بعد مضيّ أسبوعين من مسرحية الانتخابات التي هندستها خامنئي بشكل كبير، ونشهد خلال هذه
الفترة تصاعد الصراع بين أركان وفصائل النظام.
هذه الحرب والصراع، سواء بين الخاسرين أو بين الفائزين في هذا العرض المسرحي، تأخذ ذروة
جديدة كل يوم. ويتهم المتنازعون بعضهم البعض بوضع أصوات مزورة في الصناديق وبيع وشراء
الأصوات وإعطاء أموال للتصويت.
واشتدت هذه الحرب والاقتتال لدرجة أن خامنئي، في أول ظهور له بعد العرض الانتخابي، حذر
أطراف الحرب والصراع من جر النظام للهاوية بهذه الاقتتال والتحريض والتشدد!
في السابع من مارس الجاري، التقي خامنئي في نهاية آخر جلسة للدورة الخامسة لمجلس الخبراء مع
أعضائه، وخاطبهم قائلاً: إن مجلس الخبراء يتحمل في الواقع أهم مهمة، وهي تحديد القيادة و
المراقبة على حفظ أهلية القيادة التي هي من الأعمال العظيمة؛ ولعلها أعظم عمل في إدارة المجتمع
الإيراني في الجمهورية الإسلامية. يجب على مجلس الخبراء في الاختيارات التي سيقوم بها أن
يحرص على عدم إغفال المبادئ الثابتة للجمهورية الإسلامية.
وفي جزء آخر من نفس الخطاب، تحدث خامنئي أيضاً عن انتخابات مجلس (البرلمان) قائلاً:
إن تشكيل أي مجلس جديد هو بمثابة دم يجري في عروق النظام السياسي والاجتماعي للبلاد. إنه
حدثٌ حلو، لكن يمكن جعل هذا الحدث الحلو مرًا. ما يجعل حلاوة المجلس الجديد مرة هو الخطب
المثيرة للجدل والصراعات التي يفضلها العدو. يجب أن نكون حذرين للغاية. يجب على الإخوة
والأخوات في المجلس الجديد الذي سيتم تشكيله أن يكونوا حذرين ولا يسمحوا بتبدد حلاوة تشكيل
المجلس الجديد وأن يصبح طعمه مرًا!
تاريخ التزوير في نظام ولاية الفقيه؟
إذا رجعنا إلى تاريخ التزوير في نظام ولاية الفقيه منذ وصوله إلى السلطة، فسنفهم أنه كان منظماً
ومأسسياً وشائعاً جداً.
ولكن لا حاجة للرجوع إلى الزمن البعيد. الأمثلة التالية كافية لإثبات التزوير والكذب في الانتخابات.
في عام 2005، وفي الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية للنظام، كان هاشمي رفسنجاني في وضع
أعلى من محمود أحمدي نجاد، لكن بما أن خامنئي كان يحاول إقصاء رفسنجاني، فقد أعلن في الجولة
الثانية بتزوير واسع، فوز أحمدي نجاد في الجولة الثانية من الانتخابات في غرفة فرز الأصوات!.
وفي عام 2009، تم انتخاب محمود أحمدي نجاد مرة أخرى بملايين الأصوات من الأموال المتلاعب
بها.
وكانت هذه الاحتيالات منتشرة على نطاق واسع لدرجة أن رفسنجاني، الذي كان له منصب في
المجتمع وفي الحكومة؛ لم يستطع أن يفعل شيئاً، ومن اليأس والعجز قال: "أعوذ بالله من كل هذا
الاحتيال"!.
والحقيقة أن خامنئي دأب على خوض كل الانتخابات بالتزوير، وسخر من المطالبين والمحتجين، بل
ووبخهم، متسائلاً لماذا يتحدثون عن «التزوير»؟ تجرى أصح الانتخابات في الجمهورية الإسلامية
وقادة الأمور كلهم صالحون وأمينون!!
ما هو الفرق الجوهري بين هذه الدورة من الانتخابات والانتخابات الماضية؟
إن انتخابات الأول من مارس/آذار هذا العام تختلف كثيراً عن كل الانتخابات السابقة؛ لأن رد فعل
خامنئي يظهر بوضوح أن هندسة الانتخابات جلبت المرارة بدلا من الرحيق والعذوبة من جهة، ومن
جهة أخرى، ترتفع أصوات المطالبين والمحتجين على الانتخابات المزورة وتتزايد أبعاد التزوير
بشكل أكثر وضوحا كل يوم.
وقال أحمد زيد آبادي، أحد أعضاء ما يسمى بفصيل الإصلاحيين في إشارة إلى حجم عمليات
التزوير: ربما يصبح الناس يوما ما ممثلين لطهران بـ 20 صوتا من أفراد أسرهم (قناة تلغرام عدة
ثواتي – 8مارس).
وأكد عباس عبدي، وهو عضو آخر في هذا الفصيل، أن نسبة المشاركة 30% ونسبة 40% مزحة.
وأشار إلى أن ما بين 6 إلى 7% من هذه الأصوات أصوات باطلة، وسيتم طرحها.
وهناك عدد من الأصوات التي أعطيت بالبطاقات الوطنية. ويضيف ساخرا عن التصويت بالرمز
الوطني: "لا أعلم هل قمت بالتصويت أم لا!(قناة تلغرام عدة ثواتي – 8مارس).
كتبت صحيفة ستاره صبح التي تديرها الدولة (9 مارس/آذار) عن أساليب التزوير المختلفة
المستخدمة في البرنامج الانتخابي الأخير: "لم يتم التصويت بالبطاقة الوطنية ورخصة القيادة وجواز
السفر مطلقًا في أي انتخابات حتى الآن. وبما أن البطاقات الوطنية للشعب موجودة في حوزة
المؤسسات الحكومية والمدارس وغيرها، فإن هناك احتمالية إساءة استخدامها، وقد شوهدت أمثلة على
ذلك أيضاً.
والسؤال هو، لماذا يُسمح للأشخاص بالتصويت بوثائق هوية أخرى عندما يكون لديهم شهادة ميلاد؟
والرأي العام غير مقتنع ولديه شكوك بهذا الأمر.
ومن المثير للاهتمام أن نلاحظ أن استخدام القانون الوطني للتصويت، كوسيلة رئيسية للاحتيال،
استخدمه النظام بشكل متعمد وواعي منذ البداية للرقمنة.
والدليل على هذا الادعاء هو خطاب المدير التنفيذي لشركة الاتصالات المتنقلة (المسماة همراه أول،
مشغل الهاتف الأول)، الذي كشفته قناة انتفاضة حتى الإطاحة على التلغرام (المقربة من مجاهدي
خلق).
وكتبت هذه الرسالة السرية بتاريخ 17 كانون الثاني/يناير 2024 إلى وزير داخلية النظام الحرسي
أحمد وحيدي، كما أرسلت نسخة منها إلى رئيس برلمان النظام الحرسي محمد باقر قاليباف.
وجاء في هذه الرسالةإذا كان التوثيق عبر الإنترنت كافيا بدلا من ختم شهادة الميلاد، فيمكن للناخب
الذي يحمل بطاقته الوطنية الذهاب إلى عدة مراكز اقتراع والإدلاء بعدة أصوات. ويمكن للناخب بعد
ذلك نشر الفيديو في الفضاء الإلكتروني والتشكيك في نزاهة الانتخابات بأكملها…
ما هو السبب وراء اندلاع الحرب والصراع بين الخاسرين والفائزين في الانتخابات؟
إلى جانب فضيحة التزوير الواسع في الانتخابات التي لم يُشكل لها البرلمان بعد، تتصارع عصابات
الحكومة، ومن جهة أخرى، تم التشكيك أيضاً في شرعية الخبراء المنتخبين وشرعية «الولاية» من
قبل ملالي الحكومة.
وكتب أحد ملالي مدينة قم المشهورين ويدعى سروش محلاتي على حسابه على تلغرام، مشيراً إلى
أنه في دستور النظام، كانت شرعية المرشد الأعلى وحتى الخميني نفسه تعتمد على الحصول على
أصوات أغلبية الناس هناك انتخابات واحدة فقط ترتبط مباشرة بشرعية النظام، وتخفيض
الأصوات فيها يخلق اضطرابا في ركائز شرعية النظام، وهي انتخاب الخبراء… لكن الولي الفقيه
الذي يختاره 40% من الخبراء لا يمكنه تولي شؤون البلاد ومسؤوليات القيادة في منصب الولاية
الكلمة الأخيرة..
وبهذه الطريقة يبدو أن كل خيوط خامنئي لتطهير المعارضين المحتملين والقضاء عليهم أصبحت
واضحى، وهذا يعني أنه قد وصل إلى طريق مسدود في هندسة مجلس الخبراء الذي مهمته الأساسية
في هذه الفترة تعيين خليفة للمرشد «الذي ينتظر الموت».
ولذلك يطرح السؤال، لماذا على الرغم من التزوير الواسع النطاق وارتفاع نسبة المشاركة الفعلية من
8.2% إلى 40%، أي 5 أضعاف ذلك، فإن التزوير هذه المرة لم ينجح فحسب، بل يعمل ضد رغبة
خامنئي أيضاً؟
وفي هذا الخصوص، قالت السيدة مريم رجوي في رسالة إلى الشعب الإيراني بشأن نتائج الاستفتاء
على المقاطعة المؤكدة لانتخابات خامنئي في الأول من مارس: مما لا شك فيه أن خامنئي ونظام
ولاية الفقيه سيخرجان من هذا العرض المسرحي أضعف وأكثر هشاشة، وسيتم تسريع عملية
الإطاحة بهم. في مثل هذه الحالة، لم يعد الغش مفيدًا ويسبب المزيد والمزيد من الإذلال والسخرية من
الناس
كل يوم نبتعد فيه عن زمن الانتخابات المزورة يثبت صحة هذا الموقف المبدئي.
كاتب حقوقي وخبير في الشأن الإيراني