للمرة الثانية يحاول فريق داخل الاطار التنسيقي اقصاء رئيس الحكومة محمد السوداني من خوض الانتخابات. ويدفع هذا الفريق الى تعديل “مفاجئ” بقانون الانتخابات التشريعية التي يفترض ان يجري العام المقبل، بحيث يجعل تنافس السوداني شبه مستحيل.
وشرع البرلمان وعدل 10 قوانين خاصة بالانتخابات مقابل 9 اقتراعات جرت بعد 2005 بين تشريعية ومحلية. والعام الماضي، عدل البرلمان اخر قانون للانتخابات باصرار من “الاطار” بالغاء الدوائر المتعددة الى طريقة “سانت ليغو”.
ونجح التحالف الشيعي مع “سانت ليغو” في جمع نحو نصف مقاعد الانتخابات المحلية التي جرت العام الماضي، رغم ان بعض المحافظات خرجت من تحت يده. يقول عدي عواد القيادي في عصائب اهل الحق، ان هناك نقاش داخل الاطار التنسيقي حول مطالب باعادة الدوائر المتعددة، وتقييد المسؤولين التنفيذيين في الانتخابات المقبلة. ويبدو ان العصائب تشير هنا، رغم انها بحسب المعلومات ليست من الداعمين لفكرة منع ولاية ثانية لرئيس الحكومة، الى محافظ البصرة اسعد العيداني.العيداني شكل في الاشهر الماضية، ازمة بالنسبة للعصائب وكان قد تسبب في انهيار اتفاق سابق داخل التحالف الشيعي على عدم التجديد لأي محافظ سابق. ووفق المعلومات المتاحة فان أغراض “الاطار” في تعديل قانون الانتخابات، يتفق ويتقاطع في الوقت نفسه مع أطراف ثانية.
لماذا في هذا التوقيت؟!
حتى وقت قريب لم يكن التحالف الشيعي يفكر في الانتخابات التشريعية. رئيس الحكومة نفذ وعده بإجراء انتخابات محلية، لكنه سكت عن التشريعية. سكوت رئيس الحكومة كان بسبب عدم رغبة “الاطار” باجراء انتخابات مبكرة كما جاء في البرنامج الوزاري. قال السوداني أكثر من مرة، بان اجراء انتخابات مبكرة أمر يعود الى القوى السياسية، وبأن حكومته جاهزة اذا قرر البرلمان حل نفسه. وفي قانون الانتخابات المحلية الذي مرره “الاطار” في اذار 2023 على خلاف رغبة الصدر، تراجع فيه عن كونه قانون محلي وتشريعي في ذات الوقت، كما كان في المسودات الاولى للمشروع. اذا كل المعطيات تقول بان الاطار التنسيقي لم يكن مستعداُ او في نيته نقاش الانتخابات التشريعية، فما الذي دفعه الان لمحاولة تعديل قانون الانتخابات؟
تقول المعلومات القريبة من نقاشات أحزاب “الاطار” إن اكثر المتحمسين لهذه الفكرة هو نوري المالكي، زعيم دولة القانون.
المالكي كان حتى وقت قريب، بعد اختيار الاطار التنسيقي للسوداني، يتوقع ان يكتشف التحالف الشيعي الخطأ الذي وقع فيه ويعود ليطلب منه ان يرأس الحكومة.
وكانت ضغوط شعبية ودولية قد افضت الى اتفاق داخل التحالف الشيعي في 2022 بابعاد “شيوخ الاحزاب” امثال المالكي والعامري والعبادي، واختيار شخصية من الخط الثاني.
تعامل ائتلاف دولة القانون مع الامر بعد ذلك، رغم وجود تاريخ غير مريح بين المالكي والسوداني، بسبب انشقاق الاخير عن “الدعوة” في 2019. ويقول قيادي كبير في حزب الدعوة لـ(المدى) طلب عدم ذكر اسمه ان “السوداني كان يحلم بهذا المنصب، وجاء بالصدفة”. وتداول في الأوساط السياسية انذاك، ان قيس الخزعلي (العصائب) هو من رشح السوداني واصر على منحه رئاسة الحكومة رغم معارضة المالكي. جاءت موازنة 2023 الثلاثية وما تبعتها من ازمات، ليقفز المالكي وبعض القوى المتخوفة من السوداني وتعقد صفقة، اعلن حزب الفراتين، التابع للسوداني، بعد ذلك بعض خيوطها. الصفقة كانت تفرض تصويت “الاطار” للموازنة الثلاثية التي تنفذ لاول مرة بعد 2003، مقابل ان يمتنع حزب السوداني عن خوض الانتخابات المحلية. وبرر الامر انذاك، بحسب تلميحات من نواب دولة القانون، بأن بعض القوى السياسية تخشى ان يستخدم المال الهائل بالموازنة الذي بلغ نحو 200 تريليون دينار، في الدعاية الانتخابية للسوداني.
وفي آب العام الماضي، قبل نحو 3 اشهر من الانتخابات، أعلن تيار الفراتين التابع للسوداني، عدم خوض الانتخابات لا علانية ولا في “الظل”. واعتبر الحزب في بيان حينها انه اختار خلال هذه المرحلة أن “يتفرغ للعمل الجماهيري النوعي، ويركز جهوده على دعم المسارات الإصلاحية والتصحيحية والأولويات الخدمية التي اختطها البرنامج الحكومي”.
طفرة شيعية
نفذ السوداني وعده ولم يشترك حزبه، وتحول رئيس القائمة المفترضة النائب محمد الصيهود، ابن عم رئيس الحكومة، الى قائمة اخرى (أجيال) والتي جمعت بالانتخابات المحلية مقعدين فقط. يقول محمد الدراجي، وهو مستشار للسوداني، في لقاء تلفزيوني: “اطراف في الاطار تخشى نجاح رئيس الحكومة.. اختياره كان طفرة واجبروا على منحه رئاسة الوزراء”.
والتعديل الجديد الذي قد يحدث على قانون الانتخابات لم يظهر الا بعد ان بدأت تقارير غربية واستطلاعات رأي تتحدث عن صعود شعبية السوداني، وأن أكثر من 60% من العراقيين يؤيدونه. وربما يجد قيادي في تيار الحكمة (عمار الحكيم) طلب عدم نشر اسمه، مبالغات في هذا الاستطلاعات خلال حديثه لـ(المدى)، لكنه يقول إن “السوداني يقوم منذ اكثر من عام بتوسيع مكاتب تياره في المحافظات مستغلا نجاحاته”.
ويخشى “الاطار” منافس جديد في الانتخابات، حيث واجهت الأحزاب الشيعية تلك المشكلة في انتخابات 2018، حين عرقل حيدر العبادي رئيس الحكومة انذاك بسبب فوزه بالانتخابات تشكيل حكومة عادل عبد المهدي.
واستطاع جزء من تلك الاحزاب، التي تشكل اليوم الاطار التنسيقي، ان تخرج من الازمة بعد ان انشقت عن العبادي وشكلت مايسمى (كتلة البناء) مع الصدر وقتذاك حكومة جديدة.
وكان من المفارقات ان اسعد العيداني، محافظ البصرة، احد المنشقين عن العبادي، الذي يواجه اليوم من اصدقاء الامس، محاولات لابعاده عن المحافظة وعن الانتخابات المقبلة بوضع شرط ان يستقبل المسؤول التنفيذي (واصحاب الدرجات الخاصة) قبل 6 اشهر قبل الانتخابات في حال رغب بالترشح.
ويعتقد فريق داخل “الاطار” بان العيداني، او محمد المياحي محافظ واسط لولاية ثانية، فازا بالانتخابات المحلية بدعم من اتباع الصدر، الذين قاطعوا الانتخابات التي جرت على طريقة “سانت ليغو”، كنا يتهمون الاول بشراء الاصوات من المال العام. وقد يفسر ما حدث في البصرة واسط، رغبة اطراف في “الاطار” العودة الى نظام الدوائر المتعددة بعدما استطاع الصدريون التسلل الى النظام الجديد وكسب تأييد محافظتين. ويقول عامر عبدالجبار، النائب المستقل، في تغريدة على منصة إكس، بان الاطار عاد يفكر بالدوائر المتعددة لانه يخشى “3 محافظين” و عودة “التيار الصدري الى العمل السياسي”.
بغداد/ تميم الحسن