الجزء الثاني – الشواهد
هل يعقل ان ندعو الى الغاء الشركات الخاصة العاملة في الاقليم , والاقتصاد العالمي المتنامي والناجح يعتمد على مثل هذه الشركات الخاصة بشكل اساسي في تطوير مجتمعاتها وتقديم الخدمات للمواطنين وباسلوب اسهل وايسر مما كانت تقدمه المؤسسات الحكومية التي تعارفنا على وجودها في السابق
واليست خطوة حكومة الاقليم في تشجيع انتشار ونمو هذه الشركات هي خطوة بالاتجاه الصحيح تقليدا لكل الخطوات المشابهة في دول العالم التي نجحت في مسيرتها الاقتصادية .؟
اسباب عديدة واسباب واقعية تدفعنا للدعوة الى الغاء هذه الشركات , ولعل البنى التحتية التي تأسست على اساسها هذه الشركات هو جل االاسباب كلها وهذه الاسباب هي التي انحت بهذه الشركات ان يكون هدفها الاساسي هو الاستغلال التام للمواطن الى درجة تحطيم معنوياته النفسية وزرع الكراهية في نفسه ودفعه الى الانسلاخ عن المجتمع الذي تعارف على وجوده وتعايش معه طوال حياته وزيادة الهوة والخلاف بينه وبين حكومته .
لقد حدث انقلاب كبير في حياة المواطن المعيشية اكبر بكثير عن ما كان متعارف عليه سابقا دون المرور بمراحل تدريجية ودون التدرج في تقبل الواقع الجديد للتعاملات الاقتصادية مما سبب صدمة كبيرة لجميع المواطنين حتى اولئك المؤمنين بوجوب التغيير الاقتصادي والخروج من النظام الاقتصادي الاشتراكي المتهرئ السابق , ففي مدينة مثل دهوك التي لا تبعد سوى 60 كم عن مدينة الموصل , فيهما نظامان اقتصاديان متضادان ومتعاكسان في كل نواحي الحياة المعيشية المتعلقة بالمواطنين تماما , مثل اجور فواتير الكهرباء والماء وضرائب الاملاك واسعار المحروقات , على الرغم ان المدينتين في بلد واحد وليست هناك اي حدود بينهما ,وان بامكان المواطنين التنقل بسهولة بينهما وان الخدمات التي تقدمها الشركات العاملة في دهوك اما اسوأ او على الاقل لا تختلف عما موجود في مدينة الموصل , ولعل اسوأ الامثلة على ذلك هو الغلاء الفاحش جدا لاسعار كتابة العرائض , حيث قفزت اجور كتابة العريضة من 3000 دينار الى 18000 دينار والهدف الاساسي هو واحد , وكلفة العريضة لا زالت هي نفس الورقة .
ثم هل يعقل ان تحصل على نوعية رديئة من بنزين السيارات بسعر 800 دينار ولا تبعد عنك محطة بنزين تبيعه بسعر 450 دينار وبنوعية افضل سوى امتار قليلة ؟
هل يعقل ان يتمكن المواطن البسيط من اي مدينة عراقية شراء شقة في دهوك بطرق ميسرة سهلة نتيجة الحصول على قروض من البنوك العراقية , وليس بامكان المواطن الكوردي او قد يكون من المستحيل عليه التفكير بالانتقال الى اي مدينة عراقية للعيش فيها , اما نتيجة القوانين المتعاكسة او لعدم تمكنه من الحصول على اي تسهيلات من البنوك وذلك لعدم وجود مثل هذه البنوك في الاقليم, او لان تلك البنوك والمصارف هي بذات النوعية من الشركات التي نتكلم عنها هنا , او لانه لا يحق له التعامل مع اي من البنوك العراقية التي تمنح مثل هذه التسهيلات ؟
المتقاعد من الدوائر الحكومية في كوردستان , عليه ان يبحث عن عمل بعد تقاعده اي بعد الثالثة والستين من عمره لكي يتمكن من اعالة عائلته وفي ظل الاقتصاد ( الحر ) او الاصح ان نطلق عليه الاقتصاد المستعبد للمواطن !!!!! بينما ان اقل راتب تقاعدي في بقية اجزاء العراق يناهز مثيله في كوردستان بضعفين او اكثر.
كما ان المواطن يدرك تماما ان امتلاك مثل هذه الشركات ليس من ضمن حقوقه بل هي من حصة افراد ومسؤولين ووزراء متنفذين في الحكومة او في الاحزاب , وان عائدية هذه الشركات الى هؤلاء الاشخاص المتنفذين تمنحها صلاحيات تبعدها عن المحاسبة او اتباع التعليمات او القوانين المماثلة في بقية البلدان , ولنضرب امثلة قريبة لنا , ففي وزارة مثل وزارة التعليم , فان معظم الجامعات والمعاهد الاهلية لابد ان يكون هناك مسؤول من الوزارة ( قد يكون الوزير نفسه ) او ضمن الحكومة كأحد الملاكين لهذه الشركات التعليمية , لذا نرى معظمها ان لم يكن كلها غير خاضعة للشروط والمبادئ التي يجب ان تحظى بها المؤسسات التعليمية , كما انها لا تخضع تحت بند المحاسبة او المراجعة لانها تعود لنفس المسؤولين الذين لهم الحق في مراجعة اسسس ومبادئ انشاء وتأسيس الجامعات والمعاهد , وذلك بحجة تشجيع القطاع الخاص وكل ذلك يكون على حساب المواطن حيث لا يحصل معظم الطلاب على القدرات التعليمية التي تتوفر لدى مثيلاتها الطبيعية , مع العلم انهم يدفعون اجور قد تكون مماثلة لما موجود في تركيا او اكثر مما موجود في ايران .
بالطبع لا يمكن لاي مواطن ان يتقبل هذا الامر وليس عليه ان يجابه هذا الواقع المر الحالي لكي يكون هناك ( توقعات ) بمستقبل مزدهر قادم لمجتمعنا وخاصة انه لا يرى بصيص امل بتحسن الاوضاع , كما انه على يقين ان اصحاب هذه الشركات لا يشاركونه تحمل هذا الصبر ولا يتكبدون هذه الخسائر من الاموال ولا يصابون بهذه العقد النفسية التي تصيب هذا المواطن نتيجة عدم قدرته على الدفع وعدم قدرته على تغيير الواقع وبالتالي اصابته بامراض هو في غنى عنها لو كانت الامور تجري كما كانت في السابق .
في الجزء القادم سنبين بعض الاسباب الموضوعية لتحفظنا على وجود مثل هذه الشركات ثم سنطرح بعض الحلول التي تناسب واقعنا الكوردستاني ووقوعنا ضمن بلد مثل العراق الذي يتمتع باقتصاد مغاير تماما لاقتصادنا .
دكتور عبدالعزيز رشيد
حاتم خاني
جامعة بوليتكنيك – دهوك