الثلاثاء, نوفمبر 26, 2024
Homeمقالاتمصطفى محمد غريب : هل انتهى داعش؟ هل انتهى الإرهاب في العراق؟...

مصطفى محمد غريب : هل انتهى داعش؟ هل انتهى الإرهاب في العراق؟                                       

الانتصار العسكري الشامل  والكامل له مستلزمات معروفة من حيث حيثياته وأسسه وليس هو أحادي الجانب يعتمد على ميادين السلاح والقتال فحسب بل هناك قضايا جوهرية تتلازم معه كي يتم الانتصار بمفهومه العسكري والمدني، وهي قضايا تنظيمية وفكرية واجتماعية واقتصادية وثقافية وأمنية وكل ما يلزم نتائج ما بعد الحسم العسكري والبدء في بناء ما خربته الأحداث والصدامات العسكرية المسلحة كي لا تعود أرضية الأسباب التي أدت إلى استعمال السلاح واللجوء إلى العنف، والعالم مملوء بتجارب غنية ممكن الاستفادة منها بدلاً من الوقوع في المحذور، واليوم تنطبق هذه الحالة في العراق بخصوص الانتصار على داعش الإرهاب كما أعلنته الحكومة العراقية السابقة على لسان حيدر العبادي رئيس الوزراء السابق حيث أعلن في كانون الأول 2017 الانتصار على داعش ودحرهم بعد 3 سنوات من الحرب الدامية في مناطق غرب البلاد والإقليم التي نتج عنها آلاف القتلى والمعوقين والنازحين والهاربين وما عم من خراب واسع النطاق للمدن والقصبات،  مما جعل رئيس الوزراء الحالي عادل عبد المهدي أن يعلن في كلمته بيوم المناسبة ” أن “النصر النهائي الذي نصبو إليه هو تحقيق الرفاه لشعبنا والقضاء على الفساد. ما لم ننتصر على الفساد، سيبقى نصرنا منقوصاً ” وهو عين الصواب كما تعهد عادل عبد المهدي على “عودة النازحين وإعمار مدنهم”، إضافة إلى تقديم “الخدمات وفرص العمل للمحافظات التي أسهمت بتحقيق النصر. أن هذا التعهد الذي يعنى ليس عودة النازحين والهاربين إلى مناطقهم ومدنهم فحسب بل أيضا على تقديم الخدمات وتحقيق فرص عمل للعاطلين أي بوضوح استكمال جوانب الانتصار العسكري  الأخرى ، إلا أن ما يثير التساؤل أن التعهد لا يكفي وسيبقى ناقصاً بدون تنفيذ عملي، ودون المباشرة في العمل الفوري لإعادة  الحياة الطبيعية للمناطق التي احتلها داعش والتي عانت من سياسة الإقصاء والطائفية قبل الحرب وازدادت أثناء سيطرة داعش وهي تعاني الأمرين بعد هزيمته العسكرية، فالكثير من التعهدات والوعود أطلقت على ألسنة كبار المسؤولين في الدولة والحكومة لكن كل ذلك كان لخدمة المصالح الضيقة ومنها  لمصلحة انتخابية أو كما يقال ” لتهدئة الخواطر ” وعملية خداع لتسويف المطالب الجماهيرية التي أطلقها الشارع العراقي بعد مرارة وضنك العيش وما تقوم به مافيا السلاح والفساد المنتشر كالنار بين الهشيم بين مرافق ودوائر الدولة، وتحكم مافيا التنظيمات الطائفية المسلحة بدون أي رقيب أو حسيب حتى أن الكثير من الأحيان تتصرف هذه المافيا وكأنها مخولة أو جزء من المؤسسة الأمنية التابعة للحكومة المركزية، إضافة إلى ما يجري من خلال السياسة ومنهج المحاصصة الطائفية  الذي يكبل البلاد خسائر معنوية ومادية تقدر بمليارات الدولارات، أمام هذه الحالة التي أظهرت إن الحسم العسكري ظل أحادي الجانب، وأعرج بقدم واحدة وهذا ما ثبتته البعض من الوقائع على تحركات قوى الإرهاب وداعش بالذات وتوجهات متناقضة في قيادات الميليشيات المسلحة المنظوية إلى الحشد الشعبي حتى بات الأمر وكأن الحشد الشعبي كله مسؤول عن هذه التناقضات والتحركات مما دفع للمطالبة بضبط الحشد تنظيمياً وجعله تحت قيادة القائد العام للقوات المسلحة ودمجه فعلياً وليس قولاً فقط بالقوات المسلحة العراقية بخاصة الجيش العراقي.

 التقارير الأولية تشير إلى تحركات مسلحة غير قليلة لداعش الإرهاب في المناطق التي قيل انه انهزم فيها عسكرياً ، والهجمات المتكررة والاغتيالات وغيرها من النشاطات العسكرية المسلحة التي يقوم بها هذا التنظيم ، يعني أن القضاء على الإرهاب وداعش مازال في خطواته الأولية، وعليه يتحتم اتخاذ خطوات واسعة وملموسة تعني في الجانب السياسي والفكري أي التخلص من منهجية التطرف بالعمل الفكري والسياسي الجذري العلمي لمحاصرة أفكار التطرف والإرهاب وإيجاد آلية ذو برنامج علمي تتواصل مع الجماهير الشعبية التي مازالت تعيش حالة من الاضطراب الفكري والسياسي المعتمد على التوجهات الدينية والطائفية الخاطئة ، وعندما يشار إلى تواجد وان كان اقل نسبياً عن السابق لبعض المسلحين من داعش وتكوين مضائف وقواعد جديدة له فذلك يعني الإشارة إلى مخاطر جديدة حول توسع رقعة التواجد واعتبار التصدي له بالطرق العلمية الصحيحة وهي الآلية القانونية والإنسانية التي يقوم بمساندة الحسم العسكري وتعني الانتصار الفكري الثقافي الجماهيري لمحاصرة أفكار التطرف والعنف والقتل الطائفي في جوانبه المتعددة وليس في الجانب المعني بداعش والإرهاب فحسب إنما في الجانب الميليشياوي الطائفي المسلح الذي يساهم في تأجيج العنف والعداء وحتى إعادة المحاولات لتكوين تنظيمات إرهابية قديمة تحت واجهات ومسميات جديدة لاستقطاب المتذمرين والمحتجين والذين يشعرون بالغبن وعدم الثقة بالتعهدات أو الإجراءات التي تقوم بها الحكومة المركزية، ومنها التوجه لحل المشاكل بشكل جذري مع حكومة الإقليم بشكل كامل وغير مجزأ.

وفي هذا الصدد يشير تقرير أمريكي جديد نشرته  دورية “ناشونال إنترست” الأميريكية “يوم الأحد 6/1/2019 أن “الجماعة الإرهابية تقوم ببساطة بإاستيفاء وقتها في بلدها الأم، العراق، قبل عودة جديدة قاتلة وأنها أسست موطئ قدم إقليمي في جبال قرة شيخ في العراق، بعد فقدان معقلها الرئيسي في الموصل”. .

لا يمكن الاستهانة بهذه المعلومات واعتبارها إشاعة لتمرير سياسة معينة واتهام الولايات المتحدة الأمريكية مثلما أعلنته العديد من التنظيمات والميليشيات الطائفية وفي مقدمتها العراقية بأن الولايات المتحدة خلف هذه الأنشطة وخلف تواجد داعش في هذه البقعة أو تلك ومدها بالسلاح والدعم…الخ  مع العلم نحن لا نزكي الجانب الأمريكي من سياسته المعادية لحركة التحرر والتقدم لخدمة مصالح الرأسمال ودهاقنته، وقد تضمن التقرير الأمريكي الكثير من الوقائع والتحذيرات على توسع نشاط داعش وانتقاله  من سوريا إلى العراق، وأشار التقرير إلى المواقع التي يتواجد فيها وبخاصة المناطق الجبلية كما أعلن حتى عن الأعداد المتواجدة في كل من العراق وسوريا وأشار التقريرإضافة  إلى  تقرير البنتاغون في الصيف الماضي،” بأن داعش يحشد ما بين 15.500 و17.100 مقاتل في العراق، بالإضافة إلى 14.000 مقاتل في سوريا.كما ذكر تقرير صدر من لجنة للخبراء في مجال الإرهاب إن داعش “لديه ما يصل إلى 30 ألف مقاتل موزعين بالتساوي تقريباً بين سوريا والعراق ” هذه الأعداد ليست بالقضية السهلة أو الاستهزاء بها كما يفعل من ليس له عقل ودراية بقتال العصابات ويجهل إمكانياتها ونشاطاتها المختلفة الوجوه فضلاً عن الدعم المتنوع لوجستياً من قبل قوى من خارج الحدود تمتلك إمكانيات تقارن بإمكانيات دول في المنطقة أو في العالم لخدمة أهدافها وتوجهاتها وسياستها للتدخل والهيمنة على دول أخرى، ويبدو أن الأمور أخذت منحى آخر ومثلما حذرنا من تداعيات القضاء على ظهور الإرهاب بإشكال أخرى، كلنا نتذكر كيف كانت توقعاتنا بظهور تنظيم داعش بدلاً عن تنظيم القاعدة واشرنا إلى أسباب ظهوره المرتبطة بسياسة الحكومة العراقية أبان قيادة نوري المالكي ورئاسته الثانية لمجلس الوزراء واليوم نعود لنحذر عادل عبد المهدي بان الأسباب مازالت موجودة وعليه الاستفادة  مما سبقه من تداعيات لظهور تنظيم إرهابي تحت أسماء تتلاءم مع الطروحات والمشاكل الداخلية بما فيها المشاكل والخلافات مع الإقليم وعدم حلها لمصلحة البلاد والشعب العراقي، فقد أشيع أخيراً عن ظهور تنظيم إرهابي جديد وأشار تقرير صحفي، الأحد6/1/2019، عن ظهور جماعة متطرفة جديدة في العراق تحت ما يسمى ” حراس الدين ” الذي جمع صفوفه حسب التقرير الصحفي ونقلته صحيفة الشرق الأوسط  وتأكيد خبراء للتقرير أنه ” رغم أن عدد أعضاء التنظيم لا يزال قليلا، فإنه يشكل خطرا على الاستقرار في سوريا والعراق، بسبب اعتماده على أسلوب حرب العصابات ” قد يكون الأمر للدعاية وتحت طائلة الإشاعات لكن لا نستبعد مثل هكذا ظهور إذا لم تعالج الجذور الفكرية والسياسية وتعالج قضايا الطائفية والبدء بالإصلاح الشامل للعملية السياسية والتوجه للقضاء على الفساد وتوابعه واستكمال بناء دولة  المؤسسات بما فيها مؤسساتها الأمنية وغير الأمنية على أسس وطنية وديمقراطية. لقد سبق لمنظمة القاعدة السيطرة على مناطق واسعة في العراق وخلال الحرب التي دارت لكبح توسعها وسيطرتها بعد خسائر بشرية ومادية هائلة ثم مع بدء انحسارها وضعفها بعد قتل قائدها الزرقاوي بدأ ظهور داعش الإرهاب تحت واجهة جملة من الشعارات المضللة والوعود بالخلاص من إرهاب الميليشيات الطائفية أو من سياسة نوري المالكي التي أظهرت الوجه القبيح للطائفية في جملة من القرارات والتصريحات التي قام بها. اليوم تتكرر الحالة بشكل جديد لكن ملازم للجوهر القديم مع فارق في الزمن والموقع والوجوه والمصالح التي استجدت لاستمرار المحاصصة والفساد كما أن المشاكل التي تواجه الجماهير في الخدمات والمعيشة والوضع الأمني وهيمنة الميليشيات وجرائم الاغتيالات والتفجيرات وتفشي البطالة والفقر كل ذلك وغيرها قد تساعد على عدم استكمال الانتصار على الإرهاب بشكله الصحيح ثم العودة إلى المربع الأول الذي سيساهم في تكوين تنظيم إرهابي أو عنفي جديد، ولهذا نوصي رئيس الوزراء الحالي وحكومته بعد إنجازها بضرورة القيام بالإصلاح الحقيقي الشامل وحل المشاكل بما فيها الصراع الفكري الايدولوجي ضد الأفكار الظلامية وثقافة العنف والقتل وإحلال سياسة وطنية وتحقيق مبدأ المواطنة لجميع مكونات الشعب وقومياته  لكي يتم تحقيق الانتصار ليس على داعش فحسب بل الانتصار على الإرهاب بشقيه الأصولي والسلفي.    

RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular