مرفوضة وغير مقبولة.
المنشورات “فيسبوكيات، مقالات، ملخصات كتب” لا تقع في إطار تناولي لها نقديا، فما أطلق عليها “فيسبوكيات” فهي وجهات نظر مختصرة أو أخبار أو فقرات اهتم الكاتب بنشرها على صفحته ومنها تكريمه من عدة جهات لكتبه ومقالاته وتعليقات على ما كتبه من بعض القراء، والغريب أن الكاتب اضاف قصيدة شعر للشاعر موسى حوامدة على اربع صفحات من الكتاب، وأعاد نشر فقرات معينة أكثر من مرة في الكتاب، وأما المقالات المتنوعة بقلم الكاتب فهي وجهات نظر يعبر عنها الكاتب بالعديد من المسائل، وتبقى مقالات تخصه ووجهات نظره، باستثناء مقالاته في النقد السينمائي فهي التي تكمل فكرة الكتاب وجماليته، وإن لفت نظري بعضها من مقالات نقد أدبي كنقده لرواية حرب الكلب الثانية للشاعر والروائي ابراهيم نصر الله وأيضا نقده لرواية النبطي ليوسف زيدان، وأما ملخصات الكتب والتي اعتمد فيها أسلوب أخذ فقرات وعبارات بدون اي تدخل منه لتعطي فكرة عن الكتاب بدون وجهة نظر نقدية أو تحليلية أو تأثرية، وهذا الأسلوب جيد وجميل ويمنح القارئ فكرة جيدة عن الرواية وتجعل القراء النهمين يبحثون عن الكتاب لقرائته، ويروي ظمأ محترفي الملخصات والوجبات الثقافية السريعة، وإن كان قد ندم على تلخيص كتب لكُتاب عرب لأن غالبية من كتب عن كتبهم لم يعيروا جهده الاهتمام الا القلة منهم فيقول: “لذا لن أكرر ذلك لرواية انسان عربي الا نادرا”، والسؤال هنا هل تفاعل الكُتاب غير العرب بما كتب ولخص عن كتبهم؟ ولذا أختلف مع الكاتب بردة فعله فنحن النقاد أو الكُتاب المفترض أننا نتعامل مع الكتاب وليس المؤلف، وشخصيا وبمجموعة من كتبي النقدية في الأدب أو الفن التشكيلي ومئات المقالات وجدت تفاعلا من البعض وعدم اهتمام من البعض، ولكن ذلك لم يزعجني ابدا فأنا اتعامل مع الكتب أو اللوحات وليس مع أصحابها.
بغض النظر عن تعريف الكاتب لكتابه بأنه كشكول من غير ترتيب ولا تبويب، لكن فقدان الفهرس يتعب القارئ والباحث في العودة لأية مادة في هذا الكتاب الضخم الحجم، وهذا ما واجهته حين اردت العودة لبعض الأفلام، وإن كنت أعتقد أن التبويب كان ضرورياً أيضا وهذا ما قمت به في عدة كتب نقدية، فحرصت على وجود الفهرس للتسهيل على القارئ والناقد، وحرصت على التبويب أيضا، ورغم أن الكاتب وفي صفحات 264-267 وضع عنوان “مكونات الكتاب المتسلسلة” إلا انه لم يضع أرقام الصفحات من جهة، وسقطت بعض العناوين من جهة أخرى وأضيفت عناوين لمواد غير موجودة بالكتاب، وأيضا كان هناك العديد من الأخطاء المطبعية وهي مقارنة بحجم الكتاب تعتبر قليلة ولكن يجب الانتباه لها، وعدم وجود التبويب متعب للقارئ ويدخله في تداخل المقالات بين نقدية سينمائية ومقالات أخرى خارج هذا الموضوع، إضافة أني وجدت أن بعض المواد التي وضعها بالكتاب مثل مقالات للغير أو قصائد ولا تخص الكاتب كانت حشوا غير مبرر في الكتاب.
وفي النهاية لا أنكر أني تمتعت كثيرا بقراءة الكتاب وأقدر الجهد الكبير المبذول فيه، وإن كان يمكن إضافة جهد آخر لترتيب وفهرسة وتبويب الكتاب، حتى يكون فعلا مرجعية للباحثين والمهتمين وخاصة في مجال السينما.
“عمَّان 4/10/2023”