ف
البهائية أقليّة غير معترف بها في العراق ،علاقتي بالبهائييين تعود لعام 2002 حيث تعرفت على اول شخص بهائي من اصول ايرانية في امستردام بهولندا ومن ثم التقيت بالسيد ضياء يعقوب (ممثل البهائيين في بغداد) في مؤتمر مؤسسة مسارات في بغداد بعنوان (في مواجهة خطابات الكراهية في العراق) وذلك في 30 يناير /كانون الثاني و اصبحت لدينا علاقة جيدة مع ممثل البهائيين وزارة الاوقاف و الشؤون الدينية في حكومة اقليم كوردستان السيد سرمد مقبل كيخسرو ،وفي 12 اغسطس /اب 2018 رافقت الاستاذ سعد سلوم بزيارة ذاكرة البهائيين العراقيين “عبد الرزاق العبايجي”، وكان لقاءا مثمرا وغنيا بالمعلومات والاحداث المتعلقة بتاريخ البهائيين في العراق وفي اربيل حضرنا امسية دينية خاصة بالبهائيين نظمه المجلس البهائي في اقليم كوردستان.
الذي دفعني الى كتابة هذا الموضوع هو التصريح الذي ادلى به رئيس الوفد العراقي في اجتماع للامم المتحدة مع لجنة القضاء على التمييز العنصري لمناقشة راهن التمييز العنصري في العراقوقال بانه ( البهائيين ليس دين ولا معتقد و إن آخر الاديان هو الإسلام) وانا اعتبر هذا جرس انذار وتطور خطير في عقلية ادارة الدولة العراقية وعلى مستقبل الاقليات وافراغ العراق من اثرائه التنوعي والهوياتي والثقافي .
ارتينا اجراء لقاء مع السيد سرمد مقبل كيخسروممثل البهائيين في حكومة اقليم كوردستان .
اولا: باختصار ما ماهية البهائية ووجودهم في العراق ؟
• ان وجود البهائيين في العراق يعود لبداية الدين البهائي نفسه، حيث بدأت رحلة نفي حضرة بهاء الله من طهران لتكون بغداد اول مرحلة من مراحل النفي والسجن التي استمرت اكثر اكثر من اربعين عاماً. امضى حضرة بهاء الله في العراق عشرة اعوام من ضمنها سنتين معتكفا في السليمانية. احب حضرة بهاء الله بغداد واسماها مدينة الله كما وصف السنتين التي قضاها في السليمانية بانها افضل سنتين ولن تتكرر بعد ذلك، وفي نهاية فترة بقائه في بغداد،، اعلن حضرة بهاء الله في نيسان من عام 1863 انه مبعوث من الله وان هدف رسالته هو تحيق الوحدة والاتحاد بين بني البشر. ومنذ ذلك الحين تربط البهائيين العراقيين روابط الالفة والصداقة مع باقي مكونات المجتمع العراقي. وبسبب خصوصية الدين البهائي في امتناع معتنقيه عن التدخل في الاعمال السياسية والحزبية اضافة الى وجوب احترام وتقدير واطاعة السلطات الحاكمة في اي دولة يعيشون فيها فان تعاقب السلطات الحاكمة لم يؤثر على تعايش البهائيين مع ابناء وطنهم او على علاقة البهائيين بالدولة.
ثانيا :هل يمكننك وضعنا في الصورة ،متى وكيف وضع الاعتراف بالديانة البهائية في العراق ؟
• ان تاريخ الاعتراف الرسمي بالبهائيين يعود لفترة الحكم الملكي وبالتحديد (بيان المحاكم رقم 6 في 28/12/1917) والذي يمثل اول وثيقة إعتراف رسمي للبهائيين في دولة العراق الحديثة، وكانت عقود الزواج للبهائيين تصدر في محاكم المواد الشخصية لغير المسلمين. كما تم تثبيت البهائية في السجل الأساسي لإحصاء 1957 كإحدى العقائد المثبتة في إستمارة التعداد والسجل الأساسي، وكان البهائيون يثبتون في حقل الديانة ( بهائي) للوثائق الرسمية. وكان لهم مركز ومقبرة كما كان للمحفل الروحاني المركزي للبهائيين في العراق ( المؤسسة الروحانية على المستوى الوطني) مساهمات على الصعيد المجتمعي. كما تم خلال تلك الفترة تشكيل العديد من المؤسسات المحلية في مختلف مدن العراق كالسليمانية وكركوك والموصل وخانقين ومختلف مناطق بغداد اضافة الى مناطق محافظة ديالى والنجف وكربلاء والبصرة وغيرها.
ثالثا: ماذا تقول عن معاناة البهائيين في العراق متى وكيف بدأت ؟
• بدأت التضييقات الرسمية تجاه البهائيين اواسط الستينيات ، حيث تم وضع اليد على مبنى (حضيرة القدس) المركز البهائي في بغداد عام 1965 .ولعل اهم انتهاك لحقوق البهائيين كان بصدور قانون 105 /1970 بتحريم النشاط البهائي وحل مؤسساتهم ومصادرة الكتب والأموال والممتلكات، والذي لاتزال اثاره قائمة حتى اليوم. ابان هذا القانون حكم على عشرات من البهائيين بالسجن من عشرة سنوات الى المؤبد عام 1974 ، كما صدر قرار من مديرية الأحوال المدنية بالرقم 358 بتاريخ 24/7/1975بتجميد قيود البهائيين في سجلات الاحوال المدنية، واعطاء الدائرة صلاحية استبدال حقل الديانة مما ادى الى سلب الحقوق المدنية والقانونية مثل الحصول على هويات الأحوال المدنية وبقية الوثائق الثبوتية وتسجيل بيانات الولادات وتسجيل الزيجات وغيرها، ما لم يثبت في حقل الديانة مسلم. كما تم تغيير الكثير من قيود البهائيين في دوائر الاحوال المدنية. وبالرغم من كل هذه التقييدات للحرية الا ان العلاقة التي تربط البهائيين بجيرانهم واصدقائهم استمرت بكونها علاقة منفتحة مبنية على الاحترام والتقدير من الجميع.
رابعا: كيف تقيم وضع البهائية في العراق بعد 2003 ؟
• بعد عام 2003، تم الغاء سريان القوانين الجائرة ومنها قانون 105 لسنة 1970 والذي لاينسجم مع الشرعة الدولية ولا مع دستور العراق الجديد الذي يضمن معاملة متساوية لجميع العراقيين في جميع النواحي ومنها الدين، فأعاد البهائيون تشكيل مؤسساتهم الروحانية التي تقوم بإدارة ورعاية شؤون البهائيين في العراق في إندماجهم وخدمتهم لمجتمعهم. ومنذ ذلك الحين والبهائيون يمارسون نشاطاتهم المعنية بالاهتمام بتربية الاطفال واطلاق طاقات الشباب بكل حرية يشاركهم فيها ابناء وطنهم من المكونات الاخرى. كما اعادت هيئة نزاعات الملكية بعض من الاملاك البهائية المصادرة بقرار محكمة الثورة المنحل. كما ألغى وزير الداخلية قرار مديرية الاحوال المدنية 358 بتاريخ 24/7/1975 الذي تم بموجبه تجميد قيود البهائيين وإستبدال حقل الديانة من بهائي الى مسلم، بصدور كتاب وزارة الداخلية 5441 في 19/3/2007 والذي تم تعميمه على كل دوائر الاحوال المدنية بموجب كتاب المديرية العامة للسفر والجنسية المرقم 5708 في 4/4/2007 ، وعلى اثر هذا القرار برفع التجميد عن القيود، صدرت لعدد من البهائيين هويات مثبت في حقل الديانة ( بهائي).
خامسا: هذا مؤشر ايجابي في رفع الغبن عن البهائية ؟
• واسوة بباقي فئات المجتمع، فقد تأثر البهائيون بالتغيرات السريعة التي طرأت وتطرأ على المجتمع العراقي وما صاحبتها من معاناة على المستوى الاقتصادي والامني او حالات من التهديد والتهجير او النزوح .. ومن المؤسف انه وبالرغم من الخطوات الايجابية التي تمت بما يتعلق برفع الانتهاكات القانونية عن البهائيين الا ان نص قانون 105 لسنة 1970 لم يتم رفعه بعد. وتم بالاستاد الى هذا القانون، صدور كتاب للامانة العامة لمجلس الوزراء في 2007.07.26 والمرقم 1215 يتضمن منع دوائر الأحوال المدنية بتثبيت (بهائي) في حقل الديانة رغم أن القانون المذكور (105 لسنة 1970) لا يشير الى تجميد القيود ولحد الآن لم يستطع البهائييون الذين تم تغيير حقل الديانة الى مسلم في هوياتهم من تصحيح الحقل الى بهائي وكذلك ذرياتهم. وللاسف فان دراسة (أطياف العراق مصدر الثراء الوطني)والتي تم نشرها في عام 2011 من قبل دائرة الرصد والأداء وحماية حقوق الإنسان في وزارة حقوق الإنسان، قد صدرت خالية من الإشارة للبهائيين. يسعى البهائيون اليوم للعمل مع شخصيات وجهات راعية لحقوق الانسان على رفع نص القانون اعلاه وازالة تبعاته.
سادسا: هل الوضع القانوني للبهائيين في كوردستان افضل من باقي مناطق العراق ؟
• في كوردستان العراق تم الاعتراف الرسمي بالمجلس البهائى لاقليم كوردستان العراق بموجب الامر الوزاري لوزير الداخلية في الاقليم المرقم 5292 و المؤرخ26/ 2/ 2012، كما تم تثبيت ممثل رسمي للبهائيين في وزارة الاوقاف و الشؤون الدينية في الاقليم بموجب الامر الوزاري المرقم 180 والمؤرخ 11/10/2015 اسوة بباقي الاديان من غير المسلمين. وشارك البهائيون رسمياً بمناقشات حراك دستورالاقليم ومشاريع صياغة وتعديل القوانين ذات العلاقة، ومنها قانون 5 لسنة 2015 لحماية حقوق مكونات كوردستان، حيث مازال البهائيون ومع العديد من الجهات المهتمة يحاولون اضافة اسم البهائيين ضمن مكونات الاقليم في القانون.
وبالرغم من هذه التحديات العامة الا ان البهائيين وفي كافة المدن التي يعيشون فيها في شمال العراق او جنوبه، يعيشون مع باقي مكونات المجتمع بكل احترام واعتبار، ممارسين فيها تطبيقات مفاهيم دينهم في رعاية الطفولة وتنمية قدرات الشباب والتاكيد على التعلم مع من يشاركونهم في هذه النشاطات من جيران واصدقاء حول الكيفية التي يمكن بها بناء قدرات النساء و الرجال على السواء لخدمة مجتمعاتهم والانخراط في مجالات العلوم والآداب والفنون بروح الخدمة. وكذلك التاكيد على اهمية الناحية التعبدية للباري عز و جل بما يعزز السلوك الاخلاقي القويم. كما يشارك البهائيون اليوم بنشاطات متنوعة على صعيد المجتمع المدني لاسيما بما يتعلق بتعزيز لغة التعايش السلمي وكذلك ما يتعلق بالاهتمام بالمرأة والتعليم.