الخميس, ديسمبر 26, 2024
Homeمقالاتأنا ولجنة التحديد والتحرير 9 :  د. محمود عباس

أنا ولجنة التحديد والتحرير 9 :  د. محمود عباس

كما نوهت في الحلقة السابقة، حسب قرار الاستيلاء الثالث خفض استحقاق الملاك نظرياً إلى 60 هكتارا؛ إلا أنه في الواقع العملي أقل من ذلك؛ علاوة على هذا، كان عين القرار يشمل ما بحوزة الفلاحين الكورد الذين تعود ملكيتهم إلى العرف العشائري المتبع في المجتمع الكوردي منذ قرون. ومن حسن الحظ لم يُنفذ ذلك القرار بسبب اندلاع الثورة السورية في العام 2011م.

هنا يستوقفنا سؤال: هل كان الشعب الكوردي برمته ينتظر يوم تلاشيه حيال ما كان يجري بحقه؟ من حيث الظاهر أنه وقف مكتوف الأيدي أمام ما يحصل له! لكن الحقيقة غير ذلك، لقد ناضل حراكه بكل ما أوتي من قوة؛ غير أن معرفته لم تكن كافية! بنظام بوليسي أولا، ومن ثم شمولي، فكل ما كان يفعله قام بما تقوم به الشعوب المحتلة من قبل المستعمر الغربي.

أنا كأحد الذين عايشوا تلك الفترة، أي فترة الاستيلاء على ملكيتنا في قرية نصران، بل وكنت الشخص الوحيد من العائلة المكلف بالتعاطي مع اللجنة، مقاصدها توضحت لي بعد حوارات مع الوالد، ومن حينها راجعت نفسي وعلى مدى سنوات؛ ممعنا في صراعنا القومي تحديدا، والمخططات الجارية إزاءنا ككورد، وأعدّت بالذاكرة إلى أيام الوحدة مع مصر عمّا كانت الناصرية تذيقنا من الآلام، وعن حريق سينما عامودا، وبناء القريتين على نهر دجلة وتَمْلِيْكِهُمَا لعرب الداخل، وأيضا إجبار سكان المنطقة على الذهاب بمواشيهم إلى جبل عبد العزيز، وكيف مات معظم مواشيهم؛ لأن الناصرية منعتهم من رعيها في مراعي قراهم، وبقيت محتجزة في حظائرها إلى أن مات أغلبهم من الجوع، عدا ما كان يقوم به حكمت ميني رئيس شعبة المكتب الثاني (المخابرات) آنذاك، وكيف كان يداهم المقاهي ويعتقل الناس بالجملة ثم يسوقهم إلى القسم (فرع)، فينتقي من بينهم الكورد فقط، ويطلق سراح البقية، ليقضي المنتقاة ما يصل إلى ثلاثة أيام وأكثر في قسمه الأمني يكيل إليهم ضربا مبرحا وشتما وإهانة.

ثم تمر أمام ذاكرتي شريط حقبة حكومة الانفصال، وكيف اعتبرتنا إسرائيل الثانية وخنجرا في خاصرة العروبة… ومن ثم ما قامت به تلك الحكومة في إجراء الإحصاء الاستثنائي لمنطقة الجزيرة، كي يخرج الكورد من دائرة المواطنة السورية؛ وذلك في العام 1962م وتطبيقه بعد أربعة أعوام من إجرائه من قبل البعث وما تلاه من الحزام العربي، وفيما بعد غيروا اسمه إلى مزارع الدولة، وكذلك لجان الإصلاح الزراعي. في الواقع لم نكن ندري حينها أن تلك المزارع ستُمَلِّكُهَا الدولة للمستقدمين من الرقة ودير الزور… كل ما كنا نتصوره أن توزعها على فلاحي عرب المنطقة!

كنا نعي أن الحزام العربي هو خطة لخلق حزام من العرب فاصل بين طرفي كوردستان المقسمة في هذا الجزء. ولم يهدأ الحراك الكوردي نفسا، ولم يرتح بالا، فكان يسعى جاهدا لرد الظلم الحاصل بحق الكورد. كما مر معنا لم تكن معرفتنا كافية لفهم طبيعة النظام القائم علينا، فأشفعت السلطة إصلاحها الزراعي! بالترويج لليسارية، وتحقيق العدالة الاجتماعية! مبيّنة إنصاف الفلاح من مستغِلِّه الإقطاعي!، ونحن ككورد سيمتنا الزراعة والرعي، ومع تفشي الأمية بين سكان القرى اتبعنا مثقفينا المبهرين بالأفكار اليسارية الداعية للعدالة الاجتماعية مع شيء من الحقوق القومية للشعوب المضطَهَدة! وبصريح العبارة كنا كمثقفين ناشئين مغمورين بتلك الأفكار، ولم نكن ندري أنه من صلب اليسارية أن تحقق الشعوب أولا حريتها، ومن ثم أن تقوم بتحقيق العدالة الاجتماعية. طبعا كل ما كنا نضطلع عليه من الأدب اليساري آنئذٍ كان يصب في العمل على تحقيق العدالة الاجتماعية بالدرجة الأولى، وهذا صحيح إذا كنا عربا، لكننا شعب غيري عربي ومحتل من قبل حكام عرب، وليس الشعب العربي، البريء من حكامه، كان علينا أن نحرر نفسنا أولا ومن ثم ننتقل إلى العدالة الاجتماعية، وهي مرحلة لاحقة، وأتذكر جيدا أننا كنا منغمسين في لج تلك المعمعة الاجتماعية أولا.

ما يؤسف له ضلّلَتنا تلك الأفكار السابقة لأوانها كورديا، وهذا ما حرم حراكنا الكوردي من مصادر مهمة كان بوسعه الاستفادة منها ليتقوى بها، ويكون على قدر المسؤولية لمواجهة المخططات المبيَّتة له من قبل السلطات المتعاقبة على الحكم في سوريا…

يتبع…

د. محمود عباس

الولايات المتحدة الأمريكية

mamokurda@gmail.com

12/2/2024م

 

RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular