(لمحة تاريخية مختصرة )- ..
بداية بغض النظر إن كنا نؤمن بالأديان أو لم نؤمن لكن إذا نظرنا إلى مراحل تطور الشعوب في بلاد الخصب ( بلاد ميديا و ميزوبوتاميا ) من منظور تاريخي نجد بأن الطقوس والعادات والعبادات في الديانات القديمة (كالإيزيدية مثلاً) تختلف عما هو عليه في الديانات الإبراهيمية – كاليهودية والمسيحية والاسلامية ، كما و يختلف مفهوم الإله في الديانات القديمة عن مفهوم الإله في الديانات الإبراهيمية بل ويختلف هذا المفهوم حتى في الديانات الإبراهيمية نفسها ، فإله التوارة ليس ك رب المسيح و وليس الله الإسلام .
و الأهم من كل هذا وذاك لا توجد في الديانات القديمة وسيط أو وحي أو رسول أو نبي أو ملاك أو شيخ بين الإنسان و خالقه ( أو بين ez û ezdah) ، كما ولا يوجد شي اسمه عذاب جهنم وحوريات الجنة ، وإنما من خلال الإيمان بالطبيعة وبعناصره الأربعة ( الماء والهواء والنار والتراب) هناك إعتقاد بديمومة الحياة و تقمص الأرواح ( كراس كوهارتن ، kerasgohartin) و ( tim hebun ) أو تجدد الأرواح .
ولذلك إلى حين مجيء الشيخ عدي بن مسافر إلى لالش مع مريديه و مؤيديه في أواخر عهد العباسي كان معظم الإعتقادات والمعتقدات في الديانة الإيزيدية القديمة منشأها الظواهر الطبيعية والتغيرات المناخية ، تبدأ بالشمس والقمر والنجوم والصواعق و تنتهي بولادة الكائن البشري حتى موته و لطالما تلك الظواهر كانت أبطالها من الآلهة وإنصاف الآلهة فتناقلتها الأجيال بأمان عبر أدعية و أقوال وسبقات ، و في المفهوم الإيزيدي القديم تعتبر هذه الظواهر أفعال لا إرادية و نتاج فكري متكامل من سجل لأفعال الآلهة ( الخودان ) .
ولكن بعد ظهور الكتابة تطورت هذه الظواهر وأخذت شكل من الطقوس والمعتقدات الدينية و أناشيد و تراتيل كما في ملحمة كلكامش ، و إناشيد أعياد رأس السنة البابلية والإحتفال بآلهة تموز واحتفالات الإيزيديين بأربعاء الأول من نيسان أو كما يسمونه بعيد ( طاووسي ..) و جميعها ترمز الى ملاك الشمس الكبرى ،سيما وكان للشمس مكانة إلهية مقدسة لدى الشعوب التي كانت تعتقد بالميثرائية و في مقدمتهم الإيزيديين ، حيث عُثِر على عدة تماثيل لهذه الآلهة بشكل مجنح في تل عطاشنة و تل عين دارا بمنطقة عفرين يرجع إلى العهد الهوري والميتاني ،و الى الآن مازال هناك الكثير من الآثار و النقوش التي ترمز لآلهة الشمس في قرى ناحية شيروا بعفرين التي مازال إلى اليوم بعض سكانها من الإيزيديين وخاصة في قرى براد و خرابي شمسه وكيمار و كلوته وباصوفان وهذا دليل ( كما يقول جيمس هنري برستد في كتابه فجر الضمير ) بأن آلهة الشمس كان الإله الشبه مطلق لدى الميتاهوريين * فكانوا يسمونه برب السموات ” و إلى اليوم مازال الكثيرون من أهالي منطقة عفرين يحلفون و يقسمون اليمين عفوياً بالشمس وبعين الشمس بدلاً من الله حيث يقولون :(Bi vê royê ) أو ( bi îşqê royê) أي (وحق نور الشمس).
فبعد أن كانت الشمس جزء من الظواهر الطبيعية أصبحت الظواهر الطبيعية و التغييرات المناخية تابعة لها و تُدار بمشيئتها، فإنتقل الشمس كآله من عالم الطبيعة إلى عالم الإنسان* له علاقة بالخير والشر ، و بالحياة والموت على وجه الأرض وبأن آلهة السموات أوآلهة الشمس أو كما يسميه الايزيديون بطاو وسي ملك ينزل إلى الأرض في الأربعاء الأول من نيسان من كل سنة . و يعتقد الايزيديون بأن هذا اليوم هو آخر أقصر يوم في السنة ، وفي هذا اليوم يتساوى الليل مع النهار ، وفي اليوم التالي ( أي الخميس) يتطاول النهار على الليل بدقيقة واحدة وهو في المفهوم الإيزيدي ( أو الميدي) يوم ميلاد الشمس اي يوم إنتصار النور على الظلام و هو اليوم الجديد في السنةالإيزيديةالجديدة..
