بعد دعم صقور الحزب الديمقراطي لـ (كاميلا هاريس) من شبه المؤكد أنها ستحصل على التأييد الكامل من أعضاء المؤتمر، وإن تم ذلك، سيخرج الديمقراطيون من الإشكالية الثانية بعد تنازل جو بايدن، بقوة إلى الساحة التنافسية، وهي عرض مرشحتهم بإجماع حزبي، وبها سيكونون قد حققوا الخطوات الأولى للنجاح في الانتخابات، وعلى الأرجح ستكون كاملا الرئيسة القادمة لأمريكا، رئيس رقم (47) وأول امرأة تدخل البيت الأبيض، كرئيسة بعدما كانت أول نائبة رئيس تدخلها. وأتوقع خسارة دونالد ترامب، والحزب الجمهوري، لعدة أسباب.
أخطأ الجمهوريون، عندما ركزوا وبشكل غير مباشر، على دعم الشريحة التي طالبت الرئيس جو بايدن بالتنحي، بها جاؤوا بمرشح يجمع الديمقراطيين بعدما كانوا مشتتين، وإن كانت كاميلا هاريس، يكونوا قد عرضوا أنفسهم إلى مواجهة جديدة لا تحمد عقباها.
على الأرجح بشخصية كاميلا الديمقراطيون سيكسبون نسبة أعلى من أصوات النساء والمحايدين والأقليات، الشريحة التي كان من المتوقع مع وجود بايدن أن تدعم دونالد ترامب، أو كانوا يتحفظون على الذهاب إلى صناديق الاقتراع، ليس حبا بترامب، بل امتعاضا من جو بايدن بعدما ازدادت الشكوك في قدراته الذهنية على خلفية العمر الزمني.
كما وبهذا الخطأ تم إحلال شخصية شابة معروفة بذكائها، ودرجاتها العملية، ومسيرتها النزيهة، وعلى الأغلب ستجذب العنصر النسائي، المعارض لترامب لتصريحاته السابقة بحقهن. كما وهي ملائمة في نظر الإعلام والمحللين السياسيين لتكون الرئيسة القادمة لأمريكا.
كانت المنافسة قوية بين (هيلاري كلينتون) و(دونالد ترامب) عام 2016 على رئاسة أمريكا، رغم أن هيلاري لم تكن لها الشعبية المناسبة، لدى الشريحة المحايدة والنساء، كما وتعرضت حملتها إلى اتهامات متتالية منها الإشكاليات التي حصلت معها أثناء خدمتها كوزيرة للخارجية، مع ذلك تمكنت من حصد النسبة السكانية الأعلى، لكنها خسرت في المراكز الانتخابية، ويقال أنها كانت بسبب أخطاء استراتيجيي الحملات الانتخابية في الحزب الديمقراطي.
اليوم وللمرة الثانية يرشح الحزب الديمقراطي امرأة لمنصب الرئاسة في مواجهة نفس المرشح (دونالد ترامب) الاسم الذي أصبح طفرة شاذة في تاريخ الحملات الانتخابية، مثلما أصبح تكرار ترشيح المرأة من قبل الديمقراطيين أيضا طفرة، وكأنهم يخططون ومصرون على أن يكونوا الأوائل في تنصيب امرأة، مثلما فعلوها عند إدخال باراك أوباما، أول أمريكي أفريقي إلى البيت الأبيض.
لا شك، لم يحدد الحزب الديمقراطي بشكل مطلق، بعد من سيكون المرشح الرئاسي للحزب بعد تنازل (جو بايدن) عن ممثليته، لكن وفيما إذا تم ترشيح نائبة الرئيس (كاميلا هاريس)، والحزب لا يزال يعاني من خسارة نسبة مهمة من جمهور المحايدين، لكن وفي المؤتمر وبعده على الأرجح سيعيدون الشارع الأمريكي إلى جانبهم، لأن مرشحتهم افضل ثقافة وأخلاقيا وتراكما معرفيا وخلفية فكرية ومصداقية وحتى سياسيا ولا نقول خباثة سياسية، من دونالد ترامب. وهي، من خلال خطبها، معروفة للجميع، تتكلم بلغة راقية إنسانية وعلى مستويات عالية من الوعي الثقافي لا ترقى إليها لغة ترامب السوقية الشوارعية، وستظل طروحاتهما حول قادم السياسة الأمريكية الداخلية واستراتيجيتها الخارجية من الموازين التي ترجح المعادلات.
كان يقال، قبل تنازل جو بايدن، إن حظها في النجاح ضعيف، في حال كانت المرشحة البديلة، لكن وخلال الشهرين القادمين أو على الأغلب من على منصة مؤتمر الحزب، ستتبين قدراتها، وهناك على الأغلب ستكسب الرهان، وترجح كفة المحايدين، أنا كأمريكي كوردي، سأصوت لها، علما أنني كنت سأحتفظ في هذه السنة بالذهاب إلى صناديق الاقتراع، رغم أنني مؤيد دائم للديمقراطيين.
أراها الرئيسة الأنسب (في المرحلة الحالية ومقارنة بدونالد ترامب) لقيادة ليس فقط أمريكا، بل والعالم، وعلى الأرجح ستكون مناسبة لترسيخ التحالف الأمريكي مع دول عديدة، وقوى من المتوقع أن تتخلى عنهم ترامب، ومن بينهم الكورد، فهو الذي قدم (سري كانيه وكري سبي) لأردوغان بعد محادثة ساعتين معه.
فرغم التحفظ المستمر من قبل إدارة بايدن على تجاوزات أردوغان على القضية الكوردية، واعتداءاته على غرب وجنوب كوردستان المتتالية، إلا أنه وإدارته احتفظا بمواقفهم الرافضة لمطالب أردوغان، ولم يعقد معه جلسات استراتيجية، وتبين أن معظم طموحاته في اجتياح المناطق الكوردية كانت ترفض، وفي معظم المؤتمرات الدولية التي جمعتهم، نادرا مع عقد بايدن جلسات منفردة معه.
وبالتالي كاميلا هاريس على الأرجح ستسير على المنهجية ذاتها، بعكس دونالد ترامب الذي لا زالت مصالح عائلته وشركاتهم تتقاطع مع مصالح عائلة أردوغان وعائلته، وهو الرئيس الذي كاد أن يفتت الناتو ويطعن في حلفائه، ويصفهم بأحط الأوصاف، مثلما قال بأن الكورد حاربوا داعش مقابل المال، وأنهم لم يشاركوا في حرب الحلفاء ضد هتلر، ولم يشتركوا في هجوم النورماندي، وأن وجودهم في سوريا من أجل النفط، وليس لحماية العالم من أقذر وأخطر منظمة إرهابية في العالم، والتي كانت تهدد الأمن الأمريكي والأوروبي الداخلي.
وهو الذي يرفع في حملته الانتخابية شعار العودة إلى البيت، ويعني بها الجيش الأمريكي، أي تقليص دور أمريكا كإمبراطورية، مفضلا عليها السيطرة الاقتصادية، علما أنه والجمهوريون بشكل خاص يفيدون الشعب بالنسبة للضرائب، لكنه عمليا يفكر كرئيس شركة رأسمالية وليست إمبراطورية اقتصادية.
ترامب وعلى خلفية تاريخه العملي، قادر على عزل أو التخلي عن أقرب صديق من أجل صفقة اقتصادية، وكما هو معلوم أن سحب القوات الأمريكية من سوريا والعراق من ضمن أجندته القادمة، وتقديم سوريا إلى بوتين، ربما كصفقة لإنهاء حرب أوكرانيا، أي سيتخلى عن أوكرانيا، وسترهب أوروبا أمام روسيا لتصبح مطيعة لمطالبه، كما وسيفرض على إسرائيل قبول شروط الاتفاق مع حماس لتحرير الأمريكيين المحتجزين لدى حركة حماس، أي عمليا ومن أجل المصالح الأمريكية الاقتصادية كشركة رأسمالية وليست كإمبراطورية سيتخلى عن العديد من حلفائها.
بغض النظر عن اعتماده على العرق الأبيض المتطرف، أو ما يسمون بأبناء الريف الأمريكي، هناك الدولة العميقة الخاصة بهم، إلى جانب المحافظين في الحزب، سيحاولون الكثير لوضعه في البيت الأبيض ثانية، لهذا أمريكا ستجد حملة انتخابية مسعورة. سابقا كان المتوقع أن تكون نسبة التصويت ضعيفة، لكنها سترتفع. لأن الصراع الأن أصبح بين امرأة شابة ليبرالية وعنصري عجوز، وهو ما قد تستخدمه كاملا في انتقاداتها له، المعادلة انقلبت عليه، بعدما كان يستخدمها ضد بايدن.
لا أخفي، أنني اكره هذا الجاهل بالتاريخ والعنصري المختفي تحت عباءة إعادة أمريكا إلى عظمتها، وهو عار عليها وعلى شعبها.
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
22/7/2024م