تكشف دراسة حديثة، تعد الأكبر من نوعها حتى الآن، عن بعض الأجوبة على مفهوم قديم وشائع حول الأمراض: الطبيعة مقابل التنشئة.
وسعى علماء جامعة هارفارد إلى الحصول على بيانات حول 35 مليون أمريكي، بما في ذلك الآلاف من أزواج التوائم، تم تتبع حالاتهم على مدار 24 عاما لتحديد الأمراض التي تتأثر بالجينات، وكذلك الأكثر تأثرا بالبيئة.
وبشكل عام، فإن معظم الأمراض ناتجة عن كيفية تفاعل هذين العنصرين. ويمكن أن تغير البيئة كيفية تعبير الجينات عن نفسها، كما يمكن للجينات أن تؤثر على كيفية استجابة أجسامنا للبيئة.
ولكن تباينا كبيرا في هذا التفاعل القائم على المرض، دفع علماء هارفارد إلى تكثيف البحث لتحديد العوامل، ذات الأثر الأكبر للإصابة بالأمراض.
ووجدت الدراسة الجديدة أن المشكلات المعرفية كانت الأكثر ارتباطا بالشيفرة الوراثية، في حين أن أمراض العيون هي الأكثر تأثرا بالبيئة.
وبالنسبة لأكثر من 6 آلاف حالة وراثية، فإن هناك سببا واضحا: وجود خلل في جزء من الشيفرة الوراثية.
وكان اكتشاف هذه الأهداف جزءا من هدف المشروع العالمي الضخم “مشروع الجينوم البشري”، الذي اكتمل عام 2003. واعتبر رسم خريطة الجينوم إنجازا هائلا، لكنه لا يروي سوى جزء من القصة.
ويمكن القول إن الحمض النووي لكل شخص فريد من نوعه، كما أن البيئات أكثر تفردا، فضلا عن التحول المستمر، ما يجعل عملية التحليل مهمة شاقة جدا.
وكانت التوائم موضوعا هاما في الوراثة، لأنها توفر فرصة نادرة لرؤية ما يحدث للحمض النووي نفسه في بيئات مختلفة.
وجمع علماء هارفارد بيانات عن 45 مليون فرد، من خلال قاعدة بيانات لمعلومات التأمين. وقارنوا البيانات الوراثية بالإضافة إلى الإحصائيات الطبية التشخيصية والحيوية (مثل الطول والوزن)، ما سمح لهم بتفضيل التأثيرات البيئية مثل الوضع الاجتماعي الاقتصادي.
وعلى الرغم من أن جميع المعلومات كانت مهمة للتحليلات، إلا أن 56 ألف زوج من التوائم قدموا بعضا من أهم نقاط البيانات.
وبأي حال من الأحوال، لا تحل هذه الدراسة الكبيرة السؤال المعقد حول ماهية الطبيعة والتنشئة، ولكنها تلقي الضوء على مجموعة واسعة من عوامل الخطر المرضي.
وتبين أن حوالي 40% من الأمراض التي حللتها الدراسات، بما في ذلك الاضطرابات العضلية الهيكلية والإدراكية والعينية، وفي الجهاز التنفسي والتناسلي، ارتبطت بعنصر وراثي.
وأدت البيئة (على الأقل جزئيا) إلى ربع الأمراض البالغ عددها 560، التي درسها فريق البحث.
ولم تكن للوراثة علاقة تذكر بتطور اضطرابات العين. وعلى العكس، ارتبط 27 من أصل 42 من أمراض العيون بالبيئة.
وتبين أن أمراض الأنسجة الضامة، مثل التهاب المفاصل، أقل تأثرا بالحمض النووي، في حين كانت الاضطرابات التناسلية أقل تأثرا ببيئة الفرد. والعكس هو الصحيح بالنسبة للأمراض العقلية، حيث كانت 4 من أصل 5 منها وراثية.
وتنبأت الاستعدادات الوراثية بنحو 60% من الوقت الذي ينفقه الناس على الرعاية الصحية، من شهر إلى شهر. لذا، فإن هذه المكونات الوراثية قد تغير العامل البيئي (الوضع الاجتماعي الاقتصادي)، بطريقة تزيد من مخاطر الأمراض.
وكشف العلماء أن 34 من أصل 48 حالة من الأمراض الوراثية يتم تحديدها اعتمادا على البيئة.
وعموما، كانت العوامل البيئية مؤشرا ضعيفا للأمراض الوراثية، وفقا لبيانات أزواج التوأم.
وأشارت دراسة هارفارد، التي نُشرت في مجلة “Nature Genetics”، إلى أن الوضع الاجتماعي الاقتصادي يؤثر على 145 نوعا من الأمراض المختلفة، مع وجود صلة قوية بالبدانة.
وأوضحت نتائج الدراسة أيضا أن تغير المناخ يستمر في إحداث تأثيرات كبيرة على صحتنا.