يحتفل الشيوعيون العراقيون في جميع مدن العراق وخارج الوطن هذه الايام بمرور تسعة عقود على تأسيس حزبهم المجيد , وبهذه المناسبة لابد وان نتذكر بفخر واعتزاز شهداء الحزب وهم بعشرات الالوف والذين ارتقوا مضحين بأرواحهم في سبيل مصالح شعبهم العراقي وخاصة دفاعهم عن العمال والفلاحين والكادحين والفئات المثقفة المسحوقة من بنات وأبناء الشعب , وهنا لابد وأن نتذكر في هذه المناسبة العزيزة على قلوبنا , الشاب القيادي الباسل إبن البصرة والعراق وعضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي الرفيق شاكر محمود البصري أبو اماني الذي تمت محاولة إغتياله في بغداد يوم 6 تشرين الثاني عام 1972!
كان الشهيد شاكر محمود االبصري يعيش في عائلة كادحة مع والديه وأخته الاصغر سميرة , وعند مرحلة الشباب برز عنده الوعي الوطني وتحفز للعمل على نصرة الفقراء والمظلومين من ابناء الشعب , ففي عمر لا يتجاوز السابعة عشر إنتمى للحزب الشيوعي العراقي المدافع الاول عن مصالح شرائح طبقات الشعب الفقيرة وكان حينها الشهيد شاكر يملك طبعاً طيباً هو مساعدة الفقراء وكان فتى محب لعمل الخير , كان فاضلاً في سلوكه , مرهف الحس , يتمتع بذكاء فطري يثير الدهشة وخاصة في المواقف المضطربة ويحسن الاصغاء الى الآخرين من أهله ومن الاصدقاء , كان يحب القراءة كما كانت تقول عنه والدته أكثر من حبه للأكل والشرب , وكانت والدته فخورة به وبإنتماءه للحزب الشيوعي ومن بعده انتماء إبنتها المعلمة سميرة , فكانت والدته أم شاكر حامية للاجتماعات الجارية في بيتهم وكانت مراسلة بين المناظلين الحزبيين وناقلة للمنشورات من والى البيوت الحزبية بالرغم من أن وطأة واقع الحال السياسي في تلك الايام كانت صعبة ولا تطاق ..برز الشهيد شاكر مبكراً وهو يقود التظاهرات العمالية والطلابية خاصة تلك التي كانت تندد بالعدوان الثلاثي على مصر عام 1956 والتي بسببها تم سجنه لمدة سنة في سجن بعقوبة , وإستمر بالنضال والتدرج في الحزب الى ان صار عضو لجنة محلية في عام 1962 , وقبلها في عام 1961 تم سجنه وبعد انقلاب 8 شباط الدموي عام 1963 نقل الى سجن نقرة السلمان الشهير تلك الفترة من الزمن ! وكان وهو في هذا السجن كثيراً ما كان يفكر بطريقة للهروب منه والالتحاق برفاقه في البصرة وبغداد ..ففي أحد الايام قدم طلب للمعالجة في المستشفى ومعه رفاق آخرون وهو كان حينها فعلاً مريض ويشكو من قرحة في المعدة والامعاء ..وتم نقلهم بكتاب رسمي الى مستشفى الديوانية وعند تناول وجبة الغداء وكان الحارسان جائعين حيث قاما بفتح قيود شاكر ورفيقه عباس كاشف الغطاء وفي لحظة قام شاكر ورفيقه عباس بقفز جدار المستشفى منطلقين الى ميدان حرية العمل في صفوف حزبهما الشيوعي العراقي ثم ذهب كل منهما الى طريق خاص به , فوقع الشهيد شاكر بيد راعي غنم عرف من خلال حديث دار بينهما أنه شيوعي هارب وطمأنه بأنه سوف يساعده لأن إبن عمه كان أيضاً شيوعي سجين ..! ووصل الى بغداد ملتحقاً برفاقه في البيوت الحزبية السرية والتي كان يعرف بعضها ..أما كيف تم إغتياله ونحن نعرف أن حزب البعث لما عاد للحكم مرة ثانية في 17 تموز عام 1968 بدأ الشخص الثاني صدام حسين بتشكيل جهاز ارهابي أسماه حنين للبحث عن النشطاء الشيوعيين واختطافهم وقتلهم من خلال سجنهم وتعذيبهم حتى الموت أو دهسهم بالسيارات او إطلاق الرصاص عليهم ودشن هذا الجهاز عمله في عام 1969 حينما تعرض الكادر الشيوعي الشهيد ستار خضير صگر الحيدر الى محاولة اغتيال في يوم 23 حزيران عام 1969 قرب الجامعة المستنصرية في بغداد وذلك بعد خروجه من لقاء حزبي , فاجئه المجرمون بإطلاق عدة عيارات نارية عليه أصابته في بطنه وساقه ثم لاذوا سريعاً بالفرار وقد نقل الشهيد ستار على اثرها للعلاج في مستشفى الطواريء لكنه للأسف فارق الحياة في يوم 28 حزيران في المستشفى ذاته وتم دفنه بعد عملية تشييع علنية في مقبرة الصابئة المندائيين في بغداد في ابو غريب ..ثم قام المجرمون بالتخطيط لإستهداف كادر متقدم ومعروف لديهم وكان أيضاً من شباب الحزب الشيوعي البواسل والناشطين والذي أفلت من بين ايديهم بإعجوبة في أحداث 8 شباط الدامية ولكنهم لم ينسوه فكانوا يترصدون خطواته الى ان تم اختطافه يوم 20 آذار عام 1970 في بغداد ثم وجدت جثته لاحقاً وكانت عليها آثار التعذيب والاطلاقات النارية ثم جرى خطف وتعذيب وقتل الكثير من كوادر الحزب الشيوعي الى أن جاء دور الشهيد شاكر محمود والذي كان وبشكل مؤكد ضمن قوائمهم التي أعدوها لتصفية الكوادر الشيوعية الشابة والنشطة..ففي أحد الايام من شهر تشرين الخريفية رغب الشهيد شاكر بالذهاب من دار أهل زوجته السيدة الفاضلة إلهام الراوي الكائن في منطقة الحارثية ببغداد لغرض زيارة مريض في مستشفى اليرموك وكان قد اصطحب معه إبنته أماني وكانت بعمر اربع سنوات , ولما نزل ووضع قدمه لعبور الشارع العام أمام المستشفى , إجتازت جسده ضربة دهس قوية من سيارة فوكس واگن سريعة جداً حيث أصابته بمقتل ولاذت سريعاً وبلمح البصر بالفرار ولحسن الحظ فقد سقطت الطفلة من بين يديه على الرصيف وكانت جروحها بسيطة لكن صراخها أفزع الجناة فولوا هاربين بعد ان تركوا الشهيد تغمر جسده الدماء حيث أصيبت الجمجمة وحدث الكسر في العظم وكان الشهيد قد دخل في حالة غيبوبة تامة فارق بعدها الحياة فجر يوم 11 تشرين الثاني عام 1972 بعد ان كانت عملية الاغتيال قد حدثت يوم 6 تشرين الثاني , فجع جميع الاهل برحيله وخاصة زوجته السيدة الهام ووالدته التي كانت قبل عام قد فجعت بفقدها لإبنتها الوحيدة سميرة في براغ التي كانت تعالج هناك من خلال إصابتها بالسرطان فلم يبقى لها أحد بعد حادثة مقتل ابنها البكر شاكر والذي تم دفنه قرب قبر اخته سميرة في مقبرة الحسن البصري ..لم يترك الشيوعيون المسألة تمر فقاموا بالعمل على إجراء تحقيقات وخاصة عمه اي والد زوجته الذي عمل بشكل يومي لمعرفة الجناة وقام بتقصي الحقائق والتقى بعدد من شهود العيان من خلال علاقاته الكثيرة وخاصة مع رجال المرور ومنهم الضباط وبعد جهود وعمل مثابر تمت معرفة ان العمل المدبر قام به شخصين يستقلان سيارة فوكس واگن سوداء اللون , إتجهت مباشرة بعد الحادث الى قصر النهاية ببغداد ! وكانت هذه السيارة قبل أسبوع تتجول في شارع الكندي بالحارثية مما يعني أن بيت السيدة الهام أم اماني وحركة الشهيد شاكر كانت مرصودة وتحت المراقبة وأفاد الشهود ان رقم السيارة كان 2869 , لكن لما ذهب والد زوجته الى شرطة المرور للابلاغ عن رقم السيارة التي قامت بالجريمة وعائديتها ..لم يجدوا اي قيد لها ..! لكنهم حصلوا على معلومات تفيد ان المجرم ناظم گزار كان قد استورد 3 سيارات فوكس واگن سوداء اللون وقد وضع هو عليها ارقاماً خاصة اي وهمية غير مقيدة لدى أجهزة شرطة المرور والتي كانت تخص تنفيذ عمليات الاغتيالات ..! وهذه واحدة منها التي اغتالوا بها الشهيد شاكر محمود البصري ..للأسف ذهبت جهود عمه المحامي أحمد سلمان الراوي بلا فائدة لكن الحزب الشيوعي عرف بشكل قاطع ان المجرم ناظم گزار وجهاز حنين الذي كان يقوده صدام حسين كانوا وراء الجريمة المروعة التي ازهقت شاب شيوعي ترك وراءه أرملة شابة وطفلين هما اماني ومحمود , هذه العائلة الطيبة تعيش الآن في فرنسا التي وصلت اليها في عام 1981 حيث إهتمت الام بتربية أولادها حتى صارت أماني ( الناجية من الجريمة ) , فنانة موسيقى اوبرالية ومحمود صار مهندس مدني , وقد عوضتهما والدتهما فقدان حنان الاب بعد رحيله المبكر .. كان الشهيد وسيبقى في قلب وضمير كل الشرفاء من بنات وأبناء شعبنا العراقي بينما ذهب المجرمون ناظم گزار وصدام حسين وسعدون شاكر وغيرهم من البلطجية الى المزبلة تلاحقهم لعنات الشعب الذي أذاقوه مر العذاب ..المجد للكادر الشيوعي الشاب شاكر محمود البصري ابو اماني , ونحن نحتفل بذكرى عيد حزبه التسعين نؤكد على أنه كان وسيبقى مفخرة للاجيال الحالية والقادمة ..