قبل التوغل في شرح مفهوم الحرية وأختلاف مفهوم تطبيقها عند الشعوب علينا أولاً أن نعطي
التعريف العام للحرية .
هناك عدة تعريفات للحرية لكنها غير محصورة بجملة معيّنة أو تعريف بعينه؛ فهي الكلمة التي يستطيع
كلّ إنسان الشعور بها بالممارسة العملية في الحياة، وهي الفضاء الفسيح الذي يُمكن للإنسان التحرّك
من خلاله دون أن يشعر بنقصان، أو عيب، أو إهانة، ودون أن يخدش فضاء الآخرين، حيث يُقال(
تنتهي حريتُك عندما تبدأ حُرية الآخرين)،
وفي مفهوم أرسطو للحرية فيصف الحرية بأنها ما يختار الإنسان القيام به بناءً على توجيه العقل
والإرادة في آنٍ واحد، واعتبرأنّ الحرية شرطٌ أساسي لتحمل الإنسان المسؤولية في أفعاله وأخلاقه،
كما آمن بأهمية الحرية في بناء شخصية الإنسان، وفي حديثهِ عن الإنسان الحر، يرى أرسطو أن
وصف الإنسان بالحر يعتمد على إمكانيتهِ في اختيار أفعاله دون أي تأثيرٍ خارجي يُفرض عليه من أي
طرفٍ آخر، أما عن أشكال الحرية؛ فيعتبر أرسطو أنّ للحرية شكلان، وهما (أولاً) حرية الأفراد، والتي
يختارون فيها أسلوب حياتهم من تلقاء أنفسهم بعيدًا عن تأثير الدولة، و(ثانيًا) الحرية السياسية، والتي
يُسمح للمواطنين بناءً عليها أن يتولوا المناصب العامة، ويؤدون المهام التي تخدم مصلحة الدولة
والمجتمع من خلال تنفيذ القوانين.
سنركز في مقالنا هذا ، لماذا أُسيئ فهم الحريات عند الشعوب ومن هو السبب وراء انحدارها وتحللها؟.
مما لاشك فيه أن الإنسانية بعد حدوث التطور الفكري والعلمي الهائل. بدأت تبحث بالسعي لتطبيق
الحرية الشخصية والحريات العامة لشعوبها . وقد ظهر ذلك جلياً بعد الثورة الفرنسية (1789م –
1799م). التي أحدثت الطفرة الكبيرة في أوربا والعالم. حيث كانت ثورة عالمية انعكست نتائحها على
البشرية جمعاء، حيث ساهمت بصعود جمهوريات ديمقراطية ، وأصبحت نقطة محورية لتطوير
الآيديولوجيات السياسية الحديثة التي أدّت إلى الليبرالية والراديكالية والقومية والأشتراكية.
وأيضا بدأ واضحاً أن البشرية خلال القرن الأخير من التأريخ خطت خطوات كبيرة لترسيخ وتطبيق
مفهوم الحريات عبر سَن القوانين وتطبيقها . لتُنهي سيطرة الأقطاع وطبقة النبلاء( كما تسمى سابقاً )
على موارد وخيرات الدولة من خلال تقييد حريات الشعوب واستعبادهِم.
الا أن أكثر مايهمنا في هذ المقال هو أن الإنسانية سعت للخروج من بودقة التخلف والعبودية وسحق
لحقوق الإنسان . وفعلاً أستطاعت أوربا والغرب أن يجتازوا مرحلة العصورالمظلمة. وكما وضحنا .
فقبل حصول الحرب الفرنسية ،عانتْ أوربا والغرب سابقاً من الأقتتال وتسلط الطبقات الحاكمة
المستبدة على قوت الشعب، وأستغلال رجال الدين لمناصبهم ومشاركتهُم رجال الحكم في التسلط على
رقاب الشعوب وأستعباد الطبقات المسحوقة والتمييز العنصري والصراع بسبب المذهب والعرق
والسلطة والمال . كل هذه الأسباب دفعت الثورات لأحداث تغيرات حقيقية في تحقيق المساوات والعدالة
الأجتماعية والغاء التمييز على أساس الدين والعِرق واللون.
وبعد مرور حوالي أكثر من قرنين على هذا التغيير وحدوث الطفرة الهائلة في التطور العلمي في كل
المجالات وأقرارحقوق الإنسان . وصلتْ أوربا والغرب الى ماوصلوا اليه اليوم.
ولكن ماحدث من تطورات غريبة بعد منح الحريات الفردية والعامة في الغرب . بدأت تظهر في العقود
الثلاثة الأخيرة قوانين غريبة أُدخلت ضمن خانة حقوق الإنسان والحريات الشخصية .مثل زواج
المثليين(الرجل بالرجل) و( المرأة بالمرأة) . وحق أختيار الأطفال تغييرجنسهم والأجهاض المتعمد .
هذه القوانيين لو تأملنا بها نراها مخالفة لكل قوانين الطبيعة والسلوك الطبيعي للأنسان منذ وجوده
على الأرض، وايضا مخالفة لكل الشرائع السماوية.
مايحصل ان الذين أَقروا هذه القوانين بأتفاق مع لوبي عالمي تقوده الرأسمالية العالمية،التي تتحكم
بحياة البشرية على الأرض و هدفها الرئيسي الهيمنة على الشعوب والدول ومقدراتها، والتحكُم
بالأقتصاد العالمي حتى ولوكانت على حساب القيم والأخلاق. والهدف منه القضاء على كل الروابط
الأُسرية والغاء وجود اي اثر لتعاليم السماء على الأرض وأضعاف دور رجال الدين والكنيسة
والمؤمنين في نشر الأيمان الروحي . لأنها لا تتوافق مع تطلعاتهم وجشعهم للهيمنة والنفوذ .
ماحصل أن المتنوريين بعد فترة العصور المظلمة كما وضحنا قد فصلوا الدين عن الدولة وأعطوا
لنفسهم حرية مطلقة في كيفية سن القوانين تحت ضغط الرأسمالية المدمرة، وأوصلونا الى ماوصلنا
اليه اليوم. متناسين بنفس الوقت أنهم لم يعطوا الحرية التي( منحوها للجميع) الى للكنيسة وللدين في
نشر القيم والأخلاق والعلاقات الإِنسانية من مفهوم الكتُب السماوية. كما أُعطيت للعلمانيين والملحدين
. لابل حاولوا الأستهزاء بها وتصويرها للأجيال الجديدة على انها معتقدات بالية .مُعطين الضوء
الأخضر للأعلام الرأسمالي بالسخرية من رجال الدين ودورهم ومن الكنيسة، ليقتلوا أي مفهوم للأيمان
للأجيال الجديدة. ورغم كل هذه المحاولات لأضعاف الدين والأيمان عند شعوبهم. الا انه هناك من كانوا
يحملون شعلة الأيمان وشقوا طريقهم في مستنقع الرأسماية المدمرة .
مايحصل اليوم يعتبر منعطف خطير في حياة البشرية لأن مفهوم الحرية الشخصية والحريات العامة
خرج عن مضمونه الحقيقي وتعدَى حدود القيم والأخلاق والروابط الإنسانية لبناء أُسر جيدة ومجتمعات
متطورة وفقدان الروابط الأُسرية المتينة والأنفصالات الزوجية.، وعزوف الشباب عن الزواج وكثرة
ممارسة العلاقات الغير شرعية وخروج أجيال تجهل انتمائها البايلوجي لأي أب . ولم يعد وجود القيم
والأحترام داخل الأُسرة الا مانَدَر كما كانت من قبل. والتي هي أساس بناء المجتمع والدولة. والسبب
كما أسلفنا تسلط الرأسمالية العالمية على مفاصل الدول متحكمة في مصيرالدول والشعوب. وأبسط مثال
على ذلك حين تسُنْ الدول العظمى قوانين مثل الإجهاض وزواج الشاذين جنسياً0المثليين) . فانها
تفرض على الدول الأُخرى نفس القوانين لسنها واقرارها، والا سيتم أعتبارها مخالفة لحقوق الإنسان
. وربما ستكون هناك عقوبات اقتصادية عليها بطرق غير مباشرة ، مما يجعل الدول الضعيفة او
المنضوية تحت إرادت هذه الدول ان تنصاع وتسن القوانين في بلدانها .
للأسف اذا كنا نحن الأحياء اليوم نشهد زواج الرجل بالرجل والمرأة بالمرأة. هذه المشاهد المؤلمة التي
اُعطيت من باب الحريات و حقوق الانسان . فربما سنشهد قريباً ، سن قوانين زواج الأنسان من
الحيوان ويعطى لهم نفس حقوق الرجل والمرأة وتصرف لهم مخصصات الرعاية الأجتماعية. وليس
من المستبعد ان يُسَن فيما بعد قانون يسمح للرجل والمرأة بالخروج عُراة في الشارع من منطلق
الحرية الشخصية، وأن الإنسان ولِدَ عاريا ومن حقه أن يتعرى .وربما يتم سن قانون من حق الرجل
والمرأة ان يزنوا ويكون لهم أولاد غير شرعيين وربما من حقهم تبديل أزواجهم مع الآخرين، وقوانين
اُخرى تحط من القيم الإِنسانية، وستحول الأنسان عبارة عن جسد تحركه الغرائز والشهوات وأطاعة
القوانين ومجرد من اي فكر يحمل القيم الإِنسانية والأيمان الروحي .
في الحقيقة اننا نعيش في زمن (أوقات عصيبة) كما في رواية الأديب البريطاني جارليس ديكنز.
ويمكن تشبيه مايحصل اليوم بأن(( الإِنسانية انطلقت من اوطأ نقطة من سفح الجبل العالي ووصلت الى
القمة خلال اكثر من قرنين ولكنها بدأت تهوي من الجانب الآخر لسفح الجبل نحو الهاوية )) . و بعدها
لاندري ربما سيكون ليد الله دور في القضاء على تمرد الإنسان على تعاليمه السمحاء التي اوصلها لنا
عبر رسله وأنبيائه. كما حصل في الطوفان، وكما حصل مع قوم لوط. وكل ما نستطيع قوله أرحم يارب
عبادك المؤمنين ونطلب منك المغفرة للجميع.
.