“لا يجوز، في الدول التي توجد فيها أقليات اثنية أو دينية أو لغوية، أن يُحرم الأشخاص المنتسبون إلى الأقليات المذكورة من حق التمتع بثقافتهم الخاصة أو المجاهرة بدينهم وإقامة شعائره أو استخدام لغتهم، بالاشتراك مع الأعضاء الآخرين في جماعتهم”، هذا ما تنص عليه المادة رقم 27 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. ومن هنا، تبدو اللغات التي تتحدث بها الأقليات العرقية ، أساساً لحريتها وخصوصيتها. فما هي أبرز اللغات التي تتحدث بها الأقليات في الدول العربية؟
الآرامية
تعتبر اللغة الآرامية واحدة من اللغات السامية القديمة. ظهرت ودونت في الألف الثاني قبل الميلاد، ولكنها أصبحت اللغة السائدة في سوريا ومساحات واسعة من العراق بدءاً من القرن الخامس قبل الميلاد. وفي تلك الفترات دونت بها بعض أسفار العهد القديم. تطورت الآرامية عبر القرون وتفرعت عنها العديد من اللغات الأخرى. على سبيل المثال تُعدّ اللغة السريانية من اللغات المشتقة من اللغة الآرامية، وهي اللغة الرسمية للمسيحيين العراقيين الحاليين، سواء كانوا من الأشوريين أو الكلدانيين. كذلك تُستخدم السريانية كلغة للتداول اليومي بين معتنقي الديانة المسيحية من أتباع الكنائس المسيحية السريانية في سوريا. لا يوجد إحصاء دقيق لعدد المتحدثين بالسريانية في العراق وسوريا. تذهب بعض الآراء إلى إن عدد الكلدان العراقيين يبلغ ما بين 300-350 ألف شخص.
تجدر الإشارة إلى أن هناك بعض المناطق في العراق التي لا يزال أهلها يتحدثون السريانية/ الآرامية كلغة قومية في المعاملات اليومية. على سبيل المثال، يتحدث سكان بلدة بغديدا/ قره قوش -الواقعة في محافظة نينوى شمالي العراق- إحدى اللهجات المتفرعة من اللغة الآرامية القديمة. تُعرف تلك اللهجة بالآرامية السريانية السوادية (السورث). بحسب دراسة للأب بهنام سوني بعنوان “قومية ولغة سكان بغديدا”. تُعدّ تلك اللهجة مشتركة بين السريان الشرقيين والسريان الغربيين. وهي أقرب لهجة إلى الآرامية التي تكلم بها السيد المسيح، بحسب ما يذكر سوني في دراسته.
كذلك تُعد اللغة المندائية واحدة من اللغات التي تتحدث بها الأقلية المندائية داخل العراق. ترجع أصول المندائية إلى اللغة الآرامية القديمة. وكانت منتشرة بشكل كبير في جنوبي العراق قبل الفتح العربي الإسلامي في القرن السابع الميلادي. مع انتشار اللغة العربية في تلك النواحي، تراجعت مكانة اللغة المندائية واقتصر استعمالها داخل دوائر الصابئة المندائيين الذين يعيشون حالياً في مدن بغداد، وميسان، والناصرية، والديوانية. لا توجد تقديرات دقيقة لأعداد المندائيين في العراق، ومن المؤكد أن أعدادهم تراجعت بشكل كبير في السنوات السابقة. دوّن المندائيون كتبهم المقدسة باللغة المندائية، كما استخدموها في صلواتهم وأدعيتهم وشعائرهم الدينية. من جهة أخرى، استخدم عامة المندائيين في حياتهم اليومية “الرطنة” وهي إحدى اللهجات المشتقة من اللغة المندائية.
الكردية
يعيش الأكراد في جنوب شرقي تركيا، وشمال شرقي سوريا، وشمالي العراق، وشمال غربي إيران، وجنوب غربي أرمينيا. ويُعدّ العنصر الكردي أحد المكونات الرئيسة في التركيبة السكانية العراقية. حيث يمثل الأكراد حوالي 15- 20 في المئة من السكان العراقيين. يتكلم أكراد العراق، الذين يعيشون في إقليم يتمتع بحكم ذاتي، اللغة الكردية، وهي إحدى اللغات المتفرعة عن مجموعة اللغات الهندو أوروبية، المنتشرة في مناطق غرب وجنوب أوراسيا. في سنة 2004م، أقرت المادة الرابعة من الدستور العراقي الجديد بأن الكردية هي إحدى اللغات الرسمية في البلاد إلى جانب اللغة العربية. وتوجد العديد من المحطات الفضائية العراقية التي تبث برامجها باللغة الكردية.
تنتشر العديد من اللهجات الكردية بين أكراد العراق. على سبيل المثال يتحدث الشبك في الموصل وأربيل والسليمانية باللهجة الكردية الباجلانية، وهي إحدى فروع الكورانية، ويتحدث البعض الآخر لهجة قريبة من الهورامية. وتدخل جميع تلك اللهجات ضمن اللغة الكردية. أما الأكراد الفيلييون والإيزيديون فيتحدثون اللهجة الكردية اللورية أو ما يسمى أحياناً باللهجة الكورمانجية الجنوبية.
التركمانية
يُعدّ التركمان ثالث أكبر الجماعات العرقية في العراق بعد كل من العرب والأكراد، ويوجد اختلاف كبير في تقدير أعدادهم. يذهب كثيرون إلى أن عددهم يتراوح بين مليونين إلى 2.5 مليون نسمة. ويتوزعون في المناطق الشمالية والوسطى من العراق، حيث ينتشرون في محافظات نينوى وأربيل وكركوك وديالى وصلاح الدين وفي بعض أحياء العاصمة بغداد. وكذلك يستقرون في عديد من الأقضية، منها طوز خورماتو، وتلعفر، وامرلي، وداقوق، وخانقين، وبدرة، وسنجار، وفي قرية جلولاء، والسعدية، وكفري، وسليمان بيك، وينكجة، وحمرين، والتون كوبري، وتازة خورماتو، وبشير.
يتحدث أغلب التركمان في العراق اللغة التركمانية وهي إحدى اللغات التركية، المتفرعة عن مجموعة اللغات الألطية، وهي مجموعة لغوية كبرى تشتمل على كل من اللغات التركية، والمنغولية، والمنشورية وذلك بحسب ما ورد في المجلد الثالث من “الموسوعة العربية”. كُتبت التركمانية في القرون السابقة بالحروف العربية قبل أن تُستبدل بالحروف اللاتينية في أواسط القرن العشرين. واشتهر من تركمان العراق العديد من الشعراء الذين دونوا أشعارهم وكتابتهم باللغة التركمانية، ومن أبرزهم كل من عماد الدين نسيمي (1370- 1417م)، وفضولي البغدادي (1494-1556م). من جهة أخرى، تُعد اللغة التركمانية حلقة الوصل الأهم بين تركمان العراق والتركمان الذين يعيشون في كل من تركيا وأسيا الوسطى وأذربيجان. تجدر الإشارة إلى أن هناك عدداً من القنوات الفضائية العراقية التي تبث برامجها باللغة التركمانية، ومنها على سبيل المثال تلفزيون “توركمن ايلي”.
الأديغية
بين سنتي 1763 و1864م، خاض الشركس حربهم الطويلة ضد جيوش روسيا القيصرية. انتهت الحرب بهزيمة الشركس، وتم تهجير ما يقرب من 1.5 مليون شركسي إلى مناطق سيطرة الدولة العثمانية. في طريقهم إلى وطنهم الجديد، غرق الكثير من الشركس في البحر، كما تعرض بعضهم لحملات النهب والسلب على يد البدو والأكراد. بعد رحلة طويلة، وصل الشركس المُهجّرون إلى تركيا، كما استقر قسم منهم في بعض الدول العربية. وتحديداً في كل من العراق، وسوريا، والأردن، وفلسطين، ومصر، وليبيا.
يتكلم الشركس الموجودون في تلك الدول اللغة العربية في حياتهم اليومية. غير أن الكثير منهم يتكلم أيضاً اللغة الأديغية بوصفها لغة الأجداد التي يجب الحفاظ عليها. تُعدّ هذه اللغة واحدة من اللغات التي تنتمي إلى عائلة اللغات الشركسية المعروفة في منطقة القفقاس/ القوقاز. وتُـكتب بالأبجدية السيريلية الروسية. أقام شركس الدول العربية العديد من الهيئات والمؤسسات التي تهتم بتدريس اللغة الأديغية. من ضمن تلك المؤسسات “الجمعية الخيرية الشركسية في الأردن” والتي تأسست في سنة 1932م، و”الجمعية الخيرية الشركسية” في سوريا” التي تأسست في سنة 1948م.
القبطية
ظهرت اللغة القبطية المصرية في القرن الثالث الميلادي. اعتمدت تلك اللغة على الأبجدية اليونانية مع إضافة سبعة رموز من الكتابة المصرية القديمة. بعد الفتح الإسلامي لمصر في القرن السابع الميلادي، استطاعت اللغة القبطية الحفاظ على تواجدها لقرون عدة. غير أنها فقدت مكانتها لصالح اللغة العربية بعد أن تحولت الأغلبية الغالبة من المصريين إلى الإسلام.
رغم ذلك، بقيت اللغة القبطية مستخدمة داخل الأوساط المسيحية. يذكر الباحث المصري روبير الفارس في كتابه “من الفلكلور السياسي للأقباط” أن الكثير من الأقباط حافظوا على استخدام اللغة القبطية في تعاملاتهم اليومية حتى القرن السادس عشر الميلادي، ورغم إهمال تلك اللغة في عصرنا الحاضر، فقد بقيت ما يقرب من 3000 كلمة قبطية مستخدمة على نحو واسع في العامية المصرية حتى اللحظة.
حالياً، تُستخدم اللغة القبطية بطرق متعددة عند المسيحيين المصريين الذين يزيد عددهم عن عشرة ملايين نسمة. تُؤدى الطقوس والصلوات باللغة القبطية داخل كنائس الأقباط الأرثوذكس. ويتم تدريس تلك اللغة في مدارس الأحد لحفظها من الاندثار. من جهة أخرى، لا تزال بعض القرى المسيحية في صعيد مصر تستخدم تلك اللغة في حياتها اليومية.
النوبية
يتحدث النوبيون في جنوب مصر باللغة النوبية. وهي إحدى اللغات التي تنتمي إلى عائلة اللغات الأفريقية الآسيوية. ظهرت تلك اللغة في القرن الثالث قبل الميلاد، وتنقسم إلى عدد من الفروع واللهجات ومنها كل من الكنزية، والدنقلاوية، والفادجية، والمحسية. ولا تعرف النوبية أبجدية واحدة لتدوينها، إذ توجد طرق متعددة لكتابتها. اعتماداً على قلة أعداد المتحدثين بها، وصعوبة تدوينها. اُستخدمت اللغة النوبية كـ”شيفرة” سرية لمراسلات الجيش المصري قُبيل اندلاع حرب أكتوبر 1973م. من الجدير بالذكر أنه لا توجد تقديرات دقيقة لأعداد النوبيين في مصر، وأغلب الظن أن عددهم لا يتجاوز 4 مليون نسمة.
الأمازيغية
تُعدّ اللغة الأمازيغية إحدى فروع أسرة اللغات الأفروآسيوية. ويُطلق اسم الأمازيغ على السكان الأصليين لشمال إفريقيا قُبيل التوسعات العربية الإسلامية في القرن السابع الميلادي. ومعنى هذا الاسم “الرجل الحر” أو “الرجل النبيل”. تعيش الأقلية الأمازيغية في كل من المغرب والجزائر وتونس وليبيا وموريتانيا بالإضافة إلى الجزء الغربي من مصر. ويصل عددهم إلى ما يزيد عن الثلاثين مليون نسمة. فيما تُعدّ اللغة الأمازيغية لغة رسمية في كل من المغرب والجزائر. تُكتب اللغة الأمازيغية بأشكال مختلفة. وتعتمد أشهر طرق تدويننها على الأبجدية المعروف بأبجدية “تفيناغ”. كما تُكتب أحياناً بالحرف العربي أو الحرف اللاتيني. من الجدير بالذكر أن هناك عدد من القنوات الفضائية المغاربية التي تبث برامجها باللغة الأمازيغية، ومنها كل من “القناة الرابعة الأمازيغية” الجزائرية، و”قناة تمازيغت” المغربية، و”قناة ابرارن” الليبية.
محمد يسري