الخميس, ديسمبر 26, 2024
Homeمقالاتالاعتقال الأخير ومحاكمات الشهيد حسين الشيخ محمد الشبيبي (صارم) : محمد علي...

الاعتقال الأخير ومحاكمات الشهيد حسين الشيخ محمد الشبيبي (صارم) : محمد علي الشبيبي

(1)
                                     
حسين الشيخ محمد الشبيبي (صارم)           سكرتير الحزب الشيوعي العراقي يوسف سلمان 
              (1917-1949)               (فهد) مكبلا بالحديد بجانب رفيقه حسين الشبيبي (صارم) 
                                                                                  
ملاحظة: هذه المقالة هي جزء مقتطف من مشروع كتابة أولية تتناول حياة الشهيد حسين الشيخ محمد الشبيبي (صارم). آمل ان أتمكن من انجازه والتحقق والتوثيق مما أجمعه. مما دفعني للإنكباب على هذا العمل هو كثرة الاخطاء والتناقضات في بعض ما ينشر من معلومات -أحيانا حتى في صحافة الحزب- تتناول حياة ونشاط قادة الحزب دون التحقق من صحتها، بما في ذلك حياة الشهيد. لذلك حاولت قدر الامكان الاعتماد على ما توفر لدي من مصادر، لتوثيق المعلومات وخاصة تواريخ الاحداث. وإن وجدت اختلاف في المصادر، حينها اعتمد على المعلومة التي ذكرها أكثر من مصدر بما فيها مخطوطات شقيق الشهيد والدي -علي محمد الشبيبيي- واختيار ما هو أكثر واقعية ومنطقية. وسأكون ممتنا وشاكرا لكل من يرسل تنبيها أو تصحيحا موثقا لتجاوز ما هو خطأ، كذلك أوجه شكري مقدما لكل من يرسل لي (وأخص هنا رفاق الشهيد في قيادة الحزب الشيوعي العراقي)  وثيقة أو كراسا وإن كان مصورا يخص الشهيد صارم مثل (في الجبهة الوطنية، الاستقلال والسيادة الوطنية، الجبهة الوطنية الموحدة طريقنا وواجبنا التاريخي، أحاديث عن الأدب، وغيرها من كتابات نشرت في الصحافة -القاعدة، الشرارة، مجلة المجلة، الأساس .. وغيرها) لكي استفاد منها في كتابتي.
الاعتقال الأخير:
كانت الفترة التي أعقبت سقوط وزارة توفيق السويدي قاسية وثقيلة على الحركة الوطنية وخاصة الحزب الشيوعي بمنظماته وجماهيره. فبدأت وزارة العمري (1 حزيران 1946- 3 أيار 1946) بتوجيه الضربات الى الحزب الشيوعي ووجهه العلني حزب التحرر وعصبة مكافحة الصهيونية. وكشف النظام الملكي عن وجهه الحقيقي المعادي للديمقراطية والوطنية، والعمل بنشاط مشبوه على المشروع الانكلو-أمريكي في تصفية القضية الفلسطينية -مع بدء الحرب الباردة-! وذلك من خلال لجنة التحقيق الانكلو-امريكية والعمل على تمرير مقترحاتها، التي عارضتها جميع القوى الوطنية وفي مقدمتها حزب التحرر الوطني وعصبة مكافحة الصهيونية، وفضحت نواياها في التفريط بحقوق الشعب الفلسطيني. ثم جاءت وزارة نوري السعيد (21-11-1946) لتكمل مشوار قمع ما تحقق من حريات نسبية في زمن وزارة توفيق السويدي. وتواصل ممارسة موجة الارهاب الجديدة الذي بدأته وزارة أرشد العمري، ضد القوى الوطنية وخاصة الحزب الشيوعي العراقي ووجهه العلني حزب التحرر الوطني وعصبة مكافحة الصهيونية.
فعندما اعلنت حكومة نوري السعيد التاسعة (21 تشرين الثاني 46 – 11 آذار 1947) نيتها لأجراء الانتخابات النيابية، بادر حزب التحرر الوطني برئيسه الشهيد حسين الشبيبي  الى عقد اجتماع خطابي حسب القانون في قاعة سينما الفارابي في المربعة من شارع الرشيد يوم 10-12-1946، وحصل على رخصة قانونية لهذا الاجتماع. وأعد الشهيد حسين لذلك خطابا، تم طبعه بعنوان (موقفنا من الوزارة الحاضرة، والدعوة للجبهة الوطنية)[27]وسيجد القارئ الكريم صيغة الخطاب في الملحق مع عرض لمذكرة حزب التحرر الوطني حول الجبهة الوطنية التي قدمها بتاريخ 21/10/1946 الى الاحزاب الوطنية (الحزب الوطني الديمقراطي، حزب الاتحاد الوطني، حزب الشعب، عصبة مكافحة الصهيونية).
عندما حضر المدعون للاجتماع يوم 10/12/1946 تفاجئوا بشرطة بهجة العطية وقد أغلقت قاعة سينما الفارابي وأوقفت عليها شرطة مسلحة، كما أنها أرسلت شرطتها وصادرت الكراس في المطبعة؟! فأوعزت قيادة حزب التحرر الوطني الى المدعوين بالتجمع هناك، وأعلنوها مظاهرة احتجاج صاخبة على موقف الحكومة ذي الوجهين إذ هي أجازت الحفل ثم أرسلت شرطتها لتغلق قاعة الاحتفال وصادرت الكراس في المطبعة؟! واعتقلت الخطيب (حسين الشبيبي) وبعض زملائه[28]. كذلك أشار الى ذات الحادثة المناضل الراحل زكي خيري في كتابه “صدى السنين” ص 126، وأكد اعتقال حسين الشبيبي في التظاهرة وأضاف ان حزب التحرر قدم مرشحيه للانتخابات وعلى رأسهم حسين الشبيبي (ص 126)! ولكن من اطلاعي على كلمة الشهيد حسين (موقفنا من الحكومة الحاضرة، … )، التي كان من المفروض إلقائها في الاجتماع استنتج منها أن حزب التحرر كان يرفض المشاركة في الانتخابات، لا كما ذكر زكي خيري في “صدى السنين”، كما أنه لا توجد في مخطوطات الوالد -شقيق الشهيد- أية إشارة الى أن الشهيد قد رشح للانتخابات النيابية، لا بل ذكر شقيقه ما يلي: (أما حزب التحرر الوطني فإنه لم يكتف بالمقاطعة -ويقصد مقاطعة الانتخابات/الكاتب-، بل قاد مظاهرة صاخبة احتجاجا على أساليب الوزارة السعيدية). كما أن حزب التحرر الوطني بلسان رئيس الهيأة حسين الشبيبي قال في كتاباته كما ذكرت “القاعدة” في 24/12/1946: (فنحن أذن ننبه المواطنين إلى خطر الأخذ بزعم انتخابات حرة، والى خطر الاشتراك في هذه الانتخابات التي يراد بها الإتيان بمجلس ووزارة مكلفة بتبرير بقاء النفوذ والامتيازات الأجنبية، ومكلفة بالتصديق على المشاريع، والخطط الاستعمارية التي يراد إعطاؤها الصفة الشرعية. إن الإنكليز هم الذين أوحوا بمجيئها لأحكام سيطرتهم على مقدرات البلاد)[29].
كان اعتقال الشهيد يوم 10-12-1946 في تظاهرة الاحتجاج على موقف الحكومة من منع الاجتماع الخطابي في قاعة سينما الفارابي، فرصة لحكومة نوري السعيد للتخلص من حسين الشبيبي وحزبه -التحرر الوطني-. وكان اعتقاله فرصة لحكومة نوري السعيد للحد من نشاطه السياسي الشبه علني كرئيس لحزب “التحرر الوطني” -الذي لم ترفض إجازته لغاية تاريخ اعتقاله- وخاصة نشاطه في دعوته الصادقة من أجل الجبهة الوطنية الموحدة، وتحركه النشط بين الاحزاب الوطنية لتحقيق الوحدة الوطنية، إضافة لما سببه نشاطه وتحركه الوطني وقيادته للتظاهرات الشعبية الاحتجاجية من نهوض شعبي زاد من متاعب النظام وحكوماته المستبدة المتعاقبة. ويجب أن لا ننسى بأن جميع نشاطات حزب التحرر وعصبة مكافحة الصهيونية كانت بإشراف الحزب الشيوعي العراقي وبمشاركة فعالة من اعضائه وكثير منهم هم أعضاء في حزب التحرر الوطني. وأن حزب التحرر وعصبة مكافحة الصهيونية هما الوجهان العلنيان للحزب في تلك الفترة القصيرة والتي شملت الفترة (ايلول 1945- حزيران 1946). وهي الفترة التي رافقت بداية إعلان حكومة وزارة الباجه جي (29 آب 1946- كانون الثاني 1946) نيتها بإجازة الاحزاب الوطنية ولنهاية وزارة توفيق السويدي. حيث تمت فيها إجازة بعض الاحزاب والمنظمات الوطنية بما فيها عصبة مكافحة الصهيونية. لذلك كله أقدمت حكومة نوري السعيد الى اعتقاله. وكان هذا الاعتقال الأخير للشهيد قبل محاكمته ثم تنفيذ حكم الاعدام به وبرفاقه (فهد، زكي بسيم، ويهودا صديق). ولم يثنه الاعتقال من النشاط السياسي بل زاده تصميما وإصرارا على النضال وكشف مساوئ الحكم وسلبياته. فبعد أيام، ومن معتقله قدم الشهيد حسين مذكرة الى وزير الداخلية بتاريخ 21 كانون الاول 1946 عن الهيئة المؤسسة لحزب التحرر أدان فيها الاساليب الغير ديمقراطية والغير وطنية التي تسير عليها الوزارة[30]. من مجريات الأحداث وما توفر لدي من معلومات وما سمعته من الأهل تأكد لي بأن الشهيد حسين تمت محاكمته ثلاثة مرات!
المحاكمة الأولى:
كانت بعد أيام من اعتقاله يوم 10-12-1946 خلال تظاهرة الاحتجاج ضد غلق قاعة الفارابي ومنعه من إلقاء خطابه. حيث تم تقديمه الى محكمة جزاء بغداد بسبب تظاهرة الاحتجاج على غلق قاعة الفارابي ومنع الاجتماع الخطابي، مما اضطر المجتمعين الى التظاهر ضد اجراء السلطة التي سبق ومنحت حزب التحرر الوطني الإجازة لعقد الاجتماع الخطابي، إضافة لخطابه الذي صادرته الشرطة من المطبعة، وحكمت عليه بسنتين. وهذا الحكم والاعتقال أكده شقيق الشهيد -علي الشبيبي- في إحدى مخطوطاته (صورة رقم ب) حيث ذكر: (في كانون الثاني 1947 اعتقل فهد وزكي وعزيز عبد الهادي وإبراهيم شميل، أما حسين فقد كان معتقلا ومحكوما قبلهم بأشهر)، وأكد الحكم في مذكراته، فكتب: (….وأعيد “حسين” وبعض رفاقه وكثيرون من قبض عليهم في المظاهرة -المقصود في مظاهرة الاحتجاج/الكاتب- إلى السجن. وحكم على حسين -بعد حين- بست سنين بسبب المظاهرة والخطاب)[31]. أما الراحل مكرم الطالباني فقد أكد ما ذكره شقيق الشهيد ولكن اختلف معه بمدة الحكم والسبب، فكتب في مقال له: (…  اما الرفاق حسين الشبيبي ومحمد حسين ابو العيس وسالم عبيد النعمان. كانت محكمة جزاء بغداد سبق ان حكمت عليهم بالحبس لمدة سنتين لمشاركتهم في مظاهرة حزيران عام 1946 فالحقوا الآن بهذه الدعوى ايضاً)[32]، والمقصود “بهذه الدعوى” دعوى محاكمة فهد ورفاقه الأولى التي سأتناولها في السطور التالية. ويظهر أن الراحل مكرم الطالباني خانته الذاكرة بعد هذه السنين، فذكر أن الحكم بسبب تظاهرة حزيران، بينما شقيق الشهيد يؤكد أن الحكم كان بسبب تظاهرة الاحتجاج و الخطاب المعد لإلقائه في قاعة الفارابي الذي صادرته الشرطة من المطبعة. المهم أن كل من مكرم وشقيق الشهيد يؤكدان أن حسين صدر عليه حكم بالحبس قبل اعتقال فهد، أي بالفترة (10 حزيران 1946- 18 كانون الثاني 1947)، ولو أنهما اختلفا بمدة الحبس وأسبابه. وأعتقد ان الحكم كان سنتين كما ذكر الراحل مكرم الطالباني ولكن شقيق الشهيد أضاف إليها أربع سنوات من الحكم الذي صدر عليه يوم 23 حزيران 1946 في محاكمته مع فهد، فأصبح المجموع ست سنوات.
صورة رقم (ب). الأسطر التي خطها علي الشبيبي شقيق الشهيد حسين في إحدى مخطوطاته
يذكر فيها أن الشهيد كان معتقلا ومحكوما قبل اعتقال فهد ورفاقه
 
محمد علي الشبيبي
السويد في 05 تموز 2024
                                                                                                        يتبع الحلقة الثانية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش:
الاعتقال الأخير:
[27]- في أحد مطبوعات الحزب الشيوعي العراقي بعنوان (كتابات الرفيق حسين محمد الشبيبي. في الجبهة الوطنية) صدر في سبعينيات القرن الماضي ، نشر الخطاب بعنوان عريض (موقف حزب التحرر الوطني ودعوته للجبهة الوطنية في ظل وزارة أرشد العمري والانتخابات)! والصحيح كان الخطاب في ظل وزارة نوري السعيد التاسعة -لأن تاريخ الخطاب كما مثبت في نهايته 10/12/1946، وهذا أيام وزارة نوري السعيد- وليس في أيام وزارة العمري، وكان عنوانه كما أشار والدي في مخطوطاته (موقفنا من الوزارة الحاضرة والدعوة للجبهة الوطنية). والمقصود بالوزارة الحاضرة وزارة نوري السعيد/الكاتب.
[28]- من مقالة عن حياة الشهيد حسين الشبيبي نشرت في مجلة “الثقافة الجديدة” العدد 4 لسنة 1969 باسم كاتب السطور “محمد علي الشبيبي”، كذلك أكدها شقيق الشهيد في مذكراته “ذكريات التنوير والمكابدة”/طبعة المدى 2021، صفحة 377.
[29]- علي محمد الشبيبي. ذكريات التنوير والمكابدة، الطبعة الثانية، دار المدى 2021، موضوعة “الخداع أبرز صفات الثعلب” صفحة 376/377.
[30]-  عزيز سباهي. عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراقي، الجزء الأول، الطبعة الأولى. صفحة 313 .
المحاكمة الأولى:
[31]- ذكريات التنوير والمكابدة/الرائد علي محمد الشبيبي/ تحقيق ومراجعة محمد علي الشبيبي. دار المدى، الطبعة الثانية سنة 2021،  موضوعة “المعلم الجديد” صفحة 377.
[32]- مقالة مكرم الطالباني بعنوان  (الرفيق فهد كتب عني مرتين في جريدة “القاعدة”) نشرت في طريق الشعب  بتاريخ 14 شباط 2014. يجدها القارئ على الرابط:
************************************************************************
الاعتقال الأخير ومحاكمات الشهيد حسين الشيخ محمد الشبيبي (صارم)
(2)
سجن الكوت 1948. الواقفون من اليمين: الأول عضو المكتب السياسي الشهيد حسين
محمد الشبيبي (صارم) والثالث عضو المكتب السياسي الشهيد الخالد زكي محمد  بسيم
(حازم) والثامن مؤسس الحزب الشيوعي الشهيد الخالد يوسف سلمان يوسف (فهد)
ملاحظة: هذه المقالة هي جزء مقتطف من مشروع كتابة أولية تتناول حياة الشهيد حسين الشيخ محمد الشبيبي (صارم). آمل ان أتمكن من انجازه والتحقق والتوثيق مما أجمعه. مما دفعني للإنكباب على هذا العمل هو كثرة الاخطاء والتناقضات في بعض ما ينشر من معلومات -أحيانا حتى في صحافة الحزب- تتناول حياة ونشاط قادة الحزب دون التحقق من صحتها، بما في ذلك حياة الشهيد. لذلك حاولت قدر الامكان الاعتماد على ما توفر لدي من مصادر، لتوثيق المعلومات وخاصة تواريخ الاحداث. وإن وجدت اختلاف في المصادر، حينها اعتمد على المعلومة التي ذكرها أكثر من مصدر بما فيها مخطوطات شقيق الشهيد والدي -علي محمد الشبيبيي- واختيار ما هو أكثر واقعية ومنطقية. وسأكون ممتنا وشاكرا لكل من يرسل تنبيها أو تصحيحا موثقا لتجاوز ما هو خطأ، كذلك أوجه شكري مقدما لكل من يرسل لي (وأخص هنا رفاق الشهيد في قيادة الحزب الشيوعي العراقي)  وثيقة أو كراسا وإن كان مصورا يخص الشهيد صارم مثل (في الجبهة الوطنية، الاستقلال والسيادة الوطنية، الجبهة الوطنية الموحدة طريقنا وواجبنا التاريخي، أحاديث عن الأدب، وغيرها من كتابات نشرت في الصحافة -القاعدة، الشرارة، مجلة المجلة، الأساس .. وغيرها) لكي استفاد منها في كتابتي.
المحاكمة الثانية:
كانت بعد اعتقال الشهيد فهد ورفاقه يوم 18-01-1947. خلال فترة الاعتقال مورس أبشع أنواع التعذيب معهم، فكانت الزنزانات ضيقة ورطبة وبلا تهوية[32]، ومعتمة الى درجة فقد فيها المعتقلون الاحساس بالنهار والليل، ومنعوا من الزيارات وحتى من الاطلاع على الصحف. أمضى الشهيد فهد ورفاقه في المعتقل خمسة اشهر في ظروف سيئة وغير إنسانية، فأعلن ورفاقه في 13 حزيران 1946 الاضراب عن الطعام بسبب المعاملة السيئة والظروف القاسية والغير إنسانية في المعتقل. وبعد ثمانية أيام من الاضراب عن الطعام، أصبحوا منهكين وشبه أشباح وتدهورت صحتهم، حينها أحيلوا جميعهم (يوسف سلمان يوسف -فهد-، زكي محمد بسيم -حازم-، وحسين الشبيبي -صارم- و إبراهيم ناجي وآخرين -12 مناضلا-) الى المحكمة الكبرى بتاريخ 22-06-1947[33]. والسبب في إعادة تقديم الشهيد حسين للمحكمة في نفس قضية الشهيد فهد بالرغم من أنه كان محكوما بسنتين في قضية الاحتجاج والتظاهر لمنع الاجتماع الخطابي في قاعة الفارابي، هو عثور التحقيقات الجنائية في بيت إبراهيم ناجي على سجل مدون فيه أسماء أعضاء حزب التحرر الوطني، كان مخفيا في خزان الماء. واعتبرت التحقيقات الجنائية أن وجود السجل في بيت إبراهيم ناجي مع سكرتير الحزب الشيوعي العراقي هو دليل على أن الأسماء في السجل هي لأعضاء في الحزب الشيوعي. وفي المحكمة دافع الشهيد حسين عن موقفه وتمسك بإصرار على أنه رئيس الهيئة المؤسسة لحزب التحرر الوطني وهو حزب مستقل بقراراته وسياسته ولا يخضع لأي جهة سياسية إلا للمصلحة الوطنية، ونفى التهم التي وجهت إليه باعتباره وجها علنيا للحزب الشيوعي العراقي[34]. وأكد في المحكمة أن نشاطاته ذات طابع وطني تتطابق ومنهاج الحزب الذي نشره في الصحافة العلنية، و قدمه الى وزارة الداخلية من أجل إجازته، وإن طلب الإجازة لم يرفض قانونيا، ما يسمح للحزب قانونيا في مواصلة نشاطاته العلنية. وان جميع النشاطات التي ساهم بها حزب التحرر الوطني سلمية، وهي نشاطات أما وطنية أو أنها ذات طابع قومي هدفها الدفاع عن القضية الفلسطينية وفضح المؤامرات وأساليب الاستعمار من خلال لجنة التحقيق (الأنكلو- مريكية)[35] التي كان من أهم أهدافها تبرير الهجرة اليهودية وإعطائها صفة شرعية وإيجاد مبرر مشروع لتأسيس وطن قومي لليهود، وقد ساهم حزب التحرر الوطني مع بقية الاحزاب والمنظمات الوطنية بالتظاهرات الاحتجاجية ضد لجنة التحقيق ونواياها المشبوهة.
وأصدرت المحكمة الكبرى في 23-06-1947 حكمها بالإعدام على القادة الابطال فهد وزكي بسيم وكذلك ابراهيم ناجي، وبالحبس بالأشغال الشاقة لأربع سنوات[36] على حسين الشبيبي -إضافة لمحكوميته السابقة -سنتين- بسبب اجتماع الفارابي الآنف الذكر-، وحكمت على آخرين (13 مناضلا) بالحبس لمدد مختلفة.
المحاكمة الثالثة:
بعد اعتقال قادة الحزب (فهد وحازم وصارم) قررت قيادة الحزب تكليف مالك سيف ليكون المسؤول الأول في إدارة وقيادة شؤون الحزب خارج السجن، وذلك بإشراف وتوجيه القيادة من داخل السجن. لكن مالك سيف عندما اعتقل بتاريخ 12-10-1948[38] خيّب آمال قادته ورفاقه فانهار متطوعا بدون أية ضغوط، وتمادى بنذالة في خيانته للأمانة الحزبية وانحداره الى الحضيض في اعترافاته وسلوكه، وتعاونه الغير محدود مع التحقيقات الجنائية، ومن ثم مع جميع الأجهزة الأمنية الى أقصى حد وفي كل الأزمنة -ملكية أو جمهورية-[39]، وكشف أسرار الحزب الشيوعي وبيوته السرية ومطبعته! وهكذا نجحت التحقيقات الجنائية بتوجيه ضربة قاسية للحزب تركت اثرها الكبير على الحزب لحين من الزمن. تعددت فيه القيادات، وتعرض أعضاء الحزب الى الملاحقات والمحاكم والفصل والسجون، وكللها النظام الملكي بإعدام قادته الميامين (فهد، حازم، صارم) وكذلك يهودا صديق وساسون دلال.
ولا يخفى ما سببته خيانة مالك سيف من إرباك في عمل الحزب، فوجدت السلطات الرجعية الحاكمة فرصتها للتخلص من قادة الحزب. فسحبت قادة الحزب فهد وزكي بسيم وحسين الشبيبي من سجن الكوت في أواخر تشرين الثاني 1948 للتحقيق معهم وإعادة محاكمتهم، حيث ذكر شقيق الشهيد في “ذكريات التنوير والمكابدة” ما يلي: (بعد أيام جاءت إليّ من أبي رسالة مؤرخة في 3/12/1948 فيها، ان كل ما علمته عن أخيك، أنه سحب هو وأثنين من رفاقه من سجن الكوت ولا يعلم أحد إلى أين!)[40]، لكن سالم عبيد النعمان يذكر ان قادة الحزب تم سحبهم يوم 21-12-1948[41]، ولا أجد في هذا الاختلاف أية أهمية، ولكن اعتقد أن ما ثبته والدي -شقيق الشهيد- هو الأصح، فليس من المعقول أن التحقيقات الجنائية تنتظر 40 يوما من اعتراف مالك سيف بتاريخ 10-11-1948 -حسب ما مثبت في الموسوعة صفحة 12- ، لكي تسحب قادة الحزب لإعادة التحقيق ومحاكمتهم.
تجاوز السلطات الملكية للقانون وذلك بإعادة التحقيق وتقديم قادة الحزب الى المحكمة مجددا في قضايا سبق وصدر عليهم فيها حكما، لهو دليل على أن السلطات الملكية كانت مصممة على التخلص من قادة الحزب بأي ثمن كان وبأية ذريعة كانت. ففي 10 شباط 1949 اقتيدوا الى المحاكمة بتهمة الاستمرار في قيادة الحزب الشيوعي من داخل السجن استنادا الى الرسائل التي كان يبعثها فهد من السجن الى المسؤول الاول -مالك سيف- التي عثر على واحدة منها في جيب بنطلون يهودا صديق، اضافة لاعترافات مالك سيف وآخرون. وهكذا وأمام محكمة عسكرية شبه ميدانية، وجهت الى القادة الثلاث تهمة قيادة الحزب من داخل السجن، وحكم عليهم بالإعدام شنقا حتى الموت في 10 شباط 1949[42]. ولم يذاع الخبر رسميا إلا بعد تنفيذ الحكم بالأبطال الميامين، حيث تم اعدام فهد فجر 14 شباط في ساحة المتحف الوطني الحالية، واعدم في نفس اليوم وفي ساحة باب الشرقي زكي بسيم -لا كما ذكر عزيز سباهي في مؤلفه “عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراقي” في صفحة 407/408-، وفي اليوم التالي -15 شباط- اعدم حسين الشبيبي في باب المعظم.
 ويذكر محمد علي شقيق الشهيد الأصغر، حيث أقام ليلة إعدامه في بيت رفاق مطلاً على ساحة باب المعظم، وسمعه وهو يتقدم بخطى متزنة نحو المشنقة، ينشد مطلع قصيدة أستاذه الجواهري:
أتعلم أم أنت لا تعلم

 
بأن جراح الضحايا فم

ولما اعتلى المشنقة قال ما معناه:
من المناسبة الطيبة ان منصة الإعدام نصبت لي في ذات المكان الذي كنت أثير منه المظاهرات الوطنية![43]. بهذه البطولة والتضحية من أجل عراق حر وشعب سعيد انتهت حياة الابطال الميامين.
محمد علي الشبيبي
السويد في 05 تموز 2024
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش:
المحاكمة الثانية:
[33]- حنا بطاطو /العراق/الكتاب الثاني/الطبعة العربية الأولى، صفحة 195و 196.
[34]- عزيز سباهي. عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراقي، الجزء الأول، الطبعة الأولى. صفحة 318 .
[35]- اليوم وبعد هذه العقود، أصبح واضحا أن حزب التحرر الوطني وعصبة مكافحة الصهيونية، تأسسا بمبادرة رائدة من سكرتير الحزب الشيوعي العراقي الشهيد الخالد فهد، وكان مشرفا على عملهما ونشاطهما. و كانا الوجه العلني والقانوني لتحركات ونشاطات الحزب الشيوعي، وإن هذا التكتيك الذي مارسه الحزب الشيوعي اضطرته الظروف الموضوعية للبلد للجوء إليه بسبب تجريم الفكر الشيوعي. ولكن في فترة اعتقال قادة الحزب واعترافات الخائن مالك سيف وخلال محاكمات القادة ولسنوات قليلة، أصرت قيادة الحزب في نفي علاقتها وإشرافها على حزب التحرر الوطني وعصبة مكافحة الصهيونية، وكان الهدف من هذا النفي هو حماية أعضاء حزب التحرر والعصبة من أية ملاحقة قانونية. حتى أن الشهيد حسين الشبيبي نفى أية علاقة تنظيمية له بالحزب الشيوعي، وكان هذا الموقف بالاتفاق بين قادة الحزب (فهد، زكي بسيم وحسين الشبيبي) ، وتم تثبيت هذا الموقف في التحقيقات وفي المحاكمات وحتى في أدبيات الحزب وصحافته الى حين.