ولطالما الإيزيديون يؤمنون بالتقمص و ديمومة الحياة فيعتقد الايزيديون بأن في هذا اليوم يتزاوج آلهة الشمس الكبرى مع ملكوت الأرض و يتقمص الأرض بروح الخصوبة مجدداً ( اي كراس كهوراتن دنيايه) حيث تنمو وتتلقح الازهار والأشجار والمزروعات وكل الكائنات النباتية ، لذلك فيحرم الزواج ، وفلاحة الأرض وقطع الاشجار والنباتات والصيد طوال هذا الشهر، حيث تُفَض الخلافات وتعقد المصالحات.. وغالباً ما يتوقع الإيزيديون أن يحصل شيء من الغيير المناخي خلال هذه الأيام من أمطار أو أعاصير أو ثلوج .الخ
فتقام حفلات الربيع و الطواف حول المزارات .. و ينثر الفلاحون قشور البيض الملون و أوراق شقائق النعمان ( غان غوليك gangulîk ) على مزروعاتهم ظناً منهم بأن هذا يجلب الخير و البركة لمزروعاتهم
و بما إنه شهر الخير و الأمنيات لذا يجب أن تصفى القلوب من رواسب الحقد والخلافات بين الناس ، و ترمز الى ذلك من خلال تزيين شجرة بقُطع من القماش والبيض الملون .. و تعليق باقات شقائق النعمان الأحمر على أبواب المنازل ..
و كان بعض الشباب و البنات يحتفظون ببعض من مياه نيسان ظناً منهم بأن هذه المياة هي مياه الحياة تطيل الأعمار وتمنح الحيوية والشبوبية ..
ولكن من ناحية أخرى فحسب الوثائق البابلية والحثية و حتى المصرية القديمة نيروز يصادف 14 نيسان الشرقي ، ففي هذا اليوم أسقط الميديون(بتحالفهم مع البابليين) نينوى ، و بسقوط نينوى تكون قد سقطت أشرس إمبرطورية اشورية حكمت الشرق عدة قرون بالدم والنار .و سقوط الملك آشور يوم ذاك كان بمثابة بزوغ شمس جديد في تاريخ الشرق الآري و الآسيوي
لذلك فنجزم نحن الإيزيديين بأن ما تعنيه (نوروز) من تفسيرات تاريخية حقيقية ،هي نفسها العيد الأيزيدي (عيدا جارشما سري نسيانه أو عيد الشمس أو عيدا طاووسي ملك ) لكثير من الدلائل اهمها وليس كلها :
ـ كلا الحدثين تعبران عن نفس المعنى وألى حدٍ ما نفس الأسم ( نيوروز او نيو روج و ـ اليوم الجديد ـ وبين التسمية الإيزيدية : سرصالا إيزيديا) ،بالإضافة إلى إن الموقع الجغرافي للحدثين هو بلاد ميزوبوتاميا ( الكردستان الحالية*) ،والتي كانت معظم شعوبها (العيلاميين والحوريين الميتانييين والهوريبن) هم ميثرائيين أو شمسانيين حيث كان للشمس( أو للإله ميثرا) مكانة إلاهية.والعامل الرئيس والمشترك بينهما هو النور أو النار كرمز من رموز الحرية مقابل الظلم والظلام..إلخ.
.لكن أخذ العيد فيما بعد بُعداً دينياً وقوميا ًوسياسياً وبداية تقويم جديد لأحفاد الكرد الميديين. لأن كيخسار (مؤسس ميديا) ـ وبالرغم انه كان بإمكانه إسقاط نينوى قبل هذا التاريخ وحتى بدون مساعدة حليفه البابلي( نبوخنصر) إلا أنه أراد أن يختار هذا اليوم ( يوم 14 نيسان ) ليوافق بين قداسة الحدث و ولادة الشمس لذا فالإيزيديون إلى اليوم يسمون بالشمسانيين .
فإقترن أسم نوروز بمعظم شعوب ميديا و موزوبيتاميا حتى بداية الغزوات الإسلامية والعثمانية ، و أما عن كاوا الحداد وقضائه على الملك الظالم فلربما المقصود به هو كايو أو كايخسو أو كايخسار وإما الطريقة التي تم فيه القضاء على الملك أزدهاك فهي أسطورة إفتراضية تم تسيسها لطمس حقائق تاريخية أخرى أكثر تأثيراً و أهمية ..
لذا فنستنتج من كل ما سبق بأن الديانة الإيزيدية كانت وما زالت الخميرة الأولى للقومية الكردية ، وميثيولوجيا الإيزيدية هي الأرث التاريخي والروحاني للأمة الكردية.
لذا فبهذه المناسبة أتوجه إلى كافة الايزيديين في سوريا والعالم و إلى الامة الكردية و المخلصين من الشعب السوري بكل مكوناته باحر التهاني والتبريكات و أصلي لأجل ان يعم السلم والسلام و طننا السوري الجريح ، و يعود كل المهجرين السوريين إلى دارهم و ديارهم
سنة جديدة أعاده الله علينا و عليكم و على العالم و على الايزيديبن بالمحبة والسلام ..
وكل نيسان أنتم جميعاً بخير ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مصادرالبحث :
– آلهة الشمس في جبل ليلون – مروان بركات ، عن جيمس هنري برستد في كتابه فجر الضمير
ـ الباحث فراس سواح ( مغامرة العقل الأولى )
ـ الباحث الدكتور خليل رشو جندي
ـ الباحث الأستاذ المرحوم حسين اومريكو
ـ وبعض من مساهماتي و مراجعاتي .