ليست هي المرة الأولى، التي تنقسم فيها القوى السياسية، وعلى أثرها ينقسم الشارع، بعد مواقف متناقضة بين مؤيد مرحب متفائل، ورافض ناقم متشائم؛ بعد أية زيارة رسمية للعراق من مسؤول رفيع من دولة آخرى، أو زيارة مسؤول حكومي لأية دولة.
تزامنت أربعة زيارات للعراق في مدة لا تتجاوز عشرة أيام، من وزراء خارجية أمريكا وفرنسا وأيران وملك الأردن، بعد زيارات عدة أجراها رئيس الجمهورية، سبقتها مشاورات للرئاسات الثلاث، وشملت مجموعة من الدول الأقليمية الفاعلة، في حين تذبذبت مواقف القوى السياسية تجاه كل زيارة، في إشارة واضحة الى عدم إنطلاق مواقف كثير من القوى السياسية، من مفهوم العمل المؤسسي.
تلك الأرضية المنقسمة، هيأت فرص مناسبة لتنامي الإضطهاد والإرهاب والفساد، ومن خلالها سلكت بعض القوى طرق الطائفية والقومية والحزبية، كذريعة لتبرير عملها خارج المؤسسة.. لكن الواقعية تقدم رؤية مخالفة، فلا يمكن للعراق مغادرة الخارطة وجواره الأقليمي، ولا بإستطاعته السباحة خارج المنظومة الدولية وصراعات القوى العالمية، التي تستخدم شتى وسائل الضغط، وإستثمار مختلف الفرص لخدمة دولها.
شهدت المنطقة تجارب عدة لم تثمر، كي تكون قاعدة إنطلاق ترسم ملامح المرحلة، ولم تتغيّر كثيراً بتلك الخرائط التي رسمت بعد الحرب العالمية الثانية، ولكن السياسات تفاوتت وغيرت من منهاج الدول، ووصلت الى قناعة إرساء مفاهيم الأنظمة، التي تحترم العلاقات المتبادلة بين الدول، ومن هذه العلاقات كل دولة تبحث عن مصالحها أولاً، والعراق خاض غمار مختلف التجارب وخرج الأقوى، في حين أن هناك دول أقليمية مهددة بالإنزلاق الى مصير مجهول، وهذا ما يتطلب من العراق تعزيز دوره الريادي، والإبتعاد عن الهامشية وإستعداء الدول.
ليس من حق القوى السياسية الإعتراض على الإجراءات الحكومية بوسائل الإعلام، فهناك طرق دستورية لذلك.. والتعددية لا تعني تفرق الموقف الدبلوماسي.
ويجب الإنتباه ان الحديث الإعلامي يكشف سرية مخططات الدول.. كما أنه وبالرغم من الإعتراضات الإعلامية الكثيرة، فكواليس السياسة تفرز غير ما يتحدثونه إعلامياً، وهذا يشير أما أن الإعتراض غير مدروس، أو أن الأغلبية موافقة، والإعتراض ورقة لكسب عواطف الشعب، بغض النظر عن التبعات.
الإعتراض والتظاهر عادة يكون من الشعوب على الزائر، لأن القوى السياسية ممثلة في البرلمان والحكومة، وهناك تدلي بمواقفها، ومصلحة الدولة مع الأغلبية وقبول الأقل المعترض، وإلاّ فأن الإعتراض مجرد إعلام لتشتيت مواقف الدولة وكسب لمشاعر الشعب.
إن إختلاف وجهات النظر السياسية داخل الدولة الواحدة، ناجمة من قصر نظر هذه الأطراف، أو تغليبها لمصالحها الضيقة على حساب الوطن، ويتجسد تشاؤمها من رفضها لبعض الزيارات وتأيدها للأخرى، والأسوأ عندما تتعامل هذه القوى إعلامياً مع الزيارات بنظرة طائفية، ولكن ذلك يدلل على شعورها بخطر سيلاحقها من فقدانها تلك الأوراق، التي تناغم مشاعر الجماهير وكسبها إعلامياً، ولكن كواليس السياسة تقول غير ذلك!
تشير كل الزيارات المتبادلة، الى إنفتاح عراقي على المحيط الأقليمي والدولي، مع شعور دولي لأهمية وإستراتيجية العراق، ونية الدول في بناء علاقات مع العراق، وأهمية مغادرة العراق من قوقعة الصراعات والإستعداء، بعد أن جرب العراق عقود من الحروب الخارجية والصراعات الداخلية، جراء إنقسام المواقف على فهم تعريف الدولة وعملها المؤسسي.
واثق الجابري