[36]- لجنة تم تشكيلها باتفاق امريكي بريطاني، عدد أعضاءها 12 مناصفة، تم تشكيلها في 13-11-1945 كان الهدف الظاهري “التشاور مع عرب ويهود لهم صفة تمثيلية بشأن مشاكل فلسطين” لإصدار توصيات بشأن الوضع في فلسطين. بينما كان الهدف الخفي من تشكيلها “تفحّص مسألة يهود أوروبا، وتبرير هجرة 100 الف يهودي أوربي الى فلسطين، وهي الدعوة التي وجهها الرئيس الامريكي هاري ترومان لهجرة اليهود الى فلسطين … مراجعة المسألة الفلسطينية في ضوء عمل اللجنة” وصدر تقريرها في 20 نيسان/ أبريل 1946، و كان من بين التوصيات النهائية للجنة، إصدار تصاريح هجرة لـ 100,000 يهودي إلى فلسطين، بما يلبي مطلباً صهيونياً ويدفع في اتجاه تمكين الصهيونيين من تأمين أغلبية في البلد. وأوصى التقرير كذلك بألّا تكون الهجرة اليهودية إلى فلسطين مرتبطة بموافقة العرب، وبأن يتمّ إلغاء جميع القوانين التي تحدّ من بيع الأراضي العربية إلى اليهود. 
[37]- حنا بطاطو /العراق/الكتاب الثاني/الطبعة العربية الأولى، صفحة 198/199. بينما عزيز سباهي في “عقود من تاريخ الحزب لشيوعي العراقي” يذكر أن الحكم صدر بتاريخ 24 حزيران 1947.
المحاكمة الثالثة:
[38]- موسوعة سرية خاصة بالحزب الشيوعي العراقي السري /الجزء الاول والثاني والثالث/ دار النهضة العربية للطباعة والنشر والتوزيع. صفحة 5. كذلك، العراق/الكتاب الثاني/الطبعة العربية الأولى، حنا بطاطو، صفحة. صفحة 225.
[39]-  نعم تمادى الخائن مالك سيف في تعاونه القذر مع التحقيقات الجنائية -ولاحقا مع الأجهزة الأمنية- الى أبعد الحدود، حتى أصبح شبه مستشارا أو موظفا فيها براتب، وهذا السلوك القذر رافقه طوال حياته وفي ظل كل الحكومات (ملكية وجمهورية، وحتى في ظل حكومات البعث). وأتذكر يوم كنت معتقلا في كربلاء بمقر الحرس القومي -المكتبة العامة- عام 1963، جاءنا المعلم البعثي كاظم الفرطوسي  وهو يحمل احدى صحف الانقلابيين وفيها مقال لمالك سيف يحذر فيها البعث -بعد ثلاثة أشهر من الانقلاب-  من عودة الشيوعيين الى بناء تنظيماتهم ومزاولة نشاطهم مجددا! فأي حقد دفين هذا! وكانت مقالته تتسم بالحقد والتشجيع على سفك دماء الشيوعيين، وواصل حقده في نشر الاكاذيب ومحاولاته في التشويه والطعن بأخلاق الشيوعيين! وللأسف أن المؤرخ حنا بطاطو في كتابه “العراق” أعتمد أحيانا على بعض ما أفاده به مالك سيف، دون التوقف ومناقشة ما ذكره الخائن ودوافعه في تشويه الحقائق، وهكذا وجدته مع كثير من الاشخاص الذين أعتمدهم كمصدر!
[40]- ذكريات التنوير والمكابدة/الرائد علي محمد الشبيبي/ تحقيق ومراجعة محمد علي الشبيبي. دار المدى، الطبعة الثانية سنة 2021،  موضوعة “مرحبا بالعيد” صفحة 460.
[41]- سالم عبيد النعمان/الحزب الشيوعي العراقي بقيادة فهد/دار المدى، الطبعة الاولى 2007. صفحة 290.
[42]- العراق/الكتاب الثاني/الطبعة العربية الأولى، حنا بطاطو، صفحة. صفحة 226.
[43]- ذكريات التنوير والمكابدة/الرائد علي محمد الشبيبي/ تحقيق ومراجعة محمد علي الشبيبي. دار المدى، الطبعة الثانية سنة 2021،  موضوعة “عذاب ولكنه هين!” صفحة 478.
RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular