الثلاثاء, نوفمبر 26, 2024
Homeمقالاتعبد الرضا حمد جاسم : علي الوردي في ميزان/غرائب(1)/الكتابة و التجارة

عبد الرضا حمد جاسم : علي الوردي في ميزان/غرائب(1)/الكتابة و التجارة

موضوع الكتابة والكتابة عن الكتابة رافق الانسان طويلاً وكل من كتب يوماً فَكَّرَ بالكتابة وأراد ان يفسرها او يفسر حالاتها او أسبابها. والاهتمام بها مستمر حيث تُعرض/تُنشرْ المقالات عنها. وللمشاركة في هذا الهَّمْ أستميحكم العذر في أن اعرض عليكم وضمن سلسلة: (علي الوردي في ميزان) رأي أو ما تفضل به الراحل الدكتور علي الوردي له الذكر الطيب عن الكتابة. هنا استعين/ اقتبس /انقل ما ورد عنها في الكتب التي أصدرها الراحل الوردي والتي اثارة ضجة كبيرة في وقتها ولا تزال …اليكم التالي:

1.كتب الراحل الوردي له الذكر الطيب في ص 314 من كتاب الاحلام بين العلم والعقيدة الصادر ” في عام 1959″ أي بعد ثورة 14تموز1958 التالي: [لقد كنت اتبع سبيل المراوغة والمدارات في مختلف كتاباتي ومحاضراتي أي إني كنت اتبع طريقة كليلة ودمنة الذي الفه بيدبا في قديم الزمان وقد جابهني البعض بالنقد الشديد على هذه الطريقة “البيدبانية” فكانوا يقولون عني إني ادور حول الفكرة دون ان ادخل في صميمها واخرج منها أحيانا بغير نتيجة. كنتُ في العهد البائد مخيرا بين امرين اما ان أفصح عن رأيي بصراحة تامة فاذهب الى السجن او اراوغ فيه واداري فأتخلص من السجن ومن مغبة قطع الارزاق وبعد تأمُل وتمحيص وجدت الامر الثاني أجدى وأصلح لي وللقراء] انتهى

تعليق: لا اعرف هل ان هذا النص يعني او يمكن ان يُفَسَر على انه اعلان براءة من كل ما كتبه ونشره الراحل الوردي قبل تاريخ اصدار هذا الكتاب، ام انه توصيف لحالةٍ اضطره القلق والارتباك الى البوح بها وتثبيتها في متن احدى منشوراته أو هو تفسير الوردي لِما كانت عليه محتويات إصداراته المهمة جداً والتي اثارة جدلاً كبيراً حيث شمل هذا القول ما ورد في كتبه المهمة التالية: شخصية الفرد العراقي/1951 وخوارق اللاشعور/1952 ووعاظ السلاطين/1954 ومهزلة العقل البشري/ 1955 واسطورة الادب الرفيع/1957 والاخلاق/1958.

لم أقرأ ان الدولة/ السلطة/ “النظام البائد” قد اعتراض رسمياً/اجرائياً على ما كتبه أو نشره أو طرحه الوردي او انه “الوردي” قد تعرض حتى لل”عتب” رسمياً من “النظام البائد” ذلك النظام الذي فتح له كل الفرص الممكنة سواء في الدراسة أو التعيين أو البعثات الدراسية “مرتين الأولى الى الجامعة الامريكية في بيروت والثانية الى تكساس” وفتح له أبواب الجامعة بعد عودته بعد نيل الدكتوراه وفتح له المطابع ودورالنشر التي اغلقها او حاول غلقها بوجه بعض معارضيه “النظام البائد”. سوى ما ذكره الوردي من ان أحد المسؤولين قال له انه “يدس السم في العسل” ولم يكن هذا القول رسمياً انما اجتماعياً حيث كتب الوردي في ص 314 من كتاب الاحلام بين العقل والعقيدة/1959 التالي: [وصفني أحد المسؤولين في العهد البائد بأني في كتبي السابقة “أدس السم في العسل”. ولست في حاجة الى تفسير المقصود من هذا القول في عرف ذلك العهد، فالسم كان يعني يومذاك كل ما لا يرضى عنه الحكام من آراء. واعترف إني كنت لا اتوانى عن دس “السم” دساً خفيفاً يكاد لا يبين له طعم او ينتج عنه الأثر المنشود منه] انتهى.

لكن الراحل الوردي بعد ان كتب ونشر هذا المقطع عاد بعد سبعة أعوام أي في عام 1965 في كتابه عالي الصيت: دراسة في طبيعة المجتمع العراقي الذي لو تصفحناه لوجدناه لا يختلف فيما ورد فيه عما ورد في كتبه التي صدرت في العهد البائد لا في الأسلوب ولا في المواضيع ولا في الصياغات ولا في التحريفات ولا في الامثال ولا في الحكايات…أي ان هناك تماثل شبه تام بين ما ورد فيه وبين ما تضمنته تلك الكتب…حتى قيل عن الراحل الوردي انه “صاقول” أي يعيد ويصقل.

لا اعرف كيف تحسس “أحد المسؤولين” ذلك السم الذي لا يبين له طعم ولا ينتج عنه أثر منشود منه؟؟؟؟ ويمكن لي أن اضيف بأن ذلك السم لا لون له ولا طعم حتى تحسسه ذلك المسؤول. وإذا عرف عن السم وتحسسه ذلك المسؤول فهل قراء الراحل الوردي من “بقالين وحمالين وصناع الأحذية أكثر انتباهاً او بقدر انتباه ذلك المسؤول حتى ينتفعوا ويتلذذوا بذلك “السم” الفكري الذي “دسه” الوردي في عسل طروحاته؟ يبدوا ان طروحات الوردي كانت عسلاً بالنسبة “للنظام البائد” لكن فيها بعض “السم” الخفيف الذي لا أثر منشود منه…لو دقق الراحل الوردي قوله هذا لوجده انه ضده وليس معه.

2.في ص8 اسطورة الأدب الرفيع كتب الراحل الوردي التالي: [وصفني أحد الادباء في العام الماضي باني تاجر وظن انه وصمني بذلك وصمة لا خلاص لي منها حيث ستسير بها الركبان في كل مكان ويتحدث عنها الرواة كما كانوا يفعلون بشتائم جرير والفرزدق. هولا يدري بان الزمان قد تغير وأني افتخر بان أكون في كتبي تاجرا اذ لا استحي ان أكون كصانع الأحذية وبائع البطيخ أقدم للناس ما يرغبون به او ينتفعون.الخ] انتهى

تعليق: اعتقد ان الراحل الوردي تعمد ان لا يفهم قصد منتقديه…فهم لا/لم يحسدونه كما أراد ان يظن على ما يكسب من منشوراته من الكتب…انما كان القصد من “وصمه بالتاجر” انه يستعجل النشر دون تدقيق او تحليل أو انتباه و انه يُكثِرْ و يطيل و يلف و يدور و يداري و يراوغ ولا يحدد ما يريد وهو من اعترف بذلك كما ورد في(1) أعلاه. العجيب ان الراحل الوردي وتحت تأثير الانفعال /التشنج ابتعد عن الرد الصحيح بقوله:( واني افتخر بان أكون في كتبي تاجرا اذ لا استحي ان أكون كصانع الأحذية وبائع البطيخ أقدم للناس ما يرغبون به او ينتفعون…الخ).

 اعتقد انه مهما كانت “الصيغة “او” المعنى” او مهما اسعفته اللغة العربية في تفسيره الذي أراده/ارادها الوردي هنا لا يمكن ان تغفر/يغفر له هذه “الاستعارة /التشبيه /المحاججة”…لم يكن الراحل الوردي في رده هذا كما فهمت تحت تأثير شخصية العالم /الباحث/الأستاذ الجامعي الذي يرغب بالرد او النقاش فهو يعلم ان نتاجه فكري و ليس عضلي ونسي ان صانع الاحذية يصنع للناس على مقاساتهم ورغباتهم و يعرض الرديء والجيد “كلشي بسعره” وبائع البطيخ يبيع “كوتره” و يبيع “شرط السجين” و ايضاً “كلمن بسعره”… فهل بضاعة الوردي مع الاعتذار شبيه ببضاعة صانع الأحذية او بائع البطيخ مع احترامي للجميع؟ هل فيها مختلف الألوان والاشكال والمقاسات والاوزان والمصادر؟ هل هي سريعة الاستهلاك وال “عطل” والتغَيَّر والتلف تحت تأثير الظروف المتنوعة المتقلبة سريعاً؟ وهل هناك ما فيها موسمي مثل البطيخ؟

كان على الراحل الوردي ان “يستحي” من هذه المقارنة بدل ان يقول “لا استحي” ليس انتقاصاً من الكادح صانع الأحذية وبائع البطيخ…لكن للاختلاف الهائل بين “الصنعتين” العملين و”البضاعتين” وهو يعرف ان طبيعة صناعة الأحذية تعتمد على طلب المقابل/المشتري من حيث اللون والموديل والقياس أي ان جهد صانع الأحذية الذهني يكون تحت تأثير طلب طالب الحذاء…في حين المفكر والباحث والعالم يكون فعله الذهني ليس بهذا الاتجاه على الاقل. ولو ان الوردي أوقع نفسه في المحظور عندما قال:( أما الذي يقترب الى الجمهور بفنه ويكتب له ما يريد فهو في نظرهم تاجر لا خير فيه). وقال 🙁 أقدم للناس ما يرغبون به او ينتفعون).

انا أقول: نعم ما ينتفعون به ولكن لا خير في عالم يكتب/يقدم ما يريده هذا الجمهور لأنه في هذا يكون كالمهرج الذي يطلب/يستجدي التصفيق لحركاته…وحاشى من يوصف بالعالم ان يكون كذلك…العالم يكتب ما يُريده هو ليرتقي بالجمهور الذي يُريد ان يتعلم من العالم، لذلك يشتري كتبه فالعالم ليس مقدم برنامج ” ما يطلبه المستمعين”.

3.وفي ص10 من نفس الكتاب: [ولا عجب ان يمتعض الادباء من وصمة التجارة. انهم يتركون ميسم الخلود على جبين الأرض كما يزعمون ولهذا فهم اجل وارفع من البقال او الصانع الذي يكسب رزقة من عرق جبينه ثم يموت ويموت ذكره معه. وهناك سبب اخر جعل الادباء يحتقرون مهنة التجارة هو انهم عاشوا في أحضان الامراء فاقتبسوا منهم قيمهم الاجتماعية فالأمير بوجه عام يكره ان يكون كالصعاليك عاملا كادحا يكسب رزقه بعرق جبينه انه يحتقر الصعاليك ويحتقر الطريقة التي يكسبون بها وقد حذا الادباء حذو اسيادهم في ذلك طبعا] انتهى

تعليق: أعتقد أن رد الراحل الوردي هذا إهانة لأساتذة اجلاء مارسوا حقهم في الرد على ما ورد في كتبه وفق ما يؤمنون به و “تحت تأثير” ما يؤمن به الوردي في موضوع “القوقعة الفكرية والثقافة الاجتماعية”. والوردي يعرف ان اغلب منتقديه مثل حالته في علاقتهم مع “الامراء” “الحكومة” فهم موظفين او أساتذة جامعة يعيشون على رواتبهم وما يحصلون عليه من كتبهم…وهو يعرف ايضاً أن سلاطين تلك الفترة لا يملكون ما “يبذخون” أو “يتصدقون” به على المطبلين لهم فلم يكن بينهم “معاوية بن ابي سفيان أو هارون الرشيد”…بالكاد كان راتبهم الشهري يسد احتياجاتهم حالهم في ذلك حال الوردي نفسه.

الحقيقة لا اعرف كيف استطاع الوردي ان يتعرف على رغبات القراء وما يتلذذون به ليقدمه لهم وينال رضاهم وهم كما يعلم “معادن”!!!!

ولتبرير ما ورد اعلاه بخصوص التجارة والتاجر كتب في ص10 من نفس الكتاب “اسطورة الادب الرفيع”: [والغريب ان نجد ادباءنا يحتقرون التجارة بينما كان الإسلام يحترمها ويعتبرها اساساً للدين والايمان. يقول القرآن: (يا أيها الذين امنوا هل ادلكم على تجارة تنجيكم من عذاب اليم). ويقول (ان الذين يتلون الكتاب وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سراً وعلانية يرجون تجارة لن تبور) ويقول (أن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعداً عليه حقاً في التوراة والانجيل والقرآن ومن اوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك الفوز العظيم) فالمسألة تجارية إذن. والمؤمن يقدم نفسه وماله بين يدي الله على سبيل المقايضة والله سيرد له ما قدم ويضيف عليه ارباحاً مضاعفة…الخ] انتهى.

تعليق: لا اعرف هل التجارة مع الله مثل التجارة مع عبد الله فيها الغش والنصب الاحتيال بأشكال لا تخطر على بال وفيها الأسعار ونفاذ الصلاحية واغلظ الايمان؟؟؟

 من يدقق في النصوص القرآنية الثلاثة يجد انها بعيدة جداً عن الموضوع ويستغرب كيف استعان بها الراحل الوردي في ردوده …اترك التقييم للقارئ الكريم. ولكن لابد من سؤال هنا وهو: هل القرآن ومُنْزِلَهُ “الله” كان يعمل على ان ينال رضا القارئ بالمراوغة والمُدارات ودس السم الخفيف الذي لا طعم له ولا أثر منشود منه فيعطيه ما يريد وما يتلذذ به وينتفع منه؟ أي هل القرآن مثل “كليلة ودمنة”و”الله”مثل”بيدبا”أو”ايزوب “؟

4.في ص13 من نفس الكتاب كتب الراحل الوردي: [وصف أحد الادباء كتبي السابقة بأنها كجبة الدرويش ليس فيها الا الرقع. واظن سيصف كتابي هذا بمثل ذلك. ولست أرى في ذلك بأساً فخير لي ان أكون رقاعاً اخدم الناس بالملابس المهلهلة من أكون خياطاً ممتازاً اصنع الملابس المزركشة التي لا تلائم أجساد الناس ولا ينتفع بها أحد] انتهى.

تعليق: مهما نفعت اللغة العربية في تفسير قول الوردي هذا…لكن كان عليه ان ينتبه وان يتجنب مثل هذا الرد من خلال تَقَبُلْ النقد والابتعاد عن العصبية/الانفعال/التسرع/التشنج. والوردي يعلم ان الجبة تخص المتصوف نفسه ولا تخص المجتمع وهو راضي عنها وعليها والقانع بها. اما كُتب الوردي فهي لا تخص الوردي انما تخص الثقافة والمجتمع. والمتصوف بجبته تلك ليس في افعاله وممارساته وأقوله مراوغات ولا يداري الاخرين ولا يعمل على ان ينال رضاهم فهو معتزل لا يقدم للناس ما يريدون وما يتلذذون به انما يُقدم ما يُريد هو. أما ذكر الناقد لها ووصف كتب الوردي بها فهو يعني ان ما ورد فيها لا جديد فيه، طرحه السابقون وهي مزركشه “بالرُقَعْ” المتعددة الألوان بتعدد المصادر “الرديئة” التي أخذ منها الوردي أي انها متناقضة ومشوهة…وكان واضحاً ان صاحب الوصف هذا لم يُشِرْ الى الرَّقاع “الركَاع” انما أشار الى المرقوع “المركَوع” وراقع الجبة صاحبها ولم يعرضها على الناس او يعرض خدماته في الرقع عليهم حتى يقول الوردي: (فخير لي ان أكون رقاعاً اخدم الناس بالملابس المهلهلة من أكون خياطاً ممتازاً اصنع الملابس المزركشة…الخ). السؤال هنا: لماذا لا يطبق الوردي على نفسه ما يقترحه على الاخرين في ان يكونوا امة وسطا حين كتب في ص13 من نفس الكتاب “اسطورة الادب لرفيع” التالي: [المفروض في الادباء ان يكونوا في الناس امةً وسطاً فلا يتزلفون الى المترفين ولا يخاطبون غرائز المراهقين. أن لهم وظيفة في الحياة كبرى وهم قادرون أن يقدموا للناس ما ينفعهم ويلذ لهم في آن واحد وتلك هي التجارة التي لا تبور] انتهى

ثم ان الوردي يعرف جيداً ان الملابس المهلهلة لا ينفع فيها الرقع ومن يحاول رقعها يضحك على نفسه ويضحك على صاحبها ويسرقه لان الرقع لا يُعَمِرْ “لا يُصْلِحْ” فهي “الجبة” “خامة بايده””مهترئة” قيل فيها: “خامة بايدة ما تفيد بيها الركَعة” والوردي تحت تأثير هذا الانفعال/التشنج/ العصبية /التسرع كتب التالي في ص8 كتب التالي: [فالقارئ الحديث مشغول بهموم يومه ولا يبالي ان يشهد مناقشة بين اثنين لا مصلحة له فيها. وهويقرأ الكتاب لينتفع منه اويتلذذ به وإني لأدرك هذا فيه ولهذا تراني اسعى في كتبي لكي انال رضاه واعطيه المنفعة واللذة قدرالمستطاع] انتهى.

تعليق: اعتقد ان قارئ كتب الوردي في حينها وربما حتى اليوم يهتم بالنقاش بين الكاتب والناقد وربما البعض منهم هو ناقد ايضاً. ويزداد اهتمامهم عندما يكون النقاش بين استاذين فاضلين “الكاتب والناقد” لأن من أشترى مثل ذلك/هذا الكتاب في ظروف العوز والامية والجهل في ذلك الوقت في العراق يهتم بما ورد فيه من أفكار ووجهات نظر وطروحات. وان نقد الكِتاب والكاتب يوسع الحوار ويوضح ما يمكن ان يكون قد فات على القارئ “المشغول بهمومه”…لآن المشتري مهتم بالثقافة على الاغلب.

5.في ص 317 من كتاب الاحلام بين العلم والعقيدة وتحت عنوان فرعي هو “الادباء والتجارة” كتب: [قلت في كتاب اسطورة الادب الرفيع ان الناس يقبلون على شراء الكتاب كما يقبلون على شراء حذاء او اية بضاعة أخرى من بضائع السوق فليس في الامر تشجيع للعبقريات او تثبيط لها والمؤلف في هذا كصاحب الدكان اذ هو يخرج للناس ما يريدون منه لا ما يريد هو منهم وقد يتحول القراء من كتاب الى اخر تبعا لتغير الظروف وما على المؤلف اذن الا ان يجاريهم في ذلك او يقبع في بيته ليريح ويستريح] انتهى

تعليق: الحقيقة اترك التعليق على هذا المقطع لأنه يحتاج الى كلمات يصعب طرحها للقراء واكتفي بأن اطلب من القارئ الكريم التدقيق فيما ورد فيه وان يكون هو الحكم وهو من يختار التعليق. وأتمنى من القارئ الكريم ان يضع امامه عند التعليق ان الراحل الوردي كتب هذا بعد ان أصدر كتب مهمة “تمت الإشارة اليها أعلاه” اثارة جدلاً كبيرا وعميقاً وصل حد تهديد حياة الوردي…وهذه الكُتب لا نجد مكان فيها لطرح الوردي هذا من أنه “يخرج للناس ما يريدون منه لا ما يُريد هو” أن ما ورد في كتب الراحل الوردي تلك ما أراده الوردي نفسه لا ما “طلبه المستمعون”. وكُتبْ الوردي كما اشرتُ أعلاه يشتريها/اشتراها من كان مهتماً بها ومنهم ربما من كان يشتري الكتاب ويبقى حافي القدمين.

وقول الوردي عن انتقال القارئ من كتاب الى اخر ليس له علاقة بتغير الظروف …ثم يختم بما يثير العجب والاستغراب حين كتب: “وما على المؤلف اذن الا ان يجاريهم في ذلك او يقبع في بيته ليريح ويستريح”…هذا الطرح أتمنى ان لا يمر على الأعزاء القراء مر الكرام. فهو يطرح أسئلة كثيرة وعميقة عن/على الراحل الوردي وعن أهدافه ومراميه ويشمل كل طروحاته و”حكاويه”.

6.في ص316 من كتاب الاحلام بين العلم والعقيدة الذي صدر بعد ثورة14 تموز1958 وتحت عنوان فرعي هو: “قراء عهد الثورة “كتب الوردي: [قد يظهر في بعض فترات التاريخ مؤلفون قادرون على تغيير اسلوبهم تبعا لتغيير الاحوال. لكن هؤلاء قليلون او نادرون. عثرتُ مثلا في الآونة الأخيرة على كتاب للأستاذ لينين كان قد كتبه في العهد القيصري ثم وضع له مقدمة جديدة بعد القضاء على ذلك العهد وقد كتب لينين في مقدمته يقول انه اخذ بعين الاعتبار خطر الرقابة القيصرية حين ألف كتابه وانه التزم منتهى الحذر عند صياغة الملاحظات السياسية حيث سلك فيها سبيل التلميح على طريقة “أيزوب” وقد يسال القاري عن “ايزوب هذا الذي ذكره لينين. إن “ايزوب “شخص شبه خيالي نسب اليه الاغريق القدماء حكايات رمزية من طراز حكايات كليلة ودمنة. معنى هذا ان لينين غير أسلوبه بعد الثورة عما كان عليه قبلها وهو بهذا يختلف عن المؤلفين المحترفين من أمثال كاتب هذه السطور. إننا نريد ان نكتب لكي نعيش بينما هو ويعيش من اجل حزبه ومبادئ حزبه. هو عبقري ونحن من سائر الناس حيث قد نخشى على أنفسنا وأولادنا حتى من عواء الكلاب] انتهى

تعليق: “اننا نريد ان نكتب لكي نعيش”…عبارة كبيرة يفتخر بها كما يبدو وهو “مُحق” حيث يعتبرها البعض انها صراحة ما أقدم عليها غيره…

كيف نفسر “نعيش” هنا؟ هل وفق “نحصل على الطعام” أن كان هذ: فالراحل الوردي كان استاذاً جامعياً في وقت كان الأساتذة قليلون ومثله نقاده وكانوا “يعيشون” عيشة أقرب الى “الرفاهية”… أما إذا كان المقصود ب”نعيش” هو “العيشة” “الحياة” فقد تعرض للتهديد بسبب كتاباته تلك و مرت الأمور بسلام أي لم تنفعه “المراوغات و المُدارات” مع العلم أنه لم يتعرض للتهديد من قبل السلطات بل من قبل من كان يتصور انه يقدم لهم ما يريدون و يتلذذون به و ينتفعون. أعتقد ان الوردي حقق بعض ما يريد مادياً/مالياً من كتابته ونشره الذي تدفق هائلاً في فترة قصيرة. بحيث وصل الى نشر “ورقة” كل يوم تقريباً “نشر وليس كتابة” عدى المحاضرات والمقالات والندوات والبرامج والمقابلات والتصريحات والمشاركات العلمية خارج العراق وبذلك اعتقد انه فاق الاولين والاخرين.

هنا المرة الأولى الذي يذكر فيها الوردي ” الأستاذ لينين” في كل كتبه السابقة وحشره حشراً مسايرةً لظروف عام 1959 ليُبَّينَ للبعض انه مطلع على كتب لينين. وأضاف الى ذلك بعض الاقوال من هذا القبيل في صفحات أخرى هذا الكتاب مثل الديالكتيك الذي “عرَّبه” كعادته الى”الدواليكية”!

7.في ص 24 من الاحلام كتب التالي: [فالذي لا شك فيه ان ثورة14 تموز كانت ثورة جذرية كبرى هزت عقول الناس وقلبت مفاهيمهم واعتقد ان عهد الثورة يحتاج الى كُتاب وادباء من نوع جديد يختلف عن ذلك النوع من الادباء والكُتاب الذين اعتاد الناس عليهم في عهد مضىورب سائل يسألني، إذا كان الامر كما تقول فلماذا لا تغير اسلوبك يا اخي؟ والجواب على هذا القول بأن ليس من السهل على الكاتب بوجه عام ان يغير أسلوبه بإرادته فالأسلوب جزء من الشخصية وهو اذن لا يتغير الا إذا تغير تركيب الشخصية كله وهذا امر عسير جدا لاسيما فيمن هو مثلي قد اجتاز طور الشباب ودخل طور الكهولة منذ زمن غير قصير…] انتهى

تعليق: ورد “ان عهد الثورة يحتاج الى كُتاب وادباء من نوع جديد يختلف عن ذلك النوع من الادباء والكُتاب الذين اعتاد الناس عليهم في عهد مضى” هذا يعني ان كتاب “العهد البائد” والوردي منهم ليس لهم مكان او دور في العهد الجديد وهذا اجحاف بحق الكثير من الكتاب والادباء المعروفة مواقفهم والذين أشاروا لما يريدون بوضوح وقوة ولم يراعوا ويداروا او في أقصاها دسوا السم في العسل بطريقة تختلف عن طريقة الوردي “لا طعم للسم ولا أثر منشود منه اي لا تأثير له”. ثم يقول: “ورب سائل يسألني، إذا كان الامر كما تقول فلماذا لا تغير اسلوبك يا اخي؟ والجواب على هذا القول بأن ليس من السهل على الكاتب بوجه عام ان يغير أسلوبه بإرادته فالأسلوب جزء من الشخصية وهو اذن لا يتغير الا إذا تغير تركيب الشخصية كله وهذا امر عسير جدا لاسيما فيمن هو مثلي قد اجتاز طور الشباب ودخل طور الكهولة منذ زمن غير قصير…] انتهى

ولو نستعين بقوله السابق الذي ذكرته في بداية المقالة وهو:( [لقد كنت اتبع سبيل المراوغة والمدارات في مختلف كتاباتي ومحاضراتي أي إني كنت اتبع طريقة كليلة ودمنة الذي الفه بيدبا في قديم الزمان وقد جابهني البعض بالنقد الشديد على هذه الطريقة “البيدبانية” فكانوا يقولون عني إني ادور حول الفكرة دون ان ادخل في صميمها واخرج منها أحيانا بغير نتيجة. كنتُ في العهد البائد مخيرا بين امرين اما ان أفصح عن رأيي بصراحة تامة فاذهب الى السجن او اراوغ فيه واداري فأتخلص من السجن ومن مغبة قطع الارزاق وبعد تأمُل وتمحيص وجدت الامر الثاني أجدى وأصلح لي وللقراء] انتهى

نستنتج ان الراحل يقول انه لا يستطيع تغيير أسلوبه في الكتابة التي اعترف بأنه كان يتبع فيه سبيل المراوغة والمدارات أي طريقة “كليلة ودمنه”

وهذا يعني ان أسلوب الوردي هذا جزء من شخصيته الا إذا تغير تركيب الشخصية كله ويعترف الوردي بأن هذا الامر عسير وهو قد اجتاز طور الشباب ودخل طور الكهولة وكأني به يقول “من شب على شيء شاب عليه”…واتضح هذا فيما ورد في كتابه: دراسة في طبيعة المجتمع العراقي الذي اشرتُ اليه أعلاه. ولو قارنا قول الوردي السابق مع التالي: [المفروض في الادباء ان يكونوا في الناس امةً وسطاً فلا يتزلفون الى المترفين ولا يخاطبون غرائز المراهقين. أن لهم وظيفة في الحياة كبرى وهم قادرون أن يقدموا للناس ما ينفعهم ويلذ لهم في آن واحد وتلك هي التجارة التي لا تبور]. نجد ان الوردي لا يستطيع ان يكون في الناس “أمة وسطاً” بين العهدين وبذلك بارت تجارة الوردي.

وأكمل الوردي: [وهو يقرا الكتاب لينتفع منه او يتلذذ به وإني لادرك هذا فيه ولهذا تراني اسعى في كتبي لكي انال رضاه واعطيه المنفعة واللذة قدر المستطاع]. فهل كان السم الذي “لا طعم له ولا أثر منشود منه” يستلذ به القارئ ويرضى بذلك عن الوردي؟ ثم ما فائدته إذا كان لا أثر منشود منه؟؟؟ يمكن لمن يريد الرد على الوردي في هذا الجانب ان يقول: “أن الوردي كان يُخّدِرْ القارئ أو يضحك عليه بمثل ذلك السم الذي لا طعم له ولا أثر منشود منه…فهل قراء الوردي كانوا بحاجة الى ذلك؟؟؟؟

وتأكيداً لموضوع التجارة و شرحاً لها كتب في ص11 من الاحلام التالي:[مهما يكن الحال فقد بطلت في هذا لزمن طريقة الاستجداء لكسب العيش و بطلت كذلك طريقة الاستحواذ بحد السيف انما بقيت طريقة واحدة هي ان تنتج لتستبدل انتاجك بإنتاج غيرك…الخ] و يكمل الوردي في نفس الصفحة:[رأيت ذات يوم تاجراً يبيع السجاد في احدى المدن الغربية و كان ناجحاً في تجارته الى أبعد الحدود ،فسألته عن سبب نجاحه فأجاب: “أني لا ابيع السجاد لأحد ألا بعد ان ابيعه لنفسي” و كان يقصد من ذلك انه لا يحب للمشتري إلا ما يحب هو لنفسه و لهذا وثق الناس به و اقبلوا عليه من حيث تركوا غيره من التجار الذين يحبون ليرهم ما لا يحبون لأنفسهم. وهذا لعمري شعار ينبغي ان يضعه كل ذي عمل نصب عينيه. إنه شعار يصلح لبائع السجاد كما يصلح لناشر الأفكار…الخ] انتهى

تعليق: هل كان هذا البائع “يدس السم الذي لا طعم له ولا أثر منشود منه” في “عسل” بضاعته و”يراوغ ويداري” كما كتب الراحل الوردي؟ لو كان ذلك: كيف يبيع بضاعته هذه لنفسه قبل ان يبيعها لغيره” وهل كان ال “كاتب/مؤلف/عالم الوردي لا يبيع أفكاره لأحد إلا بعد ان يبيعها لنفسه؟ أن قول الراحل الوردي هذا تأكيد واعتراف منه وإصرار على ما سار عليه في التعامل مع الكتابة.

وأختم بما كتبه الراحل الوردي في ص242 اسطورة الادب الرفيع: [الواقع ان المال خير من الادب وان الادب يُطلب من اجل المال ولكن الادباء كثيرون وكلهم يريدون ان يصلوا الى ما وصل اليه البحتري والاخطل من رغد العيش. فاذا عجزوا عن ذلك اخذوا يسلون أنفسهم بأن الادب خير من المال. ولو كانوا فيما يقولونه صادقين لما اشتكوا من سوء حظهم او ملاوا الدنيا صراخا وأنينا…الخ] انتهى.!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!

اعتقد ان هذا القول فيه تشنج يعكس حالة الوردي تجاه النقاد

وكتب في نفس الصفحة: [والادباء في هذا يشبهون ذلك الثعلب الذي عجز عن نيل العنب فاتهمه بغير حق بأنه حامض] انتهى!!!!!!!

……………………………….

الى اللقاء في:علي الوردي في ميزان/ غرائب/2

RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular