الخميس, ديسمبر 26, 2024
Homeمقالاتقراءة نقدية للناقدة نافلة مرزوق العامر في قصيدة معشوقتي العربية : عبدالناصر...

قراءة نقدية للناقدة نافلة مرزوق العامر في قصيدة معشوقتي العربية : عبدالناصر عليوي العبيدي

إنصاتٌ لرنّة الأجراس
ونفثات جمان الكلم
ومعاني الألماسِ.
قراءتي:
نافلة مرزوق العامر
لقصيدة
الشّاعر القدير:
عبد النّاصر عليوي:
“معشوقتي العربية ”
“Language is power,life and the instrument of culture,the instrument of domination and liberation”AngelaCarter.
ترجمة:”اللّغة قوّة،حياة ووسيلة ثقافيّة،وأداة هيمنة وتحرير”
أنجيلا كارتر.
القصيدة:”معشوقتي العربيّة”———————
لم تحظ لغة بمكانة عاطفيّة في قلوب متكلّميها كلغة الضّاد ، منهم من جعلها معشوقته كشاعرنا هنا،ومنهم من جعلها قهوته كنزارومنهم من جعلها خمرته كأبي النّواس وهنا يطلب من القارئ مراجعة أشعارهم. ولاحقا سنقف عند تأثيرها النّفسي في حاملها وكيف رصفه بأجمل صياغة وأطرب جرس شاعرنا القدير.
لماذا إنصات؟
برع شاعرنا في غزل قارب العبادة للغة الضّاد،فجاءت بوحته قلادة شعريّة متلألئة على صدر الإبداع الوجداني الرّاقي جمعت ثنائيّة آسرة من بريق الألحان العذبة وزبرجد البساط اللّفظي السّاحر فكانت من أجمل ما طربت له في الشّعر عن اللّغة ،لغتي العربيّة.
شاء شاعرنا أن يجعل من العربيّة عروس أحلامه ومعشوقته فكانت عنده كائنا حيّا يتنفّسه في حرفه، ويتّحد روحانيّا فيه فلا تفرقة بينهما هو صار صوتها وهي صوته ،ليحيا القصيد بروحين روح الشّاعر وروح اللّغة ،وليختال القصيد بوحدة وجوديّة تجدّدت فيها روح الشّعر كيف لا وقد امتلأ القصيد من أنفاس الشّاعر وأنفاس الحرف مرفودين بفرات جداول الماضي التّليد ،يجريان في بعد الزّمن قدما نحو سماوات الشّعر المجيد.استنطق عبق الماضي فزخمت معانيه وتضاعفت طاقاته ،فلا يخفى عن القارى الحاذق أنّ “اللّغة قوّة “كما ذكرنا أعلاه”على لسان الشّاعرة الكبيرة أنجيلا كارتر ،والقوّة حركة والحركة سيطرة،وإذا عدنا للقافية فهي سينيّة ،وحسب اعتقادي لقداختارها شاعرنا ليكون للسّين وهو حرف التّنفيس وقع محبّب على الحسّ خاصّة في الشّعر.
هذا ،وبنظرتي الخاصّة عدا عن كونه أي حرف السّين ختام كلمة “الشّمس “،ويا لوهج الشّمس !! كم ينير وكم يدفَئ!!للشّمس بعد معنويّ مشحون بمعاني عميقة تهدف إلى ترسيخ أهميّة اللّغة في ذهن القارئ.
سينٌ سلس رنّان فهو
حرف مهموس من حروف الصّفير
رخم يتّصف كما قالوا بالهمس وهو من الوسوسة ،والوسوسة من وسواس وهو صوت الحلي ،وسنأتي لاحقا على ذكر الوسواس في القصيدة كما نزل معناه في القرآن وهو الشّيطان .
لقد أوردنا أعلاه مقولة تتحدّث عن صفات اللّغة عامّة ،فهي قوّة ونفوذ،حياة،أداة ثقافيّة هيمنة وتحرير،وسوف نورد تجلّي هذه المفاهيم في القصيدة وكيف طبّقها شاعرنا المتمكّن من أدواته شعرا بالبرهان والتّعبير.
قبل الشّروع في ذلك ، أودّ التّوضيح هنا بأنّ القصيدة مركبّة مبنويا ومعنويا بما يأتي:
الجزء الأوّل من البيت الأوّل حتّى السادس يتمحور الحديث عن روحانيّة اللّغة أو اللّغة كاداة منها نستمد الحياة.
الجزء الثّاني من البيت السّابع حتّى الحادي عشر ويتمحور حول اللّغة كإداة هيمنة نظرا لدورها التّاريخي والثقافي،بل وكأداة تحرير كونها منبرا لنشر رايات الفكر ومبادئه.
الجزء الثالث يتمحور حول نفوذها الدّيني في القلوب والفكر،
والجزء الأخير وهو بيت عظيم (وهو خير ما فعله شاعرنا في رسالته )يتمحور حول الدّعوة لاحتضان الضّاد بقوّة ومحبّة لعظمة جوهرها وقيمتها دون سائر اللّغات.
هيا نقرأهم معا:
لغةٌ إِذَا تُــتْلَىٰ عــلى الــجُلّاسِ
تَــشْفي الــعليلَ بــلحظةٍ كالآسي

هـي رُقــيةٌ للمشـتكـينَ تـلـعثمـاً
وتميمــةٌ كُتِـَبتْ على القِـرْطاسِ

تسمو بها الأرواحُ عِند سَمَاعها
فـتزولُ عنها لـَوثَـةُ الـوسـواسِ

وكــأنَّ في نُطقِِِ الحروفِ طلاوةً
كالطّيبِ إنْ خَرَجَتْ مع الأنفاسِ

فهي الــفريدةُ في المحاسنِِِ كلِّها
بــجمالِها سَـحَرَتْ قــلوبَ النّاسِ
لابدّ هنا من إيراد ما قالوا :
إنّ الذي ملأ اللّغات محاسنا
جعل الجمال وسرّه في الضّاد
ومرّة أخرى نرجع لرنّة السّين فهو حرف التّنفيس الرّقيق فشتّان ما بين تنفيس شعاريّ وتنفيس عن غضب،وأكثر فقد جاءت السّين في الإقتباس في موقع المحاسن والأسرار وعند شاعرنا في السّحر وكم هو جميل
-هذا التّوحيد للسّحر والسّر والحسن!!نعم هذا هو التّشويق والتّرغيب في البحث عن السّر.
قــد أبــهرتْ أهلَ البلاغةِ والنُّهَى
بــطــرائـفٍ ونـــوادرٍ ونِــفــاسِ

فـإذْا سـمعتَ لـوَقْعِـها ولـرَجْعِـها
نــالــتْ مــن الآذانِ والإحــساسِ

جليّ واضح تركيز شاعرنا إعلاه على روحانيّة اللّغة ،وكونها تدبّ في الحسّ نبض الحياة،فهي الأداة السّامية التي بها تحلّق و”تسمو الأرواح”هي راح الحسّ ومثمله .
بها يزول لون الشّيطان أو كما أسماه شاعرنا”لوثة الوسواس”
كيف يزول؟ من تعبئة الرّوح وشحنها ومدّها “بطلاوة” وعذوبة ألفاظها عند نطقها وسماع جرسها،جرسّ ينبّه الوسواس ومن الوسواس،تماما كما ينبّه الآذان في الفجر قلوب النّاس،ويا للعروة الوثقى ما بين الضّاد القرآن والإيمان،ما لا يوجد في سائر الثّقافات والأديان.
لغتنا بجمال محاسنها سحرتالنّاس كما قال شاعرنا
بسحر طيّب يزيل سحرا خبيثا،أكلّ هذا ولا يزول الوسواس؟
حقّا صدق شاعرنا حين قال أنّ نوادر وطرائف لغتنا النّفيسة تبهر “أهل البلاغة” وأهل البيان،ألم يقل الرّسول عليه السّلام :”إنّ من البيان لسحرا”؟
وكم حريّ بنا التّنويه هنا إلى كون العربيّة لغة مختارة للقرآن كاملة الجمال شكلا وجوهرا ،وهي سمة من سمات الإعجاز القرآني ،ومن جهة أخرى الإقرار بأنّه لم يسبق أن تطرّق نبيّ لجمال وسحر لغته قبل الأمين محمّد !
وهذا يشهد على قوّة وسموّ الضّاد،بل وقدسيّتها وكرامتها.
ينتقل شاعرنا فيشعرنا بلسان مبين ورنين مسكر عن قوّة لغتنا كأداة تاريخيّة وأدبيّة ،تصنع وتخمّر وتورث وتورّث الفكر للأجيال.
أداة ثقافيّة!طبعا،ومن بشعر إبي نوّاس وعنترة والمتنبّي ؟تاريخيّة
نعم فمن حفظهم من خلّدهم سوى دنانها السّخيّة البيّة العنقاء!
فها هو يقول:
يمنيّة بــنتُ الــملوكِ تَــرَعْرَتْ
كــأميرةٍ فــي حــجرِ ذي نــوَّاسِ

حــطَّ الــمطافُ بــها بِبُرقَةِ ثَـهمَدِ
فــغـدتْ لــكلِّ الــعُرْبِ كالنّبـراسِ

فــتهافتَ الــشّعراءُ نحو حياضِها
كــتبوا الــقصيدَ بــقدِّها الــميَّاسِ

واسـتعرضَ الفرسانُ كلَّ فنونِهم
مــن قــدرةٍ و بـطولةٍ و مِــرَاسِ

فتَــسَلَّقَ الــضّليلُ خِــدرَ عُــنيزةٍ
ومــهلهلٌ يــغزو عــلى جــسّاسِ

تنضح قصيدتنا بأخبار الماضي الجميل
وتجدّد فينا بحرف منزاح نحو الإعجاب وصدق النّقل والإنبهار
ما كان منها خالدا للأجيال تذكره بلذّة واعتبار.
وكم على أخبار عنترة سهرت عيون وابتهجت قلوب.
هيمنة اللّغة وسيطرتها أتت من دين نشرها
ونشرته فهي تتمتّع بنفوذ وتأثير
ديني لا يستهان به كيف لا:
وبها الــشرائعُ أُكمِلَتْ وتَكَمَّلَتْ
فـي مُـحْكَمِ التنـزيـلِ كالقِسـطاسِ

وبها المآذنُ خاطبتْ سمْعَ الورى
وبسحرِها استغْنتْ عن الأجراس
انظروا جمال المقارنة بين لغة الآذان ولغة الأجراس ،وهذ مشروع وجائز ما دام في دائرة التّسامح الدّيني والتّعصب للحقيقة،فلا أرى أصدق قولا من كون الكلمة الحيّة الخاشعة في محراب الصّلاة أكثر قوّة جمالا وقيمة لإيقاظ النّفوس من رنّة جرسٍ ميّت جامد،وكم بالحريّ لو كانت كلمة القرآن وتحيّة الفلاح!

كــالأمِّ تَـحفظُـنا وتــجمعُ شَــمْلَنا
مِــنْ نـينوى حــتى رُبَـى مَكْناسِ
تحرير هي وظيفة اللّغة فشاعرنا يشبّهها “بالأمّ”
مصدر الحياة نبع العطاء وطن النّماء ومنها نتحرّر للحياة والبقاء.
ليتنا نصغي لها ونشنّف إحساسنا ونسرّي عن نفوسنا حين نقرأ هذه الخاتمة الأخلاقيّة الوطنيّة والأدبيّة:

أســفي عـلى من يستسيغُ رَطَانةً
يــســتبدلُ الصـلصـال بالألـماسِ
يرفع شاعرنا شعار الأسف على ما لحق لغتنا من إهمال ونسيان وتقهقر،وهو ما نتج عن “من استساغ الرّطانة “أو ركاكة اللّغة فإضعافها،
وهنا أقول ،كان من الأفضل أن يستعمل شاعرنا فعلا غير “استساغ”نظرا لأبعاده الإيجابيّة في التّذوّق اللّفظي،مثلا لو استبدله بفعل “قبل” ومرادفاته ،فللشّعر قيمة تستوجب التّدقيق في المعنى قبل المغنى.
دعوة شاعرنا مجيدة في رفع شعار المجد للغة الألماس حتى إشعار آخر وفناء النّاس.
وهل الصّلصال رمز الموت والغرق في وحل الكدر
كالماس رمز الجمال والصفاء والجوهر المتلألئ ببريق
الحياة.
تُرفع القبّعات تقديرا لما صاغ شاعرنا من وصف وحبّ ولحنّ دفق في جداول الشّعر الإصيل
عن لغة ستبقى تشرق
ما أطلّ أصيل!.

RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular