عندما يکون هناك في الواقع مسألة أو قضية ساخنة لازالت ساخنة وتلعب دورا حيويا في تحديد مسار
الاحداث والتطورات الاجتماعية السائدة في بلد ما، فإنه من الطبيعي جدا أن يبادر النظام السياسي في
ذلك البلد من أجل التصدي لتلك المسألة أو القضية والسعي من أجل معالجتها بما يحافظ على الامن
والاستقرار الاجتماعي ولايشکل تهديدا ضده، لکن في إيران وبسبب من النهج غير الطبيعي للنظام
الايراني، تبدو المسألة مختلفة تماما، ذلك إن ماقد نجم وتداعى عن إحتجاجات سبتمبر عام 2022،
والتي أثرت ولازالت تٶثر على الاحداث والتطورات السائدة في إيران، فإن معالجتها والتصدي لها من
قبل قادة هذا النظام تکاد أن تکون بطريقة واسلوب الهروب الى الامام!
الاوضاع في إيران ولاسيما من حيث الموقف الساخط والناقم للشعب الايراني على النظام لازالت في
تزايد مستمر وهي على علاقة واضحة جدا مع إحتجاجات سبتمبر2022، إذ أن تلك الاحتجاجات
جسدت موقف واضحا لا لبس فيه للشعب من النظام، إذ أن الذي صار واضحا جدا هو إنه لم يطرأ أي
تغيير على الاوضاع بعد هذه الانتفاضة على الرغم من مرور أکثر من سنة عليها، وهو أمر وحقيقة لم
يعد من السهل تجاهل عليها ولذلك فإن وسائل إعلام النظام وکذلك خبرائه المختصين لم يجدوا مناصا من
تناول ذلك وطرحه.
المقابلة التي أجراها أمان الله قرايي مقدم، الخبير الحكومي، مع وكالة خبر أونلاين الحكومية، حيث سلط
فيها الضوء على التحولات الاجتماعية والاقتصادية الحاسمة التي واجهتها إيران في عام 2022، لافتنا
النظر الى الآثار العميقة لهذه التحولات على استقرار البلاد. وتوفر أفكاره نافذة على التوترات الأساسية
التي تغذي المشهد الاجتماعي والسياسي في البلاد، والذي يتميز بانكماش ملحوظ في الطبقة الوسطى –
وهو تطور له عواقب بعيدة المدى.
وأشار قرايي مقدم إلى أن "التغيير المهم جدا الذي شهدناه في عام 2022 هو تقلص الطبقة الوسطى".
تقليديا، تعمل الطبقة الوسطى بمثابة حاجز، أو (درع مقاومة)، يحمي الطبقات الدنيا من الطبقات العليا
في المجتمع. ووفقا للخبير، فإن تآكلها لا يؤدي إلى زعزعة استقرار هذا التوازن فحسب، بل يدفع أيضا
الطبقات الدنيا إلى مواجهة محتملة مع الطبقات العليا والحكومة. وبالتالي، فإن هذا التضاؤل في الطبقة
الوسطى يدل على فقدان قوة استقرار حاسمة داخل المجتمع الإيراني، مع احتمال تقويض التماسك
الاجتماعي والحكم. هذا الکلام أشبه بالاعتراف بقوة وعمق التأثيرات النوعية التي خلفتها إحتجاجات
سبتمبر2022، على الواقع الايراني.
وتناول الخبير كذلك مشاعر السخط السائدة بين السكان، والتي تتجلى في أشكال مختلفة من السلوك
الجماعي. واستشهد بتضاؤل نسبة إقبال الناخبين في الانتخابات الأخيرة كتعبير ملموس عن عدم الرضا
العام عن الوضع الحالي. وتسلط هذه الخطوة الجماعية للتراجع عن الديمقراطية التشاركية الضوء على
استياء أوسع نطاقا من النظام، مما يشير إلى رغبة عميقة في التغيير.