في صباح يوم جمعة من شهر يوليو/تموز، قصدنا مزرعة في زوليشهوفن، وهي قرية صغيرة في ولاية شمال الراين-ويستفاليا. عند وصولنا لوحت مالكة المزرعة، دوروتي هوخغورتل، لنا بيدها مرحبة.
اللون الأخضر المورق البديع على مد البصر يعطي الانطباع بأن المكان معزول عن بقية العالم. تدير دوروتي، التي تنبض طاقة وحيوية رغم بلوغها الخامسة والستين من العمر، المزرعة منذ عام 2001. وتربي أكثر من مائة رأس حيوان، ماعز وخراف وبعض الخيول. وتزرع أكثر من 130 نوعاً من التفاح. ولا تستخدم السيدة أي مبيدات حشرية أو أسمدة كيماوية.
تعمل دوروتي في مجال صناعة الأدوية بشكل أساسي ومنه تكسب لقمة عيشها. وعملها في المزرعة لا يكف لإعالتها. ولكن ليس هذا ما يقلقها. “إنني أقترب من سن التقاعد، والسؤال الذي أطرحه على نفسي باستمرار هو: لمن سأترك هذه المزرعة؟”، تقول دوروتي مضيفة أن ولديها اختارا طريقهما وليس لديهما أي اهتمام لتولي مسؤولية العناية بالمزرعة من بعدها.
نقص عمالة وارتفاع أسعار الأراضي
تساهم الزراعة بأقل من 1بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي لألمانيا وهي أقل أهمية بالنسبة للاقتصاد مقارنة بفرنسا وبولندا المجاورتين.
يقول راينهارد يونغ، مستشار السياسات في جماعة الضغط Freie Bauern (المزارعون الأحرار)، إن قطاع الزراعة الألماني تعرض لضغوط إضافية من زاوية أخرى في السنوات الأخيرة: التغيير الديموغرافي. ويضيف لـ DW: “إن نقص العمال المهرة يمثل مشكلة في جميع قطاعات [الاقتصاد الألماني]”، ولكن الزراعة هي الأكثر تضرراً. علاوة على ذلك، فإن المزارعين الشباب الذين لا تمتلك أسرهم مزارع يجدون صعوبات متزايدة في شراء الأراضي الزراعية أو حتى استئجارها بسبب ارتفاع الأسعار بشكل حاد في العقد الماضي.
بيروقراطية وتغير مناخي
ما يثير قلق دوروثي بشكل كبير هو الظروف الجوية غير المؤاتية التي تعزوها إلى تغير المناخ: “تضرر محصول التفاح هذا العام. الخسائر الناتجة عن تغير المناخ تجعل إدارة المزرعة أكثر تكلفة”.
لكن رينهارد يونغ يرى أنه لا توجد صلة بين تغير المناخ وعدم رغبة الشباب في العمل في الزراعة، بيد أنه يرى أن الأمر المحبط هو الكم الهائل من البيروقراطية التي فرضها الاتحاد الأوروبي لجعل الزراعة في التكتل أكثر استدامة.
وتعتقد كريستينا فوغل من “الجمعية الزراعية الألمانية” (DLG) في حديث مع DW أن “اتخاذ الزراعة مهنة تمثل تحدياً. هناك العديد من الاعتبارات كالشروط والتشريعات، وضغوط المستهلكين، وتغير المناخ، وبطبيعة الحال، أسعار المنتجات الزراعية واللوازم التي تحتاجها عملية الإنتاج”.
“الجمعية الزراعية الألمانية” هي جمعية تجارية تمثل بشكل رئيسي الشركات الزراعية الكبرى في ألمانيا، وتساعد المزارعين الشباب على إنشاء مشاريع في هذا القطاع.
وتعتقد كريستينا فوغل أن البيروقراطية في الاتحاد الأوروبي تشكل عائقاً: “لجعل الزراعة خياراً مهنياً يحتاج المزارعون المحتملون إلى وجهات نظر مستقرة طويلة الأجل. والنقطة الأساسية هي الحد من الروتين والبيروقراطية”.
“سأعيش حلمي”
يرى بانو بوتافارا من “معهد لايبنيتس للأبحاث الاقتصادية” بجامعة ميونيخ أن ظروف العمل والرواتب الضعيفة هما العاملان الرئيسيان اللذان يدفعان الشباب إلى اتخاذ قرار بعدم العمل في الزراعة. وقال في تصريح لـ DW: “ليس من المستغرب أن يختار الشباب وظائف ذات رواتب أفضل. ومن هنا فإن التأثير الاقتصادي العام لنقص العمالة في الزراعة محدود”.
وأصبحت قضية المزارعين قضية رأي عام بعد إغلاق آلاف المزارعين الشوارع في العاصمة برلين الشتاء الفائت بجراراتهم احتجاجاً على خطط الحكومة لخفض الدعم الحكومي للديزل الزراعي. ولم تنجح الاحتجاجات إلا بشكل جزئي، حيث وافقت الحكومة فقط على تطبيق التخفيضات على مدى فترة زمنية أطول بدلاً من إلغائها وهو ما كان يطالب به المحتجون.
بالنسبة للشباب قد يبدو العمل في الزراعة والابتعاد لساعات عن الهواتف الذكية أمراً يصعب تخيله، كما أخبرنا البعض. في حين أن البعض الآخر يعتبر الزراعة عملاً شاقاً يتطلب الكثير من الجهد والصبر. “نحن تجاوزنا الثورة الصناعية. لا أعتبر أن الزراعة مهنة يمكن للمرء اليوم كسب عيشه منها”.
أما دوروتي هوخغورتل فهي مصممة على الاستمرار في عيش حلمها طالما أنها تستطيع المشي على الأرض التي تمتلكها بكل فخر. تعمل على تذكير، من نسي، بالأيدي التي تطعمهم: “آمل أن أتمكن من القيام بذلك لسنوات عديدة قادمة. سأستضيف في مزرعتي رحلات مدرسية، وفعاليات أخرى، ومهرجاناً كبيراً في الخريف”